حول ترجمان الملك – سارة عبد الله محمد


السلام عليكم أستاذي د. عمر فضل الله

قرأت الرواية بتمهل وعايشتها وأحببت عمقها وتفاصيلها …. أعجبني أسلوبك الرائع ورصانة اللغة ودقة التصور والتصوير. جزيت خيراً أيها الراوي لموافقتك علي العودة لتروي، وليتنا نستطيع أن ننبش القبور ونجد حضارتنا

عذرا نيلنا العظيم علي طول الإنتظار  وصبرك  وأملك في أن يستنطقك أحد، وليس من مبالٍ..

نحن كما قال (سيس) بارعون في القضاء علي كل جميل …. تميزنا بالفشل في الحفظ علي قيمنا دعك من حضاراتنا

أين ذهب كل هذا يا (سيس) .. أين العاج والذهب؟ ، أين الأبنوس وريش النعام؟؟؟  وحتي الصمغ أبت الهشاب أن تبكيه بسخاء كما السابق.
Sara Abdalla1لي بعض الوقفات التي كان لها أثر في نفسي أذكر منها:

  • عايشت وصف تلك الحقبة من زنجية وإنفعالات وحب وهيبة وحضارة ورقي وقيم ، والذكريات …. جميلة ذكريات (سيس) عن جده (دلمار) ،،، وجميل لقاءه ب (سنجاتا) بعد كل تلك السنوات ،،، فذكرياتنا دائما تجرنا للماضي.
  • رائع وصف هيبة (دلمار) عند إستقباله للقافلة العربية بزعامة عثمان بن مظعون ، وفي صياغتك أنه رحب بهم بالعربية ، أحسست أن ماذكر هو عربي فصيح
  • عمتمصباحاً . أهلاً ومرحباً بكم، مَنْ القوم ومن أين قدمتم؟
  • ونعم القوم ونعمت البلاد ، أنا ” دلمار بن أرياط” ترجمان الملك النجاشي ” أصحمة بن الأبجر” ! نزلتم أهلاً وحللتم سهلاً.

وأن ما ذكر مختلف عن لغة باقي الرواية.

  • لفت إنتباهي ما صورته عن حياة (الزبير) في لقائه مع (سيس) وصداقته به، حيث عكس جانب آخر لحياة الصحابة بشكل مختلف عن ما قرأته دوماً عن الصرامة والحزم،، فهم يتسامرون ويمرحون ويلعبون.
  • ذكرت بتفصيل وعمق وصف (دلمار) الدولة ل (سيس) وفرض الكنيسة فسادها بإسم الدين والتعيين بالولاء وليس الكفاءة ، هو وصف مشابهه لحال دولتنا اليوم بخلاف خلووها حتي من ملك عادل أو رجل رشيد.
  • عصارة خبرة (دلمار) بوصاياه لحفيده هي بمثابة منهج لكل قائد، دبلوماسي ، سياسي وإستراتيجي ( إعمل في صمت – إفتح عينيك جيداً ، إشتر ولا تبع ، إسمع ولا تتكلم ، وضع نفسك مكان عدوك ، أنظر كيف يفكر واستبق الأحداث ).
  • وصف مكتب الترجمان يعكس المستوي الإداري الرفيع والسلطة التنفيذية بمعناها العميق لإحتوائه علي :

–         الإرشيف

–         مفاتيح إقتصاديات الدولة

–         المخاطر والمهددات

–         إدارة شؤون الأفراد بالقصر

–         المخاطبات والمكاتبات الواردة والصادرة

–         كتم الأسرار

سلطت الرواية الأضواء بعمق على كيفية نقل المعرفة من جيل لآخر، وضرورة الإهتمام والتفرغ للجيل الجديد وإعداده الإعداد الجيد لحمل الرسالة وأن كل ما تبذره سينمو يوما ويزهر ، كما أني أري ان الجهد المبذول في تربية أبناء الحسب والنسب وتربيتهم وتعليمهم بكفاءة ينتج منهم قادة مؤهلين أكثر من غيرهم للإدارة والقيادة، بخلاف حال قياداتنا اليوم الهشة ومستجدي النعم، ليحكموا بعقلياتهم القاصرة وأهوائهم الشخصية وقصر نظرهم وتفكيرهم ورؤاهم وبعدهم عن القيم والأخلاق وعن الزهد هو ما أضاعنا،، فأصبحنا في زمان يعاب فيه صاحب الأخلاق ونفخر بصاحب المفسدة.

  • رغم أن أصحمة هو أمير …. إلا أن وضعية الذل التي عاشها ووصفه لنفسه وهو عبد مباع ، يأكل كما يأكل الكلب، كانت نقطة تحول كبير في حياة الأمير أصحمة لتجسد أصحمة الإنسان العادل الذي لا يظلم أحدا. وهي الجزئية المكمله في إعداد وتنشئة القائد الحقيقي من وجهة نظري.
  • الأسلوب رائع وتصويري وعايشت الأحداث كأني جزء منها من لحظات الفرح والحزن، والخوف والترقب .. ومن أمثلة ذلك ترقبي عودة الزبير بالخبر اليقين عندما بدأت الحرب، وعندما لوح بثوبه وصاح بصوت قوي ونقل البشارة، قلت لا شعوريا : الحمد لله.
  • الرواية أجابت علي تساؤلات كثيرة، أهمها ما استغربته عن حضارات وقصص الأحباش والنجاشي وإيواء العرب المسلمين ، وأن أثيوبيا لا تزال بلداً مسيحياً ! ! !
  • صححت الرواية عدداً من الأحداث التأريخية الكبيرة التي كنت أعلمها بشكل مغاير.
  • علمت من الرواية بروعتها أن التاريخ والحضارة العظيمة والملك النجاشي هو إرثنا نحن،،،،، نعم هو نحن وليس سكان أثيوبيا
  • من الجيوش القوية ،،،، هؤلاء نحن
  • من عادات الزواج والختان والولادة والدخان النسائي ،،،، هؤلاء نحن
  • من أجواء الفرح وقرع الطبول والنحاس ،،،، هؤلاء نحن
  • من حسن الإستقبال والكرم ،،،، هؤلاء نحن
  • من السحر والسحرة ،،،، هؤلاء نحن
  • من إنصهار العرب المهاجرين لاحقا مع أهالي علوة ،،،، هؤلاء نحن
  • وثقت الرواية العديد من الأحداث المهمة والإرث الحضاري لحضارتنا كشعب
  • أحببت الرواية وأنا من من يتعلق ببعض الروايات التي أقرأها عادة  وأعاود قراءتها مرات عديدة … ومؤكد أني سأعاود قراءة هذه الرواية لمرات أخري.
  • أحببت دلمار وسيسي وتانيشا وأبيلو الغائب ، وحتي سيمونة الساحرة وأسرارها ، وفاق حد الوصف حبي وإعجابي بسليل الملوك ومجسد العدل والهيبة (أصحمة بن الأبجر)

 

قراءة نقديّة تحليليّة لرواية ترجمان الملك الأستاذ الأديب/ عبيد المجذوب


Alobaid_Majzoubفي تاريخ السودان فترات تستحق الوقوف عندها وكشفها لما فيها من أسرار وتعتيم، أو مسكوت عنها وبعض تاريخنا منسوب لغيرنا. بعضه طمرته الصحراء، وبعضه طمرته البحيرات سواء عن عمد أو عن جهل، وكلّ هذا يجب الوقوف عنده. وقد حاول روائيون معاصرون التعرّض لمثل هذا الشيء مثلما تعرّض له الأخ الصديق “الزين بانقا” في روايته (ثورة العبيد). و(زهرة الصبّار). والروائي الرائع “حمور زيادة” في روايته (شوق الدرويش) تعرّض لفترة دقيقة نهايه العهد التركي وبدايات الثورة المهديّة وفترة “عبد الله التعايشي” والفوضى التّي صحبتها. وكذلك الأخ الروائي الدكتور/ إبراهيم جبريل في روايته (رحلة الشركسي من الشيشان إلي شيكان). تعالج ذات الفترة من نهاية الحكم التركي وفترة المهديّة وحتّى نهاية عهد “عبد الله التعايشي”. والآن الروائي الرائع الدكتور “عمر فضل الله” في رائعته “ترجمان الملك” ….

• المقدمة عبارة عن مدخل لنبش مقبرة بـ”سوبا” وجعل الشابّ “سيسّي بن أبيلو بن دلمار” يستيقظ من قبره ليروى لنا حكايته، وهي لفتة تكنيكيّة ذكيّة من الكاتب شبيهة بلفتة “يوسف زيدان” حيث استحدث لفتة تكنيكيّة ذكيّة مدعياً أنّه عثر علي مخطوط قديم وهو لا يفعل شيئاَ سوى ترجمة المخطوط.

• لاحظت أنّ الرواية تحتاج لجرعة أكبر من اللغة الأدبيّة بدلاً من اللغة الأقرب للغة الإعلاميّة.

• الرواية المعاصرة بعيدة عن استخدام الزمن الخيطي المتتابع، لا بدّ من تكتيكات أخرى مثل الفلاش باك والحوار، والتقطيع وتداخل الزمن. وتداخل الأمكنة والرسم بالكلمات، والإهتمام بموسيقى المفردة والعبارة، واستعمال اللغة الصوتيّة حتّى تكون الرواية بحقّ هي (ديوان العصر) قادرة علي استيعاب كلّ الأجناس الفنيّة؛ من قصّة قصيرة ومسرح وشعر وتشكيل وموسيقى. • بناء الشخصيّات منتهى الروعة؛ مثل “دلمار” و”سنجاتا” و”تانيشا” كما أنّ الأسماء موسيقيّة وتجمع بينها علاقات حميمة ومدهشة.

• يجب أن يتذكّر الكاتب أنّه يكتب للمتلقّي العادي، وحتّى للمثقف العادي، لا للصفوة أو صفوة الصفوة؛ من غيرهم يفهم أنّ “سوبا” عاصمة الحبشة هناك قلّة قليلة جدّاً يدّعون أنّ الهجرة الأولى كانت للسودان “علوة” ربّما وليست للحبشة… مَن غير “عبد الله الطيّب” و”حسن مكّي” وأمثالهما يمكن أن يناصر هذه الإدعاءات؟ الإنسان العادي يعرف أنّ الحبشة شيء غير السودان..غير “علوة” وأنّ “النجاشي” ملك الحبشة وعاصمته غير “سوبا”، أنا أتفهّم قصد الكاتب جيّداً لكن ربما يجد هذا الوضع رفضاً من البعض؛ ربما يعتبرون أن تكون “سوبا” عاصمة الحبشة مجرّد هراء. بعض المثقفين الإرتريّين يدّعون أن المهاجرين نزلوا في “مصوّع” التي قطعاً كانت وقتها تابعة لـ”علوة” وكما يدّعي البعض أنّ أحد المهاجرين تزوّج من إرتريّة وأنجبا بنتاً سمّياها “زينبش” وأنّ إحدى حفيدات “زينبش” هذه اصطادت سائحاً روسيّاً تزوّجها وأنجبا طفلاً هو “بوشكين” شاعر “روسيا” الأشهر، وأنّ “بوشكين” يتفاخر دائماً بالدم الحبشيّ والدم القرشيّ الذي يجري في عروقه، وأنا أتفهّم التداخل بين “علوة” و”الحبشة” “علوة” تمتدّ إلي مناطق شمال غرب بحيرة “تانا” وجنوب شرقها حتّى “قندر” وأنّ “عيناتا” كان يسمّي نفسه ملك الحبشة وحضرموت وبلاد “تنهسو” يعني (الحبشة واليمن والسودان) لكن علي الكاتب أن يحسب مثل هذه الأمور حساباً دقيقاً في مثل هذه الروايات التّاريخيّة

• في الرواية المعاصرة ما يسمّي اللغة الإشاريّة؛ أن تستدعي أشخاص ومواقف وأحداث بلغة الإشارة دون استعمال أيّ تقرير؛ أن ينادي “سيسّي” أمّه : يا “ماكدة”! الكاتب هنا يستدعي “بلقيس” ملكة “سبأ” وكلّ الإشارات الحبشيّة أنّهم من نسل “بلقيس وسليمان” فـ”بلقيس” في “سبأ” يسمّيها العرب “ماقدة” لاحظ الإشارة الصوتيّة، لا فرق سوى لكنة الحبش. العلاقة الحميمة بين “سيسّي” و”الزبير” وإعجاب “سيسّي” بأخلاق العرب وصلاتهم ودينهم الجديد وإعجابه بزجر جدّه لرئيس الكهنة، وكون “سيسّي” مستشار “النجاشي” فيه إشارة ربّما لاعتناق “النجاشي” للإسلام دون أن يقرّر ذلك قولاً. • الإشارات الذكيّة والإستشهاد بآيات التوراة ما يفيد بقدوم “المسيّا” وحديث الساحرة “سيمونة” عن قدوم “شيلون” وأنّ “المسيّا” من خارج ملة اليهود وهو من أبناء “إسماعيل” أي العرب مما حدا باليهود لتزوير التوراة حتّي يكون النبيّ من أبناء “اسحق” وليس من أبناء ” إسماعيل” ونسوا أن يعدلوا (ابنك الوحيد) لأنّ “إسحق” لم يكن ابن “إبراهيم” –عليه السّلام- الوحيد عندها فـ”إسماعيل” أكبر من “إسحق” و(ابنك الوحيد) تعني “إسماعيل” وليس “إسحق” فأسقط في يد اليهود.

• حبّ “تانيشا” لزوجها الذي افتقدته وحسرة “سيسّي” على أبيه جميل هو إخفاء كيفيّة موت “أبيلو” إلي النهاية يشوّق القارئ أن يقرأ ويقرأ علّه يكتشف كيف مات “أبيلو” وكما يبدو لي فإنّ الكاتب تعمّد عمليّة الإخفاء كنوع من التكنيك الداعم لعمليّة التشويق والبحث.

• “ديمونة” والفتاة العربيّة التّي أرسلها والدها اليهودي “لبيد بن الأعصم” لتتعلّم السحر في “علوة” “سوبا” فيه إشارة ذكيّة للعلاقات بين العرب والسودان حتّى قبل الفتوحات الإسلاميّة.

• بعض الأحداث الغريبة مثل ذهاب الأمير “أصحمة” بن النجاشي مع الساحرات الصغيرات إلي جزيرة “التمساح” وكيف خدّرنه بـ”الخشخاش” وعبثن به، وزيارته للكنيسة وتقبيل الراهبات له وأنّ إحداهنّ قبّلته في فمه قائلة أنّ هذه قبلة مقدّسة، والغرف داخل الكنيسة ممنوع الدّخول فيها، وفي الكنيسة غرفة خاصّة بالساحرة “سيمونة” رغم عدائها لكبير الكهنة …إشارات لمعتقدات شعب “علوة” المتناقضة بين الوثتيّة والنصرانيّة. • مشهد الجولة في سوق العبيد مع “أبرهيت” ومن بعدها اختطاف الأمير “أصحمة” مشهد رائع مؤثّر تمّ رسمه بدقّة واحترافيّة شديدة … وتجارة الرقيق من القضايا المسكوت عنها في تاريخ السّودان، وقد أبدع الكاتب في كشفها وتصويرها وتعريتها.

• رحلة أصحمة مع العبوديّة كانت مدهشة لكن أن ينقذه “دلمار” كانت مفاجأة لي (تحسب للكاتب). • العادات والتقاليد وبعض الملابس تمّ عرضها بتقريريّة، يجب أن تأتي من خلال حياة النّاس العادية كأن تدعو “ناتيشا” إحدى العربيّات لحفرة الدخان ثمّ يأتي التعرّف عليها وهكذا. • الحوار بين كبير الكهنة وسيسّي أكبر من “سيسّي”. وعلي وجه العموم: الرواية جميلة… جميلة… جميلة!

ترجمان الملك لعمر فضل الله – مزيج من روعة التاريخ وأصالة أهل السودان – د. إيمان شريف


Iman Sherifكل مهموم بوطنه عليه أن يقرأ (ترجمان الملك) لعمر فضل الله

كما يقال دوما إن الحضارات تنمو وتزدهر علي ضفاف الأنهار .. أما نيلنا وأرضنا الخضراء مهد السنا فلم تكن أرض حضارات وحسب وإنما كانت تحولات في تاريخ البشرية والإنسانية كما تشير إلى ذلك رواية ترجمان الملك، إذ يستهل الكاتب روايته بنص استراتيجي بأن الرسول الكريم في دبلوماسيته ونظرته البعيدة اختار أن يؤمن ظهره إلى أن يستقر الحال بالدين الجديد، فقد كانت سوبا وعلوة أرض خير وفير وقوة كبيرة، فجنودها العنوج وإبلها البجاوية مصدر خطر .. ذات الإبل البجاوية والعنوج في عصور لاحقة صنعت لبلادنا مجداً تغني به أهل الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس (الفزي وزي fuzzy wuzzy ). فما كان لدى علوة من عز وسلطان لم يكن لدي بلاد العرب الذين كانوا يأتون مهاجرين. وكما أورد الكاتب في المقدمة أن كل ذلك كان من الدبلوماسية السلمية .. عندما قدم المهاجرون بدينهم من بطش أهلهم مكثوا وسط الناس فكسبوا عقولهم وقلوبهم (They won their hearts & minds) بحسن خلقهم وكما كان يقول أهل هذه البلاد إن القادمين على غير المعتاد ليسوا مثل من يأتون عادة للتجارة فأؤلئك كانوا أفظاظ وعندما يتأمل القاريء ويربط بين حديث المؤلف والراوي فكأنما فعلاً قد تم انتقاء هؤلاء المهاجرين لرسالةٍ ما.. كان لابد أن تصل السيدة التي تزوجها النبي من أرض علوة والتي سافرت بكامل عدتها وعزوتها وخدمها وحشمها وكان قد خطبها له النجاشي ودفع مهرها “يعني بالأصول” .. ربما ارتأى النجاشي أن في ذلك التحول خيراً له ولبلاده لذلك لم يمانع في أن يتزوج النبي من المهاجرين الذين في كنفه والذين هم من رعاياه وربما فكر النجاشي في أنه للمستقبل هذا الجوار الجديد وسيلة ما للافتكاك من النفوذ اليهودي/الروماني الذي كان يخنق بلاده ويهدد ملكه..

 كتب مسرحي بحريني موخراً عن عشقه لبلاد السودان فذكر أن أباسفيان لو كان قد توجه إلى بلاد (السودان) بدلاً من بلاد (البيضان) لازددنا رسوخاً وأصالة، تماماً مثل إنسان السودان ..

Torgoman_in_Winterشخصية الجد (دلمار) المستنير المتنور العارف المترقب المتواضع هي شخصية كل رجل سوداني يمشي علي قدمين. وطريقة نقل العلم الى حفيده (سيسي) ما زالت مثلما يحدث عندنا.. وكما قال الأديب الراحل الطيب صالح: “نحن قوم أنبياء”..

عندما صلى العرب في بيت (تانيشا) لم تكن ممارسه غريبة على أهل علوة فقد قالوا هكذا كان يصلي المسيح عليه السلام.. مجتمع سوبا أثقلته خطيئة الرق والاسترقاق والتي كانت تتم بإشراف الكنيسة وتهدد سلطان الملك والمجتمع. فأسرة سيسي كذلك كانت أحد ضحايا تلك التجارة البغيضة.

موخراً كتبت السيدة (فيرجس) الباحثة عن عهود تجارة الرقيق كتبت تقول إنه قد تم استرقاق ثلاثين مليون مواطن إفريقي وتم بيعهم في أوروبا وأميريكا ليبنوا ويعمروا للبيض مدنهم هناك وكان ذلك بموجب قانون وضعته الكنيسة .. كان ملك علوة قوياً ذا سلطان لكن القوى الروحانية الأعلى كانت تأتي من الكنيسة في الإسكندرية إذ كان ولاء الوزراء للسلطة الكنسية أكبر من ولائهم للملك. يقول فيكتور هوغو (إن العلاقة بين الملك ووزرائه مثل العلاقة بين الزوح وزوجته وعشيقاته، فالزوجة لا تعلم شيئاً أبداً..) مشهد النساء العربيات ومجالسهن يحكي كيف أن الاندماج والتوحد قد حدث بكل إخاء ومحبة بين أؤلئك المهاجرين ومجتمع سوبا فهم قوم التقوا وتحابوا في الله وهكذا فعلاً دخل الإسلام السودان.. مجلس النساء منذ ذلك الزمان ومشهده في الرواية ما زلنا نراه في مجالس أمهاتنا وجداتنا (حبوباتنا) ففي ترجمان الملك كانت النساء العربيات يملن إلى الجلوس والحديث بينما واقع نساء سوبا وعلوة  يختلف قليلاً إذ كانت النساء دوماً مشغولات.. ومجالس نسائنا اليوم وغداً تجمع بين هذا وذاك ففريق منهن ينصرف لتقاسم العمل وفريق آخر يجلس ليسامر ويتآنس ويحكي.. الرواية تحكي عن زينة النساء السودانيات في ذلك الزمان القديم (Sudanese ladies toilet) والذي بقي كما هو منذ ذلك الزمان وربما منذ زمان أقدم لم يتغير.. وذكر (التواليت) النسائي هو إشارة الى مستوى الرقي والحضارة التي كان يتمتع بها القوم وما زالت ذات الطقوس سارية كما يقول الفرنجة (nous sommes un pays à l’etat brut) (نحن كما نحن لم نتغير).. بلادنا كانت دوماً تأكلها الدسائس ويقع أهلها في الشرك.. مشهد المهددين لعلوة والذين كانوا يتجمعون لمحاربتها تكرر مراراً وتكراراً حتى في زماننا الحديث هذا وما زلنا نعيش تبعاته.. كان اليهود في انتظار ظهور النبي الحديد كما أخبرتهم التوراة وكانوا يتحسبون لذلك ولم يكونوا يعرفون في أي البلاد سيظهر فقد كانت هناك إشارات عامة ومبهمة للمنطقة التي سيظهر فيها لذا توزعوا ما بين اليمن والجزيرة العربية وأرض علوة والحبشة وفي داخل علوة نصبوا سمومهم فالساحرة الشريرة (سيمونة) هي نفس المشهد يتكرر في زماننا هذا ولو في صور وأشكال مختلفة. وبعدما ظهر الدين في بلاد العرب وعرفت الوجهة بدأوا في سحب الثروة وتجريد علوة مما لديها وما زال هذا يحدث..

 شجرة الحب بين (أبيلو) و(تانيشا) كأنما هي الشجرة التي أظلت سيدنا آدم وأمنا حواء عندما نزلا إلى الأرض.. وربما سوبا أو علوة هي حقاً أرض اللقاء فسوبا بكل تفاصيلها تشبه أرض اللقاء..

الرواية حدثت عن مشهدى حب بين (سيسي وسنجاتا) و (أبيلو وتانيشا) بعد عودة الغائب..

د. إيمان شريف – المملكة المتحدة