
عندما تكون القراءة متعة
رواية نيلوفوبيا (١)
للكاتب الروائي المبدع
الدكتور عمر فضل الله
فطرتنا الإنسانية السوية تستمتع بالحكي وتشبع رغباتها بمعرفة ما حدث وما يحدث وماذا سيحدث. غريزة بشرية لتقفي الأثر ومعرفة كيف يعيش الآخرون.
حب الاستطلاع ومتابعة الشخصيات في رحلة حياتها المليئة بالدموع والأفراح والأتراح والغوص معهم في بحار الحياة وسبر أغوار النفس البشرية ومعايشة الشخصيات عن طريق خلقها فتراها وكأنها من لحم ودم، تتحرك أمامك، تتأمل وتتأمل، تحب وتكره، تقبل وترفض، تتكلم وتصمت، تناور وتحاور.
شخصية بطل الرواية تراجيدية بامتياز، تراها في كل بلد عربي ترفض الواقع وتأمل لمستقبل أفضل. تحب وتأمل، تتألم ولا تقنع. تري واقعا سيئا، وتحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تغيره.
لما كان طفلا كان شقيا، لا لخلل فيه، وإنما لنمو نوازع الرفض للفقر والخنوع والضياع السياسي ومحاولة تغيير الواقع، ولكنه مع كل هذا شقي ببراءة، وسرعان ما ينصلح حاله.
ريشة فنان عبقري تري فيها كل عناصر الصورة بلا ضبابية ولا رتوش تجملها، حيث تشم رائحة الفقر والرفض والعناد لصبي عربي رافض لكل ما حوله.
رافض للضعف السياسي والفقر المدقع أملا في يوتوبيا أفضل.
ومع أنه سباح ماهر يموت رفيقه فيخاف النيل.
النيل رمز الحياة والأمل. يكرهه ويصير مأساته.
كل عناصر الصورة تتناغم مع حبكة درامية ببناء سردي سلس يتخلله حوار في غاية الجمال، ينفخ فيها فنان يجيد جعل القارئ يحبس أنفاسه لكل لحظة ويترقب ويتفرج مستمتعا.
أديب بارع بأسلوب متميز فرضه لنفسه، حيث لا يقبل التشابه ويتمرد علي البناء الأرسطي ويشيد بناء يبدأ فيه كلما اتخذ مكانه في بداية كتابته للرواية خلف مكتبه قائلا:
اللهم إني كاتب سأشدك معي أيها القارئ رغما عنك لتعيش متعة القراءة وسأستمتع معك لأننا في قارب واحد وبيئة واحدة قوامها الصدق وترابها الواقعية وعطرها المحلية وطعمها الإبداع.
ومن هنا تأتي عبقرية مدرسة عمر فضل الله، حيث ينجح لا في أن يريك شخصياته، وإنما ينجح في كشفك أمام ذاتك وتعرية روحك البشرية لتعيش في عالم من الطوباية وترحل معه في رحلة لا يجيد حكايتها غيره، لأنك تعيش عالمية الإبداع بروح مغرقة في المحلية، حتي في حوار الشخصيات ولباسها وسلوكها.
يأخذك الكاتب رويدا رويدا لتحلق بعيدا بعيدا في عالم الخيال والرومانسية والحب، إلي عالم الخير والحق والجمال بعد أن يغمسك في مستنقعات الواقع..
نيلوفوبيا (٢)
المتأمل في معظم أعماله تصيبه دهشة عظيمة عندما ينتهي من القراءة ويود أن يصفق إعجابا ويتساءل بانبهار:
كيف أمكنه أن يكتب هذا العمل العبقري؟!
سمة تميز أعمال عمر فضل الله:
يبدأ روايته من قلب المحلية فتشعر بالسودان وأهلها وتحس بأنك تري تاريخ هذا البلد العظيم، وبالرغم من إغراقه في المحلية، إلا أنه ينهي الرواية بشكل أقرب إلي العالمية، فيجذبك إلي الناحية الإنسانية التي تري الضعف البشري فيها مطلا برأسه حيث الألم والدموع والقهر…
uرواية نيلوفوبيا نموذجا…
قلم رائع وأديب مبدع ورواية عبقرية، والملفت للنظر أن الكاتب في هذه الرواية كشف قليلا وأخفي كثيرا تحت غطاء كلماته الموحية المؤلمة فتجد حقيقة أمورا كثيرة مسكوت عنها في النص.
عبقرية نيلوفوبيا تتجلي في أن الكاتب قال كثيرا برغم من أن كلمات الرواية وصفحاتها قليلة، إلا أنه ألهمك كثيرا بما أضفاه علي الرواية وخصوصا في الجزء الأخير من أهوال ورعب وفزع يجعلك تبكي كل شخصيات القصة وتتساءل في هلع:
هل ما أقرأ حقيقة أم خيال؟!
رواية يتجلي فيه الضعف البشري أمام عظمة الطبيعة وإرادة الخالق!!
باختصار إنها رواية عالمية بأسلوب مغرق في المحلية مع بطل تجد له أكثر من نظير في ظل أنظمة عربية مقهورة مقموعة…
تحياتي لنيلوفوبيا ألف مرة وخالص شكري وتقديري عشرات الآلاف من المرات لمبدعها الكاتب الملتزم المهموم بقضايا وطنه وأمته والمدافع عن آمالها والسارد لآلامها والمبشر بأنوار الأمل لأجيال من البسطاء الضعفاء المهمشين في عالم عربي عظيم يتم إهمالهم والتنكيل بأحلامهم علي الرغم من قدراتهم اللانهائية وحقهم في العيش بحياة أفضل بكثير من واقعهم الأليم بالرغم من امتلاكهم لمقومات هذه الحياة التي يستحقونها…