حوار/ عائشة محمد عسيري
من بلاد الطيّب صالح، ومن على ضفاف النيل الأزرق، نبتت موهبة غنية بالإبداع، والتميز، كما تنبت الزنابق، وتتفتح. حفظ القرآن، وأنشد الشعر، وأولع بالتاريخ، والحكايات، والأساطير. كل ذلك، أثمر لنا مبدعاً بشكلٍ استثنائيٍ مدهش.
ضيف حوارنا لهذا العدد هو الروائي، والشاعر، والمؤرخ السوداني، الدكتور/ عمر فضل الله.
في مستهل هذا اللقاء يسعدني أن أرحب به، وأن أشكره أن أتاح لنا فرصة محاورته ، ونبدأ معه حوارنا لهذا العدد.
- نبذة تعريفية عن الضيف.
– دكتور عمر، هلا أعطيتنا نبذةً تعريفيةً بك؟
_ ولدت عام 1956 بقرية العيلفون على ضفاف النيل الأزرق ونشأت فيها. حفظت القرآن، والشعر، وقرأت الأدب منذ الصغر.
كنت متفوقاً في جميع المراحل الدراسية، ومن الأوائل في المراحل الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، ومن المتفوقين في الجامعة.
اجتزت امتحانات الشهادة الثانوية بتفوق، وكنت من العشرة الأوائل.
التحقت بجامعة الخرطوم عام 1976، فأمضيت فيها سنة واحدة، ثم غادرتها بسبب الاضطرابات آنذاك، وعدم استقرار الدراسة، فسافرت إلى المملكة العربية السعودية لأكمل تعليمي الجامعي.
حصلت على منحة دراسية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وفيها نلت درجة البكالوريوس بدرجة امتياز عام 1980 – 1981
التحقت بجامعة كاليفورنيا لوس انجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1981، حيث نلت درجتي الماجستير، والدكتوراة عام 1987.
عملت بالمملكة العربية السعودية حتى عام 1991.
عملت محاضراً بالجامعات السودانية، ومؤسساً لعدد من مؤسسات، ومراكز البحوث، والدراسات.
أسست مركز الدراسات الاستراتيجية، والمركز القومي للمعلومات بالسودان، وأسهمت في إنشاء المكتبة الوطنية السودانية.
هاجرت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1996، حيث عملت مديراً لمشاريع تقنية المعلومات، وأنظمة الحكومة الإلكترونية بأبوظبي.
المؤهلات الأكاديمية:
دكتوراة علوم الحاسب الآلي تخصص نظم المعلومات جامعة كاليفورنيا لوس أنجلس 1983 – 1987
ماجستير علوم الحاسب الآلي (نظم المعلومات) جامعة كاليفورنيا لوس أنجلس 1981 – 1983
بكالوريوس الإعلام والاتصال جامعة الملك عبد العزيز جدة 1976 – 1980
المؤلفات
مؤلفات باللغة العربية:
موسوعة، ومعجم مصطلحات الحاسوب – الهيئة العليا للتعريب – الخرطوم 1994
مجموعة بحوث وأوراق عن التعريف بالشبكة الدولية (الانترنت) 1992 – 1998
دليل أنظمة المعلومات والشبكات في افريقيا. 1995
مجموعة أوراق عن أنظمة المعلومات ضمن أعمال مؤتمر الشبكة القومية للمعلومات بالسودان. 1994
مناهج وكتيبات ومحاضرات لطلبة علوم الحاسوب في جامعة السودان وجامعة الخرطوم وغيرها. 1994
حرب المياه على ضفاف النيل – حلم اسرائيل يتحقق – دراسة عن سد النهضة الإثيوبي وآثاره – دار نهضة مصر 2013
ترجمان الملك – رواية – دار نهضة مصر 2013 (تجري ترجمتها إلى 7 لغات عالمية)
أطياف الكون الآخر – رواية – دار الياسمين – إمارة الشارقة 2014 (تجري ترجمتها إلى 7 لغات عالمية).
زمان الندى والنوار – ديوان شعر – جدة 1990
زمان النوى والنواح – ديوان شعر – ابوظبي 2009
تحقيق كتاب تاريخ وأصول العرب بالسودان للفحل الفكي الطاهر – دار المصورات للنشر – الخرطوم 2015
نيلوفوبيا: رواية – دار مدارات للنشر – 2016
أنفاس صليحة: رواية – دار مدارات للنشر 2017 (الرواية الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الرابعة 2018)
تشريقة المغربي : (الرواية الفائزة بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الثامنة – 2018)
ذاكرة الأرض: مخطوطة رواية
رؤيا عائشة: مخطوطة رواية
الحيتان لا تطير إلا في سماء برمودا: مخطوطة رواية
نافذة في سماء الكهرمان: مخطوطة رواية
مؤلفات باللغة الإنجليزية:
Automated Libraries 1983
RDBMS on Small Scale Computers. 1987
Fundamentals of Strategic Planning. 1991
The Future of Information Network Systems in the Sudan. 1992
- بَدَأْتُ نظم الشعر مبكراً، لكن تَأخرتُ في كتابة الرواية.
– متى بدأ د/ عمر فضل الله مشواره الأدبي؟
_ بدأت مشواري الأدبي مبكراً في الابتدائية، حين ألفت القصائد، بعدما حفظت الشعر الجاهلي، واشتهرت بكوني شاعر الفصل، ثم شاعر المدرسة، ثم عرفني زملائي الطلاب في جميع المراحل، بكوني شاعراً.
لكن كتابة الرواية، جاءت متأخرة بعد الأربعين! ولبداية كتابتها قصة، فقد نظرت فيما كتبه كثير من الروائيين، فوجدت أن أعمالهم بعضها إسقاطات لسيرة حياتهم، أو سردٌ لواقع مجتمعاتهم، ونظرت أيضاً، فرأيت أن البعض كتب الرواية من أجل إمتاع القارىء، أو زيادة حصيلته في اللغة. وكثيرون كتبوا في الأسطورة، أو الروايات التاريخية، لكنّي لم أجد من كتب رواية معرفية؛ تقدم للقارئ معرفة حقيقية عن التاريخ، والجغرافيا، والأدب، وعلم النفس، وغيرها من المعارف، فعزمت أن أقدّم للقارئ الرواية المعرفية.
- حفظ القرآن، أثر على أعمالي الأدبية لاحقاً.
–من خلال البحث في سيرتك الموفقة، عرفت أنك حفظت القرآن في سن مبكرة. مامدى تأثير ذلك على مسيرتك الأدبية، والعلمية؟
– القرآن نعمة من الله لمن يحفظه، فهو يغير حياته، ويرقّي فهمه، ويصقل معارفه. فقد كان حفظ القرآن في هذه السن حافزاً لي، أثرى مفردات اللغة عندي، ووجدت أن في القرآن الكثير من القصص، والحكمة، والعلوم والمعارف، وأبواب العلوم، فلما شرعت في كتابة الأدب، كان القرآن قد زودني بحصيلة لغوية، ومفردات أدبية، وفهم للحياة، وانعكس ذلك على أعمالي، ومؤلفاتي سواء في الأدب، والرواية، والشعر، أو في غير ذلك من الأعمال العلمية.
- روايتي (ترجمان الملك)، تستحق جائزة نوبل.
– بلاد الطيب صالح عبقري(الهجرة إلى الشمال)، هل نراها تُخرج لنا روايةً خالدةً، في القرن الحادي والعشرين، مماثلةً لرواية الطيب صالح، والتي صُنفت من ضمن أعظم مئة رواية في القرن العشرين؟
_ كنت قد كتبت رواية (ترجمان الملك)، ونشرت عام 2013م؛ لكنها لم تنتشر بالقدر المطلوب، وحينما انتبه الناس إليها مؤخراً، أنصفها النقاد أيّما إنصاف، فقد قدمت حولها أوراق المؤتمرات العلمية، وقال أحد النقاد، وهو الدكتور صبري زمزم: (ترجمان الملك حالة فريدة في الرواية العربية، لا يجرؤ أي أديب مصري أن يكتب بالطريقة؛ التي كتب بها عمر فضل الله في ترجمان الملك، فقد سار فوق الخطوط الحمراء، وعبر دون أن يمسها. عمر فضل الله تفوق على السوداني الطيب صالح، والمصري نجيب محفوظ. ترجمان الملك تستحق نوبل.) وكتب عنها كثير من النقاد، وهي رواية تحكي أحداث الهجرة الأولى للصحابة الكرام إلى الحبشة.
*استحقت أعمالي الفوز بجوائز عالمية.
– الشعر بالنسبة لك موهبةٌ فطريةٌ، وقد نظمته منذ المرحلة المتوسطة، لكن الرواية فنٌ يحتاج إلى الكثير من الجهد، والإبداع لدى الكاتب؛ لينجح فيه، فكيف استطعت أن تنجح في كتابة الرواية، وأن تبدع فيها إلى حد الفوز بجوائز عالمية؟
– قدمت في أعمالي الروائية شيئاً جديداً، من حيث النظرية؛ فقد قدمت نظرية (الرواية المعرفية)، وكتبت في مناطق مجهولة في أعماق افريقيا، وجمعت بين الحقيقة، والخيال، والأسطورة، وكتبت بلغة قال عنها النقاد، إنها لغة سامية متميزة. كنت أكتب الرواية بوجداني؛ فأعيش شخوصها، وأحداثها، لأروي بلسان كل واحد منهم ما أحس به، وأنا أتقمص شخصيته، فجاءت أعمالاً صادقة، استحقت الفوز بالجوائز العالمية.
- أتنقل بين الشعر والرواية والحاسب.
–من يغلب على الدكتور عمر فضل الله، الشعر، أم الرواية، أم التاريخ، أم علم الحاسب الآلي؟
– بدأت بالشعر، وقرأت التاريخ، فساعداني حين كتبت الرواية. واستعنت بما تعلمته في مجال الحاسب الآلي، على أن أقدم أعمالي للناشر مجموعة، ومدققة، وجاهزة للطباعة. حين تتقمصني روح الشاعر، أقول الشعر، وحين أنشط لكتابة الرواية، أتحول سارداً، وبين هذا، وذاك، أعمل في مجال الحاسب الآلي، وتقنياته.
- القصة تزاحم الرواية
–هذا العصر، هو عصر الرواية بامتياز، هذه هي المقولة السائدة في الأوساط الأدبية الآن، فهل تتفق، معهم على صحة ذلك؟ ولماذا حظيت الرواية بكل هذه الحفاوة أكثر من الشعر، والقصة، سواءً لدى الكُتَّاب،أو القراء؟
– ربما قيل إن هذا عصر الرواية، لكثرة كتاب الرواية، وانتشارها، وتقلص مساحة الشعر، لدى أهل العربية، إلا أن القصة تزاحم الرواية أيضاً، فكثير هم كتاب القصص في هذا الزمان، والبعض منهم، ينشر القصص في مواقع التواصل الاجتماعي. أما الشعر فلا يحسنه إلا من أوتي ملكة كتابة الشعر، وعرف الروي، والوزن، والقوافي والعروض، وهم قلة في هذا الزمان. وقل متذوقو الشعر الفصيح.
- إذا لم تقدم الجديد، فلا تكتب الرواية.
–متى يستطيع الكاتب الاتجاه إلى كتابة الرواية؟ وماهي شروط كتابة رواية ناجحة؟
_ كثيرون اتجهوا في هذا الزمان لكتابة الرواية، لكني دائماً أذكر نصيحة أحد النقاد حين قال: إذا لم تستطع أن تقدم للناس الجديد، المفيد، بلغة راقية، ورسالة واعية، ومعالجة عالية؛ تحقق المتعة للقاريء، فينشغل بروايتك عما حوله، ومن حوله، حتى يفرغ من قراءة عملك، ثم يرغب في إعادة الكرة، بعد المرة، ويخرج في كل مرة بفائدة جديدة، وفهم مختلف، ثم يأسف أنه وصل نهاية الرواية بهذه السرعة، فدع كتابة الرواية، فإنك لست من أهلها.
- (تشريقة المغربي) تاريخ حقيقي.
– كيف نجحتَ في توظيف التاريخ في بلادك، في كتابة رواياتك مثل(تشريقة المغربي)، بالرغم من أن الخيال عنصر هام في كتابة الرواية؟
_ مزجت بين الخيال، والحقائق التاريخية، لأطرح أسئلة في فجوات التاريخ؛ توقظ عند القاريء توق العودة لقراءة المجهول من تاريخنا، أو المنسي، والمسكوت عنه. وهكذا تكون الرواية، قد أدت أحد أغراضها، فالرواية لا تحكي تاريخاً، وإنما تحبّب القاريء في قراءة التاريخ. (تشريقة المغربي) -على سبيل المثال- تناولت الهجرة المغاربية نحو المشرق إلى بلاد السودان، فكتبت عن تاريخ حقيقي، من خلال شخوص، وأحداث متخيلة.
- الحقيقة والخيال في شخصيات رواياتي.
–الشخصيات عنصر أساس في الرواية، فمن أين تستمد كل تلك الشخصيات الموجودة في رواياتك؟
_ بعض شخصياتي حقيقية؛ عاشت حياة حقيقية، وتناقل قصصها الناس، جيلاً بعد جيل، وبعضها متخيل من واقع الأحداث، والتاريخ، والمجتمع القديم؛ الذي كتبت عنه. الأشخاص في رواياتي يؤدون أدواراً معينة، لأقدّم عبرهم رؤيتي في الحياة، والتاريخ، وأتحدث -عبرهم- مع القارىء، فهم مجرد وسيلة، وليسوا غاية.
- ( راوي الأسطورة).
-ما نسبة الأسطورة في رواياتك؟وهل تأثرت في ذلك بالثقافات الأجنبية، أم أنها مستمدة من الأساطير في السودان فقط؟
_ لا تكاد رواية من رواياتي، تخلو من الأسطورة، وهي الحكي الشعبي، المتداول، والمتناقل في المنطقة، لكن الأسطورة عندي؛ هي أداة من أدوات التشويق قراءة الرواية. ثم إنّي اَستخدمها لأحدّث القارىء بالمسكوت عنه، أو الممنوع في المجتمعات القديمة؛ التي أكتب حكاياتها، وأسرد واقعها. لم أتأثر في كتاباتي بأي ثقافة أجنبية، رغم أني قرأت الكثير من الأدب العالمي، شرقيه وغربيه. فما عندنا من أساطير محلية، يكفي ويزيد. بل إن كل ما سردته من أساطير، منحصر في منطقة واحدة، في وسط السودان، لدرجة أن بعض النقاد أطلق عليَّ مسمى: (عمر فضل الله راوي الأسطورة).
- هذا ماتناولته روايتي ترجمان الملك.
– روايتك (ترجمان الملك)، حدثنا عنها قليلاً لو سمحت؟
_ هي أول أعمالي الروائية، وقد نشرت عام 2013 م، فهي تجمع بين الخيال، والحقائق التاريخية في قالب إبداعي، وتروي قصة حياة الشاب سيسي بن أبيلو، ذي الستة عشر ربيعاً؛ الذي نشأ في العام 600 للميلاد في منطقة الحبشة القديمة، بوسط أفريقيا، وعاصر الأحداث العاصفة؛ التي شهدتها السنوات الأولى من القرن السابع الميلادي، وعاصر وفود العرب القادمين من مكة للاحتماء بالدولة المسيحية، والنجاشي، ثم الصداقة التي نشأت بينه وبين أحد الشباب العرب القادمين من مكة (الزبير). كما يروي حكاية جده (دلمار بن أرياط)؛ الذي كان يعمل ترجماناً للملك النجاشي، ويسرد صوراً لممارسات تجارة الرق، وبيع العبيد في ذلك الوقت، من خلال مذكرات الملك النجاشي الصغير. وتعكس الرواية الصراع الفكري؛ الذي كان يدور في ذلك الوقت بين الكنيسة، والقصر من خلال حوارات (دلمار) ترجمان الملك مع الكاهن أنطونيوس أسقف الكنيسة في سوبا، والحوارات بين الكاهن أنطونيوس، والشاب سيسي، وبينه وبين الملك النجاشي.
كما تضمنت حوارات الملك مع وفود العرب القادمين من مكة، ووصفت قصر الملك، والكنيسة، والبيوت، والمباني والأسواق في سوبا، وأنماط الحياة، وسبل العيش، والتجارة في مجتمع (سوبا)، ومكونات البيت الأفريقي القديم في مملكة علوة، وواقع المجتمع المسيحي في سوبا، وهيمنة السحرة على بعض جوانب الحياة.
تميزت الرواية، بأنها تناولت بقعة مجهولة من أفريقيا، لم تنل حظها من الاهتمام، كما سلطت الأضواء على إحدى الممالك المسيحية الأفريقية القديمة، وسبل العيش، وأنماط الحياة، والشخصية الأفريقية بجاذبيتها وسحرها.
- أنا مستعد للمغامرة.
–هل الفانتازيا أسهل توظيفاً، أم التاريخ بالنسبة لك في كتابة رواياتك؟
_ كلاهما صعب، عسير؛ فالفانتازيا التي أكتبها مستمدة من حقائق علمية، وليست خيالاً محضاً، ولذا فكأني أمشي فوق الشوك، أو حقل من حقول الألغام؛ لكوني أقدم للقاريء حقائق، ومعلومات علمية، جديدة عليه، ولكن في ثوب روائي، وكذا توظيف التاريخ في الرواية. فأنا لا أكتب تاريخا، وإنما أدخل في فجوات التاريخ غير المدون؛ لأثير أسئلة تحفز القاريء للعودة لقراءة التاريخ، وهذا أمر محاذيره أكبر من فوائده؛ فهو إن لم يجلب السخط على الكاتب، فلن يسلم من القدح في أعماله. لكني مستعد عند كل عمل من أعمالي، لخوض المغامرة ومواجهة عواقبها.
–كيف أفدت من شغفك، وتمكنك من علوم الحاسب الآلي، في مشروعاتك الأدبية؟
– مجال الحاسب الآلي، هو أحد المجالات الممتعة؛ التي تقدح الخيال، وتبقي العقل نشطاً، وتفتح آفاق المشتغل بهذا العلم، فبقائي أمام الحاسب، حفزني لقراءة المكتبة الإلكترونية، كما أنه أتاح لي جمع أعمالي، وتدقيقها ثم نشرها.
- البيئة في السودان لاتساعد على كتابة العمل الروائي.
–بحكم عملك في الإمارات، هل ترى أن البيئة فيها كانت مساعدةً لك، ومحفزة للكتابة الإبداعية أكثر، أم أن البيئة في السودان كانت أكثر تأثيراً، وتحفيزاً لك؟
_ لم أكتب أياً من أعمالي الروائية داخل السودان؛ بل كتبت الشعر حين كنت طالباً، وذلك انفعالاً بما حولي من أحداث في حينها، ثم كتبت الرواية حين كنت في المهجر، سواء كان ذلك في الدول العربية أو الغربية، فالبيئة في السودان لا تساعد في كتابة العمل الروائي، غير أن وجودي في الإمارات، وفر لي بعض الوقت للكتابة؛ بحكم طبيعة عملي هناك.
- أكتب الرواية…وكتابتها تحتاج طقساً معيناً.
–هل لديك طقوس معينة في كتابة الرواية، أو الشعر؟
_ كثيراً ما أجلس على الأرض للكتابة. الكتابة عندي هي عمل، أنغمس فيه بكل مشاعري، فأغيب عن دنيا الناس، وعما حولي، ومن حولي. حين أكتب الرواية؛ فكأنما يملي علي طيف، فأكتب دون توقف. الرواية تكتمل في عقلي، وخاطري قبل أن أكتب حرفاً واحداً. اَحتشد لكتابة الرواية بالقراءة في المجال الذي أريد أن أكتب فيه، وربما أقرأ أشهراً طويلة، قبل أن أكتب حرفاً واحداً. مشروعي الروائي المعرفي، كأنه رواية واحدة طويلة، ممتدة عبر الزمان، فقد كتبت عن تاريخ قديم منذ ما قبل مجيء الإنسان إلى الأرض، وكتبت عن تاريخ الحياة على الأرض، وكتبت عن المستقبل. فهذا النوع من الكتابة؛ يتطلب طقساً معيناً، هو الخروج عن دنيا الناس، والدخول في عوالم الكتابة.
- الروائيون السودانيون مظلومون دولياً بشدة.
– ما الذي يميز الرواية السودانية عن نظيراتها في الدول العربية الأخرى؟ وهل نالت ما تستحقه من الحضور، والبروز في المحافل الخارجية؟
_ الرواية السودانية في معظمها، تكتب عن أماكن، وعادات، ومجهولة لدى القاريء العربي، وهذا النوع من الغموض يمنحها بعض التميز؛ الذي يوجد الرغبة لدى القاريء في متابعة القراءة، إضافة لندرة الروائيين السودانيين، وبذلك تأتي أعمالهم متفردة. الرواية السودانية ظلمت ظلماً مبيناً، وكذا الروائيون السودانيون لم يجدوا حظهم في المحافل الدولية، إلا أقل من القليل.
- مقومات الرواية المستحقة نيل الجوائز .
– برأيك متى تكون الرواية روايةً ناجحةً، ومميزة، ومستحقةً للمنافسة على الجوائز؟
الرواية الناجحة؛ هي التي تعالج موضوعاً هاماً في حياة القاريء، وتشد اهتمامه، وتجذب انتباهه، وتحفزه لمواصلة القراءة، وتحتوي على حكايات ممتعة عبر أبطال، ينجح الكاتب في تمييز هوياتهم، وشخوصهم، وتعريفهم، وتجسيدهم؛ وكأنهم حقيقيون، يعيشون مع القاريء في بيته، أو شارعه، أو مجتمعه المحلي، حتى لو كانوا شخصيات وهمية من صنع خيال الكاتب، وذلك من خلال الحوار، الحبكة، التشويق، الاستحواذ على الانتباه، الصراع، والعقدة ثم الحل. وكل ذلك بأسلوب جميل، سلس في السرد، ولغة رصينة. الرواية التي تستحق المنافسة على الجوائز؛ هي الرواية المكتوبة بأسلوب أدبي جميل، ولغة سامية عالية، وعبارات جذابة، ومعالجة فريدة، وموضوع جديد؛ ذي فائدة للقاريء.
- تلاقح الثقافات…بفضل الإنترنت.
– نرى في الآونة الأخيرة أن الرواية العربية، بات لها حضور قوي في معظم الجوائز الدولية الكبرى. إلامَ تعزو ذلك؟.
– انفتاح العالم العربي على العالم، وتلاقح الثقافات، وعصر التواصل، والاتصال من خلال الشبكة الدولية، والمعلومات الرقمية، قرّب المسافات بين الثقافات، والشعوب، فصار من الممكن للرواية العربية أن تنافس على الجوائز، وقبل ذلك أصبح الروائي العربي جزءاً من المجتمع الدولي، في حين لم يكن الأمر كذلك، ما قبل عصر الانترنت.
- القصة القصيرة تنافس الرواية.
–هل تعتقد أن الرواية ستظل محافظةً على صدارتها أمام الألوان الأدبية الأخرى، كالقصة، والشعر؟
_لكلٍّ ذائقته، فهناك رواد للقصة، وآخرون للشعر، لكني أعتقد أن القصة القصيرة، بدأت تنافس الرواية في الصّدارة، وذلك لأن شباب هذا اليوم، وقراء هذا العصر، لا يصبرون على قراءة الروايات الطويلة؛ فتشدهم القصة القصيرة، يقرأونها في محطات المواصلات، أو في الطريق إلى العمل، أو الدراسة. ثم إن القصة القصيرة تعالج موضوعات متعددة، ومتنوعة، وذلك يثير فضول القاريء في كل مرة؛ لاكتشاف أبطال جدد، وحكاية مختلفة، وذلك على العكس من الرواية؛ التي يمتد شخوصها عبر عشرات، أو مئات الصفحات.
*كتابة القصص القصيرة أصعب من كتابة الرواية، عكس مايعتقد الكثيرون.
–الانتقال من كتابة القصص إلى كتابة الرواية. أَقد يؤثر ذلك على جودة الرواية، وتميزها؟ وهل من السهل فعل ذلك؟
– في تقديري، إن كتابة القصص القصيرة أصعب من كتابة الرواية؛ فالرواية تتيح مجالاً أرحب، لانطلاق فكر، وقلم الكاتب، ليتمدد بخياله حيث يشاء، وكيفما يريد، بينما العدد المحدود من الكلمات؛ لكتابة القصة، وكذلك الشخوص، والمساحة الضيقة؛ تجعل كتابة القصص القصيرة مغامرة صعبة، لمن يجرب هذا النوع من الكتابة، ولذا ينجح فيه القليل، وذلك على العكس من الاتجاه الشائع لدى الناس، أن الأدباء ينبغي أن يبدأوا بكتابة القصة، أو القصة القصيرة، قبل أن يكتبوا الرواية.
- العبرة بالعمل الروائي، وليس بشخص الروائي.
– لو كنت سترشح روائياً عربياً، أو روائيةً، لنيل جائزةٍ عالميةٍ في كتابة الرواية، من كنت ستختار لترشحه؟
– العبرة هي في العمل الروائي، وليس في شخص الراوي! وبذلك، فلو كنت سأرشح، فسوف أرشح أعمالاً روائية عديدة، لعدد من الكتاب، وليس روائياً واحداً بعينه.
- كتابة الأنثى تختلف عن كتابة الذكر.
–هل ترى أن جنس الكاتب( ذكر، أو أنثى) ، قد يؤثر في قوة، وجمال، وأسلوب، وتميز الرواية؟ أم أنه لا فرق في ذلك؟
_ كتابة الإناث، تختلف عن كتابة الذكور، فالأنثى تهتم بالشخوص، بينما الذكور يهتمون بالتفاصيل، والأنثى تكتب كثيراً في المشاعر، بينما الرجل جوّاب، آفّاق، يكتب في كل شيء، والأنثى تلميحية، والرجل تصريحي مباشر…وهكذا. وذلك نابع من فطرة كل منهما، بينما تصقله المعرفة، ومستوى التعليم، والمجتمع المحيط، والمعرفة باللغة، وغير ذلك.
- انتظروا ( رؤيا عائشة، و نافذة في سماء الكهرمان) .
– ماهو مشروعك الأدبي القادم، هل يمكن أن تطلعنا عليه؟
_ أكتب روايتين إحداهما (رؤيا عائشة)؛ وهي عن الحياة الشخصية لمحمد احمد المهدي، برواية (عائشة) إحدى زوجاته، والرواية الأخرى هي (نافذة في سماء الكهرمان)، وهي فانتازيا علمية؛ تقوم على ما يطلق عليه فيزياء الكم، وتكتب عن الانتقال للعوالم الأخرى، الموازية، والسفر في الزمن إلى الماضي، أو المستقبل، وعن العالم بعد ألف عام من زماننا هذا.
- هذا الشخص أنصحه بعدم كتابة الرواية.
–هل لديك نصيحة تقدمها للروائيين الشباب، أو لمن يود اقتحام عالم الكتابة الروائية؟
– اللغة السليمة، هي أول ما ينبغي أن يبدأ به من يود الدخول في عالم الرواية؛ فهي الأداة؛ التي سوف يستخدمها، لنقل أفكاره للناس، وهي بمثابة الأداة الأساسية لأصحاب الحرف، فمن يخطيء في الإملاء، ويتعثر في اللغة، ولم يقرأ الأدب العربي، فلا أنصحه بالكتابة. إن كثرة القراءة في اللغة، والأدب؛ تفتح آفاقهم، وتمنحهم ملكة الكتابة، وأدواتها. فمن لا يملك ناصية الأداة؛ التي يعمل بها، كيف يمكنه أن يتقن عمله؟ هذا ما لا يستقيم.
*كلمة الختام.
– د.عمر لديك مساحة مفتوحة، لقول كلمة أخيرة توجهها لمن تشاء، فماذا ستقول؟
ختاماً أقول: إن كل إنسان يمتلك موهبة في مجال من المجالات، فالبعض منا يعرف ذلك، ويوظفه، وكثيرون لا يعرفون أين هو مكمن الإبداع عندهم، فليبدأ كل منا بمحاولة اكتشاف موهبته، ولا يستحي أن يجرب، فإن عالجت أمراً، ولم تستطعه، فاعلم أنه ليس مجالك وجاوزه إلى ما تستطيع، فسوف تكتشف موهبتك يوماً ما، وتبدع للناس فيها.
وفي نهاية حوارنا هذا، أتقدم بالشكر الجزيل لضيفنا الكريم، راجيةً له دوام التوفيق والإبداع.
رابط الحوار: