متعة القراءة وأفضل الروايات مع عمر فضل الله


كتاب الأستاذ صلاح عمر الشيخ:
طالت (الحبسة). الالتزام ضروري وصعب جداً. كان لابد من الاستفادة من الوقت والعودة للقراءة التي لم تعد كما كانت قبل انتشار الانترنت الذى سهل علينا كثيراً وتدفقت المعلومات بسهولة ويسر. العالم كله أصبح أمامنا عبر جهاز صغير، لو قيل لنا فى السبعينات إن ذلك سيحدث لاعتبرناه خيالاً علمياً غير ممكن.

متعة القراءة أصبحت ممكنة في أي وقت، إلا أن متعة البحث عن كتاب في معارض الكتب والمكتبات لم تعد جاذبة.والبقاء فى البيت أتاح لنا العودة للقراءة،

أفضل الروايات:
========
خلال هذه الفترة التي تجاوزت الشهرين قرأت العديد من الروايات لكتاب نعشقهم ولا نمل إعادة قراءتها: الطيب صالح، غابريل غاريسا ماركيز.

توقفت عند سلاطين باشا والسيف والنار واكتشفت كتاب جدد: عبد العزيز بركة ساكن فى امرأة من كمبو كديس، وحجي جابر الكاتب الارتري فى سمراويت.

أما صديقي الدكتور عمر فضل الله ذلك الروائى الرائع القادم بقوة والحاصل على جوائز قيمة جائزة الطيب صالح و كتارا عن راويته أنفاس صليحة وتشريقة المغربى، فقد قرأت كل ما أنتج وهى: ترجمان الملك، وتشريقة المغربي، وأنفاس صليحة، ونيلوفوبيا، ورؤيا عائشة، وفى انتظار القطار، وأطياف الكون الاخر.

دكتور عمر فضل الله كاتب بارع يمكن أن يكون امتدادا وخليفة الطيب صالح لأسلوبه السلس وعباراته الرشيقة. يتميز فى سرده الروائي الممتع باستدعائه للتاريخ، فهو كما نقول بالعامية (حكاي) يجذبك كما الحبوبات زمان لحكاياته والتى يحول فيها الأحداث التاريخية إلى رواية ممتعة وشخصيات حية تعيش معها الحكاية والأحداث لحظة بلحظة ولن تترك الكتاب إلا حينما تنتهى الحكاية.

أهم ما يلفت النظر لروايته هو تعريف القارئ العربي بالتاريخ السوداني خاصة الممالك السودانية الاسلامية سنار والعبدلاب وعلوة المسيحية ومعالجة الأحداث من وجهة نظر سودانية. وفى رؤيا عائشة أحداث المهدية. وكما أشرت المعالجة والسرد يعالج أخطاء فى الروايات المكتوبة من أجانب في التاريخ السوداني مثل السيف والنار وحرب النهر.

أما روايته أطياف الكون الآخر فهي محاولة جريئة لدخول عالم الجن وتقريب الصورة من الخيال والأساطير إلى قصص القرآن وحقيقة هذا العالم الآخر. وأما نيلوفوبيا فهي سرد لمأساة غرق الباخرة النيلية العاشر من رمضان في مصر بذات الاسلوب الشيق فى السرد والحكاية.

هذه انطباعات سريعة عن روايات الدكتور عمر فضل غزير الإنتاج الذي حبب لنا جزءاً من تاريخنا وأعاد كتابته بشكلٍ روائي ليصحح أخطاء تاريخية انتشرت خاصة عند القاريء العربي.

صلاح عمر الشيخ.

قراءة في رواية أنفاس صليحة – محمود توفيق حسين


رواية أنفاس صليحة للأديب السوداني عمر فضل الله، صادرة عن دار البشير، اشتغال فني رائع على التاريخ والجغرافيا وحركة الأعراق في السودان وبالخصوص في مملكة علوة، اشتغال على ساعة صعود الجنس العربي في تلك المنطقة في القرن الخامس عشر الميلادي، واحتضار الهوية المسيحية، وملابسات هذا الاحتضار، واكتساب السودان لشخصية جديدة بها حضور واضح للدين الإسلامي وللدم العربي، وصياغة فنية للتماوج والتدافع، والتسامح، والأحقاد، والتخريب، والقدرة الإنسانية على التعامل مع الهزائم الحاصدة والموت الجماعي.
العمل ناضج لدرجة تجعله في مصاف أدب الرحلة الروحية التي تغيِّر الإنسان، مثل الخيميائي لباولو كويلو، والحج إلى الينابيع للا نزا ديل فاستو، وقد كان الأديب حذرًا في أن لا يقدم نفسه كصاحب فلسفة، أو أديب فيلسوف، بل اشتغل بحب على مادته، بما يليق ببساطة الشخصيات التي تتحرك في جنبات الرواية؛ وإن كانت التقنية التي استخدمها، لانتقال السرد من الجدة لغيرها، ومنهم الحفيد، وهي على وعي لامتلاكها هذه القدرة الروحية الغريبة التي تجعلها تنقل الآخرين إلى معاينة مسارات من حياتها المدهشة الشاقة، هي تقنية لم تكن مستساغة بالنسبة لي، وتفقد السرد براءته الضرورية.
أثني كثيرًا على امتلاء الأديب من ناحية الوصف، وخصوبته في التعبير عن الحياة البرية بما فيها من نباتات وحيوانات، وخصوبته في التعبير عن الأزياء والعادات، وعلمه بالأمم والأجناس والقبائل في السودان والغرب منها، بحيث أخذ القارئ معه إلى هذه العوالم القديمة وتلك البقع الحيوية المثيرة خلف الكثبان الرملية. كان مدهشًا هنا وممتلئًا ونابضًا بحرارة السرد، ومأخوذًا بما يحكي.
وأثني كذلك على صبره وذكائه في التعامل مع التاريخ، الذي سمح له بنسج نسيجه بغير اندفاع وشطط، وبقدر من البراءة الذكية التي يجب أن يتحلى بها رجل ينحاز إلى القصة عندما يشتغل على مادة تاريخية، وبخاصة إذا كانت المادة التاريخية سائلة نوعًا ما، وتخص حقبة ثرية مبهمة شكَّلت في الدين واللغة والعادات والملامح.
وأثني بالطبع على اللغة الجميلة، ولغة الحوار التي كان لا يعوزه فيها امتلاك مفردات حياتية كثيرة تخص هؤلاء الناس؛ وإن كنت أعيب عليه في بعض الحوارات وضع كلمات مثل: التحولات، يشكل خطرًا، السلطة، على لسان امرأة مهما كانت أميرة سابقة، فهي كلمات ليست بنت ذلك العصر.
أما الأميرة دوانة، والتي تحولت إلى كائن مخيف يعيش عند ساقية الشيطان، حيث لا يجرؤ أحد على الاقتراب، والتي حلقت شعرها وشوهت وجهها بالنصل، كي تذهب في رحلتها للانتقام ممن قتلوا زوجها الأمير، فكانت ضربته الفنية الرائعة، وأضافت ثقلًا كبيرًا للقصة كلها، وصبغتها بتلك الصبغة التي يوفرها في الملاحم الإنسانية وجود شخص صاحب إرادة مذهلة، وأحقاده أقوى من أن يتحملها جسده.

محمود توفيق

خيميائية عربية قراءة لرواية أنفاس صُليحة لعمر فضل الله


خيميائية عربية: قراءة لرواية أنفاس صُليحة لعمر فضل الله
عُمرسُليمان

رواية دسمة، تتلخص في (صُليحة) الجدة المُتجاوزة المائة من عُمرها، والتي يحكي لها زوجها وولدها وحفيدها قصة حياتها منذ بلغت العاشرة من عُمرها؛ لأنها تحب أن تسمعها منهم، بوسيلة غرائبية عَبر حُضن تلتقي فيه الخواطر والرؤى، يحكي لها حفيدها ـ ومنه إلى ولده أو ولد ولد ولده ـ قصة انتقالها من المغرب من بلاد شنقيط إلى وسط أفريقيا والسودان عبر السلطنات الإسلامية، حيث تُسافر عبر الصحراء خلف جدها الشيخ (عبدالحميد اللقاني) الذي ذهب للحج، وهو مَن رباها بعد موت والديها بالوباء، وكل منهما عائلة الآخر، وكل شغفه وشاغله، في مشاعر وَلهة متبادلة بين الطرفين برغم بُعد المسافات على مر الرواية، تتيه فيها (صُليحة) على الرمال بلا مُرشد سوى حدسها وشغفها حتى تقع مُنهَكة، فتنقذها قبيلة الحسَّانية، تتعرف فيها على صديقة قديمة كانت أنقذتها من قبل، (لُلَّاحَسِينة)، تُداويها وتُؤنسها وتُعلمها وتساعدها على اللحاق بقافلة جدها بأن تُلبسها ملابس شقيقها الهالك، وترفقها بقافلة الملح التي تتخذ سبيل القوافل والتجارة والحج، لكن عاصفة تفرقهم، فتضل، يعثر عليها قاطع طريق، فيعرف من بعيرها (مطيع) مكانتها في الحسَّانية رفعة المكانة وقوة البأس وشجاعة رجالها، فيُساعدها على بلوغ وِجهتها، ليضعها على مدينة (تيمبكتو) ويُحذرها من البقاء في المدينة المترعة بتجار الرقيق، تجد مخطوطة جدها عند بائع مخطوطات، فتعرف أنه مر من هنا وباعها من أجل الجوع الشديد، يُساومها البائع على إعطاءها المخطوطة بالبقاء مع أمه أسبوعين فتوافق، وتلتقي بها وتخدمها، يتحابان، فتُصارحها بأنها ليست إلا مجرد أسيرة قاطع طريق وتاجر رقيق مريضة مُقعدة، ومن ثم تساعدها على الهرب إلى قوافل الحج على بُعد وموعد مُعينين مانحةً إياها مخطوطة جدها وعن طِيب خاطر مهر زوجها قلادة ذهبية ثمنًا للرحلة، تذهب فيها لتلتقي بسيدة فقيهة عالمة ذات حسب ونسب وشرف، (ميمونة)، التي تُطلعها على أسرار مخطوطة جدها العظيمة. تتصاحبان وتتدارسان وتتسامران حتى وصولهما إلى مدينة (سُوبَا)، هناك تتركز الأحداث في الأبعاد السياسية والمؤامرات السلطوية في حقبة تاريخية سنة 1500ميلادية(القرن 15)، تظهر تفاصيل شخصيات نَوه عنها الكاتب في بداية الرواية، ويبدو كما لو صنع تشويقًا في البدء ليصله في الأحداث التاريخية الأخيرة. (عبد الله القِرِين) قائد قبيلة القواسمة العربية الكُبرى، ومُوحِد قبائل المسلمين، الذي حاصر (سُوبَا) عاصمة مملكة (عَلَوَة) المسيحية لإعادة كرامة العرب. الأميرة (دُوَانَة) وسكنها مع ابنتها (أُونَتِّي) في قفر الصحراء قًرب مسكن الجان عند ساقية الشيطان عشر سنوات بلا مأوى ولا طعام ولا شراب كافيين أو صالحين، تغُربًا وتواريًا عن قتلة زوجها الأمير (أُونْدِي) قائد الجيوش ومستشار الملك وولي العهد بعده، قتله وصلبه البطريرك المُتسلِط (دِيرِين) كاهن الكنيسة الفاسد وعدد من الأمراء الطغاة؛ ليستولوا على الحُكم، ويقوموا بتطهير عرقي غاشم من المسلمين في (سُوبا). استغل (عبدالله القِرِين) شغفها للانتقام من قتلة زوجها، وقام بإقناعها لتتعاون معه عبر خطة جهنمية على إضعاف الحُكام، ليسهل عليه اقتحام المدينة ويضمها للمجد العربي، وبالفعل دخلت (دُوَانَة) وابنتها (سُوبا) وتقربت من الأمراء بخدعة رهيبة أفشت الوقيعة بينهم. صاحبت (صُليحة) (أُونَتِّي)، وأمنتها أمها، فأسرت إليها بقصتها، فيما كانت تعمل على خطتها التي أوقعت قتلة زوجها في شر أعمالهم وحاق بكل واحد منهم مصيره المُهلِك، ثم خرجتا آمنات ظافرات، ليتمكن (عبدالله القِرين) من المدينة ويدخل بجيشه الذي كان يُحاصرها من سنتين فيدمرها تدميرا، وانقطعت أخبار (صُليحة). ينتقل الكاتب لخبر جدها الذي ذاق العناء والمشقة الشديدتين في الصحراء بين قطاع الطرق والجوع والتشرد من أجل حج بيت الله الحرام، ثم عاد بعد سنة، ليجد أن قريته قد هلكت عن آخرها بفعل الوباء، يحزن ويندم على تفريطه في حفيدته، ولم يكن منه إلا أن قرر أن يفني حياته في البحث عنها والسَير على خطاها من أجل إيجادها، حتى استيأس وبلغت به المشقة مبلغها، ليلقى مفاجأة كبيرة انتهت بها الرواية نهاية سعيدة.

ـ تتمتع الرواية بأسلوب شيق ورشيق مخدومة بأوصاف شاعرية للأفكار والمشاعر والأماكن والأشخاص وعناصر الطبيعة، تجعل النفس تبتهج بالتشبيهات والاستعارات الرقراقة والأنسنة، في كثير من مواضع الرواية مترامية الأحداث والمشاهد متزاحمة الشخوص. كأنما تنساب في الجوف كماءٍ زلال مستمد من أبيار الصحراء أو قنينة المؤن في هودجٍ ظليل تحت نيران الشمس.

ـ حِسها الديني مرتفع، على الصعيدين الإسلامي والنصراني، بحيادية روائية بارعة، وهو ما راقني للغاية، إذ أن الكاتب أثبت موهبته السردية، ولم يخجل من تخييم الأجواء الدينية ـ الإسلامية بالأخص ـ على الرواية، كما يفعل بعض الكُتاب، ثم يصنفون هذه الأجواء بدينية ووعظ مباشر! مع أن أعظم الكُتاب العالميين يُظهرون هويتهم الدينية ولا يجدون غضاضة في وسم شخصياتهم بالدين!

ـ الرواية مغامرة مُمتعة لا تقل عن روايات المغامرات العالمية المُشوقة، لكنها تحدث في مضارب رمال الصحراء العربية، من ناحية بلاد المغرب العربي، تنزل لأسفل إلى مجاهل أفريقيا ووسطها حتى دارفور والنوبة. تُؤرخ للقبائل والقُرى والحقبة التاريخية التي هيمنت عليها.

ـ الرواية وإن كانت تُذكرني برواية المملوك الشارد لـجورجي زيدان، ورواية الكونت مونت كريستو لـ أليكسندر ديماس في نصفها الثاني، إنما هي أقرب لرواية الخيميائي في بعض غرائبيتها وإسهاب وصفها وتأملاتها بين الصحراء والغاية القصوى لبطلها، لكنها أكثر واقعية وأكثر قبولًا وأبلغ روحًا وأشغف حبًا وعاطفة، تؤكد على مظاهر كثيرة في عالم الصحراء، وتُدون تفاصيل البداوة في أبسط وأجلى صورها. خيميائية خاضت الصحراء لغاية وجدانية خالصة ولَم شمل رحم قريب من الروح والنفس. إنها خيمياء تليق بطبيعة العرب المُرهفة المُترعة بالعاطفة، التواقة للتعارف والأُنس والدِفء العائلي.

ـ كنا نظن أن الصحراء صامتة وخاوية وجرداء، لكن بهذه الرواية نرى أن الصحراء أكثر صخبًا من المُدن، تحتشد بحكايات لا أول لها ولا آخر، هي مسرح مفتوح وواسع لكُتاب المغامرات والخيال الجامح الذي يحتمل الأساطير والشِعر والقصص والفروسية وقطع الطريق والسفر وهروب الضحايا واللائذين، وعُلو الدُول وزوال ريحها.

ـ يُمكن تصنيف الرواية كأدب رحلات في صورة رواية، فكثير من أسفار الحج وغيرها يكون مُتخماً بالقصص والروايات والأحداث طويلة الزمن، تروى في رواية طويلة يُمكن إدراجها تحت جنس أدب الرحلات.. فهي تجمع بين روايات المغامرات وبين أدب الرحلات، فهما جنسان خضعا للرواية واختلطا بها في صورة رومانسية جمة.

ـ المكان في الرواية هو البطل والمهيمن على الأحداث، لا يتحرك الزمن إلا لمكان، والزمن هو أداة المكان للحلول فيه ووصفه والاستمتاع به والتنقل بين أرجاءه والتمازج بناسه مهما اختلفت جنسياتهم وعشائرهم وألسنتهم. المكان هو الغاية الحقيقية لذاكرة الإنسان، شهادة، توثيق وتأريخ وحياة. ذاكرة الإنسان مرتبطة بالضرورة بالمكان، ومكانة الصحراء في ذاكرة الإنسان مكانة أصيلة وتوثق قيمته ووجوده وشهادته وخياله وفكره وأصالته وعُمقه وتسلسل أجياله. المكان هنا هو المطلوب والغاية.. بلاد المغرب وبلاد النوبة ووسط أفريقيا، الانتقال بينها جسر لا يمكن قطعه، ما دامت فلول البشر متناثرة بين طرفيه وبقاعه. إثبات للصلة والتواصل والارتباط. تكشف مدى العُسر لبناء الجسور بين الأمكنة، تحت لفح الحاجة والاحتياج، ليس فقط للمؤن الحيوي، بل للمؤن العاطفي والروحي. الصحراء ليست جرداء كما كنا نظن، بل هي موفورة بالحياة والحب والإنسانية والإيمان والطموح وأغذية البطون والأرواح. البشر يسري فيها فيُعمرها كسريان الماء في عروقها وشقوقها فيُحييها بالنبات والأحياء.

ـ رواية ذات حبكة جيدة، قالبها مُوفَق، بناءها مُتماسك، أسلوبها مُشوق، سياقها مسترسل وإن كان مكرراً في بعض الأحيان، مما يُربك المتلقي ويُشتته، لكنه لا يؤثر قط على متعته وإثارته فيها واجتياح كيانه بالحُب العظيم الذي غمر قلب (صُليحة) فخاضت أهوال الصحارِ، وتوغل من قلب (دُوَانَة) فخربت لأجله دولة.

. مما راقني للغاية هذا الحديث:
(الأمر متعلق بالمحبة يا ولدي؛ لأنك حين تُحب أحدًا حُبًا عظيمًا ويُبادلك ذلك الحب فإن روحيكما تلتقيان وتأتلفان وتتوحدان كواحدة، وتذهبان حيث يريد أحدكما أن يذهب، فيرى ما يراه الآخر. وأنا أحببتُ جدك حُبًا عظيمًا، وهو أحبني مثل ذلك، وتآلفت روحه وروحي فرجعنا للماضي معًا، وعشنا معًا، حتى تمكن من رؤية حياتي الماضية كلها. الأيام مطايا الأحداث يا ولدي والقلوب بوابات الزمن، فكل قلب له يومه، وكل يوم مدخله الخاص، فهو باب إلى الماضي يسوقك عبر درب غير درب اليوم الآخر، فترى من ناحية مختلفة لا ترى مثلها في اليوم الآخر).

لمَن أحب قراءة الرواية، مراسلتي،،،

#أميرالخيال
#عُمرسُليمان

صلف الوثيقة وسماحة التخييل في تاريخيات عمر فضل الله


بقلم أسامة سليمان

السؤال الذي يتعثر فيه من يلج عوالم رواية تاريخية أو لنقل رواية تتحرك في فضاءات التاريخ هو: ما الحدود الفاصلة بين الحقيقة والخيال؟ يشخص هذا السؤال عند كل تطور في الأحداث ويكمن في تفاصيل كل قفزة جمالية ، لكن الدكتور عمر فضل الله في رائعتيه ” ترجمان الملك ” – دار نهضة مصر ٢٠١٣ و” أنفاس صليحة” مدارات ٢٠١٧ ( الحائزة على كتارا ٢٠١٨؛ لايعمل فقط على تجريد قارئه من هذا السؤال وإنما يذهب أبعد من ذلك فما أن تدخل سوبا العامرة ( في ترجمان الملك) والمتهاوية في ( أنفاس صليحة ) حتى تندمج في حيوات أبطال الروايتين غير آبه بمدى الصحة التاريخية للعلاقة بين الترجمان الراوي وبين الزبير بن العوام في (ترجمان الملك)والحقيقة التاريخية ل( صليحة ) نفسها في ( أنفاس صليحة) حيث تمكن الكاتب وبمهارة من تجريد الحقائق التاريخية من سطوتها ، والوثيقة من صلفها منتصراً للتخييل في سبيل بناء روايته .
وإن كانت سوبا هي مسرح الأحداث لكامل أحداث ( الترجمان) وأغلب ( الأنفاس) فإن الزمن هو الفارق إذ يفصل بين الروايتين ما لايقل عن الخمسمائة عام ، بين سوبا القوية المزدهرة في عهد النجاشي وسوبا التي تتهاوى في (الأنفاس).
وبينما تعتمد الترجمان أسلوباً سردياً أقرب إلى التقليدي تتابع فيه الأحداث طبقاً لتسلسلها الزماني الواقعي ، فقد توسلت أنفاس صليحة طرائق مختلفة في السرد ؛ بل هي جديدة يسافر فيها الراوي من خلال ( أنفاس جدته صليحة / البطلة) إلى أزمان متعددة، والبطلة هي التي تسمع حكايتها من حفيدها الذي لم يشهدها وقد وقعت قبل مولده، وفي رأيي أن هذه مغامرة سردية متجاوزة.
ونحن إزاء هجرتين – على مستوى الأحداث- في زمنين مختلفين إلى سوبا حاضرة علوة المسيحية ؛ الأولى : هجرة المسلمين الأوائل إلى الحبشة؛ وهنا نعود لنؤكد أن الكاتب لم يدع مجالاً للتساؤل حول محط الهجرة وما إذا كان لسوبا أو غيرها فقد نجح في سوقنا إلى مغامرته الجمالية التي يتضاءل أمامها السؤال ، والثانية: هجرة صليحة من المغرب ، واللافت أن الكاتب في هذه الأخيرة أوغل في التفاصيل والحياة في المغرب قبل الهجرة ، مستخدماً لهجة مغاربية في حواراته وإن لم يكثر منها فإنها أدت مقاصدها ، كما أورد تفاصيل رحلات الصحراء بدقة.
وظنّي – وليس كل الظن إثماً- أن الكاتب عمد إلى مستوى من اللغة أسميه اللغة الفارهة ذات البناء المعماري الشاهق الذي لايعمد إلى الجنوح وكثرة التجاوزات ليتناسب مع فخامة التاريخ والأحداث التي يرويها.
وبالنظر إلى الشخصيات نجد أن شخصيات ( أنفاس صليحة) على كثرتها فإنها تؤدي أدوراً مساندة ثم لاتلبث أن تختفي حتى الجد الذي تدور الأحداث بحثاً عنه يختفي منذ الصفحات الأولى ليظهر في النهاية ، وهذا يكاد ينطبق على شخصية رئيسية أخرى وهي دوانة ( عجوبة) فعلى الرغم من خطورة دورها في الرواية وفي خراب سوبا فإنها لم تشغل مساحة واسعة واستعاض الكاتب عن ذلك بتحريك الأحداث بسرعة منذ ظهورها حتى مغادرتها سوبا المحطمة ، في مقابل ذلك تعج ( ترجمان الملك ) بعدد كبير من الشخصيات الرئيسية ، وهنا أحب التوقف قليلاً عند شخصية الزبير بن العوام التي كانت أكثر شخصيات الصحابة المهاجرين بروزاً ما أعتقده دليلاً على أن الكاتب تخلص من سطوة الحدث لصالح خلق شخصياته بما يخدم عمله .
وعلى الرغم من أن العملين تفصل بينهما فترة معتبرة تاريخياً، والأغلب أن فضل الله أنتجهما في أزمان متباعدة إلا أن هناك سمات مشتركة وخيوطاً غير مرئية تربط بينهما غير المكان سوبا والحدث الرئيسي الهجرة في كليهما ؛ وأعني الشخصيات أو سماتها فهناك الكنيسة التي يمكننا تصنيفها من ضمن شخصيات العمل بما تحويه من مؤثرين في صنع القرار والدور التخريبي الذي قامت به في العملين ، كذلك دوانة/عجوبة في الأنفاس والساحرة سيمونة في الترجمان، ولا أظن أننا سنتعسف إذا قارنا بين هاتين الطفلتين صليحة في الأنفاس وسنجاتا في الترجمان : “وانطلقت تجري نحو بيتها، وكانت قد ربطت شعرها ضفيرتين، وكانتا تتقلبان بالتبادل بين كتفيها الأيمن والأيسر، وهي تجري تهز رأسها يميناً وشمالاً ، وترفع عقبيها بتكلف فيضربان على ردفيها برفق وهي تجري” ( ترجمان الملك ٤٣-٤٤) و “تركضين في جنون صوب ذراعيه المشرعتين لاحتضانك، فردة السباط تطير منفلتة من قدمك اليمنى وتتقلب في الهواء قبل أن تسقط على رمل الساحة، بينما تبقى اليسرى متشبثة برجلك تأبى أن تفارقها، لتجعلك تتعثرين فتسقطين ويمتليء فمك بالرمل لكنك لاتأبهين” ( أنفاس صليحة ٤٣).

كاتب سوداني

كلمات مفتاحية :نقد

رابط المقال:
https://elaph.com/Web/Culture/2019/11/1271683.html#

إطلاق النسخة الإنجليزية لرواية أنفاس صليحة الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية 2018


أطلقت جائزة كتارا للرواية العربية صباح اليوم الأحد 13أكتوبر 2019 النسخة الإنجليزية لرواية أنفاس صليحة الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الرابعة 2018 ضمن فئة الروايات المنشورة وذلك ضمن فاعليات الدورة الخامسة 2019 .

روعة الأسطورة قراءة في رواية أنفاس صليحة للدكتور عمر فضل الله


Widadروعة الأسطورة

بقلم وداد معروف

قراءة في رواية ” أنفاس صليحة ” للدكتور عمر فضل الله
الرواية الفائزة بجائزة كتارا هذا العام عن الرواية المنشورة

” قال لي أبي : يا ولدى إن كنت ضعيف القلب أو كثير الشك أو لست مستعدا أن تتخلى عن واقعك المعتاد فلن أحكي لك حكاية صليحة لأنها أبعد ما تكون عن الواقع، ولهذا فإن أجدادنا لا يقصونها للناس، وإنما يتداولونها بينهم في مجالسهم الخاصة، ولا أخفي شيئا إن قلت إن كلام أبي كان هو الحافز لي لسماع الحكاية التي حدثت منذ زمان قديم،”

تقع الرواية في 245 صفحة ونشرت عام 2017. وظف الدكتور عمر التاريخ؛ استلهمه وعمل فيه بخيال رحب. فالشخصيات في الرواية من صنع الكاتب. فهو لا يكتب توثيقا وإنما يسرد لنا أحداثاً لها بعد تاريخي لكن الكاتب جعلها قاعدة انطلق منها في خيال بعيد. هذا العمل الروائي أجزِمُ إن الكاتب عكف على دراسة هذه الحقبة التاريخية مدة لا يستهان بها، و التي تقع في القرن الخامس عشر حيث سقطت مملكة علوة وعاصمتها سوبا. تاريخ لا نعرفه كثيراً لكن الكاتب أخذنا من يدنا وأعادنا من خلال أنفاس صليحة وعينيها كنافذتين على الماضي. لنشهد علاقتها الوثيقة بجدها عبد الحميد اللقاني والذى بقي لها من أهلها الذين أكلهم الطاعون، حيث كانوا يقيمون في بلاد شنقيط. نقل لنا البيئة العربية الصحراوية بدقة وبتفاصيل مذهلة.

أيضا الحياة الاجتماعية والاقتصادية في تلك الفترة عبر مغامرة مرعبة للفتاة صليحة وهروبها من بلاد المغرب الأقصى إلى سوبا في السودان، مرت بأهوال وتعلمت تجارب وشاهدت عجائب. عاملت أمناء وخائنين؛ ونجت من الرق بأعجوبة، وهنا أدخلنا الكاتب في حياة تجار الرقيق تلك التجارة الظالمة التي كان البشر هم عمادها وسلعتها.

مضت صليحة للبحث عن جدها الذي ذهب للحج وتركها أمانة عند سيدي محمد فهربت. وكان ما أدهشنا من وصف الصحراء والهجرات العربية إلى السودان والمكائد السياسية التي حيكت في القصور. رأينا كيف سقطت علوة الدولة المسيحية وكيف هاجمها العرب بقيادة عبد الله جماع وكيف حرقها، قتل الكثير وهرب الباقون. رأينا المرأة حينما تتحول لكتلة من حقد فتشتعل وتلقى بحممها لتحرق دولة بأكملها. بانتقام دوانة تلك الأميرة المسيحية التي قتلوا زوجها و الذى كان آخر ملوك العنج في سوبا، وصلبوه وقطعوا رأسه، كل ذلك أمامها ثم علقوا جثته على سور المدينة، حتى أنها هربت من الملك و الكهنة و عاشت مع ابنتها أونتي حياة كالكلاب تنتقل بين الظلال وتقيل تحت الأشجار و تنام على التراب لعشر سنوات ثم عادت لتنتقم .
الرواية فيها الكثير الذى أراد قوله د. عمر فضل الله . فيها فلسفته و فيها نظرته ورمزيته التي أراد أن يجعل صليحة تلك الفتاة التي لم تكن موجودة في التاريخ لكنه أبدعها من بنات خياله و جعلها معادلا للخير القادم و المستقبل الأمن.

استعمل د. عمر عبارات حوارية من اللهجة المغربية ونوه لذلك وهذا أيضا جديد علينا. وفي المجمل فإن لغة الرواية لغة عذبة راقية. جعل في الرواية لكل منطقة انتقل إليها السرد لغتها ومصطلحاتها ومدلولاتها التي تعلم القارئ مالم يكن يعلم. استفاد في تعريف القبائل العربية من النسابة التقليدية في السودان فقد ذكر أسماء القبائل بغزارة وعدد النسب ربما للجد السادس وهذا وحده جهد لا يستهان به.

في الرواية عرفنا كيف أصبح مجتمع سوبا مجتمعا هجينا من النوبة والعرب وأجناس أخرى وكلهم تعايش وكلهم يقبلون بعضهم وذلك لأن السودان الطيب يتسع للجميع.

كان أجمل ما أمتعنى في الرواية وكلها ممتع هو ذلك الوصف الدقيق لبيئة لا أعرفها ولم تطأها قدماي. بيئة الصحراء وطريق الحج ومجتمع الخيام في قبائل الطوارق والنوبة وقوافل الحجيج وقطاع الطرق وتجار الرقيق ورحلاتهم وتجارتهم الظالمة، وصف لبس الكهنة النبراس والنويتات والبلينات.
الحقيقة أن هذه الرواية جعلتنا نشتم رائحة الأماكن ونحس بسخونة أقدام صليحة حينما طار منها سباطُها فلسعتها رمال الصحراء في مغامرتها الخطيرة
أنفاس صليحة هي رواية المعرفة ومداعبة التاريخ وتجسيد جميل لشخصيات التخييل السردي.

هذا العمل الروائي الكبير أتمنى أن أراه على شاشة السينما أو التليفزيون فهو إضافة لا شك لوعى المشاهد. كل الشكر للكاتب الروائي د. عمر فضل الله هذه الساعات المحتشدة بالجمال والمعرفة والفن السردي النادر.
وداد معروف.

 

 

رأي الدكتور موسى الخليفة حول رواية أنفاس صليحة



هذا رأيي فيما يسمى بالرواية التاريخية، أو الرواية ذات العلاقة بالتاريخ – ولا أقول الرواية التاريخية – الرواية ذات العلاقة بالتاريخ هي عمل خيالي وليس معنياً بالحقائق وبالتالي فهي تحرك المكان والأشخاص والزمن بصورة مُتَصَوَّرَة وليس صورة واقعية. وتمتاز بأن اللغة والكتابة تضفي ثراء يكسبه الكاتب للشخصيات. بناء الرواية لا علاقة له بالأحداث التاريخية لكن فيه (ريحة) للأحداث التاريخية! ولذلك فالرواية ذات العلاقة بالتاريخ لا تُحَاكَم تاريخياً بل تُحَاكَمْ أدبياً. ففي كل من الشركسي وأنفاس صليحة أفلح الكاتبان في تقديم رواية لتقرأ كرواية على الرغم من ارتباطها بالتاريخ.

وقد أفلح عمر فضل الله في أن يشتغل على التاريخ ويكتب روايات للتاريخ وحتى رواية الشركسي فيها شيء من عمر فضل الله. فهي رواية على علاقة بالتاريخ رغم كونها رواية ليست واقعية بالطبع وليس بالضرورة أن تكون واقعية فالتاريخ واقعي ومرتبط بالواقع تحديداً ويُحَاكم إذا فارق الواقع لكن الرواية ليست واقعاً فالرواية هي ما يسمى بالواقع المفترض وعمر فضل الله مزج الحقائق التاريخية بالأدب وهو ليس محكوماً بذلك وهو استعمل التاريخ كميدان للحركة فقد حرك شخوصه وأنطقها وأكسبها روائحن فالرواية تكون هكذا. تكسب المكان رائحة وتكسبه صوتاً وتكسبه موسيقى وتكسبه حركة وعمر فضل الله أكسبها كل هذا من خياله وليس من التاريخ ولكنه لعب في داخل ميدان التاريخ، لعباً خاصاً بقدراته على الخيال وبقدراته على إكساب هذه الشخصيات الحركة والنطق وغيرذلك وغير ذلك. ولكن المؤكد هو أن أعماله لا تحاكم تاريخياً ولا تعتمد على التاريخ لكنها تلعب في ميدان التاريخ وفيها حرية كاملة فهو حر أن يقول ما يشاء ويكتب كما يشاء ولا أحد سيقول له صليحة حضرت في ذلك اليوم أو لم تحضر فلا يدخل هذا في مجال النقد أو أن صليحة نفسها موجودة أو لم توجد أصلاً. فهو قد استخدم هذا الميدان فقط ومن الممكن ألا يوجد شخص اسمه صليحة أصلاً. وبالمناسبة سوف أحكي لكم شيئاً طريفاً جداً. أنا حين كنت طالباً مثلت دور عجوبة في المسرح ببخت الرضا. وعجوبة هذه هي صليحة. عجوبا الخربت سوبا. مسرحية خراب سوبا التي كتبها خالد أبوالروس وذلك في الخمسينات، ولذلك فقد استمتعت برواية أنفاس صليحة فالكاتب عمر فضل الله (كَتَّابْ) ! كتاب جداً.. ومستوى الكتابة متميز عنده!
الدكتور موسى الخليفة

 

الروائي العالمي عمر فضل الله يخص “الجوهرة” بمقابلة بعد صدور روايته “أنفاس صليحة” “2-2”


عمر فضل الله: ذاكرة المكان ارتباطها بالتاريخ هي مثل النسيج في الثوب كلما اتسعت رقعته وتنوعت ألوانه ازداد جمالاً
أعمال عمر فضل الله لا علاقة بين شخوصها وشخصية الكاتب
هذا ليس زمان الشعر.. وذلك لا يعني أنني طلقته فهو يعيش في حنايا العروق

حاورته: احلام مجذوب
ربما كان الدخول فى عالم الروائي عمر فضل الله مخاطرة، والسؤال حول تاريخ الرواية، وملامحها ومشكلات الكتابة وكيفية معالجتها، تدخلنا فى دهاليز متشعبه من ثقافة وألق تسكن الراوي تجعلنا نقف جميعا ونرفع القبعات تقديرا وعرفاناً لرجل بقامة وطن، دون مجاملة ولا مواربة المهمة مربكة والمواصلة فيها نوع من المجازفة، لكنها شديدة الإمتاع خاصة مع هذا الكم الهائل من التشويق والإثارة الذى يمتلكه هذا الروائي الفذ.

لماذا تحرص في أعمالك على تعميق الفضاء المكاني والتكريس له؟
أنظر للمكان نظرة شاملة وكلما اتسعت الرقعة المكانية اكتسى الحكي معرفية ثرة وعميقة، وفي تقديري أن هذا ينطبق على السفر أيضاً فكلما سافر الإنسان وساح في الأرض يجد مراغماً كثيراً وسعة وتتسع آفاقه وتزداد معارفه. وبالعودة للسرد والحكي ويعتقد الراوى أن الفضاء المكاني هو مسرح الرواية وأن ذاكرة المكان في ارتباطها بالتاريخ هي مثل النسيج في الثوب كلما اتسعت رقعته وتنوعت ألوانه ازداد جمالاً. لكن جمال مثل هذه الثياب يتوقف على قدرة الحائك وبراعته فهو ينصح كل كاتب أن لايتوسع في الفضاء المكاني إلا إن درسه بعمق وعرفه بخبرة ودراية وإلا لانخرق في يده واتسع الخرق على الراقع.

اختلف النقاد حول أعمالك فقد كتبوا في أنفاس صليحة أن الرواية تعالج المشكلة الأساسية التي عالجها من قبل عدد من الكتاب وأنها المشكلة ذاتها التي عبر عنها الرواي العالمى باولو كويلو في روايته الخيميائى وساحروبورتبيلو ومكتوب ومحارب النور وعند النرويجي جوستاين غاردر فى روايته عالم صوفي والكاتب الاسبانى لانزا ديل فاصتو فى روايته الحج الى الينابيع وقصدوا بذاك مشكلة الصراع كيف ترى ذلك؟

على افتراض أن ما أوردته هو صحيح ألا ترى أن إخراج عمل أدبي سوداني يعالج مشكلة الصراع هو في حد ذاته إضافة للأدب العالمي؟ لكني لا أتفق معك في الفرضية آنفة الذكر لأنني أعتقد أن “أنفاس صليحة” هي عمل غير مسبوق من حيث كونها كتبت في العجائبيات بطريقة مختلفة عما كتبه باولو كويلو أولانزا ديل فاصتو وغيرهما ونحن سبقنا هؤلاء الأدباء منذ القديم حين كتب ود ضيف الله عمله (الطبقات) الذي أعتبره عملاً أدبياً في المقام الأول فقد كتب عن العجائبيات لأجل صناعة الدهشة بينما تعتبر رواية أنفاس صليحة حلقة ضمن سلسلة أعمال في الرواية المعرفية التاريخية كتبت للتنوير المعرفي، وفي الوقت نفسه يعتبرها النقاد سابقة في العمل الأدبي الذي يمزج الخيال بالحقائق التاريخية دون أن يتغول عليها أو يفسدها، وسوف تجد أن كل حلقة لها أسلوبها المتفرد وشخصيتها المتميزة في معالجة التاريخ السوداني الممزوجة فيه الحقائق بالخيال والمتعة والحبكة والروي ضمن مشروعي الثقافي المعرفي المتكامل.

ذكرت كيف تأثرت الناقدة الكبيرة دكتورة زاهية أبوالمجد برواياتك حول تحليل دقيق للسردية المعرفية وقلت عنها إنه تحليل سابق لأوانه وأن المقال يصلح قاعدة لتحليل أعمالى ورواياتى المعرفية وضح لنا ذلك؟

تمكنت الدكتوره زاهية – وهي التي قرأت كل أعمالي الأدبية تقريباً- وخاصة بعد اطلاعها على مسودة آخر أعمالي غير المنشورة – من تقييم هذه الأعمال كأنموذج سوداني ناجح، للرواية المعرفية التي تجمع بين الحقيقة والتخييل كطريقة مبتكرة لتقديم التاريخ بصورة سهلة الهضم، كما لاحظت أيضاً أن بعض الشخوص التي استحدثتها في رواياتي هي مجرد شخصيات خيالية لكن الوقائع الممثَّلة في التخييل ليست كلُّها بالضرورة متخيلة، وأنها مؤسسة على وقائع تاريخية مؤكدة، تم من خلالها استغلال فراغات التاريخ وفجواته لإدخال شخصيات وأحداثا مستوحاة من خيال المؤلف. وأن عنصر التخييل في روايات عمر فضل الله يسير جنباً إلى جنب في نسيجه السردي وسداه مع الحقيقة التاريخية لكنه لا يمنحه الهيمنة الكاملة بل يجعل منه مجرد عنصر مساعد فقط لتمكين الحقائق التاريخية في ذهن القاريء عبر السرد، وأن له القدرة على مزج التخييل التاريخي والعجائبي والذاتي مع الحقيقة التاريخية في نسيج متميز ينتج لنا روايات عمر فضل الله المعرفية. وأن نجاح أعماله يكمن في قدرته على شرح علاقة السرد كخطاب بالمعرفة كتجربة وذلك لكون آلية التخييل التي تعيد بناء التجربة النوعية وتسريدها من خلال نصٍّ تعاقُبيٍّ في الحبكة الروائية المتصلة تقوم بتحريك التاريخ وتقديمه للقاريء ليس باعتباره تجربة ماضية منقطعة، بل باعتباره فكرة دائمة التدفق شاخصة في الزمان وشاهدة على أحداثه من خلال الرواية المعرفية وأن عبقرية المؤلف تتجلى في سرد الحبكة الروائية التي تستعير أحداث الماضي وتخرجها من سياجها الموضوعي والزماني لتطلقها في فضاء الحاضر متكئة على إمكانات المؤلف المعرفية وتقنياته الكتابية، وملكته اللغوية، وتدمج كل ذلك في إشكالات الحاضر وهمومه وربطه كل ذلك بأسئلة الهوية السودانية.

قال الطيب صالح أن لاجدال في أن النص الأدبي ليس سجلاً لسيرة الكاتب ولا ينبغي لها أن تكون. هل ينطبق هذا الكلام معك؟ ومارأيك؟ وإلى أي مدى تقترب منك شخوص رواياتك أم أن ماتكتبه بعيد عنك كل البعد.

هذا الأمر يختلف باختلاف الكتاب فبعض الروايات تكون مجرد اسقاطات نفسية لمغامرات وتجارب بعض الكتاب، حيث تتجلى فيها شخوصهم في شخصية أبطال الرواية لدرجة أن بعضهم يعيش في الوهم ما يعجز عنه في الحقيقة وخاصة مغامراتهم مع النساء أو بطولاتهم المتوهمة فيسجلها في أعماله الروائية أما الروايات الناضجة فليس بالضرورة أن تتماهى شخوصها مع شخصية الكاتب أو تعبر عنها بأي حال من الأحوال. وعلى كل حال فإن أعمال عمر فضل الله لا علاقة بين شخوصها وشخصية الكاتب إلا في ذهن القاريء فقط حين يحاول المقارنة أو المقاربة عبثاً لكن يبقى المؤلف هناك متميزاً ومستقلاً عن أبطال أعماله. فقط يسكب بعضاً من روحه في العمل الإبداعي ليمنحه النكهة الخاصة.

لك ديوان شعر: (زَمَانُ النَّدَى والنَّوَّار) و(زَمَانُ النَّوَى والنُّوَاح)، وغيرهما ألا ترى أن الرواية أخذت منك كثيراً وهزمت الشعر، ربما يظن بعضنا ذلك؟

يوجد في زماننا هذا شعراء وشاعرات أضافوا وأضفن للإبداع الشعري الكثير وكما تعلمون فقد بدأت بكتابة الشعر لكنني انتقلت لكتابة الرواية حين علمت أن هذا ليس زمان الشعر فالرواية مقروءة ومطلوبة من أجيال هذا الزمان أكثر من الشعر غير أن ذلك لا يعني أنني طلقت الشعر فهو يعيش في حنايا العروق.

قمت بتحقيق كتاب الفحل الفكي الطاهر: (تاريخ وأصول العرب بالسودان)،لماذا ..؟

كتاب «تاريخ وأصول العرب بالسودان» الذي ألفه الفحل بن الفقيه الطاهر وجمعه في آخر عمره، يعتبر من المؤلفات السودانية القليلة في تاريخ العرب بالسودان، التي كتبها مؤرخ سوداني، فلم يصدر قبله إلا عدد قليل من المؤلفات التي تنسب إلى مؤرخين سودانيين، مثل الدكتور مكي شبيكة والأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن، ذلك أن معظم المؤلفات في تاريخ السودان كتبها مؤرخون مستشرقون، أو باحثون أجانب أو كتبها مؤلفون عرب من غير السودانيين من المبتعثين للتدريس في الجامعات بالسودان أو الذين تعرضوا للدراسات السودانية بحكم عملهم ووظائفهم وقد كتبت معظم هذه المؤلفات إبان الاستعمار الإنجليزي للسودان أو بعيد الاستقلال بفترة قصيرة. وأن كتاب الفحل قد بذل فيه جهدا كبيرا في جمع مادة الكتاب حيث سافر المؤلف إبان شبابه إلى كثير من القرى والأمصار وقابل الثقات ونقل عنهم، فأخذ بذلك من مصادر نادرة انفرد بها. 
وكان هدفي الأول هو أن يظل هذا الكتاب في متناول الجميع بعد أن نفدت نسخ الطبعة الوحيدة منه منذ ما يقرب من أربعة عقود واختفت من المكتبات، ولم يقم أحد بإعادة طباعتها رغم أهمية هذا المرجع الذي لا غنـى لمن يدرس أو يبحث أو يكتب في تاريخ وسير وأنساب العرب بالسودان، بل لا غنـى لمن يكتب في تاريخ السودان عنه. 
وكنت قد اطلعت على هذا الكتاب منذ عدة عقود، ولاحظت الطباعة السيئة والإخراج الرديء الذي لا يليق بهذا السفر النفيس، رغم أن من طبعه في ذلك الوقت قد بذل الجهد بما تيىسر له، كما لاحظت أنه لم ينل حظه من الدراسة والتحقيق بما يليق به فكان ذلك أول ما حفزني لإعادة جمع وإخراج وطباعة الكتاب فهو يوثق لأصول القبائل العربية في السودان، ويدعو لصلة الأرحام مثلما أراد مؤلفه الفحل رحمه الله. وقد نوهنا في المقدمة أنه ينبغي ألا يفهم من هذا إحياء لنعرة عنصرية أو قبلية أو جهوية أو تفضيل عنصر على غيره فإن السودان مليء بالقبائل غير العربية وهي قبائل ذات فضل كبير ونسب عريق ومقام رفيع وقد كتب عنها المؤرخون وأفردوا لها المصنفات ولا مجال للمفاضلة بين قبيـلة وأختها فقد ذهـب هذا العهـد الجاهلـي وانقضى. وأن من اقتنى هذا المؤلف لقصد إحياء النعرات أو المفاخرة بالقبائل والآباء فإننا ننصـحه ألا يمضي قدماً في القراءة فهذا الكتاب ليس له ولن يجد ضالته فيه.

كتاب (حرب المياه على ضفاف النيل: حلم اسرائيلي يتحقق)، لعله بعد آخر لمشروعك الكتابي كيف تراه؟

هو دراسة للصراع حول مصادر المياه التي تعتبر من أهم الدراسات في هذا العصر تناولت فيه مشكلة الصراع الاستراتيجي حول مصادر مياه النيل وتدخل اسرائيل المباشر لإدارة الصراع وتوجيهه لمصلحتها وتأثير ذلك على علاقات الدول المشاطئة، وما ينجم عن الصراع من توترات وآثار كما ناقشت فيه بعض الحلول الآنية الظرفية والدائمة لمشكلة تقاسم مياه النيل والقوانين الدولية التي تحكم تشاركية المياه. والدراسة تدخل ضمن اهتماماتي بالدراسات الاستراتجية للمنطقة.

الروائي العالمي عمر فضل الله يخص الجوهرة بمقابلة (1-2)


الروائي العالمي يخص “الجوهرة” بمقابلة بعد صدور روايته “أنفاس صليحة” “1-2”

عمر فضل الله: الأسطورة تجعل الكاتب يطير حراً محلقاً في سماوات الوهم والخيال

 استدعي أدوات اللغة وذخائر البلاغة .. أحتشد للكتابة بالعقل والمشاعر والوجدان .. وأبحث عن الرواية في زوايا الطرقات القديمة والازقة المهجورة.

خلطت الأسطورة بالحقائق التاريخية .. أنفاس صليحة دفع جديد في مشروع الرواية .. تقنيه الكتابة عندي بمثابة انتقال من عالم الحضور إلى عوالم الاستغراق.

 حوار: احلام مجذوب

عُرفت إسهاماته المتنوعة في العديد من مجالات المعرفة والأدب والفكر والدعوة، وهو شاعر وأديب. له عدد من البحوث في المعلومات وتقنياتها، له ديوانا شعر: (زَمَانُ النَّدَى والنَّوَّار) و(زَمَانُ النَّوَى والنُّوَاح) كما له قصاصات شعريه لم تنشر بعد ومن رواياته: (تُرْجُمَانُ المَلِكِ)، و(أطياف الكون الآخر) و(نيلوفوبيا)، كما قام بتحقيق كتاب الفحل الفكي الطاهر: (تاريخ وأصول العرب بالسودان)، وله كتاب (حرب المياه على ضفاف النيل: حلم اسرائيلي يتحقق)، وأخيراً (أنفاس صليحة).. يمثّل الروائى عمر فضل الله حالة  فريدة في المشهد الروائي السوداني والعربي على حد السواء، أصدر عدداً من الكتب الشعرية بجانب الروايات. كتبت عنه دراسات كثيرة، واهتمّ عدد غير قليل من النقاد والدارسين بشعره  ورواياته كحالة خاصة.. صدرت له خلال الأيّام القليلة الماضية، رواية “أنفاس صليحة” أبحرنا معه عن بداياته الأولى في الكتابة، عن لحظات الولادة، عن شخوص رواياته وكيفية التّواصل مع الآخر ، عن دوره الوظيفيّ في حركة “روائيي العالم” بصفته ظاهر بكثافة في المشهد الثّقافي العربيّ وخارجه، ليصبح روائياً عالمياً.. تقنية الكتابة عنده بمثابة انتقال من عالم الحضور إلى عوالم الاستغراق وانتقال من عالم اليوم بالسفر إلى عوالم الأمس القديم الذي طوته الأيام وغاب بين ثنايا الأحداث، يبحث عن شخوص الرواية في زوايا الطرقات القديمة والأزقة المهجورة والقرى المنسية ثم يتقمص تلك الشخوص فيفكر بعقلها ويتصرف وفق زمانها ثم يعود إلى واقعه فيستدعي كل أدوات اللغة والبلاغة وذخائر المفردات وذاكرة التاريخ ليرسم لوحة مجسمة لذاكرة الأيام، بفرشاة يرسمها على الورق أو الحاسب الآلي يرسمها بالحرف ويحيل التاريخ إلى الخيال المحكي فيبعث فيه الحياة ويقدمه للقارئ على طبق من حب، وهنا تكتمل الرواية ويكون التوقيع عمر فضل الله.

  «الجوهرة الرياضية» حاورته فى محاولة لكشف كواليسه الخاصة لكتابة أعماله الإبداعية مثل «أنفاس صليحة» وقصاصات أدبيه لم تنشر بعد .. وناقشته فى رؤاه الجادة من أجل إصلاح فهم الكثير من الخبايا التي تختفى بين السطور معا نطالع ردوده …

 بداية ماذا عن محتوى العمل الجديد أنفاس صليحة؟ وهل هي تفسير تأريخي أم تعريف له؟

أنفاس صليحة هي دفع جديد في مشروع الرواية المعرفية، وهي ليست تفسيراً للتاريخ ولا هي تعريف به، بل هي دعوة للأجيال الحالية التي تستهويها قراءة الرواية لينتبهوا أن تاريخنا يزخر بالكثير الذي يجب أن يكون حاضراً في واقعهم ومستقبلهم.

لماذا اخترت أنفاس صليحة عنواناً للرواية الصادرة عن دار مدارات وما هو مدلول هذه التسمية عندك؟

ما رأيكم أن أستدعي صليحة من ماضيها لتتولى الإجابة؟ تقول لكم صليحة: (سوف أنقلكم عبر أنفاسي للماضي لتعودوا معي بأرواحكم  حيث يتوحد دفق أنفاسي مع نفث أنفاسكم فنصير روحاً واحدة، ترى بعين الروح في الماضي ما يراه النّاس بعين الحقيقة في الحاضر، فتحكون لي ما تشاهدونه، تحكونه بتفاصيله. فتتآلف أرواحنا  لتروا بأعينكم ما رأيته أنا في الماضي ولو تساءلتم  ما علاقة تآلف الأرواح بالحكايات؟ وكيف تعودون إلى الماضي في الحقيقة وليس في الخيال؟ فسوف أقول لكم إن الأمر كله متعلق بالمحبة يا أبنائي. لأنكم حين تحبون أحداً حباً عظيماً ويبادلكم ذلك الحب فإن أرواحكم  تلتقي وتأتلف وتتوحد كأنَّها روح واحدة، وتذهب حيث يريد أحدكم أن يذهب، فيرى ما يراه الآخر. فالأيام مطايا الأحداث والقلوب بوابات الزمن، وكل قلب له يومه، وكل يوم له مدخله الخاص، فهو باب إلى الماضي يسوقك عبر درب غير درب اليوم الآخر، فترى من ناحية مختلفة لا ترى مثلها في اليوم الآخر). هذه هي حكاية أنفاس صليحة.  وأما أنا عمر فضل الله فأقول لكم إن أنفاس صليحة تقدم أنموذجاً للنص الروائي العجائبي  من خلال شخص صليحة التي  تقوم بأفعال عجائبية، خارقة للواقع الإنساني ومشحونة بالتجليات العجائبية من خلال (الأنفاس) أو النقاء الروحي الذي يحكي السرد الأدبي والتاريخي عبر النص العجائبي المعرفي كجنس أدبي مستقل متفرد بحضوره السردي، الذي يتبلور من خلاله مفهوم الرواية المعرفية شاخصاً واضحاً. وهي تقدم للناس عبر أنفاسها عالماً حقيقياً لكنه مسكون بالخيال الذي يحكي الموروث الشعبي ويعيد توظيف الحكايات الشعبية بفهم جديد مثل حكاية خراب سوبا وتوظيف قصة عجوبا، ولكن عبر شخوص وأسماء ذكية تحترم ذكاء القاريء ووعي المجتمع الحديث.

أنفاس صليحة قمت بتجذيرها في المحلية هل ترى أن هذا المنحى كان سبباً فى تعتيم خطابها وحجب قيمتها الحقيقية؟

لا أدري من أين أتيت بهذا الحكم على الرواية فهي ليست محلية بكل تأكيد، فقد بدأت أفريقية مغربية عالمية تمتد حكايتها ومكانها وشخوصها وأبطالها وحتى لغتها وحوارها من أقصى المغرب العربي على امتداد الشريط الأفريقي من المحيط إلى البحر لتنتهي عند دولة علوة التي كانت تعتبر من أكبر الممالك في العالم في زمانها. ولم يكن خطاب الرواية معتماً ولا حبكتها ولا لغة السرد. أما قيمة الرواية الحقيقية فهي في كونها رواية معرفية ناضجة لم يحجبها ما أسميته أنت محلياً ولم تقعد بها مناطقيتها عن عالميتها.

الثعلب والذئب فى العبارة: (ثعلب يقف أعلى التلة وأذناه متجهتان نحوك لعله سمع وقع أقدامك، ورجلاك ماعادتا تقويان على حملك ولكنك لا تستسلمين. أصوات نباح الكلاب تأتي من بعيد فتجاوبها أصوات كلاب أخرى وهناك شىء يراقبك ويتبعك من خلفك ربما كان ثعلباً أو ذئبا..) من أنفاس صليحة ألا ترى فيها حالات مربكة ومبهمة أحيانا أخرى؟

الكاتب يحكي هنا ما يدور حول الصبية صليحة من أحداث وأخطار تحدق بها في الصحراء في ظلمة الليلة وهي غير منتبهة وغير مبالية في سبيل اللحاق بجدها، وهي مستعدة لأقصى درجات المجازفة في سبيل ما تعتقد أنه الصواب وفي سبيل اللحاق بمن تحب. بل هي تتحدى المجهول وتهزأ به. والنص المذكور يعرض ما يقابله كل من يسير في الصحراء ليلاً وأكثر الحيوانات المنتشرة في الصحراء هي الثعالب والذئاب، علماً بأن صليحة تعرضت لهجوم الذئب عليها حين وقعت على الأرض قبل أن ينقذها أهل الفريق. ما رواه الكاتب هو وصف دقيق ومتابعة لرحلة الصبية صليحة! ولو ترى أن مثل هذه الأخطار التي ذكرت في بداية الرواية تهون حينما ترى الأخطار الحقيقية بعد ذلك.

تقنية الكتابة عندك من أين ترتكز تفاصيلها؟

عمر فضل الله يحتشد للكتابة بكل ما أوتي من عقل ومشاعر ووجدان. لحظات الكتابة عنده هي بمثابة انتقال من عالم الحضور إلى عوالم الاستغراق وانتقال من عالم اليوم بالسفر إلى عوالم الأمس القديم الذي طوته الأيام وغاب بين ثنايا الأحداث، يبحث عن شخوص الرواية في زوايا الطرقات القديمة والأزقة المهجورة والقرى المنسية ثم يتقمص تلك الشخوص فيفكر بعقلها ويتصرف وفق زمانها ثم يعود إلى واقعه فيستدعي كل أدوات اللغة والبلاغة وذخائر المفردات وذاكرة التاريخ ليرسم لوحة مجسمة لذاكرة الأيام، بفرشاة يرسمها على الورق أو الحاسب الآلي يرسمها بالحرف ويحيل التاريخ إلى الخيال المحكي فيبعث فيه الحياة ويقدمه للقارئ على طبق من حب.

استخدامك الأسطورة فى أطياف الكون هل يعفيك من رفض الواقع كماهو أم هو حال كشف وتبحر أكثر للوقائع؟

الأسطورة تجعل الكاتب يطير حراً محلقاً في سماوات الوهم والخيال واللامعقول ليقول للناس ما لا يمكن أن يقال في الحقيقة، وليجعل العقول تتوهم قبول ما لا يمكن أن تتعايش معه لو احتكمت إلى الواقع وبذا فالأسطورة هي وسيلة يلجأ إليها الكاتب ليبحر بالقاريء في عوالم جميلة قبل أن يعود به إلى مآسي الواقع وبهذا يكون الوقع عليه أقل وطأة. فأطياف الكون الآخر طافت بنا في عوالم الأسطورة لتنتهي بنا إلى عوالم حقيقية وناقشت قضايا فلسفية وآيديولوجية بطريقة مشوقة وخلطت الأسطورة بالحقائق التاريخية فطرقت تاريخ العقائد والأديان (بدءاً بالوثنيات القديمة ثم الحنيفية الإبراهيمية ثم اليهودية والنصرانية لتنتهي بالإسلام) من مدخل لم يتطرق إليه أحد من قبل وخلصت إلى مناقشة الواقع من باب خفي يكتفي بالإشارات عن صريح العبارات.

أنفاس صليحة ومهارات عمر فضل الله النجم الساطع !!!


كتب مبارك صباحي:
______
مدخل أول :
(…عند الفجر سقطت( سوبا) العاصمة ، وحين أشرقت شمس النهار غربت شمس (علوة) كلها ، وانتقض ملكها ، ولم تبق منها إلا اﻷطلال ، واﻷنقاض لتشهد على مجد غابر مضى ولن يعود مثلما كان باﻷمس …)
مدخل ثان :
يكفي فقط أن تلقي نظرة سريعة على عنوان الكتاب أنفاس صُليحة (بضم الصاد) وبعض الأسطر المنتقاة في المدخل اﻷول كي تدرك أن إبداعاً مذهلاً يطلع به ذلك الشاب الأسمر الوسيم النحيل فتى السودان وابن العيلفون الهمام دكتور عمر فضل الله… ثقافته العميقة والمتنوعة والمتجددة وخياله الواسع وذكاؤه الوقاد ، وتمكنه من اللغة العربية ومهاراتها المتعددة جعلته يروي ويحكي ويصف ويحلل ويقارن ويتحفنا بالجديد بل يرفد المكتبة السودانية بالروائع والدرر في صمت ودون ضوضاء أو جلبة إعلامية في سلسلة مشروع أو مدرسة جديدة وعملاق قادم إلى سماء الأدب السوداني والعربي اسمه عمر فضل الله ….لكل هذه الاعتبارات فالمرء لايملك إلا أن يحس بالإعجاب والتقدير لهذا الكاتب المجيد الذي عانق الثريا وطبقت شهرته اﻵفاق كما يقول الدكتور بدر الدين السر.

على هامش الحدث :

__
شهدت قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم أمس الأول بتاريخ الأحد الموافق 2017/9/10 م وبرعاية دار (مدارات للطباعة والشر والتوزيع ) حفل إطلاق رواية (أنفاس صليحة) ، تأليف الكاتب د.عمر فضل الله، وتولى عملية تقديم الكتاب وتحليله الناقد والباحث والقاص بروفسير محمد المهدي بشرى والدكتور مصطفى الصاوي وقدمت الحفل الأستاذة سناء أبو قصيصة وشارك في الاحتفال حضور نوعي من الأدباء الشباب والمهتمين بالشأن الأدبي إلى جانب وكالة سونا للأنباء وممثلين لأسرة الكاتب عمر فضل الله ورئيس قروب مجتمع العيلفون الاستاذ /عبد العظيم محمد عثمان والأستاذ/ سيف الدين عبد الله عن أسرة دار الشيخ ادريس ود الارباب والأستاذ/ أسامة محمد أحمد قيامة رئبس تحرير مجلة الخرطوم الجديدة ومبارك عبد الرحيم صباحي رئبس تحرير صحيفة العيلفون.

البروفيسور محمد المهدي بشرى أشار في تقديمه للرواية بأنها تشتغل على التاريخ وتحديداً فترة مملكة علوة وعاصمتها سوبا ونهاية المسيحية التي سادت لاكثر من 600 عام وأن الكاتب انتبه بذكاء لهذا المصدر المهم ، واصفاً المؤلف بان لديه مشروع روائي متكامل ﻹعادة سرد تاريخ السودان في بناء درامي جديد كما شمل الاحتفال مداخلات أدبية مشوقة وممتعة تصلح هي الأخرى لعمل كتاب نقدي قيم مصاحب للرواية الاصل وتناول هذه المساجلات كل من دكتور عز الدين ميرغني والأديب السفير جمال محمد ابراهيم والروائية الاستاذة بثينة خضر مكي والاستاذ أسامة قيامة. 


الدكتور الصاوي أشار إلى أن تفسير الأعمال الأدبية هو محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره للكشف عن مواطن الجمال أو الإخفاق في الأعمال الأدبية وأن البصر الثاقب يكون خير معين على إصدار الحكم فالادب ونقده ذوق وفن قبل ان يكون معرفة وعلما وان كانت المعرفة تعين صاحب الحس المرهف والذوق السليم .

في خاتمة اللقاء اشاد الدكتور عمر وشكر الذين تكبدوا المشاق بالحضور واعدا بانه سيرفد المكتبة السودانية والعربية بالكثير من الروايات والتي وصل بعضها مرحلة الطبع وقال إنه سواصل في هذا المضمار إلى أن يصل الي نهايته ويترك الحكم للقراء لتقويم التحربة سواء بالنجاح أو الفشل ..

تفاصيل اوفى عما دار في الحفل نتركها في مقام آخر لأننا لم نقرأ الرواية حتى لحظة كتابة هذا التقرير وحاولنا ان ننقل لكم الإطار العام فقط و (أنفاس) قاعة الشارقة في تلك الليلة الأدبية البهيجة، ونجمها الساطع دكتور عمر فضل الله والتي يمكن أن نطلق عليها تاريخية …هنيئاً لمن حضر … وفي أمان الله.
منقول

مشاركة السفير جمال محمد ابراهيم حول رواية أنفاس صليحة


(السلام عليكم شكراً جزيلاً والتهنئة أولاً لدار مدارات والشكر أيضاً لدكتور عمر على هذا العمل المميز المتفرد. أنا ليس عندي كلام كثير لأقوله لأنني لست بناقد ولكني أدردش واقول انطباعاتي. لقد غرقت في هذه الرواية بصورة لم تحدث من قبل فلم يحدث أن شوقتني رواية مثل رواية عمر هذه. واستغرقت قراءتي لها أقل من يوم وأنا من أوائل الذين قرأوها.
الذي لفت نظري في هذه الرواية أن أحداثها تدور على مدى الحزام التاريخي القديم (الحزام السوداني) الذي يبدأ من المحيط وينتهي بالبحر الأحمر. الرواية مساحتها في هذا الجزء. والرابط بين السودان والمغرب لم يتناوله أي شخص في أي عمل روائي أو عمل قصصي أو حتى شعري بالرغم من أنه يوجد رابط قوي جداً بين السودان والمغرب. وإذا كنا نتكلم عن التاريخ القديم وقت دخول الإسلام وحركة الهجرات القديمة فلم تكن كلها قد جاءت إلى السودان من المشرق لكن من المغرب أيضاً جاءتنا هجرات مؤثرة للغاية. بيد أنها لم تظهر في كتابة التاريخ بالرغم من أنها كانت واضحة جداً. ابن عمر التونسي الذي وفد من تونس وأقام في السودان بشكله الحالي كتب عن السودان وعن تاريخه وعادات الناس وأشياء أخرى كثيرة. قليل من المؤرخين تناولوا هذا الجانب لكن الكثير من الهجرات جاءت من منطقة المغرب العربي من تونس ومن ليبيا ومن الجزائر ومن المغرب جاءوا مهاجرين إلى السودان. وجود مجموعة ما نطلق عليه المغاربة الموجودين في بحري وفي الخرطوم وفي كوستي وفي سنجة هي مجموعة تؤكد قدم الصلات بين السوداني النيلي والمغرب.


تحضرني رواية ليون الإفريقي لأمين معلوف ففيها أيضاً رحلة لكنها انتهت إلى روما فانتهت إلى أوربا لكن فيها مساحة من الحراك ومن الأحداث تدور من الأندلس من المغرب مروراً بموريتانيا والسودان ولحد دونقلة ولحد مصر ثم بعد ذلك إلى أن وصل روما. ذلك هو ليون الإفريقي والرواية المشهورة لأمين معلوف.
هذه المنطقة لم تتم الكتابة عنها كثيراً كما قدمت لكم لكن دكتور عمر أخذ راحته تماماً فكتب لنا عملاً مشوقاً للغاية، جاذباً للغاية، يمس التاريخ من ناحية ولكن أيضاً فيه الخيال الواسع للكاتب ولديه المقدرة العالية في سرد الأحداث التي تمت من خلال هذه الرواية.
الذي لفت نظري أيضاً هو موضوع اللغة. فاللغة سامية للغاية، مترابطة، وما فيها أخطاء في كل صفحات الكتاب. الراوية كاملة وسليمة لغوياً ونحوياً وصرفاً وفي كل شيء! حتى اللهجة المغربية!.
(تصفيق حاد من جمهور الحاضرين)
وأنا ما عارف هل دكتور عمر هذا فعلاً عاش في المغرب فترة طويلة؟ وكنت حريصاً جداً على معرفة هذا لأنني عشت في تونس حوالي سنتين أو ثلاثاً.. فكنت حريصاً على تقصي اللغة فرأيت اللغة المغربية عنده سليمة مائة بالمائة! حتى أنني شككت فقلت سأرى إلى أين ينتهي نسب هذا الرجل فيكون اسمه عمر فضل الله من؟ ماذا بعد فضل الله من أسماء؟
(تصفيق حاد من الجمهور)!
على كلٍ هذه تهنئة حارة على رواية وعمل مميز يستحق أن يكون علامة فارقة في الأدب الروائي السوداني فألف تهنئة دكتور عمر وألف شكر لكم للاستماع.
السفير جمال محمد إبراهيم حول رواية أنفاس صليحة.
قاعة الشارقة الخرطوم – الأحد 10 سبتمبر 2017

مشاركة الدكتور عز الدين ميرغني في حفل إطلاق رواية أنفاس صليحة


(أنا من أوائل الذين قرأوا الرواية قبل أن تطبع. الاسم رائع جداً أعجبني الاسم: أنفاس صليحة، يُخَلِّدْ الرواية. لأن اختيار الأسماء دائماً يجعل الناس تحفظها حتى ولو لم تقرأ الرواية. (أنفاس) معناه أن هناك شيئاً يخرج من صليحة مثل التداعيات. وفعلاً حينما تقرأ الرواية تشعر بأن هذه هي أنفاس صليحة. إذن فالإسم معبر جداً ومتناغم ومتماهي مع أحداث الرواية ومافي شك تشدك الرواية من أول مرة.
الرواية استخدمت – كما قال أساتذتنا – عنصر التخييل لنقل التاريخ لأني لا أبحث في أن صليحة شخصية حقيقية أو غير حقيقية فهذا لا يهمني أبداً. وحتى لو كانت شخصية حقيقية فكل ما يجري في الرواية هو تخييل فملكة الخيال عند الكاتب كبيرة جداً.
والتاريخ كما قال الأساتذة يخص فترة دولة علوة وخراب عاصمتها سوبا لكن لم يكن هذا هو الموضوع الأساسي في الرواية وإنما هي رمزية مفتوحة الدلالة. صحيح أن دولة علوة وسوبا كمادة خام تاريخية استخدمت كثيراً ولكنها مازالت مفتوحة للتخييل والتداعيات. وكانت هناك محاولات للحسن البكري في استخدام تاريخ سوبا ودولة الفونج غير أن الواقعية السحرية كانت طاغية فيها فلم يستوعبها كثير من الناس إلا الصفوة منهم.
أعتقد أن (أنفاس صليحة) محاولة من الكاتب لتأكيد هوية الوسط السوداني بأنها ليست حكراً على قبيلة معينة وإنما هي تكوين من خليط من حضارات قديمة أنتجت هذا الوسط السوداني. لأن سوبا جغرافياً تمثل هذه الوسطية الجغرافية والثقافية في السودان والجذور الضاربة في القدم بل تؤرخ لحضارة قديمة وفيه تأكيد لعراقتها فلو أن عاصمة استمرت 600 سنة فمعناه أن هذه حضارة عريقة جداً. بمعنى أن فيها التسامح الديني وفيها الاستقرار ثم جاء بعد ذلك الدمار والخراب إذن النص مفتوح الدلالة والسؤال من الذي خرب سوبا إذا كانت بكل هذا الاستقرار وهذه الحضارة القائمة فإن خرابها يكون إدانة لمن خربها. وبمعنى أن هذا الامتداد الحضاري وهذه الهجنة عند الوسط تمتد من المغرب الأقصى إلى منطقة سوبا بمعنى ان هذه المنطقة كانت شيئاً واحداً وأرضاً مفتوحة والاستقرار أيضاً مفتوح والزواج أيضاً متاح ومفتوح. من قوافل الحج القديمة من تيمبوكتو إلى مكة الناس كانوا يتخلفون ويبقون. والغريب دائماً الناس يتخلفون في السودان! بمعنى أنه بلد تسامح منذ القدم تمر به هذه القوافل.
ما استشففته من هذه الرواية أن الرواية أفلحت في تأكيد ذلك دون أن يحدث ذلك تقريرياً فالكاتب لم يفرض أي نوع من الوصاية أو نصر قبيلة على قبيلة أو حضارة على حضارة لكن ذكاء الكتابة يأتي هنا في أن الحدث يقنعك، فإما أن تخالفه في منطقه بمنطقك أنت دون تبخيس لمنطقه وإما أن يقنعك بمنطقه أيضاً.
كيف تغامر فتاة من المغرب بهذه السن وهي شابة غريرة من أجل أن تلحق بجدها فالراوي أوجد بداخلها كماً كبيراً من المعرفة بجدها وهو ما دفعها لأن تلحق بذلك الجد.
هذه المغامرة من صليحة سبقتها مغامرة كتابة. لأن أعظم الروايات ليست كتابة المغامرة وإنما هي (مغامرة كتابية) بمعنى أنه غامر بأن يكتب رحلتها فالدكتور عمر غامر مغامرة كبيرة جداً بأن يكتب رحلتها حتى وصلت إلى سوبا من أقصى بلاد الشنقيط وهذه مغامرة كبيرة جداً.
تتمثل هذه المغامرة في الآتي:
– أن الكاتب وقع في امتحان معرفة المكان وثقافته ودروبه ولغته ولهجاته وطريقة معيشته وقبائله قبل أن تتحرك صليحة واجتاز هذا الامتحان بنجاح.
وقد انتقل بالقاريء إلى المكان بجغرافيته المميزة وبزمانه التاريخي الذي جعلنا نحسه ونحس بأننا نعيش مع صليحة في المكان وقبل أن تغادره ونحس بزمانه أيضاً لأنه زمان مختلف جداً فالنجاح هنا في هذه المغامرة الكتابية زماني ومكاني.
– والمغامرة الأخرى التي دخل فيها الكاتب هي مغامرة اللغة لأن امتحانها كبير. وهناك من الكتاب وخاصة كتاب الرواية من يملك الخيال ولا يملك اللغة وهناك من يملك اللغة ولا يملك الخيال ولكنه وازن بين الاثنين فالكتاب العظام دائماً هم الذين يملكون الخيال واللغة معاً.
– ثم ترابط الحدث فالحدث مترابط جداً لم يفلت خيط السرد أبداً من يد الكاتب، وكانت اللغة هي الوعاء الجيد للمكان بثقافته فكان يأتي باللهجة المغربية في وقتها بقدرة كبيرة أعجبتني جداً رغم أن معرفتي بها متواضعة ولكني فهمت ما يقصده، ولو لم يذكر هذه اللهجة المغربية لاختلَّت الرواية.
– لقد كانت الرواية رائعة أيضاً متوالية في وصفها وهي تتحرك مع صليحة محطة محطة حتى تصل إلى سوبا بمعنى لغة وصفية محسوسة ومجردة معاً فلم تكن وصفاً إنشائياً مدرسياً وإنما هي وصف يورد الإحساس بالوقت فكانت اللغة في كل مكان تلبس لبوسه الخاصة، ففي الصحراء يورد ألفاظ الصحراء ووصفها الرومانسي، في المدينة، في الوهاد، في الجبال حتى تجعلك تقبض أنفاسك وأنت تتابع رحلة صليحة وتتعاطف معها وتخاف عليها مع أنك تعلم مسبقاً أن صليحة موجودة الآن في سوبا وهذه هي عظمة الرواية. فعندما تحكي لك صليحة أنت كقاريء تعرف أنها وصلت سوبا لكن كيف وصلت سوبا وكيف أوصلها الكاتب؟ كان هذا هو الامتحان الثالث الذي نجح فيه الكاتب أيضاً.
هنا مقطع يقول: (كل خطوة تخطوها الجمال في هذه الصحراء تزيد معرفتك بها. هذه الصحراء متقلبة المزاج والأحوال ففي حين تكون صحراء لطيفة تتدثر بالرمل الناعم وتتلوى وهادها وكثبانها طيعة تحت أخفاف الإبل في أحيان أخرى تقسو بترابها ونباتها وتصفر الريح غاضبة قبل أن تهب العواصف مزمجرة تنفث الرمال على وجوهكم وتحثو التراب فوق رءوسكم…)
هذا وصف رائع جداً للصحراء لم يكتبه كثير من الناس إلا الذين عاشوا في الصحراء مما يؤكد كلامي بأن الرواية صارت معرفة وليست كتابة فقط. يجب أن تعرف جيداً المكان الذي تكتب فيه.
– اللغة راسخة جداً ومتتبعة لمسار صليحة جعلت الراوي نفسه دليلاً وخبيراً بالمكان، وهذا يمثل خبرة الكاتب وبحثه قبل الكتابة لأن الرواية هي بمثابة بحوث أيضاً، زيادة على الموهبة والخيال وجماليات اللغة وثقافة المكان الذي تتحرك فيه الشخصية والزمان الذي تعيش فيه وأعتقد بأنها معرفة (زمكانية) كما يقول النقاد. وأعتقد أن الكاتب اجتاز امتحان اللغة بمقدرة هائلة.
– ثم يأتي بعد ذلك التكنيك الفني في البناء الروائي فقد كان رائعاً جداً حيث أن الراوي هو راوٍ عليم، يعرف كل شيء يدور في المكان والزمان لكنه يسلم السرد لصليحة بدون أن تقول أنا لأنها صغيرة في السن لا تستطيع أن تخلق تيارا من الوعي (Stream of Consious) ولكن كان هذا ذكاء الكتابة والامتحان الخامس الذي نجح فيه المؤلف.
شكراً جزيلاً)

الدكتور عز الدين ميرغني
في حفل إطلاق رواية أنفاس صليحة – دار مدارات لللنشر ، قاعة الشارقة الخرطوم
الأحد 10 سبتمبر 2017

حفل إطلاق رواية أنفاس صليحة – قاعة الشارقة الخرطوم سبتمبر 2017


[fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”][metaslider id=16399][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]

نقاط عبور – صديق الحلو: رواية أنفاس صليحة


أنفاس صليحة رواية عمر فضل الله. صدرت من مدارات للطباعة والنشر 2017 في 245 صفحة من القطع المتوسط. رواية شاملة كتبت بذوق رفيع. تتماهى مع الراهن بمعرفة. تمس أسباب الوهن دون لجاجة. “عند الفجر سقطت سوبا العاصمة وحين أشرقت شمس النهار غربت شمس علوة كلها وانتقض ملكها ولم تبق منها إلا الأطلال والأنقاض لتشهد على مجد غابر مضي ولن يعود مثلما كان بالأمس”. هنا كل شيء أصيل في رواية أنفاس صليحة: دفق العاطفة، الواقع المدهش، التعبيرية الباذخة، الرومانسية الشغوفة والرمزية المحببة. الفكرة متماسكة ومسبوكة جيداً. الهدف واضح والمنهج بين عمق يوصلك حد الثراء الفكري والرؤية واضحة. تحس بقوة المنطق ومتانة الحجة.

“النيل اختبأ في مجراه وغطى وجهه بأجساد الموتى وكأنه يخشى أن تنال منه سيوف المقاتلين ورماحهم بعد أن جرى ماؤه دماً أحمر، والتماسيح شبعت من الجثث الطافية على وجه الماء”. بلاء محيق يحيط بأرض النيلين ومؤامرات المحيطين تدعو للرثاء. الركاكة أصابت حركة المجتمع. ذلك شيء لايزيله سوى الصالحين والمصلحين. حين تصاب البلاد بالتكلس وعدم الإحساس تنمو الأخطاء وتفرهد. تروح البلادة وتجيء ويسود الغباء والتهور.

“وأشرعة القوارب والسفن اشتعلت ناراً ودخانها المتصاعد تراقص فبلغ عنان السماء وسحبه الكثيفة غطت الأرجاء فقد أحرقوا أسطول الملك وسفنه والمراكب الشراعية الراسية غربي قصره قبالة الطرف الشمالي التي طالما شهدت مجونه ولياليه العابثة”.
عندما يسود النزق والضحالة يتحول كل شئ إلى مسخ. الغموض والعناد وتضخم الذات يؤدي إلى خداعٍ كبير وإلى النهاية والتلاشي .خواء الروح يؤدي الى الدمار. وأنفاس صليحة رواية مدهشة حد التخمة عرضت كل الصور الجميلة والمشوهة الممسوخة والمسخوطة. وتلك الملأى بالنبل والفروسية. شروخات كثيرة أصابت المجتمع وعمت الأرواح.
“ها أنت تشهدين الخاتمة بأم عينيك بعد ما كان أهل سوبا يقصون عليك من قبل أساطير البدايات ويقرأون في ساحة المدينة كل ليلة أخبار الحروب القديمة وصمود أسوار سوبا في وجه الغزاة في جميع الأزمنة الماضية”.
السلبية والسطحية هي ما أدى لخراب سوبا. هذا الزخرف ماهو إلا زيف خالٍ من المضمون. رواية أنفاس صليحة سردٌ كما قصيدة موشاة بلحن الحنين مدعمة بالخيال الوثاب، ومنفتحة في كل الاتجاهات بحس قوي مليء بالكبرياء والألق. كتابة كاملة الدسم. نظمت فوضي حياتنا ورفدتها بالخصوبة والجمال. أنفاس صليحة رواية رائعة فائقة الجمال شكلاً ومحتوى.
وظف عمر فضل الله التاريخي والنفسي والفني مواكباً العصر في أحداث عظيمة ومؤثرة.

أنفاس صلَيحة.. مرة أخرى : الصادق عبد الله


أنفاس صلَيحة.. مرة أخرى

أعالج هذه المرة نصاً من شأن التنمية.. وبناء القدرات.. شراكة سمها مع الخليج أو غيره من شراكات التنمية..

وجهاز صغير إلى جنبي ..يبث نغمات وكلمات .. اشتقت ليك ساعة المسا فرد الجناح.. شوق اليتيم غلبو البكا .. والعبرة سدّت في الحلق.. من كم سنه سرج النياق في ليل وحاتك دون خبر.. مديت معابر شوقي ليك ..وحنين حنيني الطاغي ليك.. وفي اللحظة ديك اشتقت ليك واحتجت ليك .. قصة الجدة صليحة تنتابني.. إنه اسماعيل حسن.. إنه محمد ميرغني.. يغنيان.. لليتيم .. غلبو البكا.. لكن عمر فضل الله ايضاً.. في أنفاس صليحة..

أنفاس صليحة.. قصة من التيليباثي (التخاطر) عبر التاريخ.. الصحراء.. رحلات الحجيج.. قصص مملكة غابت عنها الشمس.. لكن .. لا زلنا نذكرك أيتها الجدة ..أيتها اليتيمة الغريبة.. نكاد نوقظك مرة أخرى لتحكي لنا عيان وبيان.. قصتك.. أتذكرين حين تخرجين كل يوم إلى أطراف البلدة تنتظرين عودة أبيك وأمك الذين لم يعودا ولن يعودا. فبقيت يتيمة.. جدّك كان يعلم فاجعة اليتم لصبية مثلك. لكنه سار جدك في رحلة الحج. ثم انفطر قلبه عليك وحزن لفراقك. جلس يبكي عليك كما لم يبك في حياته قط .. عاد من الحج لم يجدك.. علم ايتها اليتيمة أنك قد غادرت المكان تبحثين…ثم عاد منفطر القلب من حيث أتى. ..

تركضين لاهثة.. تلتحقين بقافلة.. يحذرك دليل القافلة من العقرب والثعبان في الصحراء، ومن تقليب الصخور. الحذر في كل خطوة. وفي ليلة ظلماء شيء ما يقترب منك. أنفاسه .. أنيابه الطويلة. لا تخافين ثم ترينه يقفز بعيداً .. ينطلق مبتعداً مذعوراً… وفي ليل الصحراء تثور الرمال.. حفرة في الرمل تجلسين فيها وتتدثرين بالثياب ولما تنهضين لا تجدين أحد هناك. آه لقد ذهبت القافلة منذ مدة .. أحسست هذه المرة برعشة تسري في أوصالك.. وعندما خرجت من مكانك إلى أعلى التلة.. يباغتك أحد ويربط قدميك ويعلقك مقلوبة من قدميك.

ثم تعجبين .. يعود الرجل يفك أسارك، يلحقك بقافلة تنطلق شرقاً عند الفجر.. امرأة في القافلة تعرف أنك تسيرين وحدك.. فتضمك إليها في المسار الطويل. تصلين إلى سوبا ووأيام تقضينها طريحة الفراش بعد عناء الرحلة.. ثم تخرجين وتسيرين في طرقاتها… في أسواقها .. هي خليط من الألوان والأجناس والأنفس والقبائل.

في سوبا ..تسألك زوجة عبدالله جماع إمرأة. من أنت وماذا تريدين؟. تجيبين ابحث عن جدّي جئت إلى هذه البلاد أبحث عنه يا «عائشة»!. كل يوم تطوفين شوارع (سُوبَا) وتنتظرين القوافل لعله وجه جدّك بينها.

وسنة كاملة يمضيها جدك .. مرافقاً قافلة الحج في سيرها الطويل المضني..يهاجمهم قطاع الطرق.. تتفرق القافلة ويفقد جدك أشياءه الثمينة.. يعبر البحر جدك ، ويذهب حاجاً .. يسأل الله أن يجمع بينك وبينه حفيدته «صُلَيْحَة». صليحة كانت كل همه.. كل دعواته وصلواته صليحة.

يعود جدك الحاج عبدالحميد اللقاني.. تقابله قافلة من (سُوبَا) يخبرونه بحصار المدينة.. ويحدثونه عن فتاة تعترض القوافل تسأل عن جدها.. (هوي ما شفتوا لي جدي عبدالحميد) .. يشد العزم يصل بعد اشهر ثلاث إلى (سُوبَا). لا يرى سوى الأطلال والخرائب . يصلي العشاء ثم يتوسد ذراعه لينام.

يتيم آخر .. عبدالسميع فتى يخدم القافلة. هو الآخر فقد الأب والأم في الوباء .. يحلم ببلاد مثل الجنة (أصلو ما معروفة وين).. صاحب جدك في رحلته شرقاً.. ثم فارقه في منتصف الرحلة إلى بلاد (النوبة).. ذاك أيضاً حين هاجم اللصوص القافلة كان عبد السميع من بين أولئك الهاربين.. تنتهي رحلة عبدالسميع إلى سوبا.. يلقاك.. فتتزوجينه.. لا أنت ولا هو يعرف .ز أنه رفيق جدك.. لكن اللصوص اضاعوه..

جدك ..يصلي العشاء ثم يتوسد ذراعه.. يستيقظ ليلاً.. فيرى شبحاً جاء يمشي نحوه.. رغم الظلام تشبه مشيتة الفتى عبد السميع.. إنه هو.. يهرع نحو جدّك الحاج ويعانقه. ثم يستضيفه عنده هناك في مشارف بادية (البُطَانَة). يقودان جمليهما .. يتحدثان .. ابحث عن حفيدتي. فإذا بك تخرجين من الخباء يا «صُلَيْحَة»! فيراك أمامه، فيفاجأ بك وتفاجئين به أمامك بقامته الفارعة، وثوبه الأبيض الجميل.

كلاكما أصابته صاعقة الدهشة. حين رآك ترنح وكاد يسقط. ثم تماسك فبقى واقفاً. هو غير مصدق. وأنت لا تصدقين، لكنك تركضين في جنون صوب ذراعيه المشرعتين لاحتضانك. نعم يا جدّي. روحي رأتك فعلمتُ أنّني سوف ألقاك. وبحمد الله رؤيتي قد تحققت فرأيتك على الحقيقة. ..

ثم ها أنتما ترقدان ابدياً .. قبران مجهولان في سكون أبدي، تسفي عليهما الرياح وتهطل الأمطار. تبنت شجيرات من الأكاسيا .. وعلى أديمهما قطاة تبيض .. ثم تطير مع أفراخها إلى جهة مجهولة. .. يمر النّاس بهما ولا يعرفون اسماً لصاحبيهما، فقد مات كل من كان يعرفهما. لكنهما مازالا هناك متجاورين، لا يشهدان تقلب الفصول، ولا تعاقب الليالي والأيام، فذلك لم يعد يعنيهما في شيء، ولا ينتظران أحداً يمر ليلقي التحية أو يرفع يديه بالدعاء، فقد مات كل من عرفهما…

الآن.. من بعث هذا الحفيد بعد طبقات من التاريخ .. يناديك.. يخاطرك.. وتخاطرينه.. يسائلك.. ..يقرأ خواطرك.. وقصتك عبر الصحراء.. الرمال.. القوافل.. سوبا.. عبدالسميع.. عبدالله القرين.. ينطوي الزمان..

وجدك.. يا صليحة.. لا تشائين أن تفاريقنه.. حتى الممات.. تلحقين به وترقدين إلى جواره.. قبران .. صامتان .. تشرق عليهما الشمس كل يوم.. تبث شعاعها وحرارتها. تنبت شجيرات الأكاشيا.. طائر القطا قرب القبرين يتخذ مفحصاً.. يضع بيضه.. يكير يغادر عشه في إقلاعه المعهود..

القمر ياتي مساءا.. يصيب الصحراء منه سحر وسكون.. يظل القبران صامتين.. .تدور السنون.. تروح أجيال.. لا أحد.. يذكر صليحة وجدها.. إلا هذا الحفيد.. الذي اسمه اسمه عمر.. وهذا القارئي.. يكاد يوقظك.. فلتنامين.. وسلام عليك وعلى أمم ممن معك.

وحدك هناك عبر المدى ما سامعه صيحات اليتيم.. بيموت وحيد في الضلمه زي موت الصدى.. وبقيتي إنتِ هناك براك.. زي الفنار الواقفه في قلب الغريق . مديت معابر شوقي ليك..

الصادق 15 مايو 2017

أنفاس صليحة للدكتور عمر فضل الله – مقال بقلم الأستاذ عبيد المجذوب


أنفاس صُليحة
د. عمر فضل الله
بقلم الأستاذ Obaid Al-Magzoub
الموضوع:

– الهجرات العربيّة إلي علوة.
– الهجرات الإفريقيّة.
– سقوط علوة.
المجتمع الجديد في علوة:- عرب ونوبة.
الدّين: مسيحيّة منقوصة مع رفض كنيسة الإسكندريّة وكنيسة أكسوم مّد يد العون.
– إلحاق الإنتهازيّة بالمسيحيّة بغرض مصالح ذاتيّة ومنافسة الملك وإنقسام دولة علوة داخلياً.
الملك وأنصاره من جهة، والكنيسة وأنصارها. وثنيّة، ومسيحيّة ضعيفة،
وإسلام منقوص، وعداء بين الكنيسة وعرب القواسمة ولّد أحقاداً قادت للإنقسام.
تحالفات: العرب وقبيلة الفونج القويّة.
والكنيسة والأحباش وقبائل أُخرى.
عرب القواسمة يخشون أن تنتفض قبيلة الجعليّين القويّة علي علوة من الشمال والغرب وتسيطر علي البلد لهذا السبب تحالف عبد الله جمّاع مع الفونج.
تعدّدت أصوات السرد ممّا أضفى واقعاً سحريّاً مع قفزة غر يبة بأن يكون الراوي سواءً كان الجد أو الأب أو الحفيد عند عناق صليحة تتملّكه قدرات أسطوريّة بالعودة إلي ماضي صُليحة الذي لا يعرف عنه شيئاً أصلاً فيستطلع الماضي ويحكى صُليحة نفسها وليس الآخرين بلسان المتكلّم والإستعانة بإحدى فنيّات السرد (الفلاش باك).
ما الذي تضيفه قوّة الأسطورة لأنفاس صُليحة لقوّة السرد؟
كأنّ الكاتب أراد دعم العنوان بهذه الصورة كونه عنصراً أساسيّاً من عناصر السّرد.
ومع ذلك طريقة الحكى هذه تدعم الجانب الأسطوري من الرواية في تنقّل صليحة في سنّ صغيرة من اقصى المغرب عبر الصحراء في رحلة شاقّة إلي سوبا بطريقة رائعة.
ودوانة زوجة الأمير وولي العهد أوندي الذي أعدمته الكنيسة لتكون لها مطلق السيطرة السياسيّة والدينيّة وابنتهما الفاتنة أونتي كان رائعاً حقّاً الإظلام الذي فرضه الكاتب علي ما تمّ بين عبد الله القرين ودوانة وما جرى من أحداث وانتقالها إلي سوبا كانت الحبكة رائعة وإظلاماً شاملاً إلي أن انكشف في نهاية الأمر أنّ دوانة لم تكن سوى عجوبة التي خربت سوبا وبدا جليّاً أنّ عمليات الإظلام في جوانب من الرواية عمل تكتيكي مؤثّر من قبل الكاتب.
مع إعجابي الشديد بالرواية والجهد الذي بذله الكاتب في تسليط الضوء علي سقوط دولة علوة وما كان يدور من مؤامرات بين الكنيسة والملك والعرب والنوبة والمسيحيّة والإسلام وكلّ القضايا اليوميّة في مجتمع سوبا الدّاخلي التي ساعدت علي سقوط سوبا وبالتالي علوة إلا أنّني حبّذت لو أنّ الرواية انتهت بنهاية مملكة علوة وسقوط سوبا بالمقطع المظلم من شخصيّة دوانة دون أن يصرّح أنّها سوبا [لعلّ الكاتب علي صواب؛ ذكر لي أحد الشباب النّابهين أنّه لم يكن يدري مطلقاً عن حقيقة عجوبة وسوبا إلا بتصريح الكاتب عن حقيقة دوانة وإلا لما فهم العلاقة من المثل المبهم السائر عن عجوبة الخربت سوبا!]
التهيئة لسقوط سوبا ونهاية علوة كان رائعاً ، المنازعات مع الملك وبين النوبة والمزارعين والعرب الرعاة والجعليّين والقواسمة وسقوط مجتمع علوة في بغضهم للمسيحيّة التي لم تجد العون من كنيسة الإسكندريّة ولا كنيسة الحبشة وبقاء بعض سكّان علوة علي وثنيتهم لأنّ العرب المسلمين لم ينشروا الإسلام هناك بل هم أنفسهم لم يحسن إسلامهم.
وعلي العموم رواية جدّ رائعة في عمومها وخصوص تقنية السرد وجوانب الحقائق والأساطير.
عبيد المجذوب.
منتدى كردفان الأدبي.

الصادق عبد الله وأنفاس صليحة


شكرا لك د.عمر… شكرا لك د خالد فرح…
لقد تابعت من قبل الجدة صليحة وهي بعد طفلة يافعة.. من منشئها.. سمه دار فاس.. مغامرتها للحاق بجدها..وفقدانها للقافلة.. إثر عاصفة رملية.. وفقدانها راحلتها.. والتقاطها بواسطة أحد الهمباتة.. ثم تكامل خيوط نجاتها.. من وسط الحسانية.. دخولها تمبكتو.. ثم خروجها في رفقة قافلة أخرى.. وأرملة في عودتها إلى (أوليائها) بعد وفاة زوجها.. وحتى دخولها سوبا.. وشهادة صليحة لأحداث.. تدبير.. مؤامرات.. انسحاب ..تمويه.. عودة ..واقتحام.. وإزالة مدينة من وجه الأرض.. زواج صليحة..عودة جدها من رحلة الحج.. اللقاء المستحيل.. وأكثر من ذلك الراوي الحفيد.. حيث يناديها.. يسائلها.. يقرأ أفكارها.. وتقرأه.. إلى أن تغادر الدنيا تلحق بجدها.. وترقد إلى جواره.. ليصبحا قبرين صامتين.. تشرق عليهما الشمس كل يوم.. تبث شعاعها وحرارتها. تنبت شجيرات الأكاشيا.. طائر القطا قرب القبرين يتخذ مفحصاً.. يضع بيضه.. يكبر يغادر عشه في إقلاعه المعهود.. القمر ياتي مساءا.. يصيب الصحراء منه سحر وسكون.. يظل القبران صامتين.. .تدور السنون.. تروح أجيال.. لا أحد.. يذكر صليحة وجدها.. إلا حفيد بعيد اسمه عمر.. يسائل جده.. من لنا في ذاك المكان.. فكانت أنفاس صليحة… جدتي.. أو تسمعين طرق أصبعي في هذا الجهاز اللوحي.. خشيت أن أوقظك.. لكن
عبر الأثير استقبلت نصها.. طرياً.. تتبعته وتابعته.. فأصابتني الدهشة.. وأول سمت الدهشة الصمت.. ومنه الذهول. حتى أيقظني اليوم هكذا الدكتور خالد فرح.. شكراً . جدتي.. أو تسمعين طرق أصبعي على هذه اللوحة..
الصادق عبد الله.

أنفاس صُلَيْحَة: رواية جديدة للدكتور عمر فضل الله – بقلم: د. خالد محمد فرح


بقلم: د. خالد محمد فرح
Khaldoon90@hotmail.com

الدكتور عمر فضل الله أديب وقاص وباحث وكاتب سوداني مرموق ، له إسهامات متنوعة ورفيعة المستوى في شتى مجالات العلم والمعرفة والأدب والفكر والدراسات الاستراتيجية وتقنية المعلومات، وهو يعمل حالياً ومنذ عدة أعوام استشارياً كبيراً في مجال ” الحكومة الالكترونية ” بدولة الإمارات العربية المتحدة.
أما في مجال الرواية تحديداً ، فقد صدرت له من قبل رواية ” ترجمان الملك ” ، وهي عبارة عن معالجة روائية لقصة هجرة صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) في القرن السابع الميلادي إلى مدينة النجاشي التي هي ” سوبا ” حاضرة مملكة ” علوة ” ، فراراً بدينهم من بطش مشركي قريش وأذاهم ، كما اقتضت تلك الرواية ، وكذلك اتساقاً مع فرضية بذات المضمون قال بها من قبل بعض العلماء والأدباء السودانيين خاصةً ، كان على رأسهم العلامة الراحل بروفيسور عبد الله الطيب.
وكنت قد عرضتُ لهذه الرواية الأخيرة لهذا الكاتب ، في مقال لي بعنوان: ” قراءة في رواية ترجمان الملك للدكتور عمر فضل الله ” ، نشرته بالصحافتين الورقية والالكترونية معاً. فمن أراد الرجوع إليه فليقوقله ، فهو ثمة.

على أنَّ رواية ” أنفاس صُلَيْحة ” التي يصدرها الدكتور عمر فضل الله في بحر هذا العام 2017م ، تُعتبر هي الأخرى ، بمثابة معالجة روائية مماثلة لتاريخ وملابسات وآثار هجرة القبائل العربية إلى السودان ، وتزايد أعداد أفرادها وجماعاتها ، إلى الدرجة التي أغرتها في نهاية المطاف بتضييق الخناق على مملكة ” علوة ” المسيحية وإسقاطها ، وانتزاع الملك منها في القرن الخامس عشر الميلادي ، لكي تسطِّر بذلك صفحة جديدة في تاريخ البلاد ، مما غير وجهتها الحضارية ، وكرَّس فيها شخصية وطنية جديدة ، تجسدت فيها غلبة الثقافة والتوجهات العربية والإسلامية بصورة حاسمة ونهائية.

وبمثلما فعل الدكتور فضل الله في روايته السابقة ” ترجمان الملك ” ، فقد اتكأ هذا الكاتب بشدة على التراث في روايته هذه ” أنفاس صُليحة ” ، التي عمد فيها إلى المزج بين الخيال والواقع والتراث والتاريخ ، وربما ملامح من السيرة الذاتية ، إلى جانب الروايات الشفاهية ، وخصوصاً روايات النسّابة التقليديين في السودان ، لكي يُخرج لنا عملاً سردياً باذخاً ، قوامه لمع فسيفسائية الشكل من كل ذلك ، ولكنه – في ذات الوقت – يختلف عن كل ذلك ، لأنه في خاتمة المطاف ، عمل روائي وليس منجزاً بحثيا. ذلك بأن أداته الأولى هي التخييل ، وغايته القصوى هي التشويق والامتاع في المقام الأول.

ولما كانت الرواية كما يقول العتابي: ” هي حبكة وشخصية ووصف ، هذا في ظاهرها ، أما داخل ذلك فثمة آراء وأفكار ورسائل يحاول الكاتب أن يقول رأيه فهي حينئذٍ موقف من الحياة والواقع ” ، فإن بوسعنا أن نقول إن عمر فضل الله قد استوفى بعمله هذا ، الشروط والمقومات الفنية للعمل الروائي تماماً ، من حبكة ، وصراع ،وصناعة شخصيات ، وتصوير لها من حيث المظهر والمخبر والنوازع النفسية الخ ، وسرد للأحداث ، وعقد للحوارات الدرامية. ولكنه قد تجاوز ذلك لكي يلقي من خلال سرده الروائي الممتع والمشوِّق ، بعض الأضواء الكاشفة على طريقته ، على مرحلة مفصلية ومهمة للغاية من مراحل التطور التاريخي للسودان بأسره على الصعيدين السياسي والاجتماعي ، وخصوصاً منطقة الوسط التي شهدت قيام مملكتي العبدلاب والفونج على التوالي ، ثم قيام التحالف المشهور بينهما بعد ذلك.
هذا ، ولا شك في أن البعد الذاتي ، أو متعلقات السيرة الذاتية والخلفية الاجتماعية للمؤلف ، قد لعبت دوراً محوريا في صناعة هذا العمل الإبداعي للدكتور عمر فضل الله. فالمؤلف هو من بلدة ” العيلفون ” القريبة من ” سوبا ” عاصمة مملكة ” علوة ” التي انقض عليها العرب بقيادة ” عبد الله جماع القريناتي القاسمي ” الملقب ب ” عبد الله جماع ” ، فأسقطوها ، وخربوها خراباً صار مضرب مثل مشهور في السودان.
وقد ارتبطت منطقة العيلفون بشخصية الشيخ الصوفي الكبير ” إدريس بن محمد الأرباب ” 1507 – 1651م ورهطه من قبيلة ” المحَسْ “. والمحس الذين يقطنون بمنطقة ملتقى النيلين الأزرق والأبيض ، وإلى الجنوب منها قليلا والذين ينتمون إلى الخزرج كما يقال، قد عُرفوا منذ قدومهم إلى هذه المنطقة من ديارهم الأصلية بحوالي منطقة الشلال الثالث على النيل بشمال السودان منذ قرون ، بالعلم والصلاح والتدين عموما. وهم أقدم العناصر سكنى في منطقة الخرطوم الكبرى عموماً ، إلى جانب الجموعية ” العباسيين ” ، والزنارخة ” البكريين ” ، وبين الثلاث فئات تزاوج وتداخل وتجاور دائم.
ولكن محس هذه المنطقة ، كأنهم يستشعرون إحساساً خاصاً بأنهم هم الورثة الحقيقيين للتراث الثقافي لهذه المنطقة بصفة عامة ، ولعل السبب في ذلك انتشار الوعي و التعليم بينهم منذ وقت مبكر نسبيا. فعلى سبيل المثال نجد أن من أوائل من حرصوا على طباعة كتاب ” طبقات ود ضيف الله في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والفقهاء والشعراء في السودان ” ونشره ، كان هو القاضي ” إبراهيم صديق ” ، وهو من محس توتي ، وقد كان ذلك في عام 1930م. أما الرائد المسرحي الأستاذ ” خالد أبو الروس “، وهو من محس الخرطوم الكبرى أيضا ، فقد خلّف لنا أثرا أدبيا نادراً وشديد الارتباط بتاريخ هذه المنطقة وتراثها ، بل بذات الأحداث التي تدور حولها رواية عمر فضل الله نفسها ، ألا وهي مسرحيته الشهيرة ” خراب سوبا ” ، التي صرح خالد أبو الروس نفسه أنه أخذ قصتها كاملة عن عمة له.
ولئن كان خالد أبو الروس يسمي المرأة التي خربت سوبا ب ” عجوبة ” ، فإن عمر فضل الله يسميها الملكة ” دوانة ” أرملة آخر ملوك العنج في سوبا ، وتبرر الرواية سلوكها التخريبي ، برغبتها في الانتقام من بعض منسوبي البلاط الذين كانوا يكيدون لها ولزوجها.

أما ” صُليحة ” المذكورة في عنوان هذه الرواية ، فهي فتاة يتيمة والديها ، تنتمي إلى أسرة من الأشراف المغاربة الشناقيط. توفي والداها وهي صغيرة ، غب جائحة من وباء الطاعون ، اجتاحت قريتهم في بلاد السوس الأقصى بالمغرب ، فكفلها جدها وربّاها ، ووعدها بأن تسافر معه إلى الحج إلى الأراض المقدسة عبر بر السودان ، أي مملكة علوة. ولكنه اضطر إلى إخلاف وعده لحفيدته ، تحت إصرار ” الشيخ محمد ” الفقيه والمعلم بكتاب القرية ، بأن تبقى صليحة وديعة عنده بالكتّاب ، حتى تتعلم القرءان ، وكذلك خوفاً عليها من مشاق الرحلة الطويلة والمرهقة والمحفوفة بشتى صنوف المخاطر في ذلك الزمان.

ولكن صُليحة تهرب من ” الخلوة ” ، وتنخرط في مغامرة رهيبة كادت تفقدها حياتها في سبيل اللحاق بجدها الذي كانت تحبه حبا جما ملك عليها أقطار نفسها ، بل كان يمثل بالنسبة لها كل شيء في حياتها. فتتنكر في زي فتى ، وترافق قوافل التجار والحجاج العابرة للصحراء الكبرى ، وتكابد صنوفاً من الرهق والعذاب ، حتى تصل إلى سوبا ، فيسعدها الحظ بمقابلة جدها ، ويجتمع شملهما مرة أخرى. وهنالك في بلاد علوة ، يطيب لهما المقام ، فتتزوج سودانياً من أصل مغربي أندلسي أيضا ، وتصير هي نفسها جدة لراوي هذه الرواية ، بل جدة لجد جده في الحقيقة. ولما كان الراوية صبياً مغرماً ومفتونا تستهويه قصص الماضي ، فإن جدته البعيدة ” صُليحة ” هذه تحكي له ولنا على سبيل الاسترجاع أو ” الفلاش باك ” السينمائي ، سيرتها الذاتية منذ أن كانت طفلة في أرض المغرب ، وجميع ما اكتنف حياتها ، إلى أن وصلت إلى سوبا ، ولقائها الدرامي بجدها ، وزواجها بسوبا وإقامتها بها ، وما رافق ذلك من أحداث مهولة تمثلت في الصراعات و التحولات التاريخية والحضارية الكبيرة التي شهدها السودان آنئذٍ.

ولا شك في أن الاسم ” صُليحة ” الذي اختاره مؤلف هذه الرواية لكي يطلقه على بطلة هذه القصة ، له دلالته الخاصة ، خصوصاً بالنسبة لأهل العيلفون وغيرهم من محس الخرطوم الكبرى والصعيد عموما. ذلك بأنه يتناص مع اسم علم مشهور عندهم ، هو ” صُلحة ” التي هي ” فاطمة بنت الشريف حمد أبو دنانة ” ، ووالدة الولي الصالح المُعمَّر الشيخ ” إدريس ود الأرباب ” الذي مر ذكره من قبل. والشريف حمد أبو دنانة هذا كما تقول رواية شفهية شعبية واسعة الانتشار في السودان ، شريف مغربي كان صهراً للشيخ محمد بن سليمان الجزولي مؤلف كتاب ” دلائل الخيرات ” ، قدم إلى السودان في حوالي عام 1445م ، وأقام ببلدة ” سقادي ” بنواحي المحمية من ديار الجعليين ، وأنه كانت له سبع بنات ، تزوجن من رجال أعلام من أهل السودان ، وأنجبت كل واحدة منهن ولدا صار من بعد وليا مشهورا في السودان. على أن من الملاحظ والمدهش حقاً أن الشيخ محمد النور بن ضيف الله لم يذكر اسم الشيخ أبي دنانة هذا ، ولم يشر إلى هذه الواقعة في كتابه الشهير ” الطبقات ” ، على الرغم من أنه قد ترجم لجميع الشيوخ الذين تزعم تلك الرواية نفسها أنهم أبناء خالات ، كما أن الأستاذ الباحث الطيب محمد الطيب ، قد أنكر صحة هذه الرواية في كتابه ” المسيد “. والله أعلم أي ذلك كان.

وبالفعل ، فإن سياق السرد يقتضي أن تلتقي ” صُليحة ” بطلة الرواية بعائشة ابنة الشريف حمد أبي دنانة ، وزوجة الشيخ ” عبد الله جماع ” ووالدة ابنه الشهير ” الشيخ عجيب المانجلك ” ، فتذكر لها عائشة المذكورة ، أن شقيقتها هي نفسها تُسمى ” صليحة “. وتخبرها أيضاً بأنهم من الأندلس أصلاً ، رغم أنها تؤكد لها أن ” الشريف حمد أبو دنانة ” محسي القبيلة ، وهذا ما تختلف فيه الرواية عن أكثر روايات النسابة والإخباريين التقليديين شيوعا ، والقائلة بأنَّ الشريف حمد ، هو شريف مغربي فحسب.

ومهما يكن من أمر ، فهاهو الدكتور عمر فضل الله يخرج لنا مرة أخرى ، رواية دسمة مفعمة بالفن والمتعة والتشويق ، علاوة على أن فيها كدا ذهنياً ، وجهدا بحثياً ملحوظا ، وتنقيباً في المصادر والمراجع ذات الصلة في مجالات تحركات وأماكن انتشار واستقرار القبائل العربية والسودانية ، وحركة القوافل والهجرات والتحركات السكانية عبر الصحراء الكبرى ومن وإلى بلاد الشمال الإفريقي ، فضلاً عن مجالات التاريخ السوداني والإفريقي الوسيط ، واللغات واللهجات وهلم جرا.
فنراه على سبيل المثال ، وهو يورد لنا في متن الرواية ، أمثلة طريفة من اللهجة المغربية بما في ذلك نماذج مما تنطوي عليه من ألفاظ ذات أصول طارقية وأمازيغية ، وذلك في أكثر من مناسبة متى ما اقتضى السرد والحوارات الدرامية ذلك. وذلك من قبيل قوله: ” ترفاطت ” وهو وعاء جلدي يوضع فيه الصوف والوبر ، إلى جانب بعض مصطلحات الشعر والغناء الحساني الموريتاني مثل: ” اطلَعْ ” و ” الكِيفان ” و التَّبْراع ” الخ. مما يؤهل الرواية لآن تكون سائغة وحرية بالرواج بكل تأكيد ، في سائر بلاد المغرب العربي الكبير.
أما الحيز الزماني ، أو السياق التاريخي الذي تتم فيه أحداث الرواية ، فيتطابق مع تلك الفترة التي تُعتبر بين سائر المؤرخين ، فترة مظلمة في تاريخ السودان بسبب شح المصادر التي تؤرخ لها أو انعدامها بالكلية. ألا وهي الفترة ما بين سقوط مملكة المقرة النوبية المسيحية بشمال السودان في القرن الرابع عشر ، وسقوط مملكة علوة في خواتيم القرن الخامس عشر إلى مطلع القرن السادس عشر الميلادي. ولذلك فإن الرواية تشي بالحالة السياسية والاجتماعية والدينية والعقلية السائدة آنئذ ، كما وتصور أجواء الصراعات والدسائس والمؤامرات داخل بلاط مملكة علوة التي ساعدت على انهيارها ، علاوة – بالطبع – على الضغط والحصار الحربي الرهيب الذي فرضته القبائل العربية عليها.
وتنم الرواية كذلك – استقاء من مرجعياتها المعرفية بكل تأكيد – عن طبيعة التركيبة السكانية لمنطقة ” شرق النيل ” بمنطقة الخرطوم الكبرى في تلك الحقبة ، حيث يكثر فيها ذكر العنج ، والنوبة ، والمحس ، والعبدلاب ، والفونج ، وجهينة ، والمغاربة ، مثل الشيخ ” حسوبة ود عبد الله ” في سوبا ، وكذلك الشيخ ” لُقاني ” وهو اسم جد البطلة ” صليحة ” الذي يذكرنا بدوره وبقوة ، باسم الحاج ” لقاني ” خال الشيخ حسن ود حسونة الذي قدم جده إلى أرض السودان من الجزيرة الخضراء من جزائر الأندلس كما جاء في سيرته بالطبقات.
وبالجملة فإن هذه الرواية تسوقنا حقيقةً ، في سياحة معرفية ووجدانية في غاية الامتاع والتشويق في دهاليز تاريخنا السياسي والاجتماعي الوسيط ، عبر معالجة روائية وفنية مبهرة ، مما يجعلها قمينة حقاً بالاطلاع.

المصدر:
http://www.sudanile.com/index.php?option=com_content&view=article&id=97615

أنفاس صُليحة رواية جديدة للأديب الروائي دكتور عمر فضل الله – أحمد حسن إمام


أنفاس صُليحة، أنفاس صُليحة
أنفاس صُليحة رواية جديدة للأديب الروائي دكتور عمر فضل الله.
وهذه بعض الحروف كتبتها علي عجالة وأتمنى أن تفيد ولا تقلل من شأن الرواية فمهما كتبت لن أستطيع أن أصف ما بها من جمال..
يستمر منبع نهر الإبداع في جريانه، يخبئ لنا في أعماقه أغلى وأنفس الكنوز، تشكل أمواجه وانسيابها حوارها الراقي والحنين مع الشواطيء يسحر المراقب بجمال صنع الله.. يروي ظمأ متشقق الجوف، تمرح الأرض وتضم ذراتها علي ضفتيه فرحاً بمواسم الارتواء ونمو الزرع، الشمس تمتص كل يوم منه في محاولة لتبريد جوفها المحترق ويليها القمر باحثاً عن الأنس الجميل..
هكذا هو نهر الإبداع الأدبي دكتور عمر فضل الله في مجري حروفه من منبع الفكرة وحتي وصول تدفق الحروف إلى مصبها (نحن القراء) فنقول شكراً يارب …
(ترجمان الملك)، ذلك الفيضان النافع الذي أخرج لنا كنوز تلك الحقبة المهمة من تاريخ السودان بما يحويه من ثراء معلومات غنية بدسم الفائدة والتعرف بشخوص ملهمة وفاعلة في رسم تاريخ وحضارة السودان وعلاقاته الداخلية والخارجية.. ونقله للأحاسيس المختلفة من فرح وخوف ونشوة وإثارة.. مساحة للعديد من التساؤلات التي تقودنا الى فتح باب الحضارة عبر بوابة الفنون والخيال الممزوج بالواقع..
وها هي رواية (ترجمان الملك) تقودنا عبر بوابتها الزمنية إلى (أنفاس صُليحة) فيقودنا الراوي عمر فضل الله الى ارتباط عميق جداً بين الروايتين ارتباطاً يجعل الرؤية التاريخية واضحة ويفتح باباً ضخماً للدخول الى تلك الحضارة وارفة الظلال ( السودان ) رصيد الحضارة الانسانية. ممالك وحضارات تنبض قلوبها من جديد وتضخ الدماء في أوردة الحاضر.
تفتح لنا رواية (ترجمان الملك) نوافذ جديدة للمشاهدة فتعود الحياة مرة أخرى عبرها لتلك الحقبة من تاريخ السودان النشأة والحياة ثم تعود الحياة مرة أخي ولكن لتروي لنا النهايات عبر رواية (أنفاس صُليحة) أجواء وتفاصيل نهاية مملكة علوة وتفاصيل الحياة عبر مسارح التشويق والإثارة عبوراً بعالم مقام الدهش…

(أنفاس صُليحة) هي امتداد لتلك الدماء الجارية في شرايين وأوردة التاريخ السوداني. هي نافذة أخرى فتحها لنا الأديب الروائي دكتور عمر فضل الله لمشاهدة تلك الحقبة التاريخية المهمة عبر قالب روائي وأدبي فائق في تميزه وتفرده يروي لنا ملابسات وحقائق انهيار مملكة علوة في قالب رائع وجميل.
لا أريد أن أبحر في تفاصيل الرواية حتى لا أفقدها المتعة ولكن أقول:
• إن كنت باحثاً في التاريخ السوداني والإنساني ففي رواية أنفاس صُليحة إجابات وقراءة جديدة للتاريخ.
• إن كنت من المحبين للروايات المشوقة والحبكة المميزة ف(أنفاس صُليحة) فيها كل ما تبحث عنه.
• هل أنت مهتم بالأنساب وهجرة القبائل العربية إلى السودان وارتباطها ببعضها وتأثيرها وأثرها في البناء المجتمعي والثقافي والقيمي للسودان؟ كل ما تبحث عنه ستجده أو تجد اشارات تقودك للفهم المطلوب في (أنفاس صُليحة).
• هل أنت مهتم بعالم الارواح وانتقالها عبر الزمن؟ فكن برفقة (أنفاس صُليحة).
• انت سياسي مهتم بفهم نفسية الحكم والحكام والمحكومين والتطور؟ افترش الأن الأرض وتمتع بالأنس السياسي مع (أنفاس صُليحة)
• هل أنت مهتم بكتابة السيناريو وصناعة الحوار فاقرأ بتمعن (أنفاس صُليحة).
• إن كنت مولعاً ببحور اللغة العربية والمفردات الرائعة والغريبة فعليك أن تحكي لنا قصة الجدة وتمضي الى الماضي قبل أن تسمع عنها وتروي لنا التفاصيل وترسم لنا المشاهد!
• وإذا كنت. وكنت …الخ من الاهتمامات فكن بصحبة (أنفاس صُليحة).
في قادمات نتحدث أكثر عن الرواية عدد الصفحات التبويب بعض المقتطفات…
• ترقبها قريبا بالمكتبات ..

أحمد حسن إمام.

ناصر ساتي: أنفاس صليحة سوف تثير جدلاً كثيفاً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي


كتب دكتور ناصر ساتي عن الرواية بعد أن أكمل قراءة الفصل الأول:

صباح الدعاش يا صديقي صاحب القلم الأنيق والخيال المدهش والثقافة التاريخية الجاذبة بحقائق جديدة كثيرون لم يكونوا ليسمعوا بها ..أنا الآن أقرأ في هذه الرواية التي تسابق عيني كلماتها بلهفة لتنتقل إلى التي تليها من مشاهد ومعلومات ترسم صورة جديدة عن تاريخ علوة لم تكن لتتشكل في تفاصيلها إلا بعد هذا العمل الأدبي الرفيع بأسلوبه في السرد الشيق. الرواية تقدم للقاريء رسالة تربوية وتعليمية كم نحن بحاجة إليها الآن لمعرفة عواقب الخلافات الداخلية وأهمية التحالفات الإقليمية مثل ما فعلت علوة عندما مدت يدها للأحباش و البجة.. فجميل تسليط الضوء على جوانب تفتح عقل المتلقي لكون أن التحالفات الاقليمية مع الأحباش ليست جديدة والاصطفاف الداخلي ليس جديداً كما في حالة تحالف البجا مع النوبة في علوة.. جميل أن نرى أسماء شخصيات الرواية مستمدة من ثقافة السودان القديم ذلك لأهمية الأسماء باعتبار أن الاسم شارة من شارات الهوية. أعتقد أن هذه الرواية سوف تثير جدلاً كثيفاً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ونقاشاً بين المهتمين بالتاريخ وهذا هو ما يجب أن يكون ضمن أهداف أي عمل روائي بحيث يخلق دافعاً جديداً لدراسة تاريخ البلد والاستفادة من العبر السابقة بحيث أنه إذا غرقت السفينة فالكل سوف يغرق. عموماً أنا الآن أكملت الفصل الأول فقط وسوف أواصل قراءة بقية الفصول لما لها من عنصر تشويق أدبي ومعرفي يدفعني إلى ضرورة استكمال القراءة و التحليل.

شكراً أيها الروائي الجميل دكتور عمر فضل الله ..وفقك الله دائماً وأنت تقدم وتسهم بفكرك الثاقب و الواعي.
ناصر ساتي

الدكتور عمر فضل الله ورواية أنفاس صُليحة – بقلم هيثم أحمد الطيب


haythamجزء من مشروع الدكتور عمر فضل الله الروائي اتساقه مع (رواية المعرفة)،الرواية التي تنتهج فضيلة السردية الجميلة برؤية تقديم معرفة تاريخية واجتماعية،تحاول قراءة التأريخ بطريقة توثيقية، و(رواية المعرفة) فكرة روائية لم نصل بعد لكي تكون جزءً من مباحثنا الكتابية في السودان، ورواية (أنفاس صُليحة) هي جزء من هذا المشروع الكتابي ..
هي تحاول قراءة التأريخ بالحقيقة الكاملة،ثم فتح مسارات الحياة الاجتماعية لمنطقة سوبا وتعقيدات ذلك الزمان، ومباحثه ، ومناهجه التي لم يقترب منها قلم أو رواية أو توثيق على طريقة (رواية المعرفة)..
هذه الرواية التي قامت على فحص وتشريح تاريخي واجتماعي لتاريخ سوداني، أعتبرها الاضافة الواثقة التي تقول لنا : (هيا للتأريخ ككتابة روائية، ليس استلهاماً أو توثيقاً فقط،بل عبر النظرة الكاملة لرؤية منطقة كاملة، بتأريخ اجتماعي وسياسي وديني، والتعابير الدينية الموسومة والغير موثق لها)..
هذه الرواية تضع (صُليحة) ليست محوراً لها، بل إشارة من ضمن إشارات متعددة ومختلفة تقرأ وتوثق التأريخ، (صُليحة) البعد التوثيقي والمعرفي في الرواية، تقرأ نفسها عبرها، وتأريخ مجدها ومجد أهلها، ثم تكتب بنفسها رؤيتها لذلك..
منطقة سوبا، منطقة سودانية، لم نعرف الطرق لمعرفتها بالكامل، في هذه الرواية نكتشفها ونقرأها بسردية عميقة ترسم نقاط وصل اجتماعي بين المجتمع ولم نكن نعرف ذلك..
بقراءتنا لهذه الرواية نعرف مجتمع ومملكة، صراعات وتناقضات، تعقيدات اجتماعية وهجرات، رؤية دينية واجتماعية لناس مختلفين دينياً، رواية عمقها في صوتها الداخلي عبر (صُليحة)، وأصواتها المتناقضات والمتفقات، في سردية لا تأخذك للتأريخ، بل تضيف لذلك واقع اجتماعي وتجليات صوفية وتفاصيل هجرات مجموعات انسانية،كانت سوبا مهجراً لهم..
هي رواية تأخذ منها معرفة بكل تفاصيلها، التأريخ جزء، والناس كذلك، ثم متبابينات دينية وتدفقات سكانية في مناطق أخرى، هي نفسها تأريخ كتابي ومعرفي وديني..
ذاك المشروع الروائي للدكتور عمر فضل الله، يرتكز على صياغة معرفة في رواية، ومتعة سردية في تحقيق تأريخي، ثم اشارات متبانية لمجتمعات سودانية..