عرس الزين وعرس عمر أحمد فضل الله


المكان :قاعة الصداقة
الزمان :الخميس الموافق 2018/2/15م
العنوان :جائزة الطيب صالح العالمية للابداع الكتابي _الدورة الثامنة .
عيد قومي للثفافة في الوطن العربي ومعلم من معالم الجوائز العربية والعالمية شهدته قاعة الصداقة بالخرطوم أمسية اليوم وأسدل ستاره بان نال فيه ابن السودان وابن العيلفون الكاتب المبدع دكتور عمر أحمد فضل الله الجائزة الثانية في الإبداع الروائي وفازت روايته (تشريقة المغربي) بأفضل الأعمال الروائية وبهذا يجني دكتور عمر ثمار جهده وثمار إبداعه بهذه الشهادة وبهذه الاجازة الفخيمة… فهنيئاً للسودان وللعيلفون بهذا الفتح الجديد وهنيئاً للدكتور عمر بهذا التكريم المستحق متمنين له دوام التوفيق والنجاح في مشروعه الثقافي والأدبي الذي ظل يتحفنا به في كثير من المنابر والمحافل… دكتور عمر أصبح قائداً من قادة الفكر والقلم وهذا سيلقي عبئا ثقيلا عليه بإثراء الساحة الأدبية بأعمال تؤكد أحقيته لهذا التكريم والمضي قدماً في طريق الإبداع…. فات علي أن أقول إن قيمة الجائزة عشرة ألف دولار… تفاصيل أوفى لاحقاً …مبروك دكتور عمر وهذا فخر جديد للعيلفون معقل الابداع!

مبارك صباحي

رأي الدكتور موسى الخليفة حول رواية أنفاس صليحة



هذا رأيي فيما يسمى بالرواية التاريخية، أو الرواية ذات العلاقة بالتاريخ – ولا أقول الرواية التاريخية – الرواية ذات العلاقة بالتاريخ هي عمل خيالي وليس معنياً بالحقائق وبالتالي فهي تحرك المكان والأشخاص والزمن بصورة مُتَصَوَّرَة وليس صورة واقعية. وتمتاز بأن اللغة والكتابة تضفي ثراء يكسبه الكاتب للشخصيات. بناء الرواية لا علاقة له بالأحداث التاريخية لكن فيه (ريحة) للأحداث التاريخية! ولذلك فالرواية ذات العلاقة بالتاريخ لا تُحَاكَم تاريخياً بل تُحَاكَمْ أدبياً. ففي كل من الشركسي وأنفاس صليحة أفلح الكاتبان في تقديم رواية لتقرأ كرواية على الرغم من ارتباطها بالتاريخ.

وقد أفلح عمر فضل الله في أن يشتغل على التاريخ ويكتب روايات للتاريخ وحتى رواية الشركسي فيها شيء من عمر فضل الله. فهي رواية على علاقة بالتاريخ رغم كونها رواية ليست واقعية بالطبع وليس بالضرورة أن تكون واقعية فالتاريخ واقعي ومرتبط بالواقع تحديداً ويُحَاكم إذا فارق الواقع لكن الرواية ليست واقعاً فالرواية هي ما يسمى بالواقع المفترض وعمر فضل الله مزج الحقائق التاريخية بالأدب وهو ليس محكوماً بذلك وهو استعمل التاريخ كميدان للحركة فقد حرك شخوصه وأنطقها وأكسبها روائحن فالرواية تكون هكذا. تكسب المكان رائحة وتكسبه صوتاً وتكسبه موسيقى وتكسبه حركة وعمر فضل الله أكسبها كل هذا من خياله وليس من التاريخ ولكنه لعب في داخل ميدان التاريخ، لعباً خاصاً بقدراته على الخيال وبقدراته على إكساب هذه الشخصيات الحركة والنطق وغيرذلك وغير ذلك. ولكن المؤكد هو أن أعماله لا تحاكم تاريخياً ولا تعتمد على التاريخ لكنها تلعب في ميدان التاريخ وفيها حرية كاملة فهو حر أن يقول ما يشاء ويكتب كما يشاء ولا أحد سيقول له صليحة حضرت في ذلك اليوم أو لم تحضر فلا يدخل هذا في مجال النقد أو أن صليحة نفسها موجودة أو لم توجد أصلاً. فهو قد استخدم هذا الميدان فقط ومن الممكن ألا يوجد شخص اسمه صليحة أصلاً. وبالمناسبة سوف أحكي لكم شيئاً طريفاً جداً. أنا حين كنت طالباً مثلت دور عجوبة في المسرح ببخت الرضا. وعجوبة هذه هي صليحة. عجوبا الخربت سوبا. مسرحية خراب سوبا التي كتبها خالد أبوالروس وذلك في الخمسينات، ولذلك فقد استمتعت برواية أنفاس صليحة فالكاتب عمر فضل الله (كَتَّابْ) ! كتاب جداً.. ومستوى الكتابة متميز عنده!
الدكتور موسى الخليفة

 

أنفاس صليحة ومهارات عمر فضل الله النجم الساطع !!!


كتب مبارك صباحي:
______
مدخل أول :
(…عند الفجر سقطت( سوبا) العاصمة ، وحين أشرقت شمس النهار غربت شمس (علوة) كلها ، وانتقض ملكها ، ولم تبق منها إلا اﻷطلال ، واﻷنقاض لتشهد على مجد غابر مضى ولن يعود مثلما كان باﻷمس …)
مدخل ثان :
يكفي فقط أن تلقي نظرة سريعة على عنوان الكتاب أنفاس صُليحة (بضم الصاد) وبعض الأسطر المنتقاة في المدخل اﻷول كي تدرك أن إبداعاً مذهلاً يطلع به ذلك الشاب الأسمر الوسيم النحيل فتى السودان وابن العيلفون الهمام دكتور عمر فضل الله… ثقافته العميقة والمتنوعة والمتجددة وخياله الواسع وذكاؤه الوقاد ، وتمكنه من اللغة العربية ومهاراتها المتعددة جعلته يروي ويحكي ويصف ويحلل ويقارن ويتحفنا بالجديد بل يرفد المكتبة السودانية بالروائع والدرر في صمت ودون ضوضاء أو جلبة إعلامية في سلسلة مشروع أو مدرسة جديدة وعملاق قادم إلى سماء الأدب السوداني والعربي اسمه عمر فضل الله ….لكل هذه الاعتبارات فالمرء لايملك إلا أن يحس بالإعجاب والتقدير لهذا الكاتب المجيد الذي عانق الثريا وطبقت شهرته اﻵفاق كما يقول الدكتور بدر الدين السر.

على هامش الحدث :

__
شهدت قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم أمس الأول بتاريخ الأحد الموافق 2017/9/10 م وبرعاية دار (مدارات للطباعة والشر والتوزيع ) حفل إطلاق رواية (أنفاس صليحة) ، تأليف الكاتب د.عمر فضل الله، وتولى عملية تقديم الكتاب وتحليله الناقد والباحث والقاص بروفسير محمد المهدي بشرى والدكتور مصطفى الصاوي وقدمت الحفل الأستاذة سناء أبو قصيصة وشارك في الاحتفال حضور نوعي من الأدباء الشباب والمهتمين بالشأن الأدبي إلى جانب وكالة سونا للأنباء وممثلين لأسرة الكاتب عمر فضل الله ورئيس قروب مجتمع العيلفون الاستاذ /عبد العظيم محمد عثمان والأستاذ/ سيف الدين عبد الله عن أسرة دار الشيخ ادريس ود الارباب والأستاذ/ أسامة محمد أحمد قيامة رئبس تحرير مجلة الخرطوم الجديدة ومبارك عبد الرحيم صباحي رئبس تحرير صحيفة العيلفون.

البروفيسور محمد المهدي بشرى أشار في تقديمه للرواية بأنها تشتغل على التاريخ وتحديداً فترة مملكة علوة وعاصمتها سوبا ونهاية المسيحية التي سادت لاكثر من 600 عام وأن الكاتب انتبه بذكاء لهذا المصدر المهم ، واصفاً المؤلف بان لديه مشروع روائي متكامل ﻹعادة سرد تاريخ السودان في بناء درامي جديد كما شمل الاحتفال مداخلات أدبية مشوقة وممتعة تصلح هي الأخرى لعمل كتاب نقدي قيم مصاحب للرواية الاصل وتناول هذه المساجلات كل من دكتور عز الدين ميرغني والأديب السفير جمال محمد ابراهيم والروائية الاستاذة بثينة خضر مكي والاستاذ أسامة قيامة. 


الدكتور الصاوي أشار إلى أن تفسير الأعمال الأدبية هو محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره للكشف عن مواطن الجمال أو الإخفاق في الأعمال الأدبية وأن البصر الثاقب يكون خير معين على إصدار الحكم فالادب ونقده ذوق وفن قبل ان يكون معرفة وعلما وان كانت المعرفة تعين صاحب الحس المرهف والذوق السليم .

في خاتمة اللقاء اشاد الدكتور عمر وشكر الذين تكبدوا المشاق بالحضور واعدا بانه سيرفد المكتبة السودانية والعربية بالكثير من الروايات والتي وصل بعضها مرحلة الطبع وقال إنه سواصل في هذا المضمار إلى أن يصل الي نهايته ويترك الحكم للقراء لتقويم التحربة سواء بالنجاح أو الفشل ..

تفاصيل اوفى عما دار في الحفل نتركها في مقام آخر لأننا لم نقرأ الرواية حتى لحظة كتابة هذا التقرير وحاولنا ان ننقل لكم الإطار العام فقط و (أنفاس) قاعة الشارقة في تلك الليلة الأدبية البهيجة، ونجمها الساطع دكتور عمر فضل الله والتي يمكن أن نطلق عليها تاريخية …هنيئاً لمن حضر … وفي أمان الله.
منقول

فانتازيا: قصاصات آمنة الفضل


النيل من نشوة الصهباء سلسله
وساكنو النيل سمار وندمان
وخفقة الموج أشجان تجاوبها
من القلوب التفاتات وأشجان
(إدريس جماع)
* الرواية  هذا العالم الجميل المشاكس والقادم من فضائل تماثله في الواقع، يكسر حواجز الوهم  يطرح نفسه بطرائق مختلفة وأحيانا جدّ ملتوية إذ أن الراوي لا يكشف كل أوراقه من أول وهلة بل يظل يمارس لعبة المراوقة السردية فينقاد إليها المتلقي طواعية  مشاركا سراد اللعبة وحكاية إنتاج دلالات النصوص الأدبية والتمتع بآثارها الجمالية التي تصب في مصاب سحر البيان..
* أجمع الكثير من النقاد على أن الرواية هي نتاج تواصل تاريخي متمازج من حركة الترجمة والمحاكاة والخلق والإبداع. وتعتبر الرواية الفن الأحدث بين أنواع القصة والأكثر تطوراً وتغيراً في الشكل والمضمون بحكم حداثته..
* تظل الرواية الكاميرا المزروعة بين أحاسيسنا والمشهد  القادم ما بين  همس الشارع وفوضاه وقلقه العارم  وطموحات الشعوب و إنزوائها خلف ستائر الخوف…
* كثيرا ما نرسم لأنفسنا واقعا يبحر بنا بعيدا عن الذي نركن بين جنبيه نسترسل في الأحلام بلا بطاقة هوية عابرين حدود الأرقام والأسماء طالما أن ذلك السفر اللامحدود متاحا في العالم الآخر.
الروائي دكتور (عمر فضل الله)  ما بين التاريخ والسياسة والحياة الريفية إقتلع مشاهد روايته (نيلوفوبيا) من بين فكيي النيل وقت أن صافح كف القدر وأهداهه أرواح من لاذوا بظهر تلك الباخرة الملعونة العالقة ما بين الخرافة والحقيقة…
قصاصة أخيرة
ما بين القاع والسطح تسكن آلاف المشاهد

المصدر: جريدة الصحافة 1 سبتمبر 2016
http://alsahafasd.com/943910

“نيلوفوبيا” رواية جديدة تحكي قصص واساطير الحياة على النيل


نبوكين – الخرطوم، صهيب عثمان زمراوي

دشن المجلس الأعلي لرعاية الأدب والفنون مساء أمس الثلاثاء، بمقر اتحاد الكتاب والادباء السودانيين في الخرطوم،  رواية “نيلو فوبيا ” للكاتب الدكتورعمر فضل الله وسط حضور كبير من المبدعيين السودانيين والنقاد.

كشف مؤلف الرواية  عمر فضل الله عن سر تسمية الرواية بـ “نيلوفوبيا” التي تعني الخوف من النيل، لحوادث الغرق الكثيرة التي شهدتها منطقة العليفون، واهدى الكاتب الرواية  لكل من فقد عزيزا بالغرق في النيل، اضافة الى شهداء حادث غرق باخره العاشر من رمضان، موضحاً  بأن عشقه وحبه لمنطقة العيلفون جعلته يستشعر كل كلمة وردت في الرواية، مؤكداً بأنه يدين لها بالكثير، باعبتارها المدينة التي  حفظت له ملامح طفولته، لذلك اراد أن يوثق  جزء من جمالها، وحقب مختلفة مرت عليها، يمكن حصرها في العناوين (الجنازه ، طفوله غاضبة، الباليه الروسي ، صداقات جديدة ، سوق الشجرة، تشزوفرينيا سياسية ، ثانوية الجريف ، الرحله الى القاهرة ، العودة ، الحريق ، البحيرة ، الجبل،  العيلفون ، حديث النيل ، حكايات عباس).

وقال الدكتورعوض الله عبدالله نائب السكرتير العام لاتحاد الأدباء والكتاب السودانيين معقباً في الجلسة، “نحن اليوم سعيدين مابين طرب وترف وجداني” مشيراً الي ان قيمة  الرواية تكمن في صدقها واحتوائها علي حقائق تاريخيه وواقعية، واضاف بأن المنطقه ثريه بشخوص واحداث تستحق التاريخ لها في روايات وكتابات اخرى.

واضاف الناقد عزالدين ميرغني بأن الرواية عبارة عن “سيرة ذاتية”، مؤكداً بأن الرواية المحكيه بطريقة الأنا، اصعب تنسيقا بالنسبه للكاتب، وابان اعجابة بذاكرة الطفوله لدي للكاتب، حيث أنه يختزن الكثير من المعلومات وتفاصيل الاحداث الدقيقه ، وأن  المشاهد النيليه لن يستطيع تصويرها غير الذين سكنوا علي الشريط النيلي، لأنهم  يميلون للحكايه والقصص .

واشار الأستاذ ميرغني الي أن الاساطير حول النيل لم تكتب كثيرا في الروايات السودانيه، حكايات الاشباح والكائنات التي حولها، فالبطل عبدالعزيز هو المسؤل عن موت صلاح، واصبح شقيا يضرب الاطفال، ويتناول دراسته في الخلاوي والمدرسه، الي ان اصبح استاذ وصولاً الى اكتمال فوبيا النيل بحادثة العاشر من رمضان.

يذكر ان الرواية الصادرة عن شركة مدارات للطباعه والنشر والتوزيع، نالت اهتمام ومتابعة النقاد والصحافة والادبية،ومتوفرة الان في المكتبات السودانية.

المصدر: http://nubokeen.com/web/%D9%86%D9%8A%D9%84%D9%88%D9%81%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D9%83%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D9%8A/

قراءة في رواية أطياف الكون الآخر – د. إبراهيم جبريل


• عتبة النّص الأولى:

الغلاف والعنوان:


• لوحة الغلاف أقلّ وضوحاً من سابقتها (ترجمان الملك) شخوص مبهمة متعدّدة الألوان متداخلة، ولعلّ هذا لطبيعة الرسم التشكيلي ولتعلّقه بعالم غير واضح أصلاً، غير أنّها لا تحوى خطأً كاللوحة الواضحة بترجمان الملك؛ إذ أنّ الهيئة التي يبدو بها أحد الأشخاص يكرع من ماء النّيل تدل أنّ الرسام لم يشرب يوماً من نهر أو ترعة مباشرة ولم يرَ من يصنع ذلك!

• العنوان معبّر تماماً عن طبيعة النّص مع غموض مناسب.

• الرواية سياحة عبر المكان والزمان في فضاء بلا حدود حيث تعدّدت الأماكن والأزمنة منذ بدء الخليقة ما قبل آدم ليومنا الحاضر.

• الطيف بلا اسم محدّد تنقّل متوجساً في العوالم والأزمنة مطارداً من جند أبيه الذي لم يره يوماً، مسجوناً من قبل نبيّ الله سليمان –عليه السّلام- مضطهداً من البشر، ناشراً للشر والخير منتقلاً من الغواية للهداية آخر المطاف. والرائحة التي تدلّ عليه غير ثابتة تظهر أحياناً في النصّ وتختفي.

• عالم الأطياف ممزوج بعالم البشر مع التركيز علي الجنّ، ولم أجد كاتباً يكتب عن عالم الجنّ المحض إلا الشيخ “طارق اللبيب” في (أميرة الجنّ المظلومة).

• الرواية إبداع ولكن أقلّ حبكة من “ترجمان الملك” فيها نقاط ضعف بعكس ترجمان الملك ممّا يولّد انطباعاً أنّها متقدمة عليها!

• عالم السحر في الرواية عرض بصورة مبدعة لواقع بشع؛ وعرض الكاتب لخبرتين متباعدتين في الموضوع: الخبرة الأوربيّة حيث يجمع إبليس السحرة ويهينهم ويمهروا بإمضاءاتهم على عهود إذعان مطلق ومواثيق طاعة للشيطان. الخبرة الإقليميّة أنّ الساحر يقوم بعقد عهد سري فردي مع الشيطان ليضرّ النّاس بالسحر مقابل المال، والخبرة الغربيّة تركز على المجون والمتعة الشخصيّة للساحر حتّى وصل بهم اليوم القبول بعبدة الشيطان وطقوسهم الماجنة في الإحتفالات الرسميّة كما حدث في افتتاح نفق “غوتهارت” بسويسرا قبل أيّام.

• والخبرة النقيض التّي أخذ بها الكاتب للمنظور السحري (الخبرة الوهّابيّة) حيث تتوسّع في مفهوم السحر، حيث أورد الطيف (شمهروش) –رضي الله عنه- كتابع من أتباع إبليس؛ وهذا شأن الخبرة الوهّابيّة حيث تدرج كلّ ما أشكل عليها تحت بند السحر).

• هذا المزيج أنتج تصورّاً قويّاً لبشاعة السحر.
(الإمام “الغزالي” كتب في (الإقتصاد في الإعتقاد) عن المثلث المعروف وبيّن أنّ له خواصاً أودعها الله فيه وتكلّم الإمام “الرازي” عن ضرورة التفريق بين السحر وخواص الأشياء. وقال الإمام “الصاوي” المالكي بالأخذ بالطلاسم غير المفهومة إذا وردت عن ثقة كدائرة الإمام الشاذلي. الوهّابية في الحجاز ومناطق داعش تعدم من تجده راسماً المثلث المذكور أو دائرة كدائرة الشاذلي، وفي الحقيقة يعدمونهم لأنّهم اتبعوا أئمتهم! أسفي عليهم، وحكومتنا تصمت صمت القبور!)

• بنى الراوية شخصيّات الفتيات الثلاث بصورة واضحة خاصّة شخصيّة “ماويّة” الأبراميّة وتخلّت عنهنّ وسط الرواية مع تخلّى الطيف عنهنّ مع رفيقتيها في قفر موحش.

• شخصيّة “ماوية” لو استمرّت -بشكل أو بآخر- لأضفت علي النص مزيد بهاء ورونق.

• تخلّى النص عن كلّ الشخصيّات تقريباً التي اجتهد الكاتب في بنائها بناء متماسكاً فتخلّي عن “أشتوت” والفتيات الثلاث فلم تظهر بعد أن اضطرّ الكاتب لبناء شخصيّات جديدة؛ (أوشيك، ورحمة، وغيرهما…). • شحصيّة “أوشيك” جاءت باردة تفتقر للفضول تهتم بإبراز ما عندها من معلومات دون أن تأخذ ما عند الآخر؛ من الذين يتكلمون ولا يسمعون.

• شخصيّة “رحمة” آليّة لا تعرف الخوف كشخصيّة “ماوية” إلا أنّ “ماوية” كانت نافذة لها رؤية و”رحمة” بلا رؤية. لم تتردّد “ماوية” في مواجهة الطيف: (أيّها الشيء إنّك نفس خبيثة تعيش علي الكذب والخداع)! -رغم ضعفها الجسدي وقوته المتناهية- ففرّ من قوّة المواجهة لا يلوي على شيء.

• تصوير الطيف ومشاعره في القمقم السليماني تصوير مبدع يصوّر المشاعر منذ اليوم الأوّل حتّي انكسار القمقم بعد ثلاثة آلاف عام.

• مشهد “العسكر” وردّة فعلهم الحادّة علي إجابة الطيف حين سألوه عن هوّيته تعبّر عن حالة الشرطة بكلّ العالم حيث تكره من تشتم منه رائحة استخفاف بمهامهم (السامية)، كذا مشهد الزنزانة، لكن تقيؤ الطيف غير منطقي وهو الخارج من حبس آلاف السنين بلا طعام!

• يندمج “أوشيك” في شرح معالم الحضارة لـ”أبلسة” في أسلوب الأستاذ مع التلميذ ممّا أضعف الحبكة الروائيّة بالأسلوب الوصفي التحليلي.

• الحكايات والأساطير والخرافات أضافت روحاً أدبيّة أفضل من حكي “أوشيك” : بابل، أوروك، سدوم، عموريّة، آلهة مصر وتشاكسها. 

نص أطياف الكون الآخر جهد مبدع طرق زاوية منسية في رؤية ممتعة للقاريء والناقد وهي إضافة حقيقية للمكتبة العالمية فضلاً عن السودانية والغربية….

 

الخوض في غمار التاريخ على صهوة رواية “ترجمان الملك” بقلم الأمين سليمان


Torgomanإضاءة
وأينق تسبق أبصاركم *** مخلوقة من نعام وعيس
تقطع من علوة في ليلها *** إلى قرى شاس بسير هميس
……………………….
ونسخط الملك على المشفق المفرط في النصح إذا الملك سيس
(المعري 1907 : 80-81)

كشف أول

أسفر الافتقار إلى المعلومات والمدونات الموثوقة المتصلة بتاريخ السودان القديم والأوسط وإلى حد ما التاريخ الحديث عن تلبد ضباب كثيف حول النظرية التاريخية الصائبة. وزاد من كثافة هذه الضبابية، وقوع أجزاء واسعة من السودان، كما هو حال غالبية البلاد الواقعة جنوب الكرة الارضية، تحت نير الاحتلال الأجنبي ردحا من الزمان، ما أفضى إلى الحكم على جانب كبير من تاريخنا بعيون زرقاء وأقلام تكتب بمداد مصنوع من صمغ شجر السنديان. مما لا شك فيه ، حتى لا نجحف في حق بعض المختصين بالتاريخ، ثمة اسهامات مقدرة بذلتها عدد من الأسماء ونذكر هنا أبو المؤرخين السودانيين الذي شهد جزء من وقائع التاريخ الحديث محمد أفندي عبد الرحيم، غير أن أقلام تاريخية أخرى كثيرة لم تنج من السقوط في براثن كتابة التاريخ بالنزعة الاستغرابية….
تاريخيا، يعد سترابو ( 63/64 قبل الميلاد “ق.ب” – 24 ميلادية “م”) من أوائل العلماء الأقدمين الذين ذكروا لفظ (النوبة)، وذلك في كتابه (الجغرافيا) الذي وصف فيه الكثير من الشعوب والبلدان التي قام بزيارتها في ذلك الزمان بما في ذلك مملكة (كوش). فيما بعد عززت مصادر أخرى هذه المعلومات وكشفت عن وجود ثلاث ممالك نوبية بين أسوان وجنوب الخرطوم. هذه الممالك هي نوباتيا وعاصمتها فرس، ثم مملكة المقرة وعاصمتها دنقلا ومملكة علوة التي تمتد حدودها إلى ما وراء الخرطوم حيث عاصمتها سوبا.
من جانب آخر، يعتبر الأسقف يوليانوس أول من ذهب إلى الممالك النوبية بغرض التنصير، إذ وصل هذا الأسقف إلى بلاط نوباتيا في حوالى عام 543م، ودعى الملك وأتباعه إلى إعتناق الدين المسيحي على مذهب اليعاقبة1 الذي قبل التعميد2 هو وأسرته . بعد ذلك، شد المنصرون اليعاقبة الرحال إلى مملكة علوة حيث نجحوا في الوصول إلى هناك بمساعدة ملك نوباتيا وملك البجا، ووجدوا القبول لدى الملك العلوي آنذاك النجاشي الأبجر. وهكذا أدخلت المسيحية إلى ممالك النوبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. اليعاقبة كلمة تطلق على الكنيسة الأرثوذكسية، نسبة لأحد قديسيها البارزين (يعقوب البرادعي)
2. التعميد طقس مسيحي يمثل دخول الانسان الحياة المسيحية، بعد غسله بالماء بصورة أو بأخرى.


كشف ثاني

وده البشوفك في مراهقة الخرائط1(*1) …….. وفينا من وجع المسافرين …….
واطه ما لاقت هوية ……..
رد الأزرق:
مطر الحبش ….. لو كان نبش جواك سقف
وهد حيلك في الدواخل ….. وشد عصبك في المداخل
صوت مراكبي وإيد بتسأل في القمح ..
وفينا من فرح المسافرين ..
قصة الشمس القضية ..
يا أعشاب النيل الأبيض ما تتضاري ورا الدعوات ..
أقرأ تاريخك أخاف ..
أقرأ تاريخي أخاف ..
(عاطف خيري: ديوان سيناريو اليابسة)
اغوت المادة التاريخية الكثير من الروائيين على مر العصور، لذلك خاض عدد منهم في غمار التاريخ. كانت السمة الغالبة لثلة من الروائيين الذين اتخذوا من التاريخ مصدرا أو ملهما لهم، هي استدعاء قسم من الأحداث التاريخية ومن ثم إعادة إنتاجها وفق المتخيل الروائي مع الاحتفاظ بالمادة المستدعاة على سبيل الأمانة التاريخية، بينما جنح عدد آخر في كتابة الرواية التاريخية دون السيطرة على طغيان عنصر التخييل على حيثيات عنصر التاريخ . وأخيرا، أتى استحضار التاريخ عند بعض الروائيين من باب ولعهم ورغبتهم الشديدة في بحث واستكناه حفرياته أو إقامة محاكمة متأخرة تنبش الماضي البعيد وتفككه.
في الأدب العالمي، تعد رواية “ويفرلي” 1814 (*2) للروائي والشاعر والمؤرخ الاسكتلندي ولتر سكوت (1771 – 1822) هي الواقعة التاريخية الروائية الأكثر نضوجا في هذا المضمار، اعتمد فيها الكاتب على روايات شفاهية لقدامى المحاربين كمصادر لصياغة أحداث تاريخية وحروبات سابقة وقعت في بريطانيا تخللتها قصة رومانسية تخيلية. ويعتبر سكوت مفجر الرواية التاريخية وذلك لقدرة روايته على هضم المادة التاريخية واستيعابها ضمن العمل الروائي دون الوقوع في فخ التعقيد والاستقطاب الحاد بين ما هو تاريخي/موضوعي وما هو روائي/تخييلي . أسست رواية “ويفرلي” لسكوت مشروعه في كتابة الرواية التاريخية إذ تلت هذه الرواية أعمال أخرى مثل “إيفانهو” 1819م و “الطلسم” 1825م. إمتد تأثير سكوت في كتابة الرواية التاريخية خارج بريطانيا ليشمل فرنسا حيث أصدر فيكتور هوغو في عام 1831 روايته الرومانسية التاريخية “أحدب روتردام”، وروسيا وذلك عقب إصدار ليو تولستوي في عام 1865 رواية (الحرب والسلام) التي تعد أعظم الروايات التاريخية على الإطلاق.
بالنظر إلى الرواية التاريخية العربية، نجد أن الكثير من الروائيين الذين أقدموا على كتابة الرواية التاريخية كانوا أكثر مصادمة للمادة التاريخية وأكثر انتهاكا للوقائع الذي ذكرها المؤرخون ، ويرجع ذلك إلى الطريقة التي تناول بها المؤرخون وقائع الحياة في البلدان العربية، مما حدا بالروائيين الوصول إلى تلك البقع الطرفية المهملة المظلمة وإعادة صياغة تاريخها الذي سقط من حساب المؤرخين لأسباب مبهمة، وفي ذلك يقول فيصل دراج في كتابه “الرواية وتأويل التاريخ” إن الروائي العربي يقوم بمراجعة ما كتبه المؤرخ وذكر ما امتنع عن قوله ويمضي دراج ملاحظا إن كتابة الرواية هي علم التاريخ الوحيد في البلاد العربية.
يعتبر نجيب محفوظ من أوائل الروائيين العرب الذين كتبوا الرواية التاريخية ومثال على ذلك روايته الجريئة “أولاد حارتنا” التي أثارت الكثير من اللغط السياسي والتاريخي والديني حينئذ. تسرد رواية “أولاد حارتنا” حياة الأنبياء من وجهة نظر محفوظ، حيث يصور للقارئ مدى الظلم الذي لحق بالعباد، خاصة المستضعفين جراء طرد آدم من الجنة وحتى اليوم. وعموما تعد هذه الرواية أول مصادمة للتاريخ في البلاد العربية لسيرة الأنبياء آدم وموسى وعيسى. جدير بالإشارة، خماسية “مدن الملح” لعبد الرحمن منيف والتي تحكي التحولات المتسارعة عقب اكتشاف النفط إذ تمثل الرواية نقلة نوعية للسرد التاريخي لحقبة يعاني الكثير من الأجيال الحديثة في الإلمام بها بصورة كاملة، وقد أثارت هي الأخرى الكثير من الجدل واللغط. غير هذه الروايات كان ينبغي أن يتم تناولها من خلال الأدوات النقدية الصرفة، بعيدا عن النقد اللاذع غير المدروس الذي واجهته فهي عمل فني يتخذ من التاريخ مادة له ولكنها لا تنقل التاريخ بحرفيته بقدر ما تصور رؤية الفنان له كما يقول جورج لوكاتش في كتابه الرواية التاريخية الذي صدر في العام 1978.
تسعى الدراسة الحالية لبحث العنصر التاريخي في الرواية عبر استكشاف رواية “ترجمان الملك” للكاتب عمر فضل الله. استندت الدراسة في تناولها على مفهوم “التناص” وهو من الأدوات النقدية الرئيسية في الدراسات الأدبية. أول من ذكر مفردة التناص هما العالمان اللغويان النمساويان روبرت بيوغراند وولفغانغ دريسلر في كتابهما “المدخل إلى تحليل الخطاب المكتوب” 1981م Introduction to Textlinguistics”، إذ تم تعريفه آنذاك بأنه يشير إلى مجموعة العناصر التي من شأنها أن تجعل النص معتمدا في فهمه على نصوص سابقة أخرى، أو تقاطع النص مع نصوص أو معرفة سابقة يمتلكها القارئ له. نسبة للجدل الكثير الذي نشا وسط اللغويين فيما يتعلق بمفاهيم تحليل الخطاب بما في ذلك التناص، برزت عدة تعريفات لهذه المفردة ولكن تعتبر جوليا كريستيفيا الناقدة، والناشطة البلغارية الفرنسية، من أكثر الكتاب الذين إهتموا بتطوير مفهوم التناص، حيث ذكرت في كتابها ” الرغبة في اللغة : مدخل سيميائي للأدب والفن Desire in Language : A Semiotic Approach to Literature and Art “ الذي يحوي مجموعة مقالات لها، أن النصوص لا تخترعها عقول الكتاب، وإنما هي نتاج لتراكم نصوص سابقة، فالنص إحالة من نصوص أخرى، هو “تناص” في فضاء نص محدد يعج بألفاظ مأخوذة من نصوص أخرى تتقاطع وتتماهي مع أحدهما الآخر. وتمضي كريستيفا مستوضحة أن النصوص لا تحمل معاني واضحة وثابتة فهي تجسد النزاع المجتمعي حول معاني ومدلولات الكلمات لذلك فالتناص يشير إلى وجود النص في مجتمع أو تاريخ ما.


تشريح

أتت رواية ترجمان الملك للكاتب عمر فضل الله، التي نشرتها دار نهضة مصر للنشر في مايو 2013، لتنبش التاريخ، تفتش الماضي، اتت لتعيد إنتاج حقبة هامة من تاريخ السودان في القرون الوسطى، تحديدا في عهد مملكة علوة. في مقدمة المؤلف يكشف الكاتب، بقصد أو دون ذلك، عن سر كبير من أسرار الرواية (هذه الرواية تعكس بعض جوانب شغفي بحقبة هامة في تاريخ شمال شرق أفريقيا)، إذ أشرنا سابقا أن بعض مؤلفو الروايات التاريخية يستدعون التاريخ بسبب ولعهم الشديد به، تأهبا لمحاكمة كبيرة تعقدها الرواية لتصحيح الحاضر واستشراف المستقبل، يقول الراوي في مقدمته (لم أعجب حينما استدعاني من بين أطلال الماضي الغابر، لتقديم روايته للناس .. أنا الشاب “سيسي بن أبيلو بن دلمار” … وحين حدثني أن أحدا في زمانه لا يقدر أن يقدم روايتي احسن مني صدقته .. حين عاد إلى الماضي باحثا عني ينبش القبور في خرائب مدافن العماليق جنوب سوبأ) ، من مقدمة الراوي ندرك أن الكاتب يؤسس لروايته من خلال إبتعاث الشخصية المحورية في الرواية (سيسي بن أبيلو بن دلمار) ليبدأ في سرد الرواية/التاريخ التي نسيها الناس وفي ذلك يقول هيثم حسين في دراسته “الرواية والحياة” عام 2013 (نجد عند بعض الروائيين ابتعاثا لشخصيات تاريخية، سواء كانت نافذة فاعلة أو هامشية، أو ابتعاثا لساعات أو لحظات سادت فيها شخصيات أو أثرت فيها، ثم اتخاذها مرتكزات وبؤرا وأبطالا)
يؤسس الكاتب روايته بمملكة علوة المسيحية وهي إحدى ممالك النوبة الثلاث وتقع حوالى 15 كيلومتر جنوبي الخرطوم وعاصمتها سوبا وذلك في حوالى القرن الخامس والسادس الميلادي. يبدأ سيسي بن بيلو بن دلمار حكايته قائلا (كان جدي دلمار ترجمان الملك النجاشي وكاتبه لملوك العرب. تعلم العربية وهو صغير حين كان يرافق قوافل العرب التي تأتي من الشرق .. كان رئيسهم شيخا شديد الوسامة وضيء الجبين، طلق المحيا، مهابا، نديا، يقال له هاشم). لا يوغل القارئ كثير في الرواية قبل أن يعلم أن المقصود بقوافل العرب هي رحلة الشتاء والصيف التي كان يقوم بها تجار قريش قبل الاسلام بقليل حسب المصادر العربية والاسلامية، حيث كانت هناك رحلتان، رحلة في الشتاء لليمن والحبشة وأخرى في الصيف إلى بلاد الشام ويدعم ذلك سامي البدري في كتابه السيرة النبوية : تدوين مختصر عام 1423ﻫ حيث ذكر (وكان هاشم أول من سن الرحلتين لقريش، ترحل إحداهما في الشتاء إلى اليمن وإلى الحبشة إلى النجاشي فيكرمه ويحبوه).
بعد ذلك تطلعنا الرواية بقدوم أصحاب الهجرة الأولى إلى أرض علوة يتقدمهم عثمان بن مظعون وعثمان بن عفان ومصعب بن عمير والزبير بن العوام، حيث يحسن النجاشي استقبالهم ويطلب من قومه أن يستضيفونهم خير استضافة. يسهم في ذلك “دلمار” جد “سيسي” الذي تولى مهام الترجمة للملك النجاشي، وعقب موت دلمار يتولى حفيده “سيسي” هذه الوظيفة.
يرى الكثير من الناس أن هجرة الصحابة الأولى كانت إلى الحبشة أو إثيوبيا الحالية، حسبما أكدت بذلك المصادر التاريخية ولكن هناك التباس واضح بشأن أرض الحبشة المقصودة، هل هي إثيوبيا، أم السودان؟ حسب رواية ترجمان الملك، المقصود بأرض الحبشة هو السودان، تحديدا مملكة علوة التي تشكل مكان وزمان الرواية. ويدعم ذلك الرأي ما ذكره الدكتور عبدالله الطيب في بحث تحت عنوان “هجرة الحبشة وما وراءها من نبأ” قدمه ضمن ندوة حول السيرة النبوية الشريفة، عقدت بالمملكة العربية السعودية عام 1982.أيضا، تجدر الاشارة إلى ما نصح به الرسول (ص) أصحابه من أمر الهجرة إلى السودان لأن فيه بلال والنجاشي ولقمان، وقوله “من لم يكن له أخ فليتخذ أخا نوبيا”. وهكذا تدشن رواية “ترجمان الملك” قصتها بإعادة إنتاج ما استقر في أذهان الكثيرين حول الهجرة الأولى.
وجد “سيسي” في “الزبير بن العوام” صديقا وسلوى له من الوحشة التي يعيشها، فهو لا يعلم أين أبوه؟ وحينما يسأل أمه “تانيشا” عن والده تنحرف عيناها كأنه سأل عن أمر معيب. نشأ “سيسي” وهو لا يعرف أبا غير جده “دلمار” مترجم الملك النجاشي وحافظ أسراره ومستشاره الأول. حتى “سنجاتا” صديقته وحبيبته في الصبا، اختفت فجأة دون سابق علم. كل ذلك دفع “سيسي” للاحتفاء بالزبير وسرعان ما أصبحا صديقان لا يفترقان وساعد في ذلك أن “سيسي” كان يتحدث اللغة العربية بطلاقة مثل جده “دلمار” الذي عمل على تعليمه اللغة العربية والمعارف الأخرى.
عقب موت “دلمار” خلفه “سيسي” لبراعته في اللغة العربية، إذ عمد جده تعليمه لها وقدمه إلى الملك النجاشي قبيل وفاته، فأعجب به الملك كون “سيسي” قريبا منه في السن.
تتطور مع الرواية التاريخية، جانب تخييلي لقصة رومانسية تجمع “سيسي” ﺒ “سنجاتا”. نشأت العلاقة بينهما وهما لا يزالان صبيان يافعان، ولكن فجأة تختفي “سنجاتا” ويحزن “سيسي” عليها حزنا عميقا، ليجدها فيما بعد ضمن وصيفات زوجة النجاشي، وتلمح الرواية بارتباطهما مرة ثانية (كان صوتها وهي تحدثني كأنه ينبع من أعماق قلبي وليس من فمها. رأيت الحياة وهي تعود إلى عينيها، حين كانت تحدثني. والفرحة تحلق فوق رأسها ثم تحط على جبينها الوضاء… والتقت أعيننا لأول مرة منذ عشر سنوات. وطرنا معا إلى عوالم مسحورة).
احتشدت الرواية بالتصوير الطبيعي لمملكة علوه استخدم فيه المؤلف لغة وصفية رفيعة لمنطقة سوبا قديما، كما أشارت الرواية إشارة شديدة لدور السحر، في ذلك الزمان، وإرتباطه باليهود، في حكاية الساحرة “سيمونة” ضمن الرواية.


مختتم

بصفة عامة تعد رواية “ترجمان الملك” للروائي “عمر فضل الله” محاولة ناضجة لكشف حقبة تاريخية قيمة للسودان في عصوره الوسطى من منظور روائي اتخذ من التاريخ موضوعا له. جدير بالإشارة في هذا المختتم لشح هذا الجنس من الروايات والتي نشجع مؤلفينا من الخوض فيها لإلقاء المزيد من الضوء على الماضي الذي لم يدون إلا النذر اليسير منه.

المراجع العربية
1. البدري، سامي، السيرة النبوية : تدوين مختصر، بغداد : دار طور سينين للطباعة والنشر، 2002.
2. الطيب، عبدالله، الهجرة النبوية وما وراءها من نبأ، الخرطوم : مركز البحوث والدراسات بجامعة أفريقيا العالمية، مجلة دراسات أفريقية، العدد الثامن، 1998.
3. المعري، أبو العلاء، رسالة الغفران، القاهرة : مطبعة أمين (مطبعة هندية)، 1907.
4. دراج، فيصل، الرواية وتأويل التاريخ، دراسة، بيروت : المركز الثقافي العربي، 2004.
5. حسين، هيثم، الرواية والحياة، الشارقة: دائرة الثقافة والاعلام، 2013.
6. خيري، عاطف، ديوان سيناريو اليابسة، الخرطوم، مكتبة عزة للطباعة والنشر، 1995.
المراجع الأجنبية
1. Beaugrande & Dressler.(1981). Introduction to Text Linguistics. Harlow: Longman.
2. Kristeva, J. (1980). Desire in Language: A Semiotic Approach to Literature and Art. New York: Columbia University Press.
3. Lukacs, G. (1983) The Historical Novel. Lincoln: Nebraska University Press.

الأمين سليمان ابراهيم
أكاديمي ومترجم مقيم بالأمارات.
mahir55554@yahoo.com

المصدر: صحيفة الراكوبة http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-62974.htm

وكالة أنباء الإمارات: إطلاق رواية أطياف الكون الآخر من دار الياسمين


WAM

من أطياف الكون الآخر: في القمقم


ququm0وكنت وأنا في ذلك القمقم الزجاجي أرى ما حولي ولا أستطيع الحركة. رأيت قماقم كثيرة من حولي وأطيافاً محبوسين. ورأيت الشعب المرجانية والأسماك الملونة تسبح في حرية وهي تحاول الاقتراب من تلك القماقم ولكنها لا تقدر أن تلمسها فقد كانت محروسة بتعاويذ أولئك الجنود. وكنت أدرك أنه لا فكاك من هذا القمقم إلا بإحدى طرق ثلاث: أن يعفو عني النبي «سليمان» فيأمرهم بإخراجي، ولكن ذلك أمر مستبعد فقد فعلت أشياء تشيب لها الولدان وكنت أستحق القتل عن جدارة لقاء ما فعلت، أو أن تنقضي الفترة التي قدر فيها عقابي ولم أكن أعلم كم هي تلك الفترة، فقد تكون سنة واحدة أو عشرة آلاف، أو أن يموت النبي «سليمان» فيبطل الختم الذي تم وضعه على فوهة ذلك القمقم. وبقيت أنظر وأنتظر وأتأمل أن يحدث أحد تلك الأمور. وانقضى اليوم الأول كئيباً وكأنه ألف عام، وكأن تلك الشمس قد تسمرت في أفق السماء تأبى أن تتحرك نحو المغيب، وكأنها وقفت لتراقبني وتراني في قاع البحر فتشمت بي وتهزأ مني. وبعد أن شارفت نفسي على الهلاك رضيت تلك الشمس أن تتوارى وراء الأفق بعد أن شفت غليلها مني فغاب ضوؤها وحل الليل، وغاب معها أملي في أن يعفو عني النبي «سليمان» في تلك الليلة. وقبل أن أدرك مجيء الظلام أشرقت الشمس مرة أخرى في اليوم التالي وعادت بإطلالتها الساخرة وبقيت في كبد السماء، ثم غابت ثم أشرقت ثم غابت. وتكرر المشهد حتى أصبح رتيباً مثل انهيار المضارب من أيدي الموقعين فوق الطبول النحاسية. ما إن يرتفع مضرب حتى يقع الآخر ويظل النحاس يرزم بالأصوات المتكررة الرتيبة التي لا تنقطع ولا تتوقف ليل نهار. واستسلمت لهذه الحال وتوقفت عن المقاومة في انتظار ما تأتي به الأيام. ومع مرور الزمن غاب ذلك الترقب والأمل في نفسي، وخبا ذلك الغضب في قلبي، وانحسرت تيارات العداء، وحل محلها لوم وتأنيب ضمير ومراجعة نفس وتفكير طويل فيما فعلته ثم تأمل ونظر فيما حولي. البحر يعينك على هذا فهو هناك مهما مرت الأزمان وتعاقبت الدهور. الماء من حولك ومن فوقك ومن أسفل منك، والأسماك تذهب وتجيء، وقد يذهب البعض منها ثم لا يجيء أبداً بل يجيء غيرها. القمقم الذي سجنت بداخله شهد أحداثاً كثيرة حوله. فقد سكن تحته الأخطبوط وحامت حوله وفوقه الأسماك والقروش، واتخذته كثير من مخلوقات البحر مأوى لها تربض تحته، وحملته تيارات الماء في أحيان أخرى فلعبت به كثيراً وانتقل معها جيئة وذهاباً. وكانت الرمال تغمره وتغطيه فلا أرى شيئاً تحت ذلك الركام ثم لا تلبث المياه أن تنحت تلك الرمال فيخرج القمقم وأتمكن من الرؤية مجدداً.ququm1 وشهدت حطام السفن الغارقة وجيف الموتى الذين ألقى بهم قتلتهم في المياه، وتسابق الأسماك لتفتك بتلك الأجساد الميتة قبل أن تتركها عظاماً ورأيت جيف الحيوانات الغارقة واجتماع جيوش الأسماك حولها تنهش من تلك الولائم السهلة. ثم بمضي الزمان وتتالي الأيام وتوالي العقود والعهود ساد المكان سكون أبدي وساد قلبي سلام داخلي واستسلام كامل ولامبالاة بما يحدث من حولي، وشهدت أجيالاً متعاقبة من الأسماك وحيوانات البحر، تولد وتموت وتجيء أجيال بعدها ثم ما تلبث تلك الأجيال أن تنقرض وتستمر دورات الحياة.. لم أتمكن من حساب الأيام لأن وسيلة الحساب عندي كانت طلوع الشمس وغروبها، وحين غاص ذلك القمقم عميقاً وطمرته نباتات البحر ورمالها غاب ضوء الشمس وما عدت أميز مجيء الليل ولا طلوع النهار، وتساوت عندي الساعات والأيام والشهور والسنين حين تساوى الليل والنهار. وكنت أقدر الزمان بساعتي الداخلية بين جوانحي تقديراً.. الحاسة الوحيدة التي توهمت أنها بقيت عندي هي حاسة السمع، رغم أنني ماكنت أقدر أن أسمع شيئاً خارج جدران القمقم. ولكن حين تتعطل جميع حواسك تصبح أنت والأموات سواء. كنت أتوهم أنني أسمع همهمات الأمواج وهي تلثم جدران القمقم الخارجية، وحركة الأسماك التي تلامسه، ودبيب الكائنات الدقيقة على الرمل وحركة حبيبات الرمل تحت تلك الأقدام الصغيرة في القاع هي سلوتي الوحيدة وعزائي لأتشبث بالحياة. كنت أعد حبات الرمل فأحسب كم حبة رمل تحركت اليوم أو أتوهم ذلك، وكم من الكائنات الدقيقة تسلق جدران ذلك القمقم من الخارج. وبقيت الأحلام هي متعتي الوحيدة في ظلمات البحر وتحت الرمل. وصنعت لنفسي عوالم كثيرة من الوهم الجامح والخيالات العجيبة والأحلام الغريبة، وكنت أنتقل لأعيش فيها كيفما يحلو لي، وصنعت لنفسي أصدقاء من الوهم والخيال فكنت ألعب معهم أحياناً وأتشاجر معهم كثيراً وأتنقل معهم بين الأزمنة والأماكن. أصنع القصور الوهمية ثم أغضب لأشن عليها الحروب وأهدمها. وأحياناً أتمثل نفسي أميراً ساحراً وأحياناً ملكاً جباراً، أو أتحول لأصير فتاة جميلة أو ساحرة عجوزاً مشئومة، أو أتخيل نفسي قندساً يسبح في الماء أو عصفوراً يطير حراً في الهواء ويحلق في أفق الفضاء.

ترجمان الملك – مقتطفات – سنجاتا (2)


b368

afewerek***

“سُنْجَاتَا” كانت هي المخلوق الوحيد الذي تعلقت به. كنا نأتي كل يوم و
نجلس تحت شجرة الأراك ونحلم. ابتسامتها البريئة، ووجها الطفولي، وطعم فمها، وكلامها الذي يحملك إلى عالم مسحور. كانت لا تربط بين الأفكار، بل كل ما يخطر على بالها تقوله. وكان هذا يدهشني فكنت أطير معها في عالم الخيال الجميل الذي له أجنحة تحلق بك أينما تريد. كنا نبني معاً عوالم مسحورة في أفق الفضاء، أو في دنيا لم يرها إنسان. وكنا نعيش يومنا مع الطيور والحوريات وعالم الجن. كنا نبني قصوراً من الوهم على شواطيء الأحلام ونقطف الأزهار البرية من روضات الحدائق النائمة، عند السحر، والقمر قد سئم البقاء وحده في أفق الفضاء، فبدأ يتأهب للنوم. قالت لي “سُنْجَاتَا” يوماً:

– “سيس” لماذا لا يوجد قمران في أفق السماء؟

– القمر وحده لأنه يلعب مع الشمس لعبة المطاردة، فهو يهرب منها بالنهار. وحين يتأكد أنها قد ذهبت تبحث عنه وراء الأفق يأتي إلينا وحده متخفياً بالليل. ألا ترين أنه يبتسم ابتسامة ساخرة؟

– “سيس” أين ذهب أبوك؟

– أبي هو القمر الذي يهرب من أمي. أمي تجلس وحيدة في غرفتها كل ليلة مثل الشمس في كبد السماء.

– بجد يا “سيس” أين ذهب أبوك؟

– أبي هو “ملك ملوك الجن”، وهو في مهمة، وسوف يأتي قريباً من العالم السحري.

– “سيس” هل تحبني حقاً؟ عندما أكبر أريد أن أتزوجك. ونطير معاً فوق البحار. ونلعب لعبة الشمس والقمر. أريد أن تكون لي أجنحة أحلق بها في الفضاء. هل تصدق هذا؟

– ….

– سيس هل عندك شعر هنا؟

وأشارت إلى موضع عانتي من الخارج.

– أنت مجنونة !!

– أحلى شيء الجنون. “سيس” هل جربت يوماً أن تخلع كل ملابسك وتغلق الأبواب وترقص عارياً وتصيح بأعلى صوتك حتى يبح حلقك ثم تقفز عالياً وتسقط على الفراش؟ تعال نجرب هذا يوماً معاً، ولكنني لن أخلع ملابسي.

كانت “سُنْجَاتَا” مثالاً حياً لكل التناقضات المجنونة الموجودة في البشر. كانت أكثر الناس رقة، وأشدهم جنوناً. كانت منطلقة كمهر جامح في البرية لا يقدر عليه أحد. وكنت أحب هذا فيها. ولعل هذا الأمر قد دفعني حين كبرت قليلاً إلى ترويض المهارى الوحشية والحمير البرية والبغال الجامحة. ولكن “سُنْجَاتَا” اختفت فجأة من حياتي ولم أعد أراها. قصدتُ بيتهم كثيراً، ولكنه كان خالياً وبابه مغلقاً. لم أعرف يومها ما الذي حدث لها أو لأمها. أعرف أنها يتيمة الأب، وأن أمها، كانت تُشاهَدُ في بيت قائد الحرس كثيراً وكانت تعود إلى البيت سكرانة كل ليلة. أخبرني “عِبْدِي” بذلك وقال إن “سِمْبَا” هو الذي أخبره. حزنت لهذا، ومع الأيام ضمرت ذكراها في فؤادي، أو لعل تلك الذكرى اختبأت خزياً حين كنت أذكر أمها. كنت أذهب كل يوم وأجلس وحدي تحت ظل شجرة الأراك. حاولت استجماع الذكريات فلم أقدر على الإمساك بها. كانت تتسلل هاربة من ذاكرتي كلما كبرتُ. حين رأيت “سُنْجَاتَا” بعد كل هذه السنين وهي جارية في قصر الملك حاولت أن أتحقق من مشاعري فأحسست بغضب عارم يتأجج في كبدي. لم أعرف له سبباً. ذكريات المشاعر القديمة عادت واستحالت شيئاً مشوهاً. “سُنْجَاتَا” لم تعد بتلك البراءة ولا الجموح. كانت مستكينة خاضعة. وخمد ذلك البريق في عينيها وكأنما أسدلت فوقهما غلالة من بؤس العبودية. تمنيت ساعتها أن أصبح تاجراً للعبيد، لأشتريها وأبيعها بعيداً للعرب عبر بحر الجار فلا أراها بعدها أبداً. ثم تمنيت أن أصبح نسراً كاسراً يختطفها بمخالبه ويحلق بها فوق أجواء عَلَوَة ويلقي بها من حالق فتندق عنقها ويطويها النسيان. ولكن كل هذا لا يشفي غليلي. ولذا فقد بقيت وحيداً متوحشاً طيلة هذه السنوات، لا أسمح لأحد أن يقترب مني!!

منقول من منتديات العيلفون جنة عدن.