التصنيف: الشعر
ابن رشيق القيرواني
ابن رشيق القيرواني
( سلسلة نوابغ الفكر العربي 32 )
بقلم: عبد الرءوف مخلوف
دار المعارف بمصر 1964م
إذا فاتني ظل الحمى – للسان الدين بن الخطيب
إِذَا فَاتَنِي ظِلُّ الْحِمَى وَنَعِيمُهُ | كَفَانِي وَحَسْبِي أَنْ يَهُبّ نَسِيمُهُ |
ويُقْنِعُنِي أَنِّي بِهِ مُتَكَيِّفٌ | فَزَمْزَمُهُ دَمْعِي وَجِسْمِي حَطِيمُهُ |
يَعُودُ فُؤَادِي ذِكْرُ مَنْ سَكَنَ الْغَضَا | فَيُقْعِدُهُ فَوْقَ الْغَضى وَيُقِمُهُ |
وَلَمْ أَرَ شَيْئاً كَالنَّسِيمِ إِذَا سَرَى | شَفَى سُقمَ الْقَلْبِ الْمَشُوقِ نَسِيمُهُ |
نُعَلِّلُ بالتَّذْكَارِ نَساً مَشُوقَةً | يُدِيرُ عَلَيْهَا كَأْسَهُ وَيُدِيمُهُ |
وَمَا هَاجَنِي بِالْغَورِ قَدٌّ مُرَنَّحٌ | وَلاَ شَاقَنِي مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ رِيمُهُ |
وَلاَ سَهِرَتْ عَيْنِي لِبَرْقِ ثَنِيَّةٍ | مِنَ الثَّغْرِ يَبْدُو مَوْهِناً فَيَشِيمُهُ |
بَرَانِيَ شَوْقٌ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ | يَسُومُ فُؤَادِي بَرْحُهُ مَا يَسُومُهُ |
أَلاَ يَا رَسُولَ اللهِ نَادَاكَ ضَارِعٌ | عَلَى الْبُعْدِ مَحْفُوظُ الْوِدَادِ سَلِيمُهُ |
مَشُوقٌ إِذا مَا الَّليْلُ مَدَّ رِوَاقَهُ | تَهُمُّ بِهِ تَحْتَ الظَّلاَمِ هُمُومُهُ |
إِذا مَا حَدِيثٌ عَنْكَ جَاءَتْ بِه الصَّبَا | شَجَاهُ منَ الشَّوْقِ الْحَثِيثِ قَدِيمُهُ |
وَتُقْرِبُهُ الآمَال مِنْكَ تَعَلُّلاً | وَيُبْعِدُهُ الْمِقْدَارُ عَمَّا يَرُومُهُ |
بَرَاهُ الأَسَى إِلاَّ الرُّكُونُ إِلَى عَسَى | صَحِيحُ الْهَوَى مُضْنَى الْفُؤَادِ سَقِيمُهُ |
تَدَارَكْهُ يَاغَوْثَ الْعِبَادِ بِرَحْمَةٍ | يُقَضِّيهِ دَيْنَ الْعَفْوِ مِنْهَا غَرِيمُهُ |
أَيجْهَرُ بِالشَّكْوَى وَأَنْتَ سَميعُهُ | أَيُعْلِنُ بالنَّجْوَى وَأَنْتَ عَلِيمُهُ |
أَتُعْوِزُهُ السُّقْيَا وَأنْتَ غِيَاثُهُ | أَتُتْلِفُهُ الْبَلْوَى وَأَنْتَ رَحِيمُهُ |
وَقَدء بَثَّ مِنْكَ اللهُ فِي الْخَلْقِ رَحْمَةٌ | فَأُنْقِذَ عَانِيهِ وَأَثْرِي عَدِيمُهُ |
بِنُورِكَ نُورِ اللهِ قَدْ أَشْرَقَ الْهُدَى | فَأَقْمَارُهُ وَضَّاحَةٌ وَنُجُومُهُ |
لَكَ أنْهَلَّ فَضْلُ اللهِ بِاْلأَرَضِ سَاكِنَاً | فَأَنْوَاؤُهُ مُلْتَفَّةٌ وَغُيُومُهُ |
وَمِنْ فَوْقِ أَطْبَاقِ الطِّبَاقِ بِكَ اقْتَدَى | خَلِيلُ الَّذِي أَوْطَاكَهَا وَكَلِيمُهُ |
لَكَ الْخُلُقُ الأَرْضَى الَّذِي بَانَ فَضْلُهُ | وَمَجْدُكَ فِي الذِّكْرِ الْعَظِيمِ عَظِيمُهُ |
لَكَ الْمُعْجِزَاتُ الْغُرُّ يَبْهَرُ نُورُهَا | إِذَا ارْبَدَّ مِنْ جُنْحِ الظَّلاَمِ بَهِيمُهُ |
وَحَسْبُكَ مِنْ جِذْعٍ تَكَلَّمَ مُفْصِحاً | وَقَدْ دَمِيَتْ يَوْمَ الْفِرَاقِ كُلُومُهُ |
وَبَدْرٍ بَدَا قِسْمَيْنِ فَالِقسْمُ ثَابِتٌ | مُقِيمٌ وَقَدْ أَهْوَى إِلَيْكَ قَسِيمُهُ |
وَذَلَّ لِمَسْرَاكَ الْبُراقُ كَرَامَةً | وَسَاعَدَ مِنْهُ وَخْذُهُ وَرَسِيمُهُ |
وَمَنْ فَوْقِ أَطْبَاقِ السَّمَاءِ بِكَ اقْتَدَى | خَلِيلُ الَّذِي أَوْطَاكَهَا وَكَلِيمُهُ |
وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ أَجْلَى فَإِنَّهُ | عَجَائِبُهُ لاَ تَنْقَضِي وَعُلُومُهُ |
تَمَيَّزْتَ قَبْلَ الْقبْلِ بِالشِّيَمِ الْعُلَى | وَآدَمُ لَمْ يَدْرِ الْحَيَاةَ أدِيمُهُ |
إِذِ الْكَوْنُ لَمْ تَفْتُق يَدُ الأَمْرِ رَتْقَهُ | وَلَمْ تَمْتَزِجْ أَرْوَاحُهُ وَجُسُومُهُ |
وَمَنْ نُورِكَ الْوَضَّاحِ فِي الْعَالَمِ اهْتَدَى | غَدَاةَ اقْتَدَى صَدِيقُهُ وَحَكِيمُهُ |
عَلَيْكَ صَلاَةُ اللهِ يَاخَيْرَ مُرْسَلٍ | بِهِ بَانَ مِنْ نَهْجِ الرَّشَادِ قَوِيمُهُ |
وَيالَيْتَ أَنِّي فِي ضَريحِكِ مُلْحَدٌ | يَرفُّ بِتَكْرَارِ الْعِهَادِ جَمِيمُهُ |
يُجَاوِر عَظْمِي تُربَكَ الْعَطِرَ الشَّذَى | فَيَعْطِرُ مِنْ مَاءِ الْحَيَاةِ رَمِيمُهُ |
تَقَضَّى كَرِيمَ الْعُمْرِ فِي غَيْرِ طَائِلٍ | كَمَا بَدَّدَ الْوَفْرَ الْغَزِيرَ كَرِيمهُ |
فَآهٍ عَلَى نَفْسِي أُرَدّدُهَا أَسىً | لِوَخْطٍ أضَاءَتْ لَيْلَ فَوْدِي نُجُومُهُ |
وَإِنْ كَانَ نَبْتُ الأَرْضِ مُرْتَهَنَ الذَّوَى | فَلَيْسَ سَوَاءً غَضُّهُ وَهَشِيمُهُ |
جَفَانِيَ دَهْرِي وَاسْتَهَانَ بِحُرْمَتِي | فَدَهْرِيَ مَمْقُوتُ الذِّمَامِ ذَمِيمُهُ |
وَفَرَّقَ مَا بَيْنِي وَيْنَ أَحِبَّتِي | فَأَنْكَادُهُ تَنْتَابُنِي وَغُمُومُهُ |
فَلَوْ كَانَ يُجْدِي الْعَتْبُ أَبْلَغْتُ عَتْبَهُ | وَلَوْ كَانَ يُغْنِي اللَّوْمُ كُنْتُ أَلُومُهُ |
وَلَوْ لَحَظَتْنِي مٍنْ جَنَابِكَ لَحْظَةٌ | لَمَا رَامَنِي عِنْدَ الْبَيَاتِ نُجُومُهُ |
فَآوِ طَرِيداً عَائِذاً أَنْتَ كَهْفُهُ | وَذِكْرُكَ بِالْمَدْحِ الصَّرِيحِ رَقِيمُهُ |
رَعَى اللهُ عَهْداً فِي رِضَاكَ وَمَأْلَفاً | مُلُوكُ الْعُلَى تُعْنَى بِهِ وَتُقِيمُهُ |
وَحَيِّ بِوَادِي الْغَبْطِ دَاراً مَزُورَةً | تُوَالِي لِجَرَّاكَ النَّدَى وَتُدِيمُهُ |
رَحِيبَةُ ألْطَافٍ إِذَا الْوَفْدُ حَلَّهَا | تَكَنَّفَهُمْ غَمْرُ النَّوَالِ عَمِيمُهُ |
رَحِيبَةُ أَلطَافٍ إِذَا الْوَفْدُ حَلَّهَا | تَكَنَّفَهُمْ غَمْرُ النَّوَالِ عَمِيمُهُ |
تَوَسَّدَ مِنْهَا التُرْبَ أَيُّ خَلاَئِفٍ | بِهِمْ دِينُكَ الأَرْضَى اسْتَقَلَّتْ رُسُومُهُ |
أَئِمَّةُ عَدْلٍ أَوْضَحُوا سُبُلَ الْهُدَى | وَسُحْبُ نَوَالٍ لاَ تَشِحُّ غُيُومُهُ |
وَأُسْدُ جِهَادٍ أَذْعَنَتْ لِسُيُوفِهِمْ | جَلاَلِقَةُ الثَّغْرِ الْغَرِيبِ وَرُومُهُ |
فَلَوْلاَهُمْ يَاخَيْرَ مَنْ سَكَنَ الْحِمَى | لَرِيعَ حِمَاهُ وَاسْتُبِيحَ حَرِيمُهُ |
تَغَمَّدَهُمْ مِنْكَ الرِّضَا يَوْمَ تُقتَضَى | دُيُونُ مَقَامٍ لاَ تُضَامُ خُصُومُهُ |
وَأَنَّسَهُمْ وَالرَّوْعُ يُوحِشُ هَوْلُهُ | وَأَمَّنَهُمْ وَالْحَشْرُ تُذْكَى جَحِيمُهُ |
أَبُو يُوسُفٍ مُفْنِي الْعِدَى نَاصِرُ الْهُدَى | وَيُوسُفُ مِطْعَانُ الْهِيَاجِ زَعِيمُهُ |
وَعُثْمَانُ غَيْثُ الْجُودِ أَكْرَمُ وَاهِبٍ | إِذَا مَا الْغَمَامُ الْجَوْنُ ضَنَّتْ سُجُومُهُ |
وَعُلْيَا عَلِيِّ كَيْفَ يُجْحَد حَقُّهَا | أَنَجْحَدُ ضَوْءَ الصُّبْحِ رَاقَ وَسِيمُهُ |
هُوَ الْعَلَمُ الأَعْلَى الَّذِي طَالَ فَخْرُهُ | هُوَ الْمَلِكُ الأَرْضَى الَّذِي طَابَ خيمُهُ |
لَقَدْ فَاءَ ظِلُّ اللهِ مِنْهُ عَلَى الْوَرَى | فَأَيَّمُهُ مَكْفِيَّةٌ وَيَتِيمُهُ |
وَجَدَّدَ مِنْهَا الْبِرَّ وَالْفَضْلَ مَجْدُهُ | وَلَوْلاَهُ كَانَتْ لاَ تَبِينُ رُسُومُهُ |
وَأَوْرَثَ إِبْرَاهِيمَ سِرَّ خِلاَفَةٍ | نَمَاهُ مِنَ الْمَجْدِ الصُّرَاحِ صَمِيمُهُ |
إِذَا الأَمَلُ اسْتَسَقَى غَمَامَةَ رَحْمَةٍ | فَمِنْ كَفِّ إِبْرَاهِيمَ تَكْرَعُ هِيمُهُ |
وَكَمْ مِنْ رَجَاءٍ خَابَ نَظْمُ قِيَاسِهِ | فَأَنْتَجَ بِالْمَطْلُوبِ مِنْهُ عَقِيمُهُ |
أَمَوْلاَيَ لاَحِظْهَا عَلَى الْبُعْدِ خِدْمَةً | لِوَالِدِكَ الأَرْضَى انْتَقَاهَا خَدِيمُهُ |
تَخَيَّرَهَا فِكْرِي فَرَاقَ نِظَامُهَا | كَمَا رَاقَ مِنْ دُرِّ النُّحُورِ نَظِيمُهُ |
وَكَلْتُ بِهَا هَمِّي وَأَغْرَيْتُ هِمَّتِي | فَسَاعَدَهَا هَاءُ الرَّويِّ وَمِيمُهُ |
حَلَلْتُ بِهِ مُسْتَنْصِراً بِجَنَابِهِ | وَعَاهَدْتُ نَفْسِي أَنَّنِي لاَ أَرِيمُهُ |
عَلَى قَبْرِهِ الزَّاكِي وَقَفْتُ مَطَامِعِي | فَمَنْ نَالَنِي بِالضَّيْمِ أَنْتَ خَصِيمُهُ |
عباس محمود العقاد – الأعمال الكاملة
ابن مفرغ الحميري
ابن قلاقس
أبو العلاء المعري
ديوان سقط الزند لأبي العلاء المعري
شرح لزوم ما لا يلزم لأبي العلاء المعري
أبو العلاء المعري أو متاهات كيليطو
شرح ديوان حماسة أبي تمام المنسوب لأبي العلاء المعري
مع المعري اللغوي – دكتور ابراهيم السامرائي
أبو العلاء المعري بين الزمخشري والرازي
النظرية الخلقية عند أبي العلاء المعري بين الفلسفة والدين – د. سناء خضر
كتاب المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن وكتاب أبو العلاء المعري- تأليف أجنتس جولد تسيهر
الأعشى
الكميت بن زيد الأسدي
المرقش الأصغر
إسمه ربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة. هو ابن أخي المرقش الأكبر وعم طرفة بن العبد . وهو أشعر المرقشين وأطولهم عمراً وأشهر عشاق العرب المشهورين وفرسانهم المعدودين . كانت له مواقع في بكر بن وائل وحروبها مع تغلب .
كان المرقش الاصغر جميل الوجه . علقت به هند بن عجلان جارية فاطمة بن المنذر ، وكذلك فعلت سيدتها فاطمة ، الا انه كان أميل الى جاريتها .
المرقش الاصغر شاعر وجْد أكثر منه شاعر فروسية . أمعن في وصف الطّلل الخالي المتهدم الموحش ، كنفسه . تصحب تجربة الطّلل في شعره ، تجربة الطيف ، وهو تجسيد لشوقه ووجده في إطار حسي تتراءى له به الحبيبة مقبلة عليه ، مواصلة له ، حتى اذا انقشع وهمه، عاد الى واقع الخيبة والمرارة ، شاعراً بالوحشة والمنفى والفراغ . وقلما نقع له على قصيدة لا يذكر فيها الطيف مفصحاً بذلك عن نوع من القنوط والسويداء . وهو بذلك يدنو الى واقع الشعراء العذريين الذين بنوا لانفسهم عالماً من الذكريات العاطفية تنطفي فيه أحداقهم عن الحاضر الذي يعيشون فيه .
يخلع المرقش الأصغر على حبيبته وهو يصفها ، صفات الكمال والنعيم ، رامزاً بها الى عهد من السعادة الضائعة والى نعيم بعيد المنال. وتحت وطأة هذا التشاؤم والشعور بالخيبة ، نرى الشاعر يتصدى للحياة ذاتها ، مسيئاً الظن بها ، ناعياً عليها تقلباتها وغدرها . فهي تغتال كل خير وتخلّف كل شر.
توفي نحو عام 50 ق. هـ
المرقش الأكبر
هو عمرو بن سعد بن مالك بن ضُبيعة ، ينتهي الى بكر بن وائل ، الى عدنان . لقب بالمرقش لأنه قال : “كما رقِش في ظهر الأديم قلم ” . هو عم المرقش الاصغر.
المرقش الأكبر من الشعراء الجاهليين الذين جعلوا من شعرهم نتاج عفويتهم المبدعة فأغنى التفاعل الخلاق بين شخصيته ووقائعها شبه الاسطورية وبين الموضوع الفني الذي كاد يقتصر عليه شعره . فهو لم يبرح حدود معاناته الشخصية الى ذلك الشعر الاجتماعي الذي تميز بالمديح والفخر والرثاء . بدت نفسه مترفعة عن سياسة الصراعات اليومية من تبجح وغرور وطعن وشتم ، مشتغلاً بمسألة الوجود في الحب والحرمان وسواهما .
قصة المرقش الاكبر المتيم بابنة عمه ومعاندة عمه لأمر زواجهما تحولت الى واحدة من أساطير الميثولوجيا العربية الجاهلية . فلقد قام الدهر كعقبة كبيرة بينه وبين تحقيق امنيته بالزواج من ابنة العم بفعل تصلب عمه في طلبه شبه المستحيل اذ قال لابن أخيه : ” لن ازوجكما حتى ترأس وتأتي الملوك ” . فكان على المرقش ان يقبل التحدي فيمضي في رحلة الكشف والبحث عمن يحقق له واقعية التفوق . وتقول اسطورة المرقش إنه استطاع ، بعد ارتحال وطلب للمجد ، ان يحقق التفوق في بلاط الملوك ، فامتدح احد ملوك اليمن وفاز منه بالتقدير المرجو . وعندما عاد الى قومه وعمه منتصراً وجد ان العم قد زوج ابنته من سواه . أما الغريب في الامر أن العم بدل ان يخبره بهذا الزواج ادعى ان الفتاة قد ماتت وجعل لها قبراً مزيفاً في أرضه. لكن الشاعر لا يلبث ان يكشف الحقيقة ويعرف بأمر الصفقة التي عقدها عمه اذ زوج ابنته من رجل آخر غني خلال سني الجدب والقحط التي مرت بقومه .
إنطلق المرقش في رحلة بحث عن الحبيبة المباعة يرافقه خادمين ما لبثا ان غدرا به عندما اقعده المرض في احد الكهوف فتخليا عنه . لكن الشاعر تحامل على مرضه وخرج من كهفه ووصل الى بيت حبيبته التي استقبلته بالرغم من اعتراض الزوج . لكن البطل لا يصل الى الحبيبة الا ليموت بين احضانها .
كان الارقش الاكبر طليعة فرسان العشق العذري . ولقصته مع الحبيبة الممنوعة والضائعة أبعادها التي سوف تتكرر مع غيره من شعراء التتيم من الجاهليين . من هذه الابعاد الشعور بجحود العالم وبخيانة الآخرين وبالعقبات اللامتناهية التي تقوم في وجه تحقيق حب حقيقي . فكأن هذا الحب لا يحيا الا في نطاق النفس ولا يلقى تحقيقه الا في خيال المعاني . من هنا يصبح هذا الحب شمولياً يرقى فوق العلاقات الثنائية بين حبيبين . وهنا يلقى هذا الحب سعادة خاصة .
وحين يقف المرقش الاكبر في أكثر مطالع قصائده على الآثار الدوارس ، فانه يبكي حقاً طلول الحبيبة في نفسه وفي الارض من حوله واينما سار واتجه . ولذلك كانت رنة التفجع بالاطلال ، وان كانت تقليدية ، ذات ارتباط عضوي بتجربة الجحود والضياع لدى شاعرنا .
لم يبرّز المرقش الأكبر بالقصائد المطولة ولا باسلوب البناء الفخم . الا ان انطلاقته الوجدانية التي حملت الحان تجربته العاطفية ونشرتها في الصحارى وأنعشت قلوب أجيال ، تضج للحب وألم التضحية والحنين الى ارتواء ضائع لن يتم .
قال عنه أبو الفرج الأصفهاني في “الأغاني“: ((المرقش لقب غلب عليه بقوله:
الدار وحش والرسوم كما |
رقش في ظهر الأديم قلم |
وهو أحد من قال شعراً فلقب به. واسمه فيما ذكر أبو عمرو الشيباني عمرو. وقال غيره: عوف بن سعدبن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عكابة بن صعب بن علي بن بكربن وائل. وهو أحد المتيمين. كان يهوى ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك بن ضبيعة، وكان المرقش الأصغر ابن أخي المرقش الأكبر. واسمه فيما ذكر أبو عمروربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك. وقال غيره: هو عمرو بن حرملة بن سعد بن مالك. وهو أيضاً أحد المتيمين، كان يهوى فاطمة بنت المنذر الملك ويتشبب بها. وكان للمرقشين جميعاً موقع في بكر بن وائل وحروبها مع بني تغلب، وبأس وشجاعة ونجدة وتقدم في المشاهد ونكاية في العدو وحسن أثر. كان عوف بن مالك بن ضبيعة عم المرقش الأكبر من فرسان بكر بن وائل. وهو القائل يوم قضة: يا لبكر بن وائل، أفي كل يوم فرارا ومحلوفي لا يمر بي رجل من بكر بن وائل منهزماً إلا ضربته بسيفي. وبرك يقاتل فسمي البرك يومئذ.
عمر بن مالك وأسره لمهلهل: وكان أخوه عمرو بن مالك أيضاً من فرسان بكر، وهو الذي أسر مهلهلاً، التقيا في خيلين من غير مزاحفة في، بعض الغارات بين بكر وتغلب، في موضع يقال له نقا الرمل، فانهزمت خيل مهلهل وأدركه عمرو بن مالك فأسره فانطلق به إلى قومه، وهم في نواحي هجر، فأحسن إساره. ومر عليه تاجر يبيع الخمر قدم بها من هجر، وكان صديقاً لمهلهل يشتري منه الخمر، فأهدى إليه وهو أسير زق خمرة فاجتمع إليه بنو مالك فنحروا عنده بكراً وشربوا عند مهلهل في بيته وقد أفرد له عمرو بيتاً يكون فيه فلما أخذ فيهم الشراب لغنى مهلهل فيما كان يقوله من الشعر وينوح به على كليب، فسمع ذلك عمرو بن مالك فقال: إنه لريان، والله لا يشرب ماء حتى يرد ربيب يعني جملاً كان لعمرو بن مالك، وكان يتناول الدهاس من أجواف هجر فيرعى فيها غبا بعد عشر في حمارة القيظ فطلبت ركبان بني مالك ربيباً وهم حراص على ألا يقتل مهلهل، فلم يقدروا على البعير حتى مات مهلهل عطشاً. ونحر عمرو بن مالك يومئذ ناباً فأسرج جلدها على مهلهل وأخرج رأسه. وكانت بنت خال مهلهل امرأته بنت المحلل أحد بني لغلب قد أرادت أن تأتيه وهو أسيرة فقال يذكرها:
ظبية ما ابنة المحلل شنبا |
ء لعوب لذيذة في العناق |
فلفا بلغها ما هو فيه لم تأته حتى مات. فكان هبنقة القيسي أحد بني قيس بن ثعلبة واسمه يزيد بن ثروان يقول وكان محمقاً وهو الذي تضرب به العرب المثل في الحمق: لا؟ يكون لي جمل أبداً إلا سميته ربيباً يعني أن ربيباً كان مباركاً لقتله مهلهلاً. ذكر ذلك أجمع ابن الكلبي وغيره من الرواة. والقصيدة الميمية التي فيها الغناء المذكورة بذكر أخبار المرقش يقولها في مرثية ابن عم له. وفيها يقول:
بل هل شجتك الظعن باكرةً |
كأنها النخيل من ملـهـم |
قال أبو عمرو ووافقه المفضل الضبي: وكان من خبر المرقش الأكبر أنه عشق ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك، وهو البرك، عشقها وهو غلام فخطبها إلى أبيها، فقال: لا أزوجك حتى تعرف بالبأس وهذا قبل أن تخرج ربيعة من أرض اليمن وكان يعده فيها المواعيد. ثم انطلق مرقش إلى ملك من الملوك فكان عنده زماناً ومدحه فأجازه. وأصاب عوفاً زمان شديدث فأتاه رجل من مراد أحد بني غطيف ، فأرغبه في المال فزوجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنحى عن بني سعد بن مالك.
ورجع مرقش، فقال إخوته: لا تخبروه إلا أنها ماتت، فذبحوا كبشاً وأكلوا لحمه ودفنوا عظامه ولفوها في ملحفة ثم قبروها. فلما قدم مرقش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبرة فنظر إليه وصار بعد ذلك يعتاده ويزوره. فبينا هو ذات يوم مضطجع وقد تغطى بثوبه وابنا أخيه يلعبان بكعبين لهما إذ اختصما في كعب، فقال أحدهما: هدا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الدي دفنوه وقالوا إذا جاء مرقش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقش، عن رأسه ودعا الغلام وكان قد ضني ضناً شديداً فسأله عن الحديث فأخبره به وبتزويج المرادي أسماء فدعا مرقش وليدة له ولها زوج من غفيلة كان عسيفاً لمرقش، فأمرها بأن تدعو له زوجها فدعته، وكانت له رواحل فأمره بإحضارها ليطلب المرادي عليها، فأحضره إياها، فركبها ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى ما يحمل إلا معروضاً. وإنهما نزلا كهفاً بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفلي امرأته وليدة مرقش فسمع مرقش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه فقد هلك سقماً وهلكنا معه ضراً وجوعاً. فجعلت الوليدة تبكي من ذلك، فقال لها زوجها: أطيعيني، وإلا فإني تاركك وذاهب. قال: وكان مرقش يكتب، وكان أبوه دفعه وأخاه حرملة وكانا أحب ولده إليه إلى نصراني من أهل الحيرة فعلمهما الخط. فلما سمع مرقش قول الغفلي للوليدة كتب مرقش على مؤخرة الرحل هذه الأبيات:
يا صاحبي تلبـثـا لا تـعـجـلا |
إن الرواح رهين ألا تـفـعـلا |
|
فلعل لبـثـكـمـا يفـرط سـيئا |
أو يسبق الإسراع سيباً مـقـبـلا |
|
ياراكباً إما عرضت فـبـلـغـن |
آنس بن سعد إن لقيت وحرمـلا |
|
للـه دركـمـا ودرأبـيكـمــا |
إن أفلت العبدان حتـى يقـتـلا |
|
من مبلغ الأقـوام أن مـرقـشـاً |
أضحى على الأصحاب عبئاً مثقلا |
|
وكأنما ترد السـبـاع بـشـلـوه |
إذ غاب جمع بني ضبيعة منهـلا |
قال: فانطلق الغفلي وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقش. ونظر حرملة إلى الرحل وجعل يقلبه فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوفهما وأمرهما بأن يصدقاه ففعلا، فقتلهما. وقد كانا وصفا له الموضع، فركب في طلب المرقش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره فعرف أن مرقشاً كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه وأقبل راعيها إليها. فلما بصر به قال له: من أنت وما شأنك. فقال له مرقش: أنا رجل من مراد، وقال للراعي : من أنت؟ قال: راعي فلان، وإذا هو راعي زوج أسماء. فقال له مرقش: أتستطيع أن تكلم أسماء امرأة صاحبك؟ قال: لا، ولا أدنو منها، ولكن تأتيني جاريتها كل ليلة فأحلب لها عنزاً فتأتيها بلبنها.
فقال له: خذ خاتمي هذا، فإذا حلبت فألقه في اللبن، فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيراً لم يصبه راع قط إن أنت فعلت ذلك. فأخذ الراعي الخاتم. ولما راحت الجارية بالقدح وحلب لها العنز طرح الخاتم فيه، فانطلقت الجارية به وتركته بين يديها. فلما سكنت الرغوة أخذته فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيتها، فأخذته واستضاءت بالنار فعرفته، فقالت للجارية: ما هذا الخاتم. قالت: ما لي به علم، فأرسلتها إلى مولاها وهو في شرف بنجران، فأقبل فزعاً فقال لها: لم دعوتني؟ قالت له: ادع عبدك راعي غنمك فدعاه، فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم قال: وجدته مع رجل في كهف خبان .قال: ويقال كهف جبار فقال: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء فإنك مصيب به خيراً، وما أخبرني من هو، ولقد تركته بآخر رمق. فقال لها زوجها: وما هذا الخاتم؟ قالت: خاتم مرقش، فأعجل الساعة في طلبه. فركب فرسه وحملها على فرس آخر وسارا حتى طرقاه من فاحتملاه إلى أهلهما، فمات عند أسماء. وقال قبل أن يموت:
سرى ليلاً خيال من سليمـى |
فأرقني وأصحابي هجـود |
|
فبت أديرأمري كـل حـال |
وأذكر أهلها وهـم بـعـيد |
|
على أن قد سما طرفي لنار |
يشب لها بذي الأرطى وقود |
|
حواليها مها بيض التراقـي |
وآرام وغـزلان رقــود |
|
نواعم لاتعالج بـؤس عـيش |
أوانس لاتـروح ولاتـرود |
|
يرحن معاً بطاء المشيء بدًا |
عليهن المجاسد والـبـرود |
|
سكن ببلدة وسكنت أخـرى |
وقطعت المواثق والعهـود |
|
فما بالي أفي ويخان عهـدي |
ومابالي أصـاد ولا أصـيد |
|
ورب أسـيلة الـخـــدين |
بكير منعمة لها فرع وجيد |
|
وذو أشر شتيت النبت عذب |
نقي اللـون بـراق بـرود |
|
لهوت بها زماناً في شبابـي |
وزارتها النجائب والقصـيد |
|
أناس كلما أخلقـت وصـلاً |
عناني منهم وصـل جـديد |
ثم مات عند أسماء، فدفن في أرض مراد.
وقال غير أبي عمرو والمفضل: أتى رجل من مراد يقال له قرن الغزال، وكان موسراً، فخطب أسماء وخطبها المرقش وكان مملقاً، فزوجها أبوها من المرادي سراة فظهر على ذلك مرقش فقال: لئن ظفرت به لأقتلنه. فلما أراد أن يهتديها خاف أهلها عليها وعلى بعلها من مرقش، فتربصوا بها حتى عزب مرقش في إبله، وبنى المرادي بأسماء واحتملها إلى بلده. فلما رجع مرقش إلى الحي رأى غلاما يتعرق عظماً، فقال له: يا غلام، ما حدث بعدي في الحي. وأوجس في صدره خيفةً لما كان، فقال الغلام: اهتدى المراثي امرأته أسماء بنت عوف. فرجع المرقش إلى حيه فلبس لأمته وركب فرسه الأغر، واتبع آثار القوم يريد قثل المرادي. فلما طلع لهم قالوا للمرادي: هذا مرقش، وإن لقيك فنفسك دون نفسه. وقالوا لأسماء: إنه سيمر عليك، فأطلعي رأسك إليه واسفري، فإنه لا يرميك ولا يضرك، ويلهو، بحديثك عن طلب بعلك، حتى يلحقه إخوته فيردوه. وقالوا للمرادي: تقدم فتقدم. وجاءهم مرقش. فلما حاذاهم أطلعت أسماء من خدرها ونادته، فغض من فرسه وسار بقربها، حتى أدركه أخواه أنس وحرملة فعذلاه ورداه عن القوم. ومضى بها المرادي فألحقها بحيه. وضني مرقش لفراق أسماء. فقال في ذلك:
أمن آل أسماء الرسوم الدوارس |
تخطط فيها الطير قفر بسابس |
وهي قصيدة طويلة. وقال في أسماء أيضاً:
أغالبك القلب اللجوج صـبـابةً |
وشوقاً إلى أسماء أم أنست غالبه |
يهيم ولايعيا بأسـمـاء قـلـبـه |
كذاك الهوى إمراره وعواقبـه |
|
أيلحى امرؤ في حب أسماءقد نأى |
بغمز من الواشين وازور جانبه |
|
وأسماء هم النفس إن كنت عالماً |
وبادى أحاديث الفؤاد وغـائبـه |
|
إذا ذكرتها النفس ظلت كأنـنـي |
يزعزعني قفقاف ورد وصالبـه |
كان مع المجالد بن ريان في غارته على بني تغلب وقال شعراً: وقال أبو عمرو: وقع المجالد بن ريان ببني تغلب بجمران فنكى فيهم وأصاب مالاً وأسرى، وكان معه المرقش الأكبر، فقال المرقش في ذلك:
أتتني لسسان بني عـامـر |
فجلى أحاديثها عن بصـر |
|
بأن بني الوخم ساروا معـا |
بجيش كضوء نجوم السحر |
|
بكل خبوب السسرى نهـدة |
وكل كميت طـوال أغـر |
|
فما شعرالحي حـتـى رأوا |
بريق القوانس فوق الغرر |
|
فأقبلنهـم ثـم أدبـرنـهـم |
وأصدرنهم قبل حين الصدر |
|
فيا رب شلو تخطر فـنـه |
كريم لدى مزحف أو مكر |
|
وكائن بجمران من مزعف |
ومن رجل وجهه قد عفـر |
المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
المتلمس الضبعي
هو جريربن عبد المسيح الضُبيعي ، نسبة الى أهله بني ضبيعة . ولد في البحرين وعاش في الشام . تبع قابوس بن المنذر ملك الحيرة مدة من الزمن ، هو وابن اخته طرفة بن العبد . وكان هذا الملك يقلد ملوك الفرس في إذلال الندماء والأصدقاء فوصلت إلى مسامعه أبيات من الذم والسخرية كان الشاعران المتلمس وطرفة يتندران بها فحقد عليهما وارسلهما الى عامله في البحرين وهما يحملان رسالة مغلقة كتب فيها حتفيهما . وفي حين رفض طرفة ان يطلع على دسيسة القتل وسار الى حتفه عند عامل البحرين ، فان المتلمس قرأ الرسالة ورماها في نهر الحيرة وفر الى الشام . ومن هناك أطلق سلسلة من مواقف الكرامة والفروسية الجريحة يحرض فيها قومه على الثورة . وعندما مات الملك رجع الشاعر متخفياً الى البحرين والتحقت به زوجته أميمة .
قال ابن سلام الجمحي في “طبقات فحول الشعراء”: ((المتلمس، وهو جرير بن عبد المسيح بن عبد الله ابن زيد بن دوفن بن حرب بن وهب بن جلى بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة، ويقال ضبيعة أضجم، والأضجم: الحارث الخير بن عبد الله بن ربيعة بن دوفن، وبه ضجمت ربيعة، وكان سيدا. والمتلمس خال طرفة بن العبد، وإنما سمي المتلمس لقوله:
فهذا أوان العرض حي ذبابه زنابيره والأزرق المتلمس
كان المتلمس من أجود المقلين ، لكن قصائده القليلة دارت حول مشكلة الشاعر مع التشرد والانتفاء عن الارض والاهل. وكان يقع في تكرار متواصل للموضوعات ذاتها التي ترجع كلها الى حال من الدفاع عن الحرية والكرامة والتمرد . لكن ذلك لم يمنع المتلمس من استخدام وسائل لغوية وفنية متعددة للتعبير عما اختزنته نفسه من حقد وكراهية في سياق انفعالي متوتر فجاءت صوره الشعرية حرة لجبة عاصفة . وقد ظهر هذا الغضب العارم في ” هجاء عمرو بن هند ” ، هذه القصيدة الهادرة بالغضب ، العنيفة في تقريع قومه المستكينين لطغيان الملك ، المتنصلين من نسبه اليهم . وقد عبر عن هذا التنصل في قصيدته ” حضّ وتعيير” . ورغم كل المبالغات الوصفية التي حفلت بها القصيدة تحت ضغط المناسبة ، فانها تعتبر وثيقة فنية ووافية على شدة الاباء الفردي لدى العربي القديم .
قال أبو الفرج الأصفهاني في “الأغاني”: ((المتلمس لقب غلب عليه ببيت قاله وهو:
فهذا أوان العرض جن ذبابه زنابيره والأزرق المتلمس
واسمه جرير بن عبد المسيح بن عبد الله بن دوفن بن حرب بن وهب بن جلي بن أحمس ابن ضبيعة بن ربيعة بن نزار.
قال ابن حبيب فيما أخبرنا به عبد الله بن مالك النحوي عنه: ضبيعات العرب ثلاث كلها من ربيعة: ضبيعة بن ربيعة وهم هؤلاء، ويقال: ضبيعة أضجم، وضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وضبيعة بن عجل بن لجيم.
قال: وكان العز والشرف والرآسة على ربيعة في ضبيعة أضجم، وكان سيدها الحارث بن الأضجم، وبه سميت ضبيعة أضجم، وكان يقال للحارث حارث الخير بن عبد الله بن دوفل بن حرب، وإنما لقب بذلك لأنه أصابته لقوة ، فصار أضجم، ولقب بذلك، ولقبت به قبيلته.
ثم انتقلت الرآسة عن بني ضبيعة فصارت في عنزة، وهو عامر بن أسد بن ربيعة بن نزار، وكان يلي ذلك فيهم القدار أحد بني الحارث بن الدول بن صباح بن عتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة. ثم انتقلت الرآسة عنهم، فصارت في عبد القيس فكان يليها فيهم الأفكل وهو عمرو.
هنا انقطع ما ذكره الأصفهاني رحمه الله )). توفي نحو عام 580م
المراجع:طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي / كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
عدي بن زيد
المتوفى عام 590م – 35 ق. هـ
هو عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن ايوب بن الياس بن مضر بن نزار . شاعر جاهلي يتحدر من اسرة بني العبّاد . تقلب في مطلع شبابه ببلاط النعمان الثالث ونادمه ثم انتقل الى بلاط انو شروان الذي وجده أظرف الناس واحضرهم جواباً فرغب به وأثبته في بلاطه . فكان بذلك اول من كتب بالعربية في ديوان الاكاسرة . ولما توفي انو شروان وملك ابنه هرمز ارسل هذا الاخير عدي الى ملك الروم فأكرمه هذا الملك وعيّنه مسؤولاً عن البريد ، ربما ليريه سعة ارضه وعظم ملكه . ثم توجه بعد حين الى الحيرة فتلقاه الناس بالترحاب ، ولو اراد ان يملكوه لملكوه ، لكنه كان يؤثر الصيد واللهو على الملك . مكث في الحيرة سنين تزوج خلالها هنداً بنت النعمان بن المنذر ، وكانت من اجمل نساء اهلها وزمانها . عاش شاعرنا ربيب النعمة والحضارة ، تدرج في مدارجها ، وسكن في بلاطي الاكاسرة والروم مما رقق طبعه وصقل حسه وغذّى خياله بألوان جديدة وفسح له في مجال التأمل والاستقرار . أنفق معظم حياته متنقلاً بين الحيرة وفارس وبزنطية ، او غادياً الى الصيد والشراب مما جعل القيد والسجن ، لما جاءه ، على يد النعمان ، أشد وطأة واعمق وقعاً على نفسه . مات عدي بن زيد مقتولاً على ايدي حساده وأعدائه في محبسه مخلفاً شعراً تغلب عليه العدمية الناعية على الحياة، تتملكه نزعة تأملية بالحياة والموت ، مغلفة بغلالة روحية . ورغم هذا النزوع الفكري والتأملي ، فان شعره بقي في حدود المعاني . فلم يلتمس الشاعر الصورة الا في لُمع قليلة ، كما غشيت مظاهر العالم الخارجي بحدقة سريعة موليّة ، لا تضبطها ولا تأسرها ولا تتفاعل معها الا من خلال خاطرة عابرة . فقد تغلبت على اسلوبه الصفة التجريدية حيث يتحول بها الشعور الذي يعاني الى أفكار تفهم . ومع أن الانفعال لم يخمد في معظم قصائده ، فان الخيال المبدع لبث راكداً . فلم يوفق الشاعر الى احتضان العالمين المادي والنفسي وتوحيدهما . إلا انه ، بالرغم من ذلك كله ، لم يُعرّ تجاربه عن النغم ، بل ان النغم يحتضنها ويبث فيها الشجو والذهول ويثير النشوة ويضفي على الفكرة الجامدة ظلال الايحاء . لعلّ عدي وقف من دون سائر الشعراء الجاهليين موقفاً شعرياً من العالم . فقد تحرر ، بفضل حسه الحضري المادي، من قيود المكان والزمان وطلب نوعاً من اليقين المطلق ، فبدا شعره وكأنه نظم في فراغ من المادة والانجذاب الى ظاهر الحس . في كتاب الأغاني قال عنه أبو الفرج الأصفهاني:
((هو عدي بن زيد بن حماد بن أيوب بن محروف بن عامر بن عصية بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار. عدي بن زيد لا يعد في فحول الشعراء وكان أيوب هذا فيما زعم ابن الأعرابي أول من سمي من العرب أيوب، شاعرٌ فصيحٌ من شعراء الجاهلية، وكان نصرانياً وكذلك كان أبوه وأمه وأهله، وليس ممن يعد في الفحول، وهو قروي. وكانوا قد أخذوا عليه أشياء عيب فيها. وكان الأصمعي وأبو عبيدة يقولان: عدي بن زيد في الشعراء بمنزلة سهيلٍ في النجوم يعارضها ولا يجري معها مجراها. وكذلك عندهم أمية بن أبي الصلت، ومثلهما كان عندهم من الإسلاميين الكميت والطرماح . قال العجاج: كانا يسألاني عن الغريب فأخبرهما به، ثم أراه في شعرهما وقد وضعاه في غير مواضعه؛ فقيل له: ولم ذاك؟ قال: لأنهما قرويان يصفان ما لم يريا فيضعانه في غير موضعه، وأنا بدوي أصف ما رأيت فأضعه في مواضعه. وكذلك عندهم عدي وأمية. قال ابن الأعرابي فيما أخبرني به علي بن سليمان الأخفش عن السكري عن محمد بن حبيب عنه وعن هشام بن الكلبي عن أبيه قال: سبب نزول آل عدي بن زيد الحيرة أن جده أيوب بن محروف كان منزله اليمامة في بني امرىء القيس بن زيد مناة، فأصاب دماً في قومه فهرب فلحق بأوس بن قلامٍ أحد بني الحارث بن كعب بالحيرة. وكان بين أيوب بن محروف وبين أوس بن قلامٍ هذا نسبٌ من قبل النساء، فلما قدم عليه أيوب بن محروفٍ أكرمه وأنزله في داره، فمكث معه ما شاء الله أن يمكث، ثم إن أوساً قال له: يابن خال، أتريد المقام عندي وفي داري؟ فقال له أيوب: نعم، فقد علمت أني إن أتيت قومي وقد أصبت فيهم دماً لم أسلم، وما لي دارٌ إلا دارك آخر الدهر؛ قال أوس: إني قد كبرت وأنا خائف أن أموت فلا يعرف ولدي لك من الحق مثل ما أعرف، وأخشى أن يقع بينك وبينهم أمرٌ يقطعون فيه الرحم، فانظر أحب مكانٍ في الحيرة إليك فأعلمني به لأقطعكه أو أبتاعه لك؛ قال: وكان لأيوب صديقٌ في الجانب الشرقي من الحيرة، وكان منزل أوسٍ في الجانب الغربي، فقال له: قد أحببت أن يكون المنزل الذي تسكننيه عند منزل عصام بن عبدة أحد بني الحارث بن كعب؛ فابتاع له موضع داره بثلمثائة أوقيةٍ من ذهبٍ وأنفق عليها مائتي أوقية ذهباً. وأعطاه مائتين من الإبل برعائها وفرساً وقينةً؛ فمكث في منزل أوس حتى هلك، ثم تحول إلى داره التي في شرقي الحيرة فهلك بها. وقد كان أيوب اتصل قبل مهلكه بالملوك الذين كانوا بالحيرة وعرفوا حقه وحق ابنه زيد بن أيوب، وثبت أيوب فلم يكن منهم ملكٌ يملك إلا ولولد أيوب منه جوائز وحملانٌ)). ثم إن زيد بن أيوب نكح امرأة من آل قلام فولدت له حماداً، فخرج زيد بن أيوب يوماً من الأيام يريد الصيد في ناس من أهل الحيرة وهم منتدون بحفيرٍ – المكان الذي يذكره عدي بن زيد في شعره – فانفرد في الصيد وتباعد من أصحابه، فلقيه رجلٌ من بني امرىء القيس الذين كان لهم الثأر قبل أبيه، فقال له – وقد عرف فيه شبه أيوب -: ممن الرجل؟ قال: من بني تميم، قال: من أيهم؟ قال: مرئي؛ قال له الأعرابي: وأين منزلك؟ قال: الحيرة؛ قال أمن بني أيوب أنت؟ قال: نعم، ومن أين تعرف بني ايوب؟ واستوحش من الأعرابي وذكر الثأر الذي هرب أبوه منه؛ فقال له: سمعت بهم، ولم يعلمه أنه قد عرفه؛ فقال له زيد بن أيوب: فمن أي العرب أنت؟ قال: أنا امرؤ من طيء؛ فأمنه زيدٌ وسكت عنه، ثم إن الأعرابي اغتفل زيد بن أيوب: فرماه بسهم فوضعه بين كتفيه ففلق قلبه، فلم يرم حافر دابته حتى مات؛ فلبث أصحاب زيد حتى إذا كان الليل طلبوه وقد افتقدوه وظنوا أنه قد أمعن في طلب الصيد، فباتوا يطلبونه حتى يئسوا منه، ثم غدوا في طلبه فاقتفوا أثره حتى وقفوا عليه ورأوا معه أثر راكب يسايره فاتبعوا الأثر حتى وجدوه قتيلاً، فعرفوا أن صاحب الراحلة قتله، فاتبعوه وأغدوا السير فأدركوه مساء الليلة الثانية، فصاحوا به وكان من أرمى الناس فامتنع منهم بالنبل حتى حال الليل بينهم وبينه وقد أصاب رجلاً منهم في مرجع كتفيه بسهم فلما أجنه الليل مات وأفلت الرامي، فرجعوا وقد قتل زيد بن أيوب ورجلاً آخر معه من بني الحارث بن كعب. تولى حماد بن زيد الكتابة للنعمان الأكبر فمكث حماد في أخواله حتى أيفع ولحق بالوصفاء؛ فخرج يوماً من الأيام يلعب مع غلمان بني لحيان، فلطم اللحياني عين حماد فشجه حمادٌ، فخرج أبو الليحاني فضرب حماداً، فأتى حمادٌ أمه يبكي، فقالت له: ما شأنك؟ فقال: ضربني فلان لأن ابنه لطمني فشججته، فجزعت من ذلك وحولته إلى دار زيد بن أيوب وعلمته الكتابة في دار أبيه، فكان حمادٌ أول من كتب من بني أيوب، فخرج من أكتب الناس وطلب حتى صار كاتب الملك النعمان الأكبر، فلبث كاتباً له حتى ولد له ابنٌ من امرأة تزوجها من طيء فسماه زيداً باسم أبيه. وكان لحماد صديقٌ من الدهاقين العظماء يقال له فروخ ماهان، وكان محسناً إلى حمادٍ، فلما حضرت حماداً الوفاة أوصى بابنه زيدٍ إلى الدهقان، وكان من المرازبة، فأخذه الدهقان إليه فكان عنده مع ولده، وكان زيدٌ قد حذق الكتابة والعربية قبل أن يأخذه الدهقان، فعلمه لما أخذه الفارسية فلقنها، وكان لبيباً فأشار الدهقان على كسرى أن يجعله على البريد في حوائجه، ولم يكن كسرى يفعل ذلك إلا بأولاد المرازبة، فمكث يتولى ذلك لكسرى زماناً. ثم إن النعمان النصري اللخمي هلك، فاختلف أهل الحيرة فيمن يملكونه إلى أن يعقد كسرى الأمل لرجل ينصبه، فأشار عليهم المرزبان يزيد بن حماد، فكان على الحيرة إلى أن ملك كسرى المنذر بن ماء السماء ونكح زيد بن حماد نعمة بنت ثعلبة العدوية فولدت له عدياً، وملك المنذر وكان لا يعصيه في شيء، وولد للمرزبان ابنٌ فسماه “شاهان مرد”. فلما تحرك عدي بن زيد وأيفع طرحه أبوه في الكتاب، حتى إذا حذق أرسله المرزبان مع ابنه “شاهان مرد” إلى كتاب الفارسية، فكان يختلف مع ابنه ويتعلم الكتابة والكلام بالفارسية حتى خرج من أفهم الناس بها وأفصحهم بالعربية وقال الشعر، وتعلم الرمي بالنشاب فخرج من الأساورة الرماة، وتعلم لعب العجم على الخيل بالصوالجة وغيرها.
اتصاله بكسرى وتوليه الكتابة له
ثم إن المرزبان وفد على كسرى ومعه ابنه “شاهان مرد” فبينما هما واقفان بين يديه إذ سقط طائران على السور فتطاعما كما يتطاعم الذكر والأنثى فجعل كل واحدٍ منقاره في منقار الآخر، فغضب كسرى من ذلك ولحقته غيرةٌ، فقال للمرزبان وابنه: ليرم كل واحدٍ منكما واحداً من هذين الطائرين، فإن قتلتماهما أدخلتكما بيت المال وملأت أفواهكما بالجوهر، ومن أخطأ منكما عاقبته؛ فاعتمد كل واحد منهما طائراً منهما ورميا فقتلاهما جميعاً، فبعثهما إلى بيت المال فملئت أفواههما جوهراً، وأثبت “شاهان مرد” وسائر أولاد المرزبان في صحابته؛ فقال فروخ ماهان عند ذلك للملك: إن عندي غلاماً من العرب مات أبوه وخلفه في حجري فربيته، فهو أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية، والملك محتاجٌ إلى مثله، فإن رأى أن يثبته في ولدي فعل؛ فقال: ادعه، فأرسل إلى عدي بن زيد، وكان جميل الوجه فائق الحسن وكانت الفرس تتبرك بالجميل الوجه، فلما كلمه وجده أظرف الناس وأحضرهم جواباً، فرغب فيه وأثبته مع ولد المرزبان. كان عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى، فرغب أهل الحيرة إلى عدي ورهبوه، فلم يزل بالمدائن في ديوان كسرى يؤذن له عليه في الخاصة وهو معجبٌ به قريبٌ منه، وأبوه زيد بن حماد يومئذ حي إلا أن ذكر عدي قد ارتفع وخمل ذكر أبيه، فكان عدي إذا دخل على المنذر قام جميع من عنده حتى يقعد عدي، فعلا له بذلك صيتٌ عظيمٌ، فكان إذا أراد المقام بالحيرة في منزله ومع أبيه واهله استأذن كسرى فأقام فيهم الشهر والشهرين وأكثر وأقل. ثم إن كسرى أرسل عدي بن زيد إلى ملك الروم بهدية من طرف ما عنده، فلما أتاه عدي بها أكرمه وحمله إلى عماله على البريد ليريه سعة أرضه وعظيم ملكه – وكذلك كانوا يصنعون – فمن ثم وقع عدي بدمشق، وقال فيها الشعر. فكان مما قاله بالشأم وهي أول شعر قاله فيما ذكر:
رب دارٍ بأسفل الجزع مـن دو مة أشهى إلي مـن جـيرون
وندامى لا يفرحون بـمـا نـا لوا ولا يرهبون صرف المنون
قد سقيت الشمول في دار بشرٍ قهوةً مرةً بـمـاء سـخـين
ثم كان أول ما قاله بعدها قوله:
لمن الدار تعفـت بـخـيم أصبحت غيرها طول القدم
ما تبين العين من آياتـهـا غير نؤيٍ مثل خط بالقلـم
صالحاً قد لفها فاستوسقـت لف بازي حماماً في سلـم
تولية أهل الحيرة زيداً أبا عدي على الحيرة وإبقاء اسم الملك للمنذر قال:
وفسد أمر الحيرة وعدي بدمشق حتى أصلح أبوه بينهم، لأن أهل الحيرة حين كان عليهم المنذر أرادوا قتله لأنه كان لا يعدل فيهم، وكان يأخذ من أموالهم ما يعجبه، فلما تيقن أن أهل الحيرة قد أجمعوا على قتله بعث إلى زيد بن حماد بن زيد بن أيوب، وكان قبله على الحيرة، فقال له: يا زيد أنت خليفة أبي، وقد بلغني ما أجمع عليه أهل الحيرة فلا حاجة لي في ملككم، دونكموه ملكوه من شئتم؛ فقال له زيد: إن الأمر ليس إلي، ولكني أسبر لك هذا الأمر ولا آلوك نصحاً، فلما أصبح غدا إليه الناس فحيوه تحية الملك، وقالوا له: ألا تبعث إلى عبدك الظالم – يعنون المنذر- فتريح منه رعيتك؟ فقال لهم: أولا خيرٌ من ذلك! قالوا: أشر علينا؛ قال: تدعونه على حاله فإنه من أهل بيت ملكٍ، وأنا آتيه فأخبره أن أهل الحيرة قد اختاروا رجلاً يكون أمر الحيرة إليه إلا أن يكون غزوٌ أو قتال، فلك اسم الملك وليس إليك سوى ذلك من الأمور؛ قالوا: رأيك أفضل. فأتى المنذر فأخبره بما قالوا؛ فقبل ذلك وفرح، وقال: إن لك يا زيد علي نعمةً لا أكفرها ما عرفت حق سبد – وسبد صنم كان لأهل الحيرة – فولى أهل الحيرة زيداً على كل شيء سوى اسم الملك فإنهم أقروه للمنذر. وفي ذلك يقول عدي:
نحن كنا قد علمتم قبلكـم عمد البيت وأوتاد الإصار
قدوم عدي للحيرة وخروج المنذر للقائه
قال: ثم هلك زيدٌ وابنه عدي يومئذ بالشأم. وكانت لزيدٍ ألف ناقةٍ للحمالات كان أهل الحيرة أعطوه إياها حين ولوه ما ولوه، فلما هلك أرادوا أخذها؛ فبلغ ذلك المنذر، فقال: لا، واللات والعزى لا يؤخذ مما كان في يد زيدٍ ثفروقٌ وأنا أسمع الصوت. ففي ذلك يقول عدي بن زيد لابنه النعمان بن المنذر:
وأبوك المرء لـم يشـنـأ بـه يوم سيم الخسف منا ذو الخسار
قال: ثم إن عدياً قدم المدائن على كسرى بهدية قيصر، فصادف أباه والمرزبان الذي رباه قد هلكا جميعاً، فاستأذن على كسرى في الإلمام بالحيرة فإذن له فتوجه إليها، وبلغ المنذر خبره فخرج فتلقاه في الناس ورجع معه. وعدي أنبل أهل الحيرة في أنفسهم، ولو أراد أن يملكوه لملكوه، ولكنه كان يؤثر الصيد واللهو واللعب على الملك، فمكث سنين يبدو في فصلي السنة فيقيم في جفير ويشتو بالحيرة، ويأتي المدائن في خلال ذلك فيخدم كسرى، فمكث كذلك سنين، وكان لا يؤثر على بلاد بني يربوع مبدى من مبادي العرب ولا ينزل في حي من أحياء بني تميم غيرهم، وكان أخلاؤه من العرب كلهم بني جعفر، وكانت إبله في بلاد بني ضبة وبلاد بني سعد، وكذلك كان أبوه يفعل: لا يجاوز هذين الحيين بإبله. ولم يزل على حاله تلك حتى تزوج هند بنت النعمان بن المنذر، وهي يومئذ جاريةٌ حين بلغت أو كادت. وخبره يذكر في تزويجها بعد هذا.
قال ابن حبيب وذكر هشام بن الكلبي عن إسحاق بن الجصاص وحماد الراوية وأبي محمد بن السائب قال: كان لعدي بن زيد أخوان: أحدهما اسمه عمار ولقبه أبي، والآخر اسمه عمرو ولقبه سمي، وكان لهم أخ من أمهم يقال له عدي بن حنظلة من طيء، وكان أبي يكون عند كسرى، وكانوا أهل بيتٍ نصارى يكونون مع الأكاسرة، ولهم معهم أكلٌ وناحيةٌ، يقطعونهم القطائع ويجزلون صلاتهم. وكان المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان بن المنذر في حجر عدي بن زيد، فهم الذين أرضعوه وربوه، وكان للمنذر ابنٌ آخر يقال له “الأسود” أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب، فأرضعه ورباه قومٌ من أهل الحيرة يقال لهم بنو مرينا ينتسبون إلى لخم وكانوا أشرافاً. وكان للمنذر سوى هذين من الولد عشرةٌ، وكان ولده يقال لهم “الأشاهب” من جمالهم، فذلك قول أعشى بن قيس بن ثعلبة:
وبنو المنذر الأشاهب في الحي رة يمشون غدوةً كالسـيوف
وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيراً، وأمه سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك، فلما احتضر المنذر وخلف أولاده العشرة، وقيل: بل كانوا ثلاثة عشر، أوصى بهم إلى إياس بن قبيصة الطائي، وملكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى رأيه، فمكث عليها أشهراً وكسرى في طلب رجل يملكه عليهم، وهو كسرى بن هرمز، فلم يجد أحداً يرضاه فضجر فقال: لأبعثن إلى الحيرة اثني عشر ألفاً من الأساورة، ولأملكن عليهم رجلاً من الفرس، ولآمرنهم أن ينزلوا على العرب في دورهم ويملكوا عليهم أموالهم ونساءهم، وكان عدي بن زيد واقفاً بين يديه، فأقبل عليه وقال: ويحك يا عدي: من بقي من آل المنذر؟ وهل فيهم أحدٌ فيه خيرٌ؟ فقال: نعم أيها الملك السعيد، إن في ولد المنذر لبقية وفيهم كلهم خيرٌ، فقال: ابعث إليهم فأحضرهم، فبعث عدي إليهم فأحضرهم وأنزلهم جميعاً عنده، ويقال: بل شخص عدي بن زيد إلى الحيرة حتى خاطبهم بما أراد وأوصاهم، ثم قدم بهم على كسرى. قال: فلما نزلوا على عدي بن زيد أرسل إلى النعمان: لست أملك غيرك فلا يوحشنك ما أفضل به إخوتك عليك من الكرامة فإني إنما أغترهم بذلك، ثم كان يفضل إخوته جميعاً عليه في النزل والإكرام والملازمة ويريهم تنقصاً للنعمان وأنه غير طامعٍ في تمام أمر على يده، وجعل يخلو بهم رجلاً رجلاً فيقول: إذا أدخلتكم على الملك فالبسوا أفخر ثيابكم وأجملها، وإذا دعا لكم بالطعام لتأكلوا فتباطئوا في الأكل وصغروا اللقم ونزروا ما تأكلون، فإذا قال لكم: أتكفونني العرب؟ فقولوا: نعم، فإذا قال لكم: فإن شذ أحدكم عن الطاعة وأفسد، أتكفوننيه؟ فقولوا: لا، إن بعضنا لا يقدر على بعض، ليهابكم ولا يطمع في تفرقكم ويعلم أن للعرب منعةً وبأساً فقبلوا منه، وخلا بالنعمان فقال له: البس ثياب السفر وادخل متقلداً بسيفك، وإذا جلست للأكل فعظم اللقم وأسرع المضغ والبلع وزد في الأكل وتجوع قبل ذلك، فإن كسرى يعجبه كثرة الأكل من العرب خاصةًَ، ويرى أنه لا خير في العربي إذا لم يكن أكولاً شرهاً، ولاسيما إذا رأى غير طعامه وما لا عهد له بمثله، وإذا سألك هل تكفيني العرب؟ فقل: نعم، فإذا قال لك: فمن لي بإخوتك؟ فقل له: إن عجزت عنهم فإني عن غيرهم لأعجز. قال: وخلا ابن مرينا بالأسود فسأله عما أوصاه به عدي فأخبره، فقال: غشك والصليب والمعمودية وما نصحك، لئن أطعتني لتخالفن كل ما أمرك به ولتملكن، ولئن عصيتني ليملكن النعمان ولا يغرنك ما أراكه من الإكرام والتفضيل على النعمان، فإن ذلك دهاء فيه ومكر، وإن هذه المعدية لا تخلو من مكرٍ وحيلةٍ، فقال له: إن عدياً لم يألني نصحاً وهو أعلم بكسرى منك، وإن خالفته أوحشته وأفسد علي وهو جاء بنا ووصفنا وإلى قوله يرجع كسرى، فلما أيس ابن مرينا من قبوله منه قال: ستعلم. ودعا بهم كسرى، فلما دخلوا عليه أعجبه جمالهم وكمالهم ورأى رجالاً قلما رأى مثلهم، فدعا لهم بالطعام ففعلوا ما أمرهم به عدي، فجعل ينظر إلى النعمان من بينهم ويتأمل أكله، فقال لعدي بالفارسية: إن لم يكن في أحد منهم خيرٌ ففي هذا، فلما غسلوا أيديهم جعل يدعو بهم رجلاً رجلاً فيقول له: أتكفيني العرب؟ فيقول: نعم أكفيكها كلها إلا إخوتي، حتى انتهى النعمان آخرهم فقال له: أتكفيني العرب؟ قال: نعم قال: كلها؟ قال: نعم، قال: فكيف لي بإخوتك؟ قال: إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز، فملكه وخلع عليه وألبسه تاجاً قيمته ستون ألف درهم فيه اللؤلؤ والذهب. فلما خرج وقد ملك قال ابن مرينا للأسود: دونك عقبى خلافك لي!. ثم إن عدياً صنع طعاماً في بيعةٍ وأرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت فإن لي حاجةً فأتى في ناس فتغدوا في البيعة، فقال عدي بن زيد لابن مرينا: يا عدي، إن أحق من عرف الحق ثم لم يلم عليه من كان مثلك، وإني قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان، فلا تلمني على شيء كنت على مثله، وأنا أحب ألا تحقد علي شيئاً لو قدرت عليه ركبته، وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيت من نفسي، فإن نصيبي في هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك، وقام إلى البيعة فحلف ألا يهجوه أبداً ولا يبغيه غائلة؛ ولا يزوي عنه خيراً، أبداً فلما فرغ عدي بن زيد، قام عدي بن مرينا فحلف مثل عينه ألا يزال يهجوه أبداً ويبغيه الغوائل ما بقي. وخرج النعمان حتى نزل منزل أبيه بالحيرة، فقال عدي بن مرينا لعدي بن زيد:
ألا أبلغ عـديا عـن عـدي فلا تجزع وإن رثت قواكا
هياكلنا تبر لـغـير فـقـرٍ لتحمد أو يتم به غـنـاكـا
فإن تظفر فلم تظفر حمـيداً وإن تعطب فلا يبعد سواكا
ندمت ندامة الكسعي لـمـا رأت عيناك ما صنعت يداكا
قال: ثم قال عدي بن مرينا للأسود: أما إذا لم تظفر فلا تعجزن أن تطلب بثأرك من هذا المعدي الذي فعل بك ما فعل، فقد كنت أخبرك أن معداً لا ينام كيدها ومكرها وأمرتك أن تعصيه فخالفتني، قال: فما تريد؟ قال: أريد ألا تأتيك
فائدةٌ من مالك وأرضك إلا عرضتها علي ففعل. وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة، فلم يكن في الدهر يومٌ يأتي إلا على باب النعمان هديةٌ من ابن مرينا، فصار من أكرم الناس عليه حتى كان لا يقضي في ملكه شيئاً إلا بأمر
ابن مرينا، وكان إذا ذكر عدي بن زيد عند النعمان أحسن الثناء عليه وشيع ذلك بأن يقول: إن عدي بن زيد فيه مكر وخديعة، والمعدي لا يصلح إلا هكذا. فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه، فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه: إذا رأيتموني أذكر عدياً عند الملك بخير فقولوا: إنه لكذلك، ولكنه لا يسلم عليه أحدٌ وإنه ليقول: إن الملك – يعني النعمان – عامله، وإنه هو ولاه ما ولاه، فلم يزالوا بذلك حتى أضغنوه عليه، فكتبوا كتاباً على لسانه إلى قهرمانٍ له ثم دسوا إليه حتى أخذوا الكتاب منه وأتوا به النعمان فقرأه فاشتد غضبه، فأرسل إلى عدي بن زيد: عزمت عليك إلا زرتني فإني قد اشتقت إلى رؤيتك، وعدي يومئذ عند كسرى، فاستأذن كسرى فأذن له. فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبسه في محبسٍ لا يدخل عليه فيه أحدٌ، فجعل عدي يقول الشعر وهو في الحبس، فكان أول ما قاله وهو محبوس من الشعر:
ليت شعري عن الهمام ويأتي ك بخبر الأنباء عطف السؤال
أين عنا إخطارنا المال والأنف س إذ ناهدوا ليوم المـحـال
ونضالي في جنبك الناس يرمو ن وأرمي وكلنا غـير آلـي
فأصيب الذي تريد بلا غـشٍ وأربي عـلـيهـم وأوالـي
ليت أني أخذت حتفي بكفـي ولم ألـق مـيتة الأقـتـال
محلوا محلهم لصرعتنا العـا م فقد أوقعوا الرحا بالثفـال
وهي قصيدة طويلة. قالوا وقال أيضاً وهو محبوس:
أرقت لمكفهـرٍ بـات فـيه بوارق يرتقين رؤوس بشيب
تلوح الـمـشـرفـية ذراه ويجلو صفح دخدارٍ قشـيب
ويروي: تخال المشرفية. والدخدار: فارسية معربة وهو الثوب المصون. يقول فيها:
سعى الأعداء لا يألون شـراً علي ورب مكة والصلـيب
أرادوا كي تمهل عن عـدي ليسجن أو يدهده في القليب
وكنت لزاز خصمك لم أعرد وقد سلكوك في يومٍ عصيب
أعالنهم وأبطـن كـل سـر كما بين اللحاء إلى العسيب
ففزت عليهم لما التـقـينـا بتاجك فوزة القدح الأريب
وما دهري بأن كدرت فضلاً ولكن ما لقيت من العجيب
ألا من مبلغ النعمـان عـنـي وقد تهدى النصيحة بالمغـيب
أحظي كان سلـسـلةً وقـيداً وغلا والبيان لـدى الـطـيب
أتاك بأنني قد طال حـبـسـي ولم تسأم بمسجـونٍ حـريب
وبيتي مـقـفـرٌ إلا نـسـاءً أرامل قد هلكن من النحـيب
يبادرن الدموع عـلـى عـدي كشن خانه خـرز الـربـيب
يحاذرن الوشاة عـلـى عـدي وما اقترفوا عليه من الذنـوب
فإن أخطأت أو أوهمت أمـراً فقد يهم المصافي بالحـبـيب
وإن أظلم فقد عاقبتـمـونـي وإن أظلم فذلك من نصـيبـي
وإن أهلك تجد فقدي وتـخـذل إذا التقت العوالي في الحروب
فهل لك أن تدارك ما لـدينـا ولا تغلب على الرأي المصيب
فإني قد وكلت الـيوم أمـري إلى رب قريبٍ مسـتـجـيب
قالوا: وقال فيه أيضاً:
طال ذا الليل علينا واعتكـر وكأني ناذر الصبح سـمـر
من نجي الهم عنـدي ثـاوياً فوق ما أعلن منـه وأسـر
وكأن اللـيل فـيه مـثـلـه ولقد ما ظن بالليل القصـر
لم أغمض طوله حتى انقضى أتمنى لو أرى الصبح جشر
غير ما عشقٍ ولكن طـارقٌ خلس النوم وأجداني السهـر
وفيها يقول:
أبلغ النعمان عني مـالـكـاً قول من قد خاف ظناً فاعتذر
أنني والله، فاقبل حـلـفـي لأبيلٌ كلمـا صـلـى جـأر
مرعدٌ أحشاؤه فـي هـيكـلٍ حسن لمته وافي الـشـعـر
ما حملت الغل من أعدائكـم ولدى الله من العلم المـسـر
لا تكونن كآسي عـظـمـه بأساً حتى إذا العظم جـبـر
عاد بعد الجبر يبغي وهـنـه ينحنون المشي منه فانكسـر
واذكر النعمى التي لم أنسهـا لك في السعي إذا العبد كفر
وقال له أيضاً – وهي قصيدة طويلة -:
أبلغ النعمان عـنـي مـألـكـاً أنه قد طال حبسي وانتظـاري
و بغير الماء حلـقـي شـرقٌ كنت كالغصان بالماء اعتصاري
ليت شعري عن دخيلٍ يفـتـري حيثما أدرك ليلـي ونـهـاري
قاعداً يكرب نفـسـي بـثـهـا وحراماً كان سجني واحتصاري
أجل نعمـى ربـهـا أولـكـم ودنوي كان منكم واصطهـاري
في قصائد كثيرةٍ كان يقولها فيه، ويكتب بها إليه فلا تغني عنده شيئاً. (هذه رواية الكلبي). وأما المفضل الضبي فإنه ذكر أن عدي بن زيد لما قدم على النعمان صادفه لا مال ولا أثاث ولا ما يصلح لملكٍ، وكان آدم إخوته منظراً وكلهم أكثر مالاً منه، فقال له عدي: كيف أصنع بك ولا مال عندك! فقال له النعمان: ما أعرف لك حيلةً إلا ما تعرفه أنت، فقال له: قم بنا نمض إلى ابن قردس – رجلٍ من أهل الحيرة من دومة – فأتياه ليقترضا منه مالاً، فأبى أن يقرضهما وقال: ما عندي شيء فأتيا جابر بن شمعون وهو الأسقف أحد بني الأوس بن قلام بن بطين بن جمهير بن لحيان من بني الحارث بن كعب فاستقرضا منه مالاً، فأنزلهما عنده ثلاثة أيام يذبح لهم ويسقيهم الخمر، فلما كان في اليوم الرابع قال لهما: ما تريدان؟ فقال له عدي: تقرضنا أربعين ألف درهم يستعين بها النعمان على أمره عند كسرى، فقال: لكما عندي ثمانون ألفاً، ثم أعطاهما إياها، فقال النعمان لجابر: لا جرم لا جرى لي درهمٌ إلا على يديك إن أنا ملكت. قال: وجابر هو صاحب القصر الأبيض بالحيرة، ثم ذكر من قصة النعمان وإخوته وعدي وابن مرينا مثل ما ذكره ابن الكلبي. وقال المفضل خاصةً: إن سبب حبس النعمان عدي بن زيد، أن عدياً صنع ذات يوم طعاماً للنعمان، وسأله أن يركب إليه ويتغدى عنده هو وأصحابه، فركب النعمان إليه فاعترضه عدي بن مرينا فاحتبسه حتى تغدى عنده هو وأصحابه وشربوا حتى ثملوا، ثم ركب إلى عدي ولا فضل فيه، فأحفظه ذلك، ورأى في وجه عدي الكراهة فقام فركب ورجع إلى منزله، فقال عدي بن زيد في ذلك من فعل النعمان:
أحسبت مجلسنـا وحـس ن حديثنا يودي بمـالـك
فالمال والأهلون مـص رعةٌ لأمرك أو نكالـك
ما تأمـرن فـينـا فـأم رك في يمينك أو شمالك
قال: وأرسل النعمان ذات يوم إلى عدي بن زيد فأبى أن يأتيه ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه، وقد كان النعمان شرب فغضب وأمر به فسحب من منزله حتى انتهي به إليه، فحبسه في الصنين ولج في حبسه وعدي يرسل إليه بالشعر، فمما قاله له:
ليس شيءٌ على المنون ببـاق غير وجه المسبح الـخـلاق
إن نكن آمنين فاجـأنـا شـر مصيبٌ ذا الود والإشـفـاق
فبرىءٌ صدري من الـظـلـم للرب وحنثٍ بمعقد الميثـاق
ولقد ساءنـي زيارة ذي قـر بى حبيبٍ لودنـا مـشـتـاق
ساءه ما بنا تـبـين فـي الأي دي وإشناقها إلى الأعـنـاق
فاذهبي يا أميم غـير بـعـيدٍ لا يؤاتي العناق من في الوثاق
واذهبي يا أميم إن يشأ الـلـه ينفس من أزم هذا الخـنـاق
أو تكن وجهةٌ فتلك سبيل النـا س لا تمنع الحتوف الرواقي
ويقول فيها:
وتقول الـعـداة أودى عـدي وبنوه قد أيقـنـوا بـغـلاق
يا أبا مسهرٍ فأبـلـغ رسـولا إخوتي إن أتيت صحن العراق
أبلغا عامـراً وأبـلـغ أخـاه أنني موثقٌ شـديدٌ وثـاقـي
في حديد القسطاس يرقبني الحا رس والمرء كل شيءٍ يلاقي
في حديدٍ مضاعف وغـلـولٍ وثيابٍ منضـحـاتٍ خـلاق
فاركبوا في الحرام فكوا أخاكم إن عيراً قد جهزت لانطلاق
يعني الشهر الحرام. قالوا جميعاً: وخرج النعمان إلى البحرين، فأقبل رجلٌ من غسان فأصاب في الحيرة ما أحب، ويقال: إنه جفنة بن النعمان الجفني، فقال عدي بن زيد في ذلك:
سما صقرٌ فأشعل جانبيها وألهاك المروح والعزيب
المروح: الإبل المروحة إلى أعطانها. والعزيب: ما ترك في مراعيه.
وثبن لدى الثوية ملجمـاتٍ وصبحن العباد وهن شيب
ألا تلك الغنـيمة لا إفـالٌ ترجيها مـسـومة ونـيب
ترجيها وقد صابت بـقـرٍّ كما ترجو أصاغرها عتيب
وقالوا جميعاً: فلما طال سجن عدي بن زيد كتب إلى أخيه أُبي وهو مع كسرى بهذا الشعر:
ابلـغ أبـياً عـلـى نـأيه وهل ينفع المرء ما قد علم
بأن أخاك شقـيق الـفـؤا د كنت به واثقاً ما سـلـم
لدى ملكٍ موثقٌ في الحـد يدإما بحق وإمـا ظـلـم
فلا أعرفنك كذات الغـلام ما لم تجد عارماً تعـتـرم
فأرضك أرضك إن تأتينـا تنم نومةً ليس فيها حـلـم
قال: فكتب إليه أخوه أبي:
إن يكن خانك الزمان فلا عـا جز باعٍ ولا ألف ضـعـيف
ويمـين الإلـه لـو أن جـأوا ء طحونا تضيء فيها السيوف
ذات رز مجتابةً غمرة الـمـو ت صحيح سربالها مكفـوف
كنت في حميها لجئتك أسعـى فاعلمن لو سمعت إذ تستضيف
أو بمالٍ سألـت دونـك لـم يم نع تلادٌ لحـاجةٍ أو طـريف
أو بأرضٍ أسطيع آتيك فـيهـا لم يهلني بعدٌ بها أو مخـوف
إن تفتني والله إلفاً فـجـوعـاً لا يعقبك ما يصوب الخـريف
في الأعادي وأنت مني بـعـيدٌ عز هذا الزمان والتعـنـيف
ولعمري لئن جزعت عـلـيه لجزوعٌ على الصديق أسـوف
ولعمري لئن ملكـت عـزائي لقليلٌ شرواك فيمـا أطـوف
قالوا جميعاً: فلما قرأ أبي كتاب عدي قام إلى كسرى فكلمه في أمره وعرفه خبره، فكتب إلى النعمان يأمره بإطلاقه، وبعث معه رجلاً، وكتب خليفة النعمان إليه: إنه كتب إليك في أمره، فأتى النعمان أعداء عدي من بني بقيلة وهم من غسان، فقالوا له: اقتله الساعة فأبى عليهم، وجاء الرسول، وقد كان أخو عدي تقدم إليه ورشاه وأمره أن يبدأ بعدي فيدخل إليه محبوس بالصنين، فقال له: ادخل عليه فانظر ما يأمرك به فامتثله، فدخل الرسول على عدي، فقال له: إني قد جئت بإرسالك، فما عندك؟ قال: عندي الذي تحب ووعده بعدةٍ سنية، وقال له: لا تخرجن من عندي وأعطني الكتاب حتى أرسله إليه، فإنك والله إن خرجت من عندي لأقتلن، فقال: لا أستطيع إلا أن آتي الملك بالكتاب فأوصله إليه، فانطلق بعض من كان هناك من أعدائه فأخبر النعمان أن رسول كسرى دخل على عدي وهو ذاهبٌ به، وإن فعل والله لم يستبق منا أحداً أنت ولا غيرك، فبعث إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات ثم دفنوه. ودخل الرسول إلى النعمان فأوصل الكتاب إليه، فقال: نعم وكرامةً، وأمر له بأربعة آلاف مثقال ذهباً وجاريةٍ حسناء، وقال له: إذا أصبحت فادخل أنت بنفسك فأخرجه، فلما أصبح ركب فدخل السجن، فأعلمه الحرس أنه قد مات منذ أيامٍ ولم نجترىء على إخبار الملك خوفاً منه، وقد عرفنا كراهته لموته. فرجع إلى النعمان، وقال له: إني كنت أمس دخلت على عدي. وهو حي، وجئت اليوم فجحدني السجان وبهتني، وذكر أنه قد مات منذ أيام. فقال له النعمان: أيبعث بك الملك إلي فتدخل إليه قبلي! كذبت، ولكنك أردت الرشوة والخبث، فتهدده ثم زاده جائزة وأكرمه، وتوثق منه ألا يخبر كسرى إلا أنه قد مات قبل أن يقدم عليه. فرجع الرسول إلى كسرى، وقال: إني وجدت عدياً قد مات قبل أن أدخل عليه. وندم النعمان على قتل عدي وعرف أنه احتيل عليه في أمره، واجترأ عليه وهابهم هيبةً شديدةً. ثم إنه خرج إلى صيده ذات يوم فلقي ابناً لعدي يقال له زيد، فلما رآه عرف شبهه، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا زيد بن عدي بن زيد، فكلمه فإذا غلامٌ ظريفٌ، ففرح به فرحاً شديداً وقربه وأعطاه ووصله واعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه، ثم كتب إلى كسرى: إن عدياً كان ممن أعين به الملك في نصحه ولبه، فأصابه ما لابد منه وانقطعت مدته وانقضى أجله، ولم يصب به أحدٌ أشد من مصيبتي، وأما الملك فلم يكن ليفقد رجلاً إلا جعل الله له منه خلفاً لما عظم الله من ملكه وشأنه، وقد بلغ ابن له ليس بدونه، رأيته يصلح لخدمة الملك فسرحته إليه، فإن رأى الملك أن يجعله مكان أبيه فليفعل وليصرف عمه عن ذلك إلى عملٍ آخر. وكان هو الذي يلي المكاتبة عن الملك إلى ملوك العرب في أمورها وفي خواص أمور الملك. وكانت له من العرب وظيفةٌ موظفةٌ في كل سنة: مهران أشقران يجعلان له هلاماً، والكمأة الرطبة في حينها واليابسة والأقط والأدم وسائر تجارات العرب، فكان زيد بن عدي يلي ذلك له وكان هذا عمل عدي. فلما وقع زيد بن عدي عند الملك هذا الموقع سأله كسرى عن النعمان، فأحسن الثناء عليه. ومكث على ذلك سنواتٍ على الأمر الذي كان أبوه عليه. وأعجب به كسرى، فكان يكثر الدخول عليه والخدمة له. وكانت لملوك العجم صفةٌ من النساء مكتوبةٌ عندهم، فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصفة، فإذا وجدت حملت إلى الملك، غير أنهم لم يكونوا يطلبونها في أرض العرب ولا يظنونها عندهم. ثم إنه بدا للملك في طلب تلك الصفة، وأمر فكتب بها إلى النواحي، ودخل إليه زيد بن عدي وهو في ذلك القول، فخاطبه فيما دخل إليه فيه، ثم قال: إني رأيت الملك قد كتب في نسوة يطلبن له وقرأت الصفة وقد كنت بآل المنذر عارفاً، وعند عبدك النعمان من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة، قال: فاكتب فيهن، قال: أيها الملك، إن شر شيء في العرب وفي النعمان خاصةً أنهم يتكرمون – زعموا في أنفسهم – عن العجم، فأنا أكره أن يغيبهن عمن تبعث إليه أو يعرض عليه غيرهن، وإن قدمت أنا عليه لم يقدر على ذلك، فابعثني وابعث معي رجلاً من ثقاتك يفهم العربية حتى أبلغ ما تحبه، فبعث معه رجلاً جلداً فهماً، فخرج به زيد، فجعل يكرم الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة، فلما دخل عليه أعظم الملك وقال: إنه قد احتاج إلى نساء لنفسه وولده وأهل بيته، وأراد كرامتك بصهره فبعث إليك، فقال: ما هؤلاء النسوة؟ فقال: هذه صفتهن قد جئنا بها. وكانت الصفة أن المنذر الأكبر أهدى إلى أنوشروان جاريةً كان أصابها إذ أغار على الحارث الأكبر بن أبي شمر الغساني، فكتب إلى أنوشروان بصفتها، وقال: إني قد وجهت إلى الملك جاريةً معتدلة الخلق، نقية اللون والثغر، بيضاء قمراء وطفاء كحلاء دعجاء حوراء عيناء قنواء شماء برجاء زجاء أسيلة الخد، شهية المقبل، جثلة الشعر، عظيمة الهامة، بعيدة مهوى القرط، عيطاء، عريضة الصدر، كاعب الثدي، ضخمة مشاش المنكب والعضد، حسنة المعصم، لطيفة الكف، سبطة البنان، ضامرة البطن، خميصة الخصر، غرثى الوشاح، رداح الأقبال، رابية الكفل، لفاء الفخذين، ريا الروادف، ضخمة المأكمتين، مفعمة الساق، مشبعة الخلخال، لطيفة الكعب والقدم، قطوف المشي، مكسال الضحى، بضة المتجرد، سموعاً للسيد، ليست بخنساء ولا سفعاء، رقيقة الأنف، عزيزة النفس، لم تغذ في بؤسٍ، حييةً رزينةً، حليمةً ركينةً، كريمة الخال، تقتصر على نسب أبيها دون فصيلتها، وتستغني بفصيلتها دون جماع قبيلتها، قد أحكمتها الأمور في الأدب، فرأيها رأي أهل الشرف، وعملها عمل أهل الحاجة، صناع الكفين، قطيعة اللسان ورهو الصوت ساكنته، تزين الولي، وتشين العدو، إن أردتها اشتهت، وإن تركتها انتهت، تحملق عيناها، وتحر وجنتاها، وتذبذب شفتاها، وتبادرك الوثبة إذا قمت، ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست. قال: فقبلها أنوشروان وأمر بإثبات هذه الصفة في دواوينه، فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى بن هرمز. فقرأ زيد هذه الصفة على النعمان، فشقت عليه؛ وقال لزيد والرسول يسمع: أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته! فقال الرسول لزيد بالفارسية: ما المها والعين؟ فقال له بالفارسية: كاوان أي البقر؛ فأمسك الرسول. وقال زيد للنعمان: إنما أراد الملك كرامتك، ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به. فأنزلهما يومين عنده، ثم كتب إلى كسرى: إن الذي طلب الملك ليس عندي، وقال لزيد: اعذرني عند الملك. فلما رجعا إلى كسرى؛ قال زيدٌ للرسول الذي قدم معه: اصدق الملك عما سمعت، فإني سأحدثه بمثل حديثك ولا أخالفك فيه. فلما دخلا على كسرى، قال زيدٌ: هذا كتابه إليك، فقرأه عليه. فقال له كسرى: وأين الذي كنت خبرتني به؟ قال: قد كنت خبرتك بضنتهم بنسائهم على غيرهم، وإن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعري على الشبع والرياش، وإيثارهم السموم والرياح على طيب أرضك هذه، حتى إنهم ليسمونها السجن، فسل هذا الرسول الذي كان معي عما قال، فإني أكرم الملك عن مشافهته بما قال وأجاب به. قال للرسول: وما يقال! أيها الملك، إنه قال: أما كان في بقر السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا، فعرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه منه ما وقع، لكنه لم يزد على أن قال: رب عبدٍ قد أراد ما هو أشد من هذا ثم صار أمره إلى التباب. وشاع هذا الكلام حتى بلغ النعمان، وسكت كسرى أشهراً على ذلك. وجعل النعمان يستعد ويتوقع حتى أتاه كتابه: أن أقبل فإن للملك حاجةً إليك، فانطلق حين أتاه كتابه فحمل سلاحه وما قوي عليه، ثم لحق بجبلي طي وكانت فرعة بنت سعد بن حارثة بن لأم عنده، وقد ولدت له رجلاً وامرأة، وكانت أيضاً عنده زينب بنت أوس بن حارثة، فأراد النعمان طيئاً على أن يدخلوه الجبلين ويمنعوه فأبوا ذلك عليه، وقالوا له: لولا صهرك لقتلناك، فإنه لا حاجة بنا إلى معاداة كسرى، ولا طاقة لنا به. وأقبل يطوف على قبائل العرب ليس أحدٌ منهم يقبله، غير أن بني رواحة بن قطيعة بن عبسٍ قالوا: إن شئت قاتلنا معك، لمنةٍ كانت له عندهم في أمر مروان القرظ، قال: ما أحب أن أهلككم، فإنه لا طاقة لكم بكسرى. فأقبل حتى نزل بذي قارٍ في بني شيبان سراً، فلقي هانىء بن قبيصة، وقيل بل هانىء بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان سيداً منيعاً، والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد ذي الجدين، وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود الأبلة، فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك، وعلم أن هانئاً يمنعه مما يمنع منه نفسه. وقال حماد الراوية في خبره: إنه إنما استجار بهانىء كما استجار بغيره فأجاره، وقال له: قد لزمني ذمامك وأنا مانعك مما أمنع نفسي وأهلي وولدي منه ما بقي من عشيرتي الأدنين رجلٌ، وإن ذلك غير نافعك لأنه مهلكي ومهلكك، وعندي رأيٌ لك، لست أشير به عليك لأدفعك عما تريده من مجاورتي ولكنه الصواب؛ فقال: هاته؛ فقال: إن كل أمر يجمل بالرجل أن يكون عليه إلا أن يكون بعد الملك سوقة، والموت نازلٌ بكل أحدٍ، ولأن تموت كريماً خيرٌ من أن تتجرع الذل أو تبقى سوقة بعد الملك، هذا إن بقيت، فأمض إلى صاحبك وارسل إليه هدايا ومالاً وألق نفسك بين يديه، فإما أن صفح عنك فعدت ملكاً عزيزاً، وإما أن أصابك فالموت خيرٌ من أن يتلعب بك صعاليك العرب ويتخطفك ذئابها وتأكل مالك وتعيش فقيراً مجاوراً أو تقتل مقهوراً؛ فقال: كيف بحرمي؟ قال: هن في ذمتي، لا يخلص إليهن حتى يخلص إلى بناتي؛ فقال: هذا وأبيك الرأي الصحيح، ولن أجاوزه. ثم اختار خيلاً وحللاً من عصب اليمن وجوهراً وطرقاً كانت عنده، ووجه بها إلى كسرى وكتب إليه يعتذر ويعلمه أنه صائرٌ إليه، ووجه بها مع رسوله، فقبلها كسرى وأمره بالقدوم؛ فعاد إليه الرسول فأخبره بذلك وأنه لم ير له عند كسرى سوءاً. فمضى إليه حتى إذا وصل إلى المدائن لقيه زيد بن عدي على قنطرة ساباط، فقال له: انج نعيم، إن استطعت النجاء؛ فقال له: أفعلتها يا زيد! أما والله، لئن عشت لك لأقتلنك قتلةً لم يقتلها عربي قط ولألحقنك بأبيك! فقال له زيد: امض لشأنك نعيم، فقد والله أخيت لك أخيه لا يقطعها المهر الأرن. فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه، فقيده وبعث به إلى سجن كان له بخانقين، فلم يزل فيه حتى وقع الطاعون هناك فمات. فيه. وقال حمادٌ الراوية والكوفيون: بل مات بساباط في حبسه. وقال ابن الكلبي: ألقاه تحت أرجل الفيلة فوطئته حتى مات، واحتجوا بقول الأعشى:
فذاك وما أنجى من الموت ربه بساباط حتى مات وهو محزرق
قال: المحرزق: المضيق عليه. وأنكر هذا من زعم أنه مات بخانقين، وقالوا: لم يزل محبوساً مدة طويلة، وإنه إنما مات بعد ذلك بحينٍ قبيل الإسلام، وغضبت له العرب حينئذ، وكان قتله سبب وقعه ذي قارٍ. عدي بن زيد وهند بنت النعمان أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح وأخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال قال علي بن الصباح حدثني هشام بن الكلبي عن أبيه قال: كان عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب الشاعر العبادي يهوى هند بنت النعمان بن المنذر بن المنذر بن امرىء القيس بن النعمان بن امرىء القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن مسعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم وهو مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ولها يقول:
علق الأحشاء من هندٍ علق مستسرٌ فيه نصبٌ وأرق
وهي قصيدةٌ طويلةٌ. وفيها أيضاً يقول:
من لقلب دنفٍ أو معتـمـد قد عصى كل نصوحٍ ومغد
وهي طويلة. وفيها أيضاً يقول:
يا خليلي يسرا التـعـسـيرا ثم روحا فهجرا تهـجـيرا
عرجا بي على ديارٍ لهـنـدٍ ليس أن عجتما المطي كبيرا
أما قصة تزوجه بهتد، قال ابن الكلبي: وقد تزوجها عدي. وقال ابن أبي سعد، وذكر ذلك خالد ابن كلثوم أيضاً قالا: كان سبب عشقه إياها أن هنداً كانت من أجمل نساء أهلها وزمانها، وأمها مارية الكندية؛ فخرجت في خميس الفصح، وهو بعد السعانين بثلاثة أيام، تتقرب في البيعة، ولها حينئذ إحدى عشرة سنةً، وذلك في ملك المنذر؛ وقد قدم عدي حينئذ بهديةٍ من كسرى إلى المنذر، والنعمان يومئذ فتى شاب، فاتفق دخولها البيعة وقد دخلها عدي ليتقرب، وكانت مديدة القامة عبلة الجسم، فرآها عدي وهي غافلةٌ فلم تنتبه له حتى تأملها، وقد كان جواريها رأين عديا وهو مقبلٌ فلم يقلن لها ذلك، كي يراها عدي، وإنما فعلن هذا من أجل أمةٍ لهند يقال لها مارية، وقد كانت أحبت عدياً فلم تدر كيف تأتي له. فلما رأت هند عدياً ينظر إليها شق ذلك عليها، وسبت جواريها ونالت بعضهن بضرب؛ فوقعت هند في نفس عدي، فلبث حولاً لا يخبر بذلك أحداً. فلما كان بعد حولٍ وظنت مارية أن هنداً قد أضربت عما جرى وصفت لها بيعة دومة – وقال خالد بن كلثومٍ: بيعة توما وهو الصحيح – ووصفت لها من فيها من الرواهب، ومن يأتيها من جواري الحيرة، وحسن بنائها وسرجها؛ وقالت لها: سلي أمك الإذن لك في إتيانها، فسألتها ذلك فأذنت لها، وبادرت مارية إلى عدي فأخبرته الخبر فبادر فلبس يلمقاً كان “فرخانشاه مرد” قد كساه إياه وكان مذهباً لم ير مثله حسناً، وكان عدي حسن الوجه، مديد القامة، حلو العينين، حسن المبسم، نقي الثغر. وأخذ معه جماعةً من فتيان الحيرة، فدخل البيعة؛ فلما رأته مارية قالت لهند: انظري إلى هذا الفتى! فهو والله أحسن من كل ما ترين من السرج وغيرها! قالت: ومن هو؟ قالت: عدي بن زيد؛ قالت: أتخافين أن يعرفني إن دنوت منه لأراه من قريب؟ قالت: ومن أين يعرفك وما رآك قط من حيث يعرفك! فدنت منه وهو يمازح الفتيان الذين معه وقد برع عليهم بجماله، وحسن كلامه وفصاحته، وما عليه من الثياب، فذهلت لما رأته وبهتت تنظر إليه. وعرفت مارية ما بها وتبينته في وجهها، فقالت لها: كلميه، فكلمته، وانصرفت وقد تبعته نفسها وهويته، وانصرف بمثل حالها. فلما كان الغد تعرضت له مارية، فلما رآها هش لها، وكان قبل ذلك لا يكلمها، وقال لها: ما غدا بك؟ قالت: حاجةٌ إليك، قال: اذكريها، فوالله لا تسأليني شيئاً إلا أعطيتك إياه، فعرفته أنها تهواه، وأن حاجتها الخلوة به على أن تحتال له في هند، وعاهدته على ذلك؛ فأدخلها حانوت خمارٍ في الحيرة ووقع عليها، ثم خرجت فأتت هنداً، فقالت: أما تشتهي أن تري عدياً؟ قالت: وكيف لي به؟ قالت: أعده مكان كذا وكذا في ظهر القصر وتشرفين عليه؛ قالت: افعلي، فواعدته إلى ذلك المكان، فأتاه وأشرفت هند عليه، فكادت تموت، وقالت: إن لم تدخليه إلي هلكت. فبادرت الأمة إلى النعمان فأخبرته خبرها وصدقته، وذكرت أنها قد شغفت به، وأن سبب ذلك رؤيتها إياه في يوم الفصح، وأنه إن لم يزوجها به افتضحت في أمره أو ماتت؛ فقال لها: ويلك! وكيف أبدؤه بذلك! فقالت: هو أرغب في ذلك من أن تبدأه أنت، وأنا أحتال في ذلك من حيث لا يعلم أنك عرفت أمره. وأتت عدياً فأخبرته الخبر، وقالت: ادعه، فإذا أخذ الشراب منه فاخطب إليه فإنه غير رادك؛ قال: أخشى أن يغضبه ذلك فيكون سبب العدواة بيننا؛ قالت: ما قلت لك هذا حتى فرغت منه معه؛ فصنع عدي طعاماً واحتفل فيه، ثم أتى النعمان بعد الفصح بثلاثة أيام، وذلك في يوم الإثنين، فسأله أن يتغدى عنده هو وأصحابه، ففعل. فلما أخذ منه الشراب خطبها إلى النعمان، فأجابه وزوجه وضمها إليه بعد ثلاثة أيام. قال خالد بن كلثوم: فكانت معه حتى قتله النعمان، فترهبت وحبست نفسها في الدير المعروف بدير هند في ظاهر الحيرة. وقال ابن الكلبي: بل ترهبت بعد ثلاث سنين ومنعته نفسها واحتبست في الدير حتى ماتت، وكانت وفاتها بعد الإسلام بزمان طويل في ولاية المغيرة بن شعبة الكوفة، وخطبها المغيرة فردته)).
المرجع:
كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
من قصائده:..
العنوان | ديوان عدي بن زيد العبادي المجلد 2 من سلسلة كتب التراث ؛ المجلد 2 من Silsilat Kutub al-turāth |
المؤلفون | عدي بن زيد, معيبد، محمد جبار |
الناشر | شركة الجمهورية للنشر والطبع،, 1965 |
عدد الصفحات | 328 من الصفحات |
مؤلفات عنه:
عدي بن زيد العبادي الشاعر المبتكر; حياته وشعره | |
المؤلف | محمد علي الهاشمي |
الناشر | دار البشائر الإسلامية, 1987 |
عدد الصفحات | 324 من الصفحات |
العنوان | عدي بن زيد العبادي |
المؤلف | نبوية توفيق الخولاني |
الناشر | جامعة الأزهر – كلية الدراسات الإسلامية فرع البنات, 1981 |
العنوان | المفارقة فى شعر عدى بن زيد |
المؤلف | يوسف، حسنى عبد الجليل |
الناشر | الدار الثقافية للنشر،, 2001 |
أصلي من | جامعة ميتشيغان |
الكتب ذات التنسيق الرقمي | 7 أيار (مايو) 2008 |
عدد الصفحات | 159 من الصفحا |
العنوان | عدي بن زيد العبادي، شخصيته وشعره |
المؤلف | Nadhīr ʻAẓmah |
الناشر | دار مجلة شعر،, 1960 |
أصلي من | جامعة ميتشيغان |
الكتب ذات التنسيق الرقمي | 9 كانون الأول (ديسمبر) 2005 |
عدد الصفحات | 136 من الصفحات |
عامر بن الظرب العدواني
عامر بن الظَّرِب العدْواني شاعر حكيم وخطيب، وسيّد قومه بني عدوان، ارتقى للسّيادة بحكمتِه وتواضُعه، وسار في دربها، وتعدَّاها إلى العرب قاطبة حتَّى أصبح يُقال له: حكيم العرب، وهو الَّذي يقول عن نفسه: لَم أكُن حكيمًا حتى صاحبتُ الحكماء، ولم أكن سيِّدَكم حتَّى تعبَّدت لكم. يقال: إنَّه عاش وعُمِّر أكثر من ثلاثمائة سنة، إنَّه ، سيد عدوان. ثمَّ إنَّه لما أسنَّ واعتراه النِّسْيان، أمر بنتَه أن تقرع بالعصا، إذا هو حاد عن الحكم وجار عن القصْد وذلك حتى ينتبه فيعود عن خطئه. وكانت ابنة أبيها حكيمةً من حكيمات بنات العرب، حتَّى جاوزت في ذلك صُحْر بنت لقمان، وهند بنت الخسّ، وجمعة بنت حابس، وكان يقال لعامر بن الظَّرب العدواني: “ذو الحلم”؛ لذلك قال الحارث بن وعلة:
وَزَعَمْتُمُ أَنْ لا حُلُومَ لَنَا إِنَّ العَصَا قُرِعَتْ لِذِي الحِلْمِ
وقال المتلمس:
لِذِي الحِلْمِ قَبْلَ اليَوْمِ مَا تُقْرَعُ العَصَا وَمَا عُلِّمَ الإِنْسَانُ إِلاَّ لِيَعْلَمَا
وهو يعد من رجال قلائِل نقل عنهم أنَّهم حرَّموا الخمر على أنفُسِهم في الجاهليَّة تكرُّمًا وصيانة لها، وقال في ذلك:
سَآَّلَةٌ لِلفَتَى مَا لَيْسَ فِي يَدِهِ ذَهَّابَةٌ بِعُقُولِ القَوْمِ وَالمَالِ
أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ أَسْقِيهَا وَأَشْرَبُهَا حَتَّى يُفَرِّقَ تُرْبُ القَبْرِ أَوْصَالِي
مُورِثَةُ القَوْمِ أَضْغَانًا بِلا إِحَنٍ مُزْرِيَةٌ بِالفَتَى ذِي النَّجْدَةِ الحَالِي
ومِن حكمته وصاياه لقومه:
ومنها: “يا معشَرَ عدوان، لا تشمتوا بالذّلَّة، ولا تفرحوا بالعزَّة، فبكلّ عيش يعيش الفقير مع الغنيّ، ومن يَرَ يومًا يُرَ به، وأعدّوا لكلّ أمر جوابه، إنَّ مع السَّفاهة الندم، والعقوبة نكال، وفيها ذمامة، ولليد العليا العاقبة، وإذا شئت وجدت مثلك، إنَّ عليك كما أنَّ لك، وللكثرة الرعب، وللصَّبر الغلبة، ومن طلَب شيئًا وجده، وإن لم يَجِدْه أوشك أن يقع قريبًا منه”. ومن جوانب حكمتِه قوله: “ربَّ زارع لنفسه حاصد سواه” كان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول: “دعوا الرأي يغب حتَّى يختمر، وإيَّاكم والرَّأيَ الفطير”. يريد الأناة في الرَّأي والتثبُّت فيه. ومن أمثالهم في هذا قولُهم: لا رأْي لِمَن لا يطاع. ربَّ أكلة منعت أكلات، وأوَّل مَن قاله عامر بن الظرِب. وأصله أنَّ رجُلاً أكل طعامًا كثيرًا فبشِم، فترك الطَّعام أيَّامًا، ونظمه شاعرٌ فقال:
وَرُبَّتْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَخَاهَا بِلَذَّةِ سَاعَةٍ أَكَلاتِ دَهْرِ
وَكَمْ مِنْ طَالِبٍ يَسْعَى لِشَيْءٍ وَفِيهِ هَلاكُهُ لَوْ كَانَ يَدْرِي
وقال عامر بن الظَّرب: الرَّأيُ نائِم والهوى يقظان؛ ولذلك يغلب الرَّأي الهوى. وقيل: زوَّج عامر بن الظَّرب ابنتَه من ابنِ أخيه، فلمَّا أراد تَحويلها قال لأمِّها: مُري ابنتَك أن لا تنزل مفازةً إلاَّ ومعها ماء؛ فإنَّه للأعلى جلاء وللأسفل نقاء، وأن لا تمنعه شهوتَه؛ فإنَّ الحظوة الموافقة، وأن لا تُطيل مضاجعتَه؛ فإنَّه إذا ملَّ البدن ملَّ القلب. فلمَّا كان بعد أشْهر أتتْه مضروبة، فقال لابن أخيه: يا بُنيَّ، ارفع عصاك عن بكرتك تسكن، فإن كانت نفرت من غير أن تنفر فهو الدَّاء الَّذي لا دواءَ له، وإن لم يكن ومَاقٌ فتعجيل الفراق، والخلع أحسن من الطَّلاق، ولَن نسلبَك أهلك ومالَك. ثمَّ ردَّ عليه الصَّداق وفرَّق بينهما، فهو أوَّل خلع كان في العرب.
ثمَّ إنَّه شاعر قال مادحًا قومَه:
أُولَئِكَ قَوْمٌ شَيَّدَ اللَّهُ فَخْرَهُمْ فَمَا فَوْقَهُ فَخْرٌ وَإِنْ عَظُمَ الفَخْرُ
أُنَاسٌ إِذَا مَا الدَّهْرُ أَظْلَمَ وَجْهُهُ فَأَيْدِيهِمُ بِيضٌ وَأَوْجُهُهُمْ زُهْرُ
يَصُونُونَ أَحْسَابًا وَمَجْدًا مُؤَثَّلاً بِبَذْلِ أَكُفٍّ دُونَهَا المُزْنُ وَالبَحْرُ
سَمَوْا فِي المَعَالِي رُتْبَةً فَوْقَ رُتْبَةٍ أَحَلَّتْهُمُ حَيْثُ النَّعَائِمُ وَالنَّسْرُ
أَضَاءَتْ لَهُمْ أَحْسَابُهُمْ فَتَضَاءَلَتْ لِنُورِهِمُ الشَّمْسُ المُنِيرَةُ وَالبَدْرُ
فَلَوْ لامَسَ الصَّخْرَ الأَصَمَّ أَكُفُّهُمْ لَفَاضَ يَنَابِيعَ النَّدَى ذَلْكَ الصَّخْرُ
شَكَرْتُ لَهُمْ آلاءَهُمْ وَبَلاءَهُمْ وَمَا ضَاعَ مَعْرُوفٌ يُكَافِئُهُ شُكْرُ
وَلَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ البَسِيطَةِ مِنْهُمُ لِمُخْتَبِطٍ عَافٍ لَمَا عُرِفَ الفَقْرُ
وهو الَّذي عناه ذو الإصبع العدواني شاعر عدوان “منهم حكم يقضي” في قصيدة له شهيرة:
عَذِيرَ الحَيِّ مِنْ عَدْوَا نَ كَانُوا حَيَّةَ الأَرْضِ
بَغَى بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ فَلَمْ يُبْقُوا عَلَى بَعْضِ
فَكَانَتْ مِنْهُمُ السَّادَا تُ وَالمُوفُونَ بِالقَرْضِ
وَمِنْهُمْ حَكَمٌ يَقْضِي فَلا يُنْقَضُ مَا يَقْضِي
خطبة عامر بن الظرب العدواني وقد خطبت ابنته:
خطب صعصعة بن معاوية إلى عامر بن الظرب العدواني ابنته عمرة فقال: يا صعصعة انك جئت تشتري مني كبدي وأرحم ولدي عندي منعتك أو بعتك، النكاح خير من الأيمة والحسيب كفء الحسيب والزوج الصالح أب بعد أب وقد أنكحتك خشية ألا أجد مثلك أفر من السر إلى العلانية، أنصح ابناً وأودع ضعيفاً قوياً ثم أقبل على قومه فقال يا معشر عدوان أخرجت من بين أظهركم كريمتكم على غير رغبة عنكم ولكن من خط له شيء جاءه. رب زارع لنفسه حاصد سواه ولولا قسم الحظوظ على قدر الجدود ما أدرك الآخر من الأول شيئاً يعيش به ولكن الذي أرسل الحيا أنبت المرعى ثم قسمه أكلا، لكل فم بقلة ومن الماء جرعة، إنكم ترون ولا تعلمون، لن يرى ما أصف لكم إلا كل ذي قلب واع ولكل شيء راع ولكل رزق ساع، إما أكيس وإما أحمق وما رأيت شيئاً إلا سمعت حسه ووجدت مسه ولا نعمة إلا ومعها بؤس. ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء فهل لكم في العلم العليم قيل: ما هو قد قلت فأصبت وأخبرت فصدقت فقال: أموراً شتى وشيئاً شيا حتى يرجع الميت حياً ويعود لا شيء شيا ولذلك خلقت الأرض والسموات.
نماذج من شعره:
قالَت إِيادٌ قَد رَأَينا نَسَبا
في اِبنَي نَزارٍ وَرَأَينا غَلَبا
سيري إِيادُ قَد رَأَينا عَجَبا
لا أَصلُكُم مِنّا فَسامي الطَلَبا
دارَ ثَمودٍ إِذ رَأَيتِ السَبَبا
أَرى الدَهرَ سَيفاً قاطِعاً كُلَّ ساعَةٍ يُقَدِّمُ مِنّا ماجِداً بَعدَ ماجِدِ
وَأَنَّ المَنايا قَد تَريشُ سِهامَها عَلى كُلِّ مَولودٍ صَغيرٍ وَوالِد
وَكُلُّ بَني أُمِّ سَيُمسونَ لَيلَةٌ وَلَم يَبقَ مِن أَعيانِهِم غَيرُ واحِدِ
أولَئِكَ قَومٌ شَيَّدَ اللَهُ فَخرَهُم فَما فَوقَهُم فَخرٌ وَإِن عَظُمَ الفَخرُ
أُناسٌ إِذا ما الدَهرُ أَظلَمَ وَجهُهُ فَأَيديهُمُ بيضٌ وَأَوجُهُهم زُهرُ
يَصونونَ أَحساباً وَمَجداً مُؤثَّلاً بِبَذلِ أَكفٍّ دونَها المُزنُ وَالبَحرُ
سَمَوا في المَعالي رُتبَةً فَوقَ رُتبَةٍ أَحَلُّتهُمُ حَيثُ النَعائِمُ وَالنَسرُ
أَضاءَت لَهُم أَحسابُهُم فَتَضاءَلَت لَنورِهُمُ الشَمسُ المُنيرَةُ وَالبَدرُ
فَلَو لامَسَ الصَخرَ الأَصَمَّ أَكُفُّهُم لَفاضَ يَنابيعَ النَدى ذَلِكَ الصَخرُ
شَكَرتُ لَهُم آلاءَهُم وَبلاءَهُم وَما ضاعَ مَعروفٌ يُكافِئُهُ شُكرُ
وَلَو كانَ في الأَرضِ البَسيطَةِ مِنهُم لِمُعتَبَطٍ عافٍ لَما عُرِفَ الفَقرُ
أَصبَحَتُ شَيخاً أَرى الشَخصَينِ أَربَعَةً وَالشَخصَ شَخصَينِ لَمّا شَفَّني الكِبَرُ
لا أَسمَعُ الصَوتَ حَتّى أَستَديرَ لَهُ وَحالَ بِالسَمعِ دوني المَنظَرُ العَسِرُ
وَكُنتُ أَمشي عَلى الرِجلَينِ مُعتَدِلاً فَصِرتُ أَمشي عَلى ما تُنبِتُ الشَجَرُ
تَقولُ اِبنَتي لَمّا رَأَتني كَأَنَّني سَليمُ أَفاعٍ لَيلُهُ غَيرُ مودَعِ
فَما السَقمُ أَبلاني وَلَكِن تَتابَعَت عَلَيَّ سِنونٌ مِن مَصيفٍ وَمَربَعِ
فَأَصبَحتُ مِثلَ النَسرِ طارَت فِراخُهُ إِذا رامَ تَطياراً يُقالُ لَهُ قَعِ
أُخَبِّرُ أَخبارَ القُرونِ الَّتي مَضَت وَلا بُدَّ يَوماً أَن يُطارَ بِمَصرَعي
إِن أَشرَبِ الخَمرَ أَشرَبها لِلَذَّتِها وَإِن أَدَعها فَإِنّي ما قِتٌ قالِ
لَولا اللَذاذَةُ وَالقَيناتُ لَم أَرَها وَلا رَأَتني إِلّا مِن مَدىً عالِ
سلابَةً لِلفَتى ما لَيسَ في يَدَيهِ ذَهّابَةً بِعُقولِ القَومِ وَالمالِ
مورِثَةُ القَومِ أَضغاناً بِلا إِحَنٍ مُزرِيَةٌ بِالفَتى ذي النَجدَةِ الحالِ
أَقسَمتُ بِاللَهِ أَسقيها وَأَشرَبُها حَتّى يُفَرِّقَ تُربُ القَبرِ أَوصالي
لَعَمري لَقَد ذَهَبَ الأَطيبانِ شَبابي وَلَهوي فَعَدّوا المَلاما
أَلَم تَرَ أَنّي إِذا ما مَشَيتُ أُخَطرِفُ خَطوي وَأَمشي أَماما
وَأَكرَهُ شَيءٍ إِلى مُهجَتي إِذا ما جَلَستُ أُريدُ القِياما
وَأَشهَرُ لَيلي عَلى أَنَّني أُراعي الدُجى ما أَذوقُ المَناما
وَأَرمي بِطَرفي إِذا ما نَظَرتُ كَأَنَّ عَلى الطَرفِ مِنّي غَماما
عَدُوُّ النِساءِ قَليلُ العَزاءِ كَثيرُ الأَسى ما أَلَذُّ طَعاما
أَرى شَعراتٍ عَلى حاجِبَيَّ بيضاً رقاقاً طِوالاً قِياما
أَظَلُّ أَهاهي بِهِنَّ الكِلا بَ أَحسَبُهُنَّ صِواراً قِياما
أَظَلُّ أُراعي بِهِنَّ النُجومَ أَراها هِلالاً عَلا فَاِستَقاما
وَأَحسَبُ أَنفي إِذا ما مَشَي تُ شَخصاً أَمامي رَآني فَقاما
أُرَجّي الحَياةَ وَطولَ البَقاءِ وَعَفوَ السَلامَةِ عاماً فَعاما
وَهَيهاتَ هَيهاتَ هَذا الرَدى يُريدُ صُروفاً لِيَقضي حِماما
وَلا بُدَّ لي مِن بُلوغِ المَدى وَأَلحقَ عاداً وَنوحاً وَساما
إِنّي غَفَرتُ لِظالِمي ظُلمي وَتَرَكتُ ذاكَ عَلى عِلمي
فَرَأَيتُهُ أَسدى إِلَيَّ يَداً لَمّا أَبانَ بِجَهلِهِ حِلمي
فَسَعدٌ أَرحَلَت مِنها مَعَدّاً وَكَيفَ تُصاقِبُ الداءَ الدَفينا
فَيا سَعدُ بنُ مالِكِ يا لَسَعدٍ وَهَل سَعدٌ لِنُصحي يَنزِعونا
فَلا تُقصوا مَعَدّاً إِنَّ فيها إِلافَ اللَهِ وَالأَمرَ السَنينا
فَمَذحِجُ قَد نَأى مِن بَعدِ قُربٍ فَيا لِلَّهِ يا لِلمُسلِمينا
قُضاعَةَ أَجلَينا مِنَ الغَورِ كُلِّهِ إِلى فَلَجاتِ الشامِ تُزجي المَواشِيا
لَعَمري لَئِن صارَت شَطيراً دِيارُها لَقَد تَأصِرُ الأَرحامُ مَن كانَ نائِيا
وَما عَن تَقالٍ كانَ إِخراجُنا لَهُم وَلَكِن عُقوقاً مِنهُمُ كانَ بادِيا
بما قَدَّمَ النَهدِيُّ لا دَرَّ دَرُّهُ غَداةَ تَمَنّى بِالحِرارِ الأَمانِيا
حافظ ابراهيم – شاعر النيل
محمد حافظ بن إبراهيم ولد في محافظة أسيوط 24 فبراير 1872 – 21 يونيو 1932م. شاعر مصري ذائع الصيت. عاصر أحمد شوقي ولقب بشاعر النيل وبشاعر الشعب.
حياته :
ولد حافظ إبراهيم على متن سفينة كانت راسية على النيل أمام ديروط وهي قرية بمحافظة أسيوط من أب مصري وأم تركية. توفي والداه وهو صغير. أتت به أمه قبل وفاتها إلى القاهرة حيث نشأ بها يتيما تحت كفالة خاله الذي كان ضيق الرزق حيث كان يعمل مهندسا في مصلحة التنظيم. ثم انتقل خاله إلى مدينة طنطا وهنالك أخذ حافظ يدرس في الكتاتيب. أحس حافظ إبراهيم بضيق خاله به مما أثر في نفسه، فرحل عنه وترك له رسالة كتب فيها.
بعد أن خرج حافظ إبراهيم من عند خاله والهم على وجهه في طرقات مدنية طنطا حتى انتهى به الأمر إلى مكتب المحامي، محمد أبو شادي، أحد زعماء ثورة 1919، وهناك اطلع على كتب الأدب وأعجب بالشاعر محمود سامي البارودي. وبعد أن عمل بالمحاماة لفترة من الزمن، التحق حافظ إبراهيم بالمدرسة الحربية في عام 1888 م وتخرج منها في عام 1891 م ضابط برتبة ملازم ثان في الجيش المصري وعين في وزارة الداخلية. وفي عام 1896 م أرسل إلى السودان مع الحملة المصرية إلا أن الحياة لم تطب له هنالك، فثار مع بعض الضباط. نتيجة لذلك، أحيل حافظ على(إلى) الاستيداع بمرتب ضئيل.
نشأته
كان حافظ إبراهيم إحدى عجائب زمانه، ليس فقط في جزالة شعره بل في قوة ذاكرته التي قاومت السنين ولم يصبها الوهن والضعف على مر 60 سنة هي
عمر حافظ إبراهيم، فإنها ولا عجب إتسعت لآلاف الآلاف من القصائد العربية القديمة والحديثة ومئات المطالعات والكتب وكان بإستطاعته – بشهادة أصدقائه – أن يقرأ كتاب أو ديوان شعر كامل في عده دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا الكتاب أو أبيات ذاك الديوان. وروى عنه بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن في بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم أو طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالروايه التي سمع القارئ يقرأ بها.
يعتبر شعره سجل الأحداث، إنما يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة، سواء أضحك في شعره أم بكى وأمل أم يئس، فقد كان يتربص كل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره.
مع تلك الهبة الرائعة، فأن (فإن) حافظ صابه – ومن فترة امتدت من 1911 إلى 1932 – داء اللامباله(اللامبالاه) والكسل وعدم العناية بتنميه مخزونه الفكرى وبالرغم من إنه كان رئيساً للقسم الأدبى بدار الكتب إلا أنه لم يقرأ في هذه الفترة كتاباً واحداً من آلاف الكتب التي تذخر0تزخر) بها دار المعارف، الذي كان الوصول إليها يسير بالنسبة لحافظ، تقول بعض الآراء ان هذه الكتب المترامية الأطراف القت في سأم حافظ الملل، ومنهم من قال بأن نظر حافظ بدا بالذبول خلال فترة رئاسته لدار الكتب وخاف من المصير الذي لحق بالبارودى في أواخر أيامه. كان حافظ إبراهيم رجل مرح وأبن نكتة وسريع البديهة يملأ المجلس ببشاشته وفكاهاته الطريفة التي لا تخطأ(تخطىء) مرماها.
وأيضاً تروى عن حافظ أبراهيم مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد للمال فكما قال العقاد (مرتب سنة في يد حافظ إبراهيم يساوى مرتب شهر) ومما يروى عن غرائب تبذيره أنه استأجر قطار كامل(قطارا كاملا) ليوصله بمفرده إلى حلوان حيث يسكن وذلك بعد مواعيد العمل الرسمية.
مثلما يختلف الشعراء في طريقة توصيل الفكرة أو الموضوع إلى المستمعين أو القراء، كان لحافظ إبراهيم طريقته الخاصة فهو لم يكن يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه أستعاض عن ذلك بجزالة الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة بالأضافة أن الجميع اتفقوا على انه كان أحسن خلق الله إنشاداً للشعر. ومن أروع المناسبات التي أنشد حافظ بك فيها شعره بكفاءة هي حفلة تكريم أحمد شوقى ومبايعته أميراً للشعر في دار الأوبرا الخديوية، وأيضاً القصيدة التي أنشدها ونظمها في الذكرى السنوية لرحيل مصطفى كامل التي خلبت الألباب وساعدها على ذلك الأداء المسرحى الذي قام به حافظ للتأثير في بعض الأبيات، ومما يبرهن ذلك ذلك المقال الذي نشرته إحدى الجرائد والذي تناول بكامله فن إنشاد الشعر عند حافظ. ومن الجدير بالذكر أن أحمد شوقى لم يلقى(يُلقِ) في حياته قصيدة على ملأ من الناس حيث كان الموقف يرهبه فيتلعثم عند الإلقاء.
وفاته
توفي حافظ إبراهيم سنة 1932م في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس، وكان قد استدعى 2 من أصحابه لتناول العشاء ولم يشاركهما لمرض أحس به. وبعد مغادرتهما شعر بوطء المرض فنادى غلامه الذي أسرع لاستدعاء الطبيب وعندما عاد كان حافظ في النزع الأخير، توفى ودفن في مقابر السيدة نفيسة.
عندما توفى حافظ كان أحمد شوقي يصطاف في الإسكندرية وبعدما بلّغه سكرتيره – أى سكرتير شوقى – بنبأ وفاة حافظ بعد ثلاث أيام لرغبة سكرتيره في إبعاد الأخبار السيئة عن شوقي ولعلمه بمدى قرب مكانة حافظ منه، شرد شوقي لحظات ثم رفع رأسه وقال أول بيت من مرثيته لحافظ :
قد كنت أوثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء
مؤلفات عن الشاعر:
جميل صدقي الزهاوي
جميل صدقي الزهاوي – 1279 – 1354 هـ / 1863 – 1936 م
جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي. شاعر، نحى منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحديث، مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتياً، وبيته بيت علم ووجاهة في العراق، كردي الأصل، أجداده البابان أمراء السليمانية (شرقي كركوك) ونسبة الزهاوي إلى (زهاو) كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية في (المدرسة الملكية) بالآستانة، وأستاذاً للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذاً في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائباً عن المنتفق في مجلس النواب العثماني، ثم نائباً عن بغداد، فرئيساً للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي. كتب عن نفسه: كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولي (الجرىء) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية، له مقالات في كبريات المجلات العربية. وله: (الكائنات -ط) في الفلسفة، و(الجاذبية وتعليها -ط)، و(المجمل مما أرى-ط)، و(أشراك الداما-خ)، و(الدفع العام والظواهر الطبيعية والفلكية-ط) صغير، نشر تباعاً في مجلة المقتطف، و(رباعيات الخيام-ط) ترجمها شعراً ونثراً عن الفارسية. وشعره كثير يناهز عشرة آلاف بيت، منه (ديوان الزهاوي-ط)، و(الك
لم المنظوم-ط)، و(الشذرات-ط)، و(نزغات الشيطان-خ) وفيه شطحاتة الشعرية، و(رباعيات الزهاوي -ط)، و(اللباب -ط)، و(أوشال -ط).
انقر لمطالعة ديوان جميل صدقي الزهاوي
انقر لمطالعة الكلم المنظوم لجميل صدقي الزهاوي
الأعسر الضبي
زهير بن مسعود الضبي. شاعر جاهلي من شعراء الفروسية والوصف لا يعرف عنه الكثير ولكن ما خلفه من شعر يدل على شاعرية رفيعة مبدعة. شهد مع قومه يوم أبضة حين أغار قومه بنو ضبة على بني بحتر فقتل زهير الحليس بن وهب وقال فيه شعراً. وقد وصف زهير بالأعسر الذي أشل يد زيد الفوارس ويدور شعر زهير حول الحرب والفتك والقتال. وهو من معاصري عنترة وزيد الخيل وحاتم الطائي.
أَعَرَفتَ رَسمَ الدارِ بالحُبسِ فأجارِعِ العَلَمَينِ فالطُلسِ
فوقفتَ تَسألُ هامِداً كالكُحلِ بَينَ جواثِمٍ حُلسِ
وَمُثَلَّماً رفعَ القيانُ له عَضُدَيهِ حَولَ البَيتِ بالفأسِ
فأنهَلَّ دَمعُكَ في الرِداءِ وَهَل يَبكي الكَبيرُ الأَشمَطُ الرأسِ
أَفَلا تَناسَاهُم بِذعَلَبَةٍحَرفٍ مُسانِدةِ القَرا جَلسِ
أُجُدٌّ تَجِلُّ عَن الكَلالِ إِذااكتَنَّ الجَوازيءُ من لظى الشَمسِ
وَكأَنَّ رَحلي فَوقَ ذي جُدُدٍبشَواهُ وَالخَدَّينِ كالنقسِ
لَهقِ السراةِ خَلا المرادُ لَهُبِصَرايمِ الحسنينِ فالوَعسِ
حَتّى إِذا جَنَّ الظَلامُ لهراحَت عليهِ بوابلٍ رجسِ
فأوى إِلى أَرطاةِ مرتَكمِالأَنقادِ من ثأدٍ ومن فرسِ
فَأَكَبَّ مُجتَنِحاً يُحَفِّرُهابظلوفهِ عَن ذي ثَرى يَبسِ
حَتّى أَضاءَ الصُبحُ وأنحَسَرَتعنه غَمايَةُ مظلمِ دَمسِ
وَغَدا كأَنَّ بِقَلبِهِ وَهلاًمن نَبأةٍ راعَتهُ بالأَمسِ
فأَحسّ من كَثَبٍ أَخا قَنَصٍخَلَقَ الثيابِ مُحالِفَ البؤسِ
ذا وَفضَةٍ يَسعى بِضاريةٍمثلِ القِداح كوالحٍ غُبسِ
حَتّى إِذا لَحِقَت أَوائِلُهاأَو كدنَ عرقوبَيهِ بالنَهسِ
بَلَغَت حَفيظَتُه فكَرَّ كَماكَرّض الحميُّ الأنفِ ذو البأسِ
فقصَرنَ مُزدَهَف وَذو رَمَقٍمُتحامِلاً بحُشاشَةِ النَفسِ
واِنصاعَ عَرضيّاً كأَنَّ بهِلَمماً من الخُيَلاءِ وَالفُجسِ
فلَرُبَّ فتيانٍ صَبَحتُهمُ من عاتِقٍ صَهباء في الخِرسِ
عانيَّةٍ تُصبي الحليمَ إِذادارَت أَكُفّ القَومِ بالكأسِ
وَمُناجِدٍ بَطَلٍ دَبَبتُ لَهُتَحتَ الغُبارِ بطَعنَةٍ خَلسِ
جَيّاشَةٍ تَرمي إِذا سُبِرَتبِسبارِها المَسمورِ كالقَلسِ
وَكَواعبٍ هيفٍ مُخَصَّرَةِ الأَبدانِ من بيضٍ ومن لُعسِ
حورٍ نَواعِمِ قَد لَهَوتُ بهاوَشَفَيتُ من لذاتِها نَفسي
وَجَسيمِ هَمٍّ قَد رحَلتُ لهحَتّى تؤوبَ بليَّةً عنسي
فَفَرجتُ هَمّي بالعَزيمَةِ إِنَّالعَزمَ يَفرُجُ غُمَّةَ اللَبسِ
وَلَقيتُ من ثَكَلٍ وَمغبَطَةٍوَالدَهرُ من طَلقٍ ومن نَحسِ
عروة بن حزام
أخبار عروة بن حزام:
هو عروة بن حزام بن مهاصر، أحد بني حزام بن ضبة بن عبد بن كبير بن عذرة. شاعر إسلامي، أحد المتيَّمين الذين قتَلَهم الهوى، لا يُعرَف له شعرٌ إلا في عفراء بنت عمِّه عقال بن مهاصر.
تركه والده صغيرًا دون إرادته وهلَك، عاشَ في كنف عمِّه عقال وفي حِجرِه، وعاشَتْ معه في ذلك البيت ابنة عمٍّ له في مثل سنِّه، فأَلِفَها وأَلِفَتْه، يَلعَبان معًا، ويَأكُلان معًا، وكان عمُّه عندما يراه وابنته في هناءٍ وسرور وغبطة وحبور يقول له: أَبشِر يا ابن أخي؛ ستكون عفراء لك زوجةً – إنْ شاء الله – كبر وكبرت، وإلى النساء توجَّهت وبالنساء لَحِقَتْ، وإلى الرجال افتَرَق وبالرجال التَحَق، فزاد في قلبه أُوار حبِّها وزاد تعلُّقُه بها، وتوجَّه إلى عمَّةٍ له: يا عمَّة، إنِّي لأكلِّمك وأنا مستحٍ منك، والله لم أفعل حتى ضِقتُ ذرعًا بالذي أنا فيه، وبثَّها شَكواه في عَفراء، وإلى أخيها عقال تَوجَّهت وفي التَّوِّ والحال انطَلقَتْ وهناك دار الحوار:
وكانت أمُّها سيِّئة الرأي فيه، تُرِيد لابنتها ذا مالٍ ووَفْرٍ، وكانت عرضة ذلك كمالاً وجمالاً، فلمَّا تكامَلَتْ سنه وبلغ أشده عرف أنَّ رجلاً من قومِه ذا يَسارٍ ومال كثير يَخطُبها، فأتى عمَّه وقال: يا عم، قد عرفت حقِّي وقرابتي، وإني ولدك، ورُبِّيت في حجرك، وقد بلغَنِي أنَّ رجلاً يَخطُب عفراء، فإنْ أسعَفتَه بطلبته قتلتَنِي وسفكت دمي، فأنشدك الله ورَحِمِي وحقِّي، فرَقَّ له وقال: يا بُنَيِّ، أنت معدم، وحالنا قريبة من حالك، ولست مخرجها إلى سواك، وأمُّها قد أبَتْ أن تزوجها إلا بمهرٍ غالٍ، فاضطرب واسترزق الله تعالى.
فجاء إلى أمِّها فألطفها ودارها، فأَبَتْ أن تُجِيبه إلا بما تحتَكِمه من المهر، وبعد أنْ يسوق شطره إليها، فوعدها بذلك.
وعلم أنَّه لا ينفعه قرابةٌ ولا غيرها إلا بالمال الذي يَطلُبونه، فعَمِلَ على قصْد ابن عمٍّ له مُوسِر كان مُقِيمًا باليمن، فجاء إلى عمِّه وامرأته فأخبرهما بعزمه، فصوَّباه ووَعَداه ألاَّ يُحدِثا حدثًا حتى يعود.
وسار في ليلة رحيله إلى عفراء، فجلس عندها ليلةً هو وجواري الحي يتحدَّثون حتى أصبحوا، ثم ودَّعها وودَّع الحي وشدَّ على راحلته، وصحبه في طريقه فتَيَان من بني هلال بن عامر كانا يألفانه، وكان حيَّاهم متجاورَيْن، وكان في طول سفره ساهِيًا يكلِّمانه فلا يفهم فكرةً في عفراء، حتى يرد القول عليه مرارًا، حتى قَدِم على ابن عمه، فلقيه وعرفه حاله وما قدم له، فوصَلَه وكَساه، وأعطاه مائةً من الإبل، فانصرف بها إلى أهله.
وقد كان رجل من أهل الشام من أسباب بني أميَّة نزَل في حي عفراء، فنَحَر ووَهَب وأطعَمَ، وكان ذا مال عظيم، فرأى عفراء، وكان منزله قريبًا من منزلهم، فأعجبَتْه وخطبها إلى أبيها، فاعتذر إليه وقال: قد سميتها إلى ابن أخٍ لي يعدلها عندي، وما إليها لغيره سبيل، فقال له: إني أرغبك في المهر، قال: لا حاجةَ لي بذلك، فعدل إلى أمِّها، فوافَق عندها قبولاً، لبذله ورغبة في ماله، فأجابَتْه ووعدته، وجاءت إلى عقال فآذَتْه وصخبت معه، وقالت: أي خيرٍ في عروة حتى تحبس ابنتي عليه وقد جاءها الغنيُّ يطرق عليها بابها؟! والله ما ندري أعروة حي أم ميت؟ وهل ينقلب إليك بخير أم لا؟ فتكون قد حرمت ابنتك خيرًا حاضرًا ورزقًا سنيًّا، فلم تزل به حتى قال لها: فإنْ عاد لي خاطبًا أجبته.
فوجَّهت إليه أنْ عُدْ إليه خاطبًا، فلمَّا كان من غدٍ نحر جزرًا عدَّة، وأطعَمَ ووهب وجمع الحي معه على طعامه، وفيهم أبو عفراء، فلمَّا طعموا أعاد القول في الخطبة، فأجابَه وزوَّجه، وساق إليه المهر، وحولت إليه عفراء وقالت قبل أن يدخل بها:
يَا عُرْوَ إِنَّ الْحَيَّ قَدْ نَقَضُوا عَهْدَ الإِلَهِ وَحَاوَلُوا الغَدْرَا
في أبياتٍ طويلة.
فلمَّا كان الليل دخَل بها زوجُها، وأقام فيهم ثلاثًا، ثم ارتَحَل بها إلى الشام، وعمد أبوها إلى قبر عتيق، فجدَّده وسوَّاه، وسأل الحي كتمان أمرها.
وقدم عروة بعد أيام، فنعاها أبوها إليه، وذهَب به إلى ذلك القبر، فمكث يختلف إليه أيَّامًا وهو مُضنًى هالك، حتى جاءَتْه جارية من الحي فأخبرَتْه الخبر، فتركهم وركب بعض إبله، وأخَذ معه زادًا ونفَقَة، ورحل إلى الشام فقدمها وسأل عن الرجل فأخبر به ودلَّ عليه، فقصَدَه وانتسب له إلى عدنان، فأكرَمَه وأحسن ضيافته، فمكث أيامًا حتى أَنِسُوا به، ثم قال لجاريةٍ لهم: “هل لك في يد تولينيها؟ قالت: نعم، قال: تدفعين خاتمي هذا إلى مولاتك، فقالت: سوءة لك، أمَا تستحي لهذا القول؟ فأمسك عنها، ثم أعاد عليها وقال لها: ويحك! هي والله بنت عمي، وما أحدٌ منَّا إلا وهو أعزُّ على صاحبه من الناس جميعًا، فاطرحي هذا الخاتم في صبوحها، فإذا أنكرت عليك فقولي لها: اصطبح ضيفك قبلك، ولعلَّه سقط منه، فرقَّتِ الأمَة وفعلتْ ما أمرها به.
فلمَّا شربت عفراء اللبن رأت الخاتم فعرفته، فشهقت، ثم قالت: اصدقيني عن الخبر، فصدقَتْها، فلمَّا جاء زوجُها قالت له: أتدري مَن ضيفك هذا؟ قال: نعم، فلان بن فلان، للنسب الذي انتسب له عروة، فقالت: كلا والله يا هذا، بل هو عروة بن حزام ابن عمي، وقد كتم نفسه حياءً منك.
وقال عمر بن شبة في خبره: بل جاء ابن عمٍّ له فقال: أتركتم هذا الكلب الذي قد نزل بكم هكذا في داركم يفضحكم؟ فقال له: ومَن تعني؟ قال: عروة بن حزام العذري ضيفك هذا، قال: أَوَإِنَّه لَعُروة؟ بل أنت والله الكلب، وهو الكريم القريب.
قالوا جميعًا ثم بعث إليه فدعاه، وعاتَبَه على كتمانه نفسه إياه، وقال له: بالرحب والسَّعَة، نشدتك الله إنْ رُمتَ هذا المكان أبدًا، وخرج وترَكَه مع عفراء يتحدَّثان، وأوصى خادمًا له بالاستِماع عليهما، وإعادة ما تسمَعُه منهما عليه، فلمَّا خلوا تَشاكَيا ما وجَدَا بعد الفراق، فطالَت الشكوى، وهو يبكي أحرَّ بكاء، ثم أتَتْه بشرابٍ وسألَتْه أنْ يشرَبَه، فقال: والله ما دخَل جوفي حرامٌ قط، ولا ارتكبتُه منذ كنتُ، ولو استحللت حرامًا لكنتُ قد استَحللتُه منك، فأنت حظِّي من الدنيا، وقد ذهبت منِّي، وذهبت بعدك فما أعيش، وقد أجمل هذا الرجل الكريم وأحسن، وأنا مستحٍ منه، ووالله لا أقيم بعد علمه مكاني، وإنِّي عالم أنِّي أرحَلُ إلى منيَّتي، فبكَتْ وبكى، وانصرف.
فلمَّا جاء زوجُها أخبرَتْه الخادم بما دار بينهما، فقال: يا عفراء، امنَعِي ابن عمِّك من الخروج، فقالت: لا يمتَنِع، هو والله أكرم وأشد حياءً من أنْ يُقِيم بعد ما جرَى بينكما، فدعاه وقال له: يا أخي، اتَّقِ الله في نفسك، فقد عرفت خبرك، وإنَّك إنْ رحلت تلفت، ووالله لا أمنعك من الاجتِماع معها أبدًا، ولئن شئتَ لأفارقنها ولأنزلنَّ عنها لك.
فجزاه خيرًا، وأثنى عليه، وقال: إنما كان الطمع فيها آفتي، والآن قد يئست، وقد حملت نفسي على اليأس والصبر، فإنَّ اليأس يسلي ولي أمور، ولا بُدَّ لي من رجوعي إليها، فإنْ وجدت من نفسي قوَّة على ذلك، وإلا رجعت إليكم وزرتكم، حتى يقضي الله من أمري ما يشاء.
فزوَّدُوه وأكرَمُوه وشيَّعوه، فانصرف، فلمَّا رحَل عنهم نكس بعد صلاحه وتماثُلِه، وأصابَه غشي وخفقان؛ فكان كلَّما أغمي عليه أُلقِي على وجهه خمارٌ لعفراء زوَّدَتْه إيَّاه؛ فيفيق.
قال: ولقيه في الطريق ابن مكحول عراف اليمامة، فرآه وجلَس عنده وسأله عمَّا به، وهل هو خبل أو جنون؟ فقال له عروة: ألك عنده علمٌ بالأوجاع؟ قال: نعم، فأنشأ يقول:
وقال أيضًا يخاطب صاحبَيْه الهلاليَّيْن بقصته:
قال: فلم يزل في طريقه حتى مات قبل أنْ يصل إلى حيِّه بثلاث ليالٍ، وبلَغ عفراء خبر وفاته، فجزعت جزعًا شديدًا، وقالت ترثيه:
قال: ولم تزل تُردِّد هذه الأبيات وتندبه بها، حتى ماتَتْ بعده بأيَّام قلائل.
أمَّا نسبه كما جاء في “الأغاني” (ج 6 / ص 162):
ابن الرومي
هو أبوالحسن علي بن العباس بن جريج، ، المعروف بابن الرومي شاعر من شعراء القرن الثالث الهجري في العصر العباسي. ولد بالعقيقة في بغداد (2 رجب 221هـ – 283هـ).
حياته:
كان الرومي مولى لعبد الله بن عيسى، ولا يشكّ أنّه رومي الأصل، فإنّه يذكره ويؤكّده في مواضع من ديوانه. وكانت أُمّه من أصل فارسي، وهي امرأة تقية صالحة رحيمة، كما هو واضح من رثائه لها. ابن الرومي شاعر كبير من العصر العباسي، من طبقة بشار والمتنبي، شهدت حياته الكثير من المآسي والتي تركت آثارها على قصائده، تنوعت أشعاره بين المدح والهجاء والفخر والرثاء، وكان
من الشعراء المتميزين في عصره، وله ديوان شعر مطبوع. قال عنه طه حسين “نحن نعلم أنه كان سيء الحظ في حياته، ولم يكن محبباً إلى الناس، وإنما كان مبغضاً إليهم، وكان مُحسداً أيضاً، ولم يكن أمره مقصوراً على سوء حظه، بل ربما كان سوء طبيعته، فقد كان حاد المزاج، مضطربه، معتل الطبع، ضعيف الأعصاب، حاد الحس جداً، يكاد يبلغ من ذلك الإسراف” قال ابن خلكان في وصفه: “الشاعر المشهور صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكانها ويبرزها في أحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى أخره ولا يبقي فيه بقية”.
هو محمد الغانم كان خنيفا و يشتهي دائما، كنيته أبو جاسم لقب بالرومي نسبة لأبيه، ولد ببغداد عام 221هـ – 836م، وبها نشأ، كان مسلماً موالياً للعباسيين، ومما قاله في الفخر بقومه:
قوْمي بنو العباسِ حلمُهمُ حِلْمي هَواك وجهلُهُم جهلي
نَبْلي نِبالُهُمُ إذا نزلتْ بي شدةٌ ونِبالُهم نَبلي
لا أبتغي أبداً بهم بدلاً لفَّ الإلهُ بشملهم شملي
اخذ ابن الرومي العلم عن محمد بن حبيب، وعكف على نظم الشعر مبكراً، وقد تعرض على مدار حياته للكثير من الكوارث والنكبات والتي توالت عليه غير مانحة إياه فرصة للتفاؤل، فجاءت أشعاره انعكاساً لما مر به، وإذا نظرنا إلى تاريخ المآسي الذي مر به نجد انه ورث عن والده أملاكاً كثيرة أضاع جزء كبير منها بإسرافه ولهوه، أما الجزء الباقي فدمرته الكوارث حيث احترقت ضيعته، وغصبت داره، وأتى الجراد على زرعه، وجاء الموت ليفرط عقد عائلته واحداً تلو الآخر، فبعد وفاة والده، توفيت والدته ثم أخوه الأكبر وخالته، وبعد أن تزوج توفيت زوجته وأولاده الثلاثة.
ولعل هذه الأحداث التي ذكرناها سابقاً قد شكلت طبعه وأخلاقه فقد مال إلى التشاؤم والانغلاق، وأصبحت حياته مضطربة، وأصبح هو غريب الأطوار خاضع للوهم والخوف، يتوقع السوء دائماً، فقام الناس بالسخرية منه والابتعاد عنه واضطهاده، ومن جانبه نقم على مجتمعه وحياته فأتجه إلى هجاء كل شخص وكل شيء يضايقه أو يسيء إليه.
شعره
عاصر ابن الرومي عصور ثمانية من الخلفاء العباسيين، وكان معظمهم يرفضون مديحه ويردون إليه قصائده، ويمتنعون عن بذل العطايا له، مما قاله في ذلك:
قد بُلينا في دهرنا بملوكٍ أدباءٍ عَلِمْتُهمْ شعراءِ
إن أجدنا في مدحِهم حسدونا فحُرِمنا منهُمْ ثوابَ الثناءِ
أو أسأنا في مَدْحهم أنَّبونا وهَجَوْا شعرَنا أشدَّ هجاءِ
قد أقاموا نفوسَهم لذوي المدْحِ مُقامَ الأندادِ والنظراءِ
تميز ابن الرومي بصدق إحساسه، فأبتعد عن المراءاة والتلفيق، وعمل على مزج الفخر بالمدح، وفي مدحه أكثر من الشكوى والأنين وعمل على مشاركة السامع له في مصائبه، وتذكيره بالألم والموت، كما كان حاد المزاج، ومن أكثر شعراء عصره قدرة على الوصف وابلغهم هجاء، أبحر في دروب الشعر المختلفة، فجاءت أشعاره مبدعة في الحركة والتشخيص والوصف، واعتنى بالموسيقى والقافية.
عرف ابن الرومي بإجادته الكثير من الأشكال الشعرية والتي جاء على رأسها الهجاء، فكان هجاؤه للأفراد قاسي يقدم الشخص الذي يقوم بهجاؤه في صورة كاريكاتورية ساخرة مثيرة للضحك. قال عنه المرزباني “لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه ولذلك قلت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء”.
قال في وصف البحتري:
البُحْتُريُّ ذَنُوبُ الوجهِ نعرفُهُ وما رأينا ذَنُوبَ الوجه ذا أدبِ
أَنَّى يقولُ من الأقوال أَثْقَبَهَا من راح يحملُ وجهاً سابغَ الذَنَبِ
أوْلى بِمَنْ عظمتْ في الناس لحيتُهُ من نِحلة الشعر أن يُدْعَى أبا العجبِ
وحسبُه من حِباءِ القوم أن يهبوا له قفاهُ إذا ما مَرَّ بالعُصَبِ
ما كنت أحسِبُ مكسوَّاً كَلحيته يُعفَى من القَفْدِ أو يُدْعى بلا لقبِ
قام ابن الرومي بمدح أبي القاسم الشطرنجي، والقاسم بن عبد الله وزير المعتضد، وأجاد ابن الرومي في وصف الطبيعة، وتفوق في هذا عن غيره من الشعراء، وقد تفاعل وجدانياً مع عناصرها وأجوائها، فقام بالتعبير عنها ومن خلالها، وأغرم بها.ومما قاله في وصفها:
ورياضٍ تخايلُ الأرض فيها خُيلاء الفتاة في الأبرادِ
ذات وشيْ تناسَجَتْهُ سوارٍ لَبقاتٌ بحْوكِه وغوادِ
شكرتْ نعمةَ الوليِّ على الوسْمِيِّ ثم العِهاد بعد العِهادِ
فهي تُثني على السماء ثناء طيِّب النشر شائعاً في البلادِ
وجاءت حكمة ابن الرومي كنتيجة منطقية لمسيرة حياته، فقال:
عدوُّكَ من صديقك مستفاد فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ
فإن الداءَ أكثرَ ماتراهُ يحولُ من الطعام أو الشرابِ
إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
أبدع ابن الرومي في الرثاء وذلك نظراً لما عاناه في حياته من كثرة الآلام والكوارث التي تعرض لها، وكان رثاؤه الذي قاله في ابنه الأوسط يعبر عن مدى الألم والحزن في نفسه، كما له رثاء في “خراب البصرة”، ومما قاله في رثاء أبنه:
أبُنَيّ إنك والعزاءَ معاً بالأمس لُفَّ عليكما كفنُ
فإذا تناولتُ العزاءأبى نَيْلِيه أن قد ضمَّه الجُننُ
أبُنيّ إن أحزنْ عليك فلي في أن فقدتُك ساعةً حزنُ
وإن افتقدت الحُزن مفتقِداً لُبِّي لفقدِك للحَرِي القَمِنُ
بل لا إخال شجاك تَعْدَمُه روحٌ ألمَّ بها ولا بَدنُ
وفاته
توفي ابن الرومي مسموماً ودفن ببغداد عام 283هـ – 896م، قال العقاد “أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سلمان بن وهب، وزير الإمام المعتضد، كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراش، فأطعمه حلوى مسمومة، وهو في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم، فقال له الوزير: إلي أين تذهب؟ فقال: إلي الموضع الذي بعثتني إليه، فقال له: سلم على والدي، فقال له: ما طريقي إلي النار.
تحقيقات ديوانه ومراجعه
وقد عُني الدكتور حسين نصار بتحقيق ديوانه الضخم، ونشر منه حتى الآن خمسة مجلدات، وكان كامل الكيلاني قد نشر مختارات منه. ومن الدراسات الممتازة عنه كتاب عباس محمود العقاد (ابن الرومي: حياته من شعره).
ومن مراجع ترجمته (شذرات الذهب لابن العماد، ووفيات الأعيان لابن خلكان، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي). كما ألف عنه في العصر الحديث الدكتور علي شلق، والدكتور عمر فروخ، ومحمد عبد الغنى حسن وغيرهم.
ومن بينهم:
- من أروع ما قال ابن الرومي، إميل ناصيف، 2006، الطبعة رقم: 1، الناشر: دار الجيل
- ديوان ابن الرومي، :تحقيق عبد الأمير مهنا، عدد الأجزاء: 6، سنة النشر: 2001، الطبعة رقم: 1، الناشر: دار ومكتبة الهلال،
- ابن الرومي، المؤلف: كمال أبو مصلح، عدد الأجزاء: 1، سنة النشر: 1995، الطبعة رقم: 1، الناشر: المكتبة الحديثة للطباعة والنشر،
- ابن الرومي، محمد حمود، عدد الأجزاء: 1، سنة النشر: 1994، الطبعة رقم: 1، الناشر: دار الفكر اللبناني،
- ابن الرومي: عصره، حياته، نفسيته، فنه، من خلال شعره، عبد المجيد الحر، عدد الأجزاء: 1، سنة النشر: 1992، الطبعة رقم: 1، الناشر: دار الكتب العلمية،
- كل ما قاله ابن الرومي في الهجاء، نازك سابا يارد، سنة النشر: 1988، الطبعة رقم: 1، الناشر: دار الساقي للطباعة والنشر،
- ابن الرومي، جورج معتوق، سنة النشر: 1984، الطبعة رقم: 2، الناشر: الشركة العالمية للكتاب
- ابن الرومي أو القصيدة المجنونة، اميل كبا، الطبعة رقم: 1، الناشر: مكتبة سمير،
- ابن الرومي، خليل شرف الدين، الطبعة رقم: 1، الناشر: دار ومكتبة الهلال،
- ابن الرومي، عباس محمود العقاد، الطبعة رقم: 1، الناشر: المكتبة العصرية- الدار النموذجية،
- نوادر ابن الرومي، يحيى شامي، الطبعة رقم: 1، الناشر: دار الفكر العربي،
- ابن الرومي (شاعر الغربة النفسية)، فوزي عطوي، الطبعة رقم: 1، الناشر: دار الفكر العربي،
- ديوان ابن الرومي، تحقيق: عمر فاروق الطباع، عدد الأجزاء: 3، سنة النشر: 2001، الطبعة رقم: 1، الناشر: دار الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع،
أبو الطيب المتنبي
هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد، أبو الطيب الجعفي الكوفي، ولد سنة 303 هـ في الكوفة بالعراق، وكان أحد أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء. و هو شاعرحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي. و تدور معظم قصائده حول مدح الملوك. ويقولون عنه بانه شاعر اناني ويظهر ذلك في اشعاره . ترك تراثاً عظيماً من الشعر، يضم 326 قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة حياته، صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير. قال الشعر صبياً. فنظم أول اشعاره و عمره 9 سنوات . اشتهر بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية باكراً.
صاحب كبرياء وشجاع طموح محب للمغامرات. في شعره اعتزاز بالعروبة، وتشاؤم وافتخار بنفسه، أفضل شعره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك، إذ جاء بصياغة قوية محكمة. إنه شاعر مبدع عملاق غزير الإنتاج يعد بحق مفخرة للأدب العربي، فهو صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وجد الطريق أمامه أثناء تنقله مهيئاً لموهبته الشعرية الفائقة لدى الأمراء والحكام، إذ تدور معظم قصائده حول مدحهم. لكن شعره لا يقوم على التكلف والصنعة، لتفجر أحاسيسه وامتلاكه ناصية اللغة والبيان، مما أضفى عليه لوناً من الجمال والعذوبة. ترك تراثاً عظيماً من الشعر القوي الواضح، يضم 326 قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة حياته، صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير، ويستدل منها كيف جرت الحكمة على لسانه، لاسيما في قصائده الأخيرة التي بدأ فيها وكأنه يودع الدنيا عندما قال: أبلى الهوى بدني.
شرح ديوان المتنبي – وضعه عبد الرحمن البرقوقي
شرح ديوان المتنبي – ج1 – وضعه عبد الرحمن البرقوقي
شرح ديوان المتنبي – ج2 – وضعه عبد الرحمن البرقوقي
شرح ديوان المتنبي – ج3 – وضعه عبد الرحمن البرقوقي
شرح ديوان المتنبي – ج4 – وضعه عبد الرحمن البرقوقي
ديوان ابو الطيب المتنبي بشرح العلامة الواحدي
شرح ديوان ابي الطيب المتنبي لأبي العلاء المعري
شرح شعر المتنبي لابن الإفليلي الأندلسي
شرح شعر المتنبي لابن الإفليلي الأندلسي
شرح ديوان أبي الطيب المتنبي لأبي العلاء المعري – 1
شرح ديوان أبي الطيب المتنبي لأبي العلاء المعري – 1
شرح ديوان أبي الطيب المتنبي لأبي العلاء المعري -2
شرح ديوان أبي الطيب المتنبي لأبي العلاء المعري – 3
شرح ديوان أبي الطيب المتنبي لأبي العلاء المعري – 4
الوساطة بين المتنبي وخصومه – للقاضي الجرجاني
يأتي هذا الكتاب لدراسة جانب لم يحظ بعناية الدراسات التي اهتمت بأبي الشطيب المتنبي، وهو مصادر ثقافته المبثوثة في قصائده وفي بطون كتب اللغة والأدب، وقد اهتم المؤلف بعرض لمحة سريعة عن ماهية الثقافة وتعريفها انثروبولوجيا، ثم تحدث عن نشأة المتنبي وثقافته، وعن مظاهر التجديد في شعره، ثم أفرد فصلا للحديث عن ألفاظ المتنبي ومعانيه بعد مرور سريع على ما أثاره القدماء عن قضية اللفظ والمعنى، وتلا ذلك حديث عن تأثر الشاعر بالفلسفة اليونانية وانعكاس ذلك على شعره، كما تطرق إلى أثر مصر في شعره، وما يقال عن سرقاته الأدبية، ثم حلل عاطفته الدينية وما أثير حول علاقته بمذاهب القرامطة.
الإبانة عن سرقات المتنبي لفظاً ومعنى
الصبح المنبي عن حيثية المتنبي – – تحقيق مصطفى السقا – محمد شطا
الخنساء تماضرو بنت عمرو بن الشريد
نسب الخنساء:
هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السُلمية المعروفة باسم الخنساء بنت عمرو، (575 – 664) ، كانت شاعرة رثاء في عصر الجاهلية كانت تسكن في إقليم نجد. وسبب تلقيبها بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه[fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”][1]. تزوجت من ابن عمها رواحة بن عبد العزيز السلمي ، ثم من مرداس بن أبي عامر السلمي. عاشت أيضاً في عصر الإسلام ، وأسلمت بعد ذلك.
ماتت الخنساء مع مطلع خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه .
حال الخنساء في الجاهلية:
عرفت الخنساء رضي الله عنها بحرية الرأي وقوة الشخصية, ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عـز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها، فتزوجت من ابن عمها رواحة بن عبد العزيز السلمي، إلا أنها لم تدم طويلاً معه؛ لأنه كان يقامر ولا يكترث بماله، لكنها أنجبت منه ولدًا، ثم تزوجت بعده من ابن عمها مرداس بن أبي عامر السلمي، وأنجبت منه أربعة أولاد.
وأكثر ما اشتهرت به الخنساء في الجاهلية هو شعرها وخاصة رثاؤها لأخويها صخر ومعاوية والذين ما فتأت تبكيهما حتى خلافة عمر, ومما يذكر في ذلك ما كان بين الخنساء وهند بنت عتبة قبل إسلامها, نذكره لنعرف إلى أي درجة اشتهرت الخنساء بين العرب في الجاهلية بسبب رثائها أخويها.
عندما كانت وقعة بدر قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فكانت هند بنت عتبة ترثيهم، وتقول بأنها أعظم العرب مصيبة. وأمرت بأن تقارن مصيبتها بمصيبة الخنساء في سوق عكاظ، وعندما أتى ذلك اليوم، سألتها الخنساء: من أنت يا أختاه؟ فأجابتها: أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك فبم تعاظمينهم أنت؟ فقالت: بأبي عمرو الشريد، وأخي صخر ومعاوية. فبم أنت تعاظمينهم؟ قالت الخنساء: أوهم سواء عندك؟ ثم أنشدت هند بنت عتبة تقول:
أبكي عميد الأبطحين كليهما *** ومانعها من كل باغ يريدهـا
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي *** وشيبة والحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل غالب *** وفي العز منها حين ينمي عديدها
فقالت الخنساء:
أبكي أبي عمرًا بعين غزيـرة *** قليل إذا نام الخلـي هجودهـا
وصنوي لا أنسى معاوية الذي *** له من سراة الحرتيـن وفـودهـا
وصخرًا ومن ذا مثل صخر إذا *** غدا بساحته الأبطال قــزم يقودها
فذلك يا هند الرزية فاعلمي *** ونيران حرب حين شب وقـودهـا
قصة إسلام الخنساء :
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: “قدمت على رسول الله r مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم”.
وتعد الخنساء من المخضرمين؛ لأنها عاشت في عصرين: عصر الجاهلية وعصر الإسلام، وبعد ظهور الإسلام أسلمت وحسن إسلامها[2].
من أهم ملامح شخصية الخنساء :
1- قوة الشخصية :
عرفت بحرية الرأي وقوة الشخصية ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عـز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها.
2- الخنساء شاعرة :
يغلب عند علماء الشعر على أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها. كان بشار يقول: إنه لم تكن امرأة تقول الشعر إلا يظهر فيه ضعف، فقيل له: وهل الخنساء كذلك، فقال: تلك التي غلبت الرجال.
أنشدت الخنساء قصيدتها التي مطلعها:
قذى بعينيك أم بالعين عوار *** أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
وسئل جرير عن أشعر الناس فـأجابهم: أنا، لولا الخنساء، قيل: فيم فضل شعرها عنك؟ قال: بقولها:
إن الزمان ومـا يفنى له عجـب *** أبقى لنا ذنبًا واستؤصل الــرأس
3- البلاغة وحسن المنطق والبيان :
في يوم من الأيام طلب من الخنساء أن تصف أخويها معاوية وصخر، فقالت: إن صخرًا كان الزمان الأغبر، وذعاف الخميس الأحمر. وكان معاوية القائل الفاعل. فقيل لها: أي منهما كان أسنى وأفخر؟ فأجابتهم: بأن صخر حر الشتاء، ومعاوية برد الهواء. قيل: أيهما أوجع وأفجع؟ فقالت: أما صخر فجمر الكبد، وأما معاوية فسقام الجسد.
4- الشجاعة والتضحية :
ويتضح ذلك في موقفها يوم القادسية واستشهاد أولادها. فقالت: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم.
ولها موقف مع الرسول r فقد كان يستنشدها فيعجبه شعرها, وكانت تنشده وهو يقول: “هيه يا خناس”. أو يومي بيده[3].
أثر الرسول في تربية الخنساء :
تلك المرأة العربية التي سميت بالخنساء، واسمها تماضر بنت عمرو، ونسبها ينتهي إلى مضر. مرت بحالتين متشابهتين لكن تصرفها تجاه كل حالة كان مختلفًا مع سابقتها أشد الاختلاف, متنافرًا أكبر التنافر, أولاهما في الجاهلية, وثانيهما في الإسلام. وإن الذي لا يعرف السبب يستغرب من تصرف هذه المرأة.
– أما الحالة الأولى فقد كانت في الجاهلية يوم سمعت نبأ مقتل أخيها صخر, فوقع الخبر على قلبها كالصاعقة في الهشيم, فلبت النار به, وتوقدت جمرات قلبها حزنًا عليه, ونطق لسانها بمرثيات له بلغت عشرات القصائد, وكان مما قالته:
قذى بعينك أم بالعين عوار *** أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
كأن عيني لذكراه إذا خطرت *** فيض يسيل على الخدين مدرار
وإن صخرا لوالينا وسيدنا *** وإن صخرًا إذا نشتـوا لنـحـار
وإن صخرا لمقدام إذا ركبوا *** وإن صخرًا إذا جاعـوا لعقـار
وإن صخرا لتأتم الهداة به *** كــأنه عـلم في رأسـه نـار
حمال ألوية هباط أودية *** شهاد أنـديـة للجـيـش جـرار
ومما فعلته حزنًا على أخويها “صخر ومعاوية” ما روي عن عمر أنه شاهدها تطوف حول البيت وهي محلوقة الرأس, تلطم خديها, وقد علقت نعل صخر في خمارها.
– أما الحالة الثانية التي مرت بها هذه المرأة والتي هي بعيدة كل البعد عن الحالة الأولى: فيوم نادى المنادي أن هبي جيوش الإسلام للدفاع عن الدين والعقيدة ونشر الإسلام، فجمعت أولادها الأربعة وحثتهم على القتال والجهاد في سبيل الله، لكن الغريب في الأمر يوم بلغها نبأ استشهادهم, فما نطق لسانها برثائهم وهم فلذات أكبادها, ولا لطمت الخدود ولا شقت الجيوب, وإنما قالت برباطة جأش وعزيمة وثقة: “الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم, وإني أسأل الله أن يجمعني معهم في مستقر رحمته”!
ومن لا يعرف السبب الذي حول هذه المرأة من حال إلى حال يظل مستغربًا, ويبقى في حيرة من أمره فهذه المرأة تسلل إلى قلبها أمر غــير حياتها, وقلب أفكارها, ورأب صدع قلبها, إنها باختصار دخلت في الإسلام, نعم دخلت في الإسلام الذي أعطى مفاهيم جديدة لكل شيء, مفاهيم جديدة عن الموت والحياة والصبر والخلود.
فانتقلت من حال اليأس والقنوط إلى حال التفاؤل والأمل، وانتقلت من حال القلق والاضطراب إلى حال الطمأنينة والاستقرار، وانتقلت من حالة الشرود والضياع إلى حالة الوضوح في الأهداف, وتوجيه الجهود إلى مرضاة رب العالمين.
نعم هذا هو الإسلام الذي ينقل الإنسان من حال إلى حال, ويرقى به إلى مصاف الكمال, فيتخلى عن كل الرذائل, ويتحلى بكل الشمائل, ليقف ثابتًا في وجه الزمن, ويتخطى آلام المحن, وليحقق الخلافة الحقيقية التي أرادها الله للإنسان خليفة على وجه الأرض[4].
من مواقف الخنساء مع الصحابة :
لها موقف يدل على وفائها ونبلها مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فلم تزل الخنساء تبكي على أخويها صخرًا ومعاوية حتى أدركت الإسلام فأقبل بها بنو عمها إلى عمر بن الخطاب t وهي عجوز كبيرة فقالوا: يا أمير المؤمنين هذه الخنساء قد قرحت مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام فلو نهيتها لرجونا أن تنتهي.
فقال لها عمر: اتقي الله وأيقني بالموت فقالت: أنا أبكي أبي وخيري مضر: صخرًا ومعاوية, وإني لموقنة بالموت, فقال عمر: أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار؟ فقالت: ذاك أشد لبكائي عليهم؛ فكأن عمر رق لها فقال: خلوا عجوزكم لا أبا لكم, فكل امرئ يبكي شجوه ونام الخلي عن بكاء الشجي[5].
من كلمات الخنساء :
كانت لها موعظة لأولادها قبيل معركة القادسية قالت فيها: “يا بني إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين, والله الذي لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد, كما أنكم بنو امرأة واحدة, ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم, ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم. وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله U: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200]. فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين, فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين, وبالله على أعدائه مستنصرين. وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارًا على أوراقها, فتيمموا وطيسها, وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة”[6].
فلما وصل إليها نبأ استشهادهم جميعًا قالت: “الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”.
وفاة الخنساء :
توفيت بالبادية في أول خلافة عثمان رضي الله عنه سنة 24هـ.
—————————————————-
المصدر: الخنساء | موقع قصة الإسلام – إشراف د/ راغب السرجاني
انقر هنا لمطالعة ديوان الخنساء
ديوان الخنساء بشرح ثعلب وبتحقيق الدكتور أنور سويلم
[/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]
أبو تمام
حبيب بن أوس بن الحارث، أبو تمام الطائي
صاحب الحماسة. و كان أبو تمام أسمر، طويلا، فصيحا، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، و اشتغل و تنقل إلى أن صار منه ما صار. وتوفي بالموصل سنة 231، أو سنة 228، أو سنة 229، وقيل: سنة 232، كذا قاله ابن خلكان في تاريخه: وفيات الأعيان. أبو الحسن، علي بن أحمد بن منصور المعروف: بالبسَّام، الشاعر المشهور، صاحب الذخيرة. كانت أمه: أمامة: ابنة حمدون النديم، وهو من أعيان الشعراء، وأفاضل الظرفاء، لَسِنَاً، مطبوعا في الهجاء، لم يسلم منه أمير ولا وزير، ولا صغير ولا كبير. توفي سنة 303، أو 302، عن نيف وسبعين سنة.
نقلاً عن موقع جامعة أم القرى.
حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أبو تمام: الشاعر، الأديب. أحد أمراء البيان.
• ولد في جاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إلى مصر، واستقدمه المعتصم إلى بغداد، فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق. ثم ولي بريد الموصل، فلم يتم سنتين حتى توفي بها.
• كان أسمر طويلا. فصيحا، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع. في شعره قوة وجزالة. واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري.
• له تصانيف منها (فحول الشعراء – خ) و (ديوان الحماسة – ط) و (مختار أشعار القبائل) وهو أصغر من ديوان الحماسة، و (نقائض جرير والأخطل – ط) نسب إليه، ولعله للأصمعيّ، كما يرى الميمني و (الوحشيات – ط) وهو ديوان الحماسة الصغرى، و (ديوان شعره – ط)
• ومما كتب في سيرته (أخبار أبي تمام – ط) لأبي بكر محمد ابن يحيى الصولي، و (أبو تمام الطائي: حياته وشعره – ط) لنجيب محمد البهبيتي المصري، و (أخبار أبي تمام) لمحمد علي الزاهدي الجيلاني المتوفى بالهند سنة 1181هـ و (أخبار أبي تمام) للمرزباني، و (أبو تمام – ط) لرفيق الفاخوري، ومثله لعمر فروخ، و (هبة الأيام فيما يتعلق بأبي تمام – ط) ليوسف البديعي
• وفي “خزانة البغدادي” (1/ 172 و 464): كان شعره غير مرتب فرتبه الصولي على الحروف ثم رتبه علي بن حمزة الأصفهاني على أنواع الشعر.
• وفيه أيضا: مولده في آخر خلافة الرشيد سنة 190 وقيل غير ذلك، ووفاته سنة 232 هـ
• وشذرات 2: 72 وفيه: مات كهلا. وتاريخ بغداد 8: 248 وفيه: قال ابنه تمام: ولد أبي سنة 188 هـ
• ويقول المستشرق مرجيلوث D.S Margoliouth.. في دائرة المعارف الإسلامية 1: 320 إن والد أبي تمام كان نصرانيا يسمى (ثادوس) أو (ثيودوس) واستبدل الابن هذا الاسم فجعله أوسا بعد اعتناقه الإسلام، ووصل نسبه بقبيلة طيِّئ، وكان أبوه خمارا في دمشق، وعمل هو حائكا فيها ثم انتقل إلى حمص وبدأ بها حياته الشعرية. وأورد فازيليف في كتابه العرب والروم، الصفحة 346 – 352 طائفة من إشارات أبي تمام إلى حروب العرب والروم.
• وفي أخبار أبي تمام للصولي 144 أنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له، حسن الصوت، فينشد شعره بين أيدي الخلفاء والامراء. وانظر كتاب (الوحشيات) مقدمته: من تحقيق العلامة عبد العزيز الميمني.
نقلا عن: الأعلام للزركلي
ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي ج 1
ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي ج 2
ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي ج 3
ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي ج 4
شرح ديوان حماسة أبي تمام المنسوب لأبي العلاء المعري
أحيحة بن الجلاح
أحيحة بن الجُلاح
(000- نحو 130 ق.هـ/ 000-497م)
أُحَيْحة بن الجُلاح بن الحَريش الأوسي, وكنيته أبو عمرو, شاعر جاهلي من دهاة العرب وشجعانهم, كان سيد الأوس في الجاهلية, وعاش في زمن تُبّع الأصغر أبي كَرِب حسّان ملك اليمن. وكان غنياً يحسن تدبير المال ويبيع بيع الربا بالمدينة حتى كاد يحيط بأموال أهلها, وكان يفخر بذلك بقوله:
إِنّي أكُبُّ على الزوراء أعمرها إِنّ الكريم على الإِخوان ذو المال
وكان إِلى هذا شحيحاً. وقد روى المبرّد في كتابه الكامل أموراً تظهر بخله وتمسكه الشديد بأمواله. وقد اتّصف بأنه صائب الرأي حتى زعم قومه, لكثرة صوابه, أن مع أحيحة تابعاً من الجن.
كان لأحيحة مزارع وأملاك, وكان له تسع وتسعون بئراً يأخذ منها الماء, وكان له أُطُمان (أي حصنان) المستظلّ والضحيان, وقد تحصّن في الضحيان عندما قاتل أبا كرب تبّع بن حسان. وكان تبّع قد أقبل من اليمن يريد المشرق فمرّ بالمدينة وترك فيها ابناً له ومضى إِلى الشام فالعراق, وفي المشقّر جاءه خبر مقتل ابنه غيلة, فكرَّ راجعاً وهو مجمع على تخريب المدينة وقطع نخلها وإِفناء أهلها. ثم أمر أن يأتيه أشراف المدينة وكان أحيحة بينهم, وظنّ الأشراف أن تبّع قادم كي يملكهم على أهل يثرب, إِلا أن أحيحة فطن إِلى ما كان يبيته تبّع من الغدر, فاستأذن بالذهاب إِلى خبائه, وهناك أمر قينته أن تغني, حتى إِذا نام الحرس الذين وضعهم تبّع عليه, قال لها: أنا ذاهبٌ إِلى أهلي فشدّي عليك الخباء, فإِذا جاء رسول الملك فقولي له: هو نائم, فإن أبَوا إِلاّ أن يوقظوني فقولي: قد رجع إِلى أهله, وأرسلني إلى الملك برسالة, فإِن ذهبوا بك إِليه فقولي له: يقول لك أحيحة: اغدر بقينة أو دَعْ.
فلما انطلق إِلى قومه تبعته كتيبة من خيل تبّع تطلب قتله فوجدوه قد تحصّن بأطمه الضَحيان, فحاصروه ثلاثة أيام يقاتلهم بالنهار ويرميهم بالنبل والحجارة, ويرمي إِليهم بالليل بالتمر, فلمّا لم يقدروا عليه أمرهم تبّع أن يحرقوا نخله.
تزوج أحيحة من سَلمى بنت عمرو بن زيد من بني عدي بن النجّار, وكانت امرأة شريفة لا تتزوج أحداً إِلاّ وأمرها بيدها.
وفي إِحدى المناوشات القبلية قتل أحيحة رجلاً من بني النجّار, وكان أخاً لعاصم بن عمرو, فأراد هذا أن يقتل أحيحة ليأخذ بثأر أخيه, فلم يستطع أن ينال منه, حينئذٍ عزم أحيحة على الإِغارة على بني النجار ليؤدب عاصماً ويتخلص منه, فلمّا علمت سلمى بذلك احتالت في مغادرة بيتها بالتدلي من الحصن وانطلقت إِلى قومها فأنذرتهم وحذّرتهم, فاستعدّوا, فلما أقبل أحيحة لم يكن بينهم قتال شديد ورأى القوم على حذر, فلما رجع افتقد امرأته فلم يجدها, فقال: هذا عمل سلمى, خدعتني حتى بلغت ما أرادت. وسمّاها لذلك قومها «المتدلّية» وقد قال أحيحة في ذلك شعراً.
أما سلمى فقد تزوجت بعده هاشم بن عبد مناف حين قدم المدينة فولدت منه عبد المطلب, فأولادها من أحيحة هم إِخوة عبد المطلب جدّ الرسول صلى الله عليه و سلم لأبيه.
اشتهر أحيحة بشعره, فقد اختار منه أبو زيد القرشي في جمهرة أشعار العرب قصيدة جعلها من المذهبات ومطلعها
صحَوت عن الصِبا والدهرُ غولُ ## ونفس المــــرءِ آونـــةً قَتــــول
كما انتخب منه البحتري في حماسته, وأورد الأصمعي قصيدة له في مختاراته, وتناقلت شيئاً منه كتب الأدب. غير أنّ شعره لم يجمع في ديوان حتى اليوم, وتصف قصائده التي وصلت إِلينا جوانب حياته الخاصة ونظرته إِلى الحياة والناس والمال, كما تصف تخلّيه عن مجالس لهوه في سبيل جمع المال وتركه من أجل ذلك الشهوات التي تتطلب أن يبذل لها.
وشعره سهل مستساغ وإِن كان لا ينفرد فيه بميزة فنية خاصة, إِلاّ في أبيات قليلة, وهو لا يخلو من عبرة أو حكمة, وهو في شعره سيئ الظن بالحياة التي تغتال أبناءها.
ج.ت
مراجع للاستزادة
– أبو الفرج الأصفهاني, الأغاني, جزء15( ط: دار الكتب المصرية).
جمع الديوان حسن محمد با جوده :
ديوان أُحيحة بن الجلاح
متابعة: أحمد فضل شبلول
أحيحة بن الجلاح الأوسي ( 464 – 561م ) شاعر جاهلي، اهتم د. حسن محمد با جوده، بجمع أشعاره وتحقيقها ودراستها، وقام نادى الطائف الأدبي بالمملكة العربية السعودية، بإصدارها في كتاب احتوى على 92 صفحة من القطع 14.5 × 21سم ومن خلال نظرتنا إلى عدد صفحات الكتاب يتضح أن القصائد أو الأشعار التي وصلت إلينا من هذا الشاعر قليلة نسبياً، أو أن عدد أبيات قصيدته الواحدة أو غرضه الشعري الواحد قليل نسبياً.
لذا كنت انتظر من د. باجودة أن يحدثنا عن هذه الظاهرة في شعر أحيحة حيث أن أطول قصيدة وصلتنا منه بلغ عدد أبياتها أربعة وعشرين بيتاً فقط، وهي التي يقول في مطلعها:
صحوت عن الصبا والدهر غولُ
ونفس المرء آمنة قتيلُ
ولو أني أشاء نعمت حالا
وباكرني صبوح أو نشيل
كما أن هناك العديد من الأبيات المفردة أو المنفردة التي نسبت إلى أحيحة أوردها الباحث مثل:
يا بنيّ التخوم لا تظلموها إن ظلم التخوم ذو عقال
هذه الأبيات ومثلها متناثرة في بطون المراجع والمصادر والكتب التي رجع إليها الباحث في بحثه هذا والتي بلغت 35 مرجعاً ومصدراً أغلبها من أمهات المراجع والمصادر العربية.
عموماً إذا كانت كل القصائد والأبيات التي أوردها الباحث في كتابه هذا هي مجمل إنتاج الشاعر أحيحة بن الجلاح، فإننا سوف نكون بصدد ظاهرة شعرية يجب دراستها بعناية في الشعر الجاهلي، وهي طول القصيدة المعترف بها فنياً ونقدياً، خاصة وأن هناك بعض النقاد القدامى قد حدد سبعة أو ستة أبيات كحد أدنى لما يمكن أن يطلق عليه قصيدة، هذه واحدة، أما الثانية فهي: هل الشاعر الجاهلي كان يكتفي ببيت واحد أو بيتين للتعبير عن حالته، أو للحديث عن غرض من أغراض الشعر العربي المعروفة في ذلك الوقت؟
فإذا كانت الإجابة بالإيجاب فإننا نكون إزاء حالة شعرية جاهلية جديدة، وإذا كانت الإجابة بالنفي فإنه بالتأكيد سيكون هناك الكثير المفقود من أعمال هذا الشاعر الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن.
هذه النقطة لم يشر إليها د. باجودة في بحثه هذا، وهي عموماً نقطة فنية أو جمالية لا نحاسب الباحث عليها، لأنه في بحثه هذا لم يتطرق إلى الأسلوب الفني في شعر الشاعر، وإنما اكتفى بالحديث عن نسب أحيحة وحياته، فقد كان سيد الأوس في الجاهلية، ثم تحدث عن شخصيته وبيئته من خلال شعره، وكان ذلك تحت العناوين التالية: بخل وشح – نظرة مادية بحتة – روح عسكرية – شخصية قوية – اندفاع وطيش – تجربة وحنكة – الرثاء – بيئة زراعية خصبة – المجتمع اليثربي.
ثم كان القسم الثاني من الكتاب، وهو ديوان أحيحة الذي وقع في خمس وعشرين صفحة مع شرح بعض الكلمات وتفسيرها وتباينها في عدد من المراجع والمصادر.
عموماً لا نملك إلا أن نشكر د. حسن محمد باجودة على غوصه في التراث الشعري الجاهلي دراسة وجمعا وتحقيقاً ليقدم لنا شاعراً غير معروف لدى الكثيرين منا.
أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية
دواوين شعراء العصر الجاهلي
هذه هي دواوين أشهر شعراء العصر الجاهلي: انقر على الروابط أدناه لمطالعة الدواوين.
أولاً: شعراء المعلقات:
ديوان امريء القيس- ضبطه وصححه الأستاذ مصطفى عبد الشافي
ديوان طرفة بن العبد – شرح الأعلم الشنتمري
ديوان لبيد بن ربيعة العامري – دار صادر بيروت
شرح ديوان عنترة للخطيب التبريزي
ديوان النابغة الذبياني شرح وتقديم عباس عبد الساتر ط. دار الكتب العلمية
ديوان النابغة الذبياني – ط. دار المعارف – تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم
ديوان النابغة الذبياني ط. دار المعارف
ديوان النابغة الذبياني ط. دار الكتاب العربي
ثانياً: بقية شعراء العصر الجاهلي:
غاية المطالب في شرح ديوان ابي طالب
ديوان ثابت بن جابر الفهمي وهو تأبط شرا
ديوان حاتم الطائي – شرح أبي صالح يحيى بن مدرك الطائي
ديوان شعر حاتم بن عبد الله الطائي وأخباره
ديوان سلامة بن جندل صنعة محمد بن الحسن الأحول
كتاب شرح ديوان عروة بن الورد العبسي المسمى بـ فحول العرب في علم الأدب، لابن السكيت
ياخسارة
ليتني الآن ابنَ خمسِ
ليت يومي صار أمسِ
قَدَمِي ما ذاقت النَّعْلَينِ بعدُ
وقميصيَ الدَّمُّورُ مَلآنٌ غُبَارَا
ونواةُ “الكُدَّةِ” الرَّبدَاءِ في جيب قميصي
و “كُدُنْدَارٌ” تَمَشَّىَ في قميصي
وهنا “قَلابَةُ” القُمْرِيِّ في جَيبِ قَميصِي
وبقايا التمرِ والفُولِ الذي وضعتهُ أمِّي
كُلُّ هَذَا وخَليطُ النَّبَقِ الأصفرِ في جيبِ قَميصِي.
تحت ظل الشجر الوارف في نصف النهارْ
أُنزِلُ العُلَّيْفَ للغنمِ الهائمةِ السوداءِ عندي في الجوارْ
هارباً من فَلْقَةِ الشيخ ومن سَوْطِ “الحُوَارْ”
لَوْحِيَ الخشبيُ مَشْقُوقٌ ومسنودٌ على رمل الجِدارْ
وجهي الأغبرُ من طينٍ ومن حِبْرِ “العَمَارْ”
وبقايا الزيت من طعميةٍ نِصْفَ النَّهَارْ
ليتني عدتُ ابنَ سبعٍ
راكضاً كالجدي أو فوق حمارة
بين بيتي والجزارة
وقميصي بين فَرْثٍ ودمٍ
هو عنوان القَذَارة
والزِّفارة
غير أني طاهر فالقلب عنوان الطهارة.
ليتني كنت ابن تسعٍ
بين بيتي والجزارة
وأخى “معنى” ورائي ورديفي في الحمارة
ونواة البلح المُطْفَأِ في أذرعنا رمزُ الشَّطَارة
وأبي ينفث من ضيقٍ سيجارة
يرمق اللحمةَ والشَّحمَ المُثَنَّى والمَرَارَة
“يا خَسَارة” “يا خَسَارة”
ليتني عُدتُ صبياً
وغبياً
وفتياً
كل همي
لعبة الشُّرَّابِ صُبحاً وعشياً
حيث شَدَّتْ
أو بِشَلَّقْ
أو شِلَيْل
كل لَيْل
ونداء الصبية الآتي وراء الليل يدعوني “ابنَ رَيَّا”
وأنا كالسهم منطلقاً ومجتاحاً حمياً
يالذياك الشباب
فرَّ من تحت الثياب،
ومضى مثل السراب
ياخسارة
ياخسارة
الصُّعُودُ إِلى القَمَر
أَمْسِكْ بِيَدَيْكَ شُعَاعَ القَمَرِ السَّاطِعِ وَاصْعَدْ
لا تَنْظُرْ حَوْلَكَ أَبَدَاً .. فالكونُ هَبَاءْ
وانظُرْ للقمرِ الضاحكِ من فوقِ الأشياءْ
واصْعَدْ..
وَتَطَلَّعْ للآتي مِنْ آفاقِ الغَيْبِ ومِنْ فَيْضِ الأسماءْ.
واصْعَدْ..
وارْسِمْ من ضوءِ القمرِ الصادقِ في أعماقِكَ كَوْناً حَيَّاً
قمراً حَيَّاً … حُبَّاً حَيَّاً
فالباطنُ يَا صَاحِ هُوَ الحَيُّ الباقي فَوْقَ الأحياءْ
واجعلْ من ظاهرِ هذا الكونِ الجُبَّ القَابِعَ في جَوْفِ الظَّلْمَاءْ.
فالقمُر السَّاطعُ مَخْرَجُكَ هُنَاكَ بِأَعْلَى الجُبّْ.
اصعَدْ للسطحِ تَسَلَّقْ..
فَشُعَاعُ القَمَرِ هُنَا يحمِلُكَ إِلَيْهِ بِغَيرِ عَنَاءْ
لكنْ.. إِحْذَرْ أن تَنْظُرَ حَوْلَكَ
لا تلمسْ شَيْئَاً .. لا تَتَحَسَّسْ جَنْبَاتِ البئرْ
ولا تَتَرَدَّدْ أَبَدَاً.
حتى لا ترجِعَ للقَاعِ وَتَحْتَ الماءْ
فالجُبُّ عَميقْ.. وَأَنْتَ غَرِيقْ
وجِدَارُ البِئْرِ يَدُورُ يَدُورُ وَتَخْتَلِطُ الأشياءْ
لكن لا تنظرْ وَاصْعَدْ
اِصْعَدْ اِصْعَدْ.. رَغْمَ اللأوَاءْ
فالقمرُ هُنَالِكَ مُنْتَظِرٌ
يرجو أن تَلْمَسَهُ يَدُكَ المرتعشةُ خَوْفَاً ..
يرجو أن تَبْلُغَهُ ذَاتَ مَسَاءْ
اِصْعَدْ فالليلُ الوَاجِمُ تَمْلَؤُهُ الأنْوَاءْ.
اِصْعَدْ قَبْلَ رَحِيلِ الأضْوَاءْ.
المقرن يونيو 1996
حيرة
تشطير قصيدة للشاعر سيد قطب
قال الشاعر سيد قطب يحكي حيرته واضطراب نفسه:
اطمأن الليل إلا من فؤاد خافق يرجف كالطير الجريح
مستطار هائم في كل واد أفمــا آن له أن يستريـح
إنه يهفو كما يهفو الطريد باحثا في الأرض عن مأوى أمين
حيرة لجت على هذا الشريد ليته يلقى شعاعا من يقين
أنا لاأبكي على ماض ذهب لا ولا مستقبل ضاع هباء
إنما في النفس معنى مضطرب لم أجد رمزا له غير البكاء
وقلت مشطراً لها:
اطمأن الليل إلا من فؤاد شفه الوجد وأضناه السهاد
فهو من إشفاقه يوم التناد خافق يرجف كالطير الجريح
مستطار هائم في كل واد وبلاد أسلمته لبلاد
تعب من حمل أثقال شداد أفما آن له أن يستريح
إنه يهفو كما يهفو الطريد كلما لاح خيال من بعيد
مثقل الخطوات محزون وحيد باحثا في الأرض عن مأوى أمين
حيرة لجت على هذا الشريد فهو في الدنيا لوعد ووعيد
وظلام حالك طام مريد ليته يلقى شعاعا من يقين
أنا لا أبكي على ماض ذهب كتبت آثامه فيما انكتب
حاضر قد ضاع من غير سبب لا ولا مستقبل ضاع هباء
إنما في النفس معنى مضطرب وحديث دار في قلب خرب
أعجبتم مال دمعي منسكب لم أجد رمزا له غير البكاء
الفتى الشهيد عمار عمر بركات
يَالابتهالاتِ الأمانيِّ الموشاةِ النبيلة
في عَتْمَةِ الدَّجْنِ الرهيب
حينما أشرَفْتَ يا عَمَّارُ جناتٍ ظليلة
والأنفسُ الغراءُ صبحٌ
أَشْرَقَتْ فيهِ المعَانِي والنفوس
إذ تُرْفَعُ الأَيدِي النَّحيلةُ في السماء
والألسنُ الفصحى دعاء
والأعينُ الحرَّى دموعٌ مستطيلة
تبكيك يا عمارُ يا ضوءَ القبيلة
كان عمارُ فتىً يمتدُ طولاً في السماء
وكأنه يشتاقُ للأملاكِ فوقَ الناس والأشياء
كان ملءَ السمعِ حينَ السمعُ شوق
كان فَوْقَ الناس فَوْق
كان في الأرض ولكن كان للأملاكِ توق
كان ملءَ الكونِ دِفئاً وحياءً ورجولة
ومضى عمارُ ركضاً نحو غايات السماء
مسرعاً في حُلَّةٍ مُلِئَتْ دماء
والناسُ ما زالت صحائِفُهُمْ بعمارٍ تُضاء
فهو يلقاكَ إذا ما رُمتَ طُهراً ونَقَاء
وهو يلقاكَ إذا عَزَّ اللقاء
وهو في الناس ضميرٌ وحياء
وهو أنوارٌ وماء
وهو في الجناتِ يمشي بَاسِمَاً حيثُ يشاء
ناظراً ربَّ السماء
تسنيم وسكر
حينما أقبلْتِ ياتسنيمَ جنات وريقة
زادَ مدُّ الكون في تلك المسافات الطليقة..
وتنادت كلُ أرواح الصبايا منذ أزمان سحيقة.
جئن كى يبصرن أنوار الحقيقة..
ويحيين الشقيقة.
زغردت أفراح نفسي في حناياها الشفيقة.
عردت تلك الأماني الخفرات
وتسابقن إلى كل الجهات
فأفاقت أنفس كانت موات
ثم سبحن لمن يحيي الرفاة.
أنت بسمات الشمال أنت أنسام الجنوب
أنت ضحكات الصبا أنت نفحات الغروب
أنت أنفاس ملايين الطيوب
عبقت من عالم الخلد ومن دنيا الغيوب
فمك الضاحك يفتر ضياء وسناءا
وتناديه عيناك دعاء ونداءا
نغم ينساب من شعرك الضافي على الجيد غناءا
فإذا ما جاوز الأكتاف ينزم حياءاً
أنت نور من خبايا الغيب مكتوب مسطرْ
يا شراب الجنة الموعود من عين تحدَّرْ
أنت دنٌ يخلبُ العقلَ ولكن ليس يُسكِرْ
أنت كأس مُزجت شهداً تَقَطَّرْ
أنت كوثر.. أنت تسنيمٌ وسكر.
جدة 1981
وقالت هيت
طرابلس الغرب 1977
وحين أضاء وجهك خافقي بالنور
واجتاحت رياح الشوق كل جوانحي الغبراء
حلمت بأنني يوسف وأنك تلكم التياهة الغراء
تدعوني بكل لسان
وقالت هيت، قالت هيت يا إنسان
بل هيهات
أأهرب منك؟ أين الباب؟ أين بربك المفتاح؟
فبابك مغلق موصد بغير رتاج
وروحك قدت القمصان من قبل ومن دبر
ومن علو ومن سفل
وظلك ذاب في ظلي
ولا مهرب
ونادت إن هذا المرء كذابُ
فكل البيت أبوابُ
فقلت منادياً في الناس
معترفاً.. أنا مذنب..
وإن الله توابُ
ولي في الذنب أسبابُ
فقد أحببت إن الحب جذابُ.
فقولوا لي أبعد شهادتي في الناس مرتاب؟
أقول لكم
بكل صراحة الأحباب لا إكراه في الحب
وحين اخترت ذاك السجن من قلبي
وخلت بأنه طبي
وكنت رميت في الجب
حسبت السجن أفسح من بلاء المرء بالحب
وحين ظننت أن السجن كان نهاية الدرب
وجدتك في غياهب ذلك الجب..
الى جنبي..
فما ذنبي..
عمر أحمد فضل الله – طرابلس 1977
قال لي اكذب تجمل
تشطير قصيدة الأستاذ أنور خالد
قال لي: إكذب تجمَّـلْ
قلتُ: بالصدقِ أفــوز !
قال لي: داهِن تُبجَّـلْ
قلتُ: هذا لا يجــــوز !
قال لي: نافِـقْ لِـتحيا
قلتُ: مَنْ رزقي يحوز؟
قال إنَّ الـفـقــرَ مُـــرٌّ
قلتُ: في النفسِ كـنوز !
***
حِينَ يفشو الوَهْـنُ فينا
يصبحُ التطـفيفُ عادة !
ثم يمسي الـزَّيــغُ دينا
والقــناعـاتُ عـــــبادة !
للهوى ترنو الأماني
للـمُنَى وَهْـــمُ السعادة !
يُستطابُُ الظُلمُ ، تُضحي
طِــــيبةُ القـــلبِ بلادة !
***
لـظلامِ اللـيلِ معـنىً
لا يـُؤَديـهِ النهـــــــارُ
قد يحوزُ المَجدَ يومٌ
وتضــــمُّ الخـلــدَ دارُ
عِشْ كما شئتَ صديقي
إنما العــيشُُ اخــتيارُ
وأنا اخترتُ طـــريقي
لــــذَّةُ العـُـمرِ قــرارُ
***
حِينَ يعلو الـزيفُ صوتاً
صَمتُنا يغدو جريمة
قـد يغيب الحــــقُّ حِيناً
ريثما تســمو العزيمة
فيسود السّـوءُ تعلـــو
ضعفَـنا روحُ الهزيمة
ويعـــود الحـــقُّ دوماً
تلكَ في الأيــام شيمة
وقلت مشطراً لها:
قال لي: إكذب تجمَّـلْ
قلتُ: إن الصدقِ أجمل
قال لي: داهِن تُبجَّـلْ
قلتُ: دهن الصدق أنبل
قال لي: نافِـقْ لِـتحيا
قلتُ: من بالذل يقبل؟
قال إنَّ الـفـقــرَ مُـــرٌّ
قلتُ: طعم الكذب حنظل
حِينَ يفشو الوَهْـنُ فينا
نلبس الدنيا قلادة
ثم يمسي الـزَّيــغُ دينا
والخنا بدل الشهادة
للهوى ترنو الأماني
تبتغيه بلا هوادة !
يُستطابُُ الظُلمُ حتى
من قيادات القيادة !
لـظلامِ اللـيلِ معـنىً
وكذا ضوء النهـــــــار
قد يحوزُ المَجدَ يومٌ
لكن الخلد الفخار
عِشْ كما شئتَ صديقي
فغداً تخلو الديار
وأنا اخترتُ طـــريقي
ثم حددت المسار
حِينَ يعلو الـزيفُ صوتاً
فالمآلات وخيمة
قـد يغيب الحــــقُّ حِيناً
بالضلالات القديمة
ويسود السّـوءُ تعلـــو
أفقنا سحب سخيمة
ويعـــود الحـــقُّ دوماً
إن للإيمان قيمة
سلامة والقس
بيني وبين المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الله الطيب ودٌ قديم، منذ أن كنت طالباً بالسنة الأولى بكلية الاقتصاد جامعة الخرطوم، وكان هو مدير الجامعة،، ثم انقطع زمناً حين انقطعت عن الدراسة بالجامعة وهجرتها إلى جامعات الخليج ثم حين عدت للسودان كان رحمه الله كثيراً ما يزورني بمكتبي بمركز الدراسات الاستراتيجية لنتفاكر في أمر إنشاء المكتبة الوطنية وكنا نتذاكر عهوداً قديمة،، وكنت قد اقترحت على أولي الأمر تكريمه وقد حدث بالفعل حيث جرى تكريمه وتبني طباعة مؤلفاته عليه رحمة الله. سوف أذكر هنا بعضاً من عهود سلفت بيني وبينه رحمه الله حين كنت طالباً بالسنة الأولى بالجامعة.
تذاكرنا يوماً قصة سلامة والقس وأنشدته قوله في ذلك، وكان رحمه الله قد صاغ قصة سلامة مع القس شعرا جميلاً عفيفاً، وأصل القصة أن سلامة فتاة ذات جمال فائق كانت بمكة وكان هناك فتى زاهد عابد بمكة لا يراه الناس إلا وهو بين بيته والبيت الحرام، حتى أطلق الناس عليه اسم “القس” لكثرة نسكه، وكان طريقه إلى الحرم يمر ببيت سلامة فكانت تراه كل يوم غادياً إلى الحرم ورائحاً منه إلى بيته.. فافتتنت به ووقعت في حبه وكان جميلاً وسيماً زاده الزهد بهاء ونضارة، وكانت سلامة تتبعه حتى يدخل الحرم ولا تجرؤ على الكلام معه، لكنها ذات يوم تجرأت فقالت له يا هذا اعلم إني أحبك، وزادت دهشتها حين رد عليها بقوله وأنا أيضاً أحبك،! فتجاسرت وقالت له وأحب أن يكون بيني وبينك ما يكون بين المحبين، فقال لها وأنا أيضاً أحب هذا، فقالت ما الذي يمنعك إذن؟ فقال لها يمنعني قول الله عز وجل (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)، وأنا أخشى أن تحول هذه الخلة التي بيني وبينك في الدنيا عداوة يوم القيامة. ثم مضى في سبيله..
صاغ الأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رحمه الله هذه القصة الجميلة شعراً فقال يصف الحوار:
دنت منه برفق ثم قالت أحبك هل ترى في الحب ذاما
فقال لها معاذ الله قالت وأهوى منك ضماً والتزاما
فقال لها يمينا إن قلبي إليك اشد هيجاً واحتداما
فقالت ما الذي تخشاه قال الله أخشى ثم راما
ثم وصف حالتها بعد أن سمعت رد القس فقال:
لها لعس تخلج وهي ترخي على الخدين تستره ابتساما
تحبس فهو في الآماق جمر وفي الآفاق يلمحه غماما
وكنت حينها صبياً يافعاً فتطاولت على أستاذنا رحمه الله بقولي: يا دكتور ألا ترى أنك جعلت القس غليظاً مع سلامة في القول؟ ففطن رحمه الله إلى أن لكلامي ما بعده فقال لي وأنت لو كنت مكاني ما تقول؟ فقلت له سوف أضع نفسي موضع القس وارمز لسلامة بالفراشة فاقول:
من للفراشة في الهزيع الغافي رفت كما رف الأسى بشفافي
بيني وبين عيونها أسطورة بحر بلا قاع ودون ضفاف
بيني وبين شفاهها أنشودة سمقت على الكلمات والأوصاف
ويشع من خصلاتهاسحر وموسيقى وذوب قوافي
قالت أحبك كن جحيماً حارقاً وأنا الفراشة بالجحيم طوافي
وتململت شفة وشفة ريثما ينساب حرف راعش الأطراف
وانساب قول كالجمان كأنه ثمر تدلى مثقلاً لقطاف
أنا يا فتاة خلقت من طهر الضحى ومن النسيم كسيت ثوب عفاف
فابتسم ابتسامته المعهودة وقال لي: “يا بنى،، مثل هذه المواقف لا يصلح فيها إلا نحو قوله: قال الله أخشى ثم راما!!
رحمة الله على الأستاذ الدكتور كان جم الأدب شديد التواضع،،
عشق مالك بن الصمصامة
أحببت أن أشارك الإخوة والأخوات بعض ذكرياتي في الأدب، وخاصة ما جرى بيني وبين الأستاذ الشاعر سيد محمد الحسن الخطيب، منذ أن كنا طلاباً، فقد وجدت بخط يده يوماً على سبورة إحدى قاعات كلية الهندسة بجامعة الخرطوم في السبعينات أبياتاً لمالك بن الصمصامة خطها سيد الخطيب بالطباشير الأبيض على السبورة السوداء :
أحب هبوط الواديين وإنني لمستهتر بالواديين غريب
أحقاً عبد الله أن لست رائحاً ولا غادياً إلا علىَّ رقيب
ولا سائراً وحدي ولا في جماعة من الناس إلا قيل أنت مريب
وهل ريبة في أن تحن نجيبة إلى إلفها أو أن يحن نجيب
فكتبت تحتها معارضاً:
بربك هذا عاشق؟ أي عاشق من الناس يبدى إلفه ويعيب
فشاه سره حتى تهتك ستره وشهر من يهواه وهو حبيب
وبين ما يخفي وأوضح فانجلى وأخلق ستراً كان قبل قشيب
فليت حبيبي ما يعاب بريبة وشك وأما سهمه فيصيب
هذه كانت بعض مداعبات الشعراء في عهد الصبا،، والتحية للأستاذ سيد
محتار ومنتحب
فَرَدْتُ إليكِ أجنحةَ الأساطير ِ
وطرتُ إليكِ
جُبتُ حَنَادِسَ الظُلماتِ آفاقَ الديايجيرِ
خرقتُ إليكَ أسجافاً
أعَدْتُ حكاية المسحور
أرضَ الصندلِ الغافي
وعرسَ الجن والحورِ
أعدتُ. أعدتُ..
لو تسمعْ
ستدركُ لوعتي يوما
وتلمحُ دمعتي يوما.
فتجمعُ من نِثَارِ البرقِ تجمعُني
شَجَى هَذِي المزاميرِ..
فيا أملاً تبدَّدَ في زوايا الخوف
أُدركهُ فيُبكيني
وأَترُكُهُ فيُبكيني.
وأرسِمُهُ.. فأذهَلُ عن بحار الخوف
تَرفَعُني وتَخْفِضُني..
وتُبعدني وتُدنيني..
وطيفك كان يغزوني ويأسرني ويطلقني
ويدفعني ويبقيني
ولحظك كان يرميني بسهم هواك يرديني
وأعجب هل سيقتلني ويعبث بي فيحييني
ويهجرني فيقبرني ويلثمني فينسيني
يُنادِينِي لَكِ الأمَلُ
فأرتحِلُ
وأنظم من أغاني العشق أشعار المجانين
وبين الحِين والحِين
أَخَالُكِ مثلما كُنَّا
فكُوني لي .. ألا كُوني
فيا عَبَقَ البساتينِ..
ويا حُلُم المساكين..
ويا رَوْح الرياحين..
ويا حَاني
ويا حِيني
أسيُر مُغَاضباً واليَمُّ مَوَّارٌ يُغَالِبُنِي
فيقذفني بشَطِّ لِقاكِ منبوذاً
يُظَلِّلُني بيَقْطِينِ..
تَيَقَّظَ عِطْرُكِ الفَاغِمْ..
وذَابَتْ في حُشَاشِ النفس أطيافٌ من العالم
وجدْتُكِ في حَكَايا الزَّنْجِ حين الطَّبْلُ يَلْتَهِبُ
وحين تَوَتَّرُ العَصَبُ
وحين الناسُ فيكِ اثنان :
محتارٌ .. ومنتحبُ..
عمر أحمد فضل الله
قيوم حي
حي قيوم .. قيوم حى
قلبي طير في قفص الأضلاع..
يخفق مذ قلت له كن..
سبحانك
دَقَّ فَدَقَّ .. وعَظُمَ فَرَقَّ
وعَرَفَ فأبصَر..
أن الكون الحىْ
وغير الحيْ
وغير الكون
بدون رضائك ليس بشيْ
أحب فخفق بنبض الحب
وحب الرحمة
فيء الفيْ
وانسكب جمال ونور جلال بهائك
فوق ظلام ودجن الغىْ
فانفرد الطىْ
نفسي مهجٌ
رويت وامتلأت رىْ
قلبي بهِجٌ ٌ
بلباس التقوى نعم الزىْ
ولساني لهجٌ
بالتهليل يسبح للقيوم الحيْ
حي قيوم، قيوم حى
عمر أحمد فضل الله – أبوظبي – ظهيرة الثلاثاء 4/9/2001
أحلام النائم واليقظان
فانتازيا الأحلام
أحلام النائم واليقظان تبلغني عنك النجوى
فأسافر .. أضرب في الآفاق
أفتش عنك بلا جدوى
وأطير على صهوات الأشواق
مشتاق مشتاق مشتاق
وأسافر في تلك الأحداق
وأحط على كل الآماق
وأغوص لأعماق الأعماق
ما أجمل عينك من مثوى
وأشيد عرش الحلم على الشرفات
توقان أفتش في الطرقات
وأتيه فألتمس السلوى
وأظل أطوف بلا مأوى
ببحار التيه أطوف فتنداح الشطآن
ويلوح خيالك لي في الحلم العابر
يحكي لي عن دنيا الشط وعن سحر الخلجان
وبلاد ما دنسها انسان
والحور تميس بكل مكان
وعرائس جن تمرح فوق رمال ذهبية
تتدثر بالشعر المائج
تتمايل نشوى
فأراك هناك أمد يديَّ ولا أقوى
وأفتش عنك بلا جدوى
يا حور الحور ومن أهوى
سأظل أطوف بلا جدوى
عمر أحمد فضل الله – 1978
السائل عن كنه حبيبي
هذه بعض قصائد قديمة كتبتها منذ ثلاثين أو أكثر من السنين،، نسيتها ونسيها الناس. واليوم وجدتها ، وسوف أنشر بعضها للناس، لا ليقولوا أحسنت ولكن أردت أن أشارك الآخرين ببعض نبض مشاعري في القديم. والشعر لا يبلى إذا كان له في النفس مكان.
السَّائِلُ عَن كُنْهِ حَبِيبِي
مَن مِنكم يَا سادَةُ..
ذاكَ السائلُ عن كُنهِ حبيبي؟
أنتَ إذاً؟ حسناً يا هذا
هل تقرأُ كتبَ التاريخ؟
هلمَّ نشاهدُ سرَّ الحبِ الآتي من أغوارِ الدهر..
أغمض عينيك..
واركبْ خلفي صهوةَ هذا المُهر.. (بُرَاق الإيمان)
وَتعالَ نُسافرُ عبرَ الأزمان..
حيثُ نَشاء..
حَدِّقْ في أَصلِ الأَشياء
وانظر.. ذاك حبيبي في مَرْكِبِ نُوح
طاووساً يختالُ على وجهِ الطُّوفانِ ويمشي فوقَ الماء..
وتلك رموزُ حبيبي قد نُقشت
بالهيروغليفِ على أقبيةِ الهرم الأكبر
قطرةُ طَلٍّ في ورق البُردي
تعويذةُ سِحْرٍ في سُنبُلَةِ القَمْحِ المَكْنُونَةِ
فِي تابوتِ الفِرعون..
تاجٌ من تِبرٍ في هَامَةِ رَمسيس..
قِنِّينَةُ عِطرٍ فِي مَخْدَعِ بَلقيس..
تَرنيمةُ شِعرٍ من سِفرِ التقديس..
مِفتاحُ البابِ المَجهُولِ بسورِ الصين.
ياسائلُ عن كُنهِ حبيبي.
غصنٌ قُدسيٌ من شَجَرَةِ طُورِ سِنين.
لؤلؤةٌ في تاجِ الاسكندر ..
رُقعةُ جِلدٍ في جِلبابِ عمر
أو نُقطةُ حِبرٍ..
في كُرَّاسَةِ مجدِ الدينِ أبي البَرَكَات
سيفٌ مصقولٌ فَوقَ جَوادِ صَلاحِ الدِّين..
وَدَمٌ مَسفوحٌ فِي حِطِّين
يا هذا السائل..
ستقولُ تَعِبتُ من الأَسفار..
ما زلنا في بَدءِ المِشوار..
ستقولُ تعبتُ فَيالَلهول..
أنعودُ ولم نحصُل بعدُ على سِرِّ الأسرار؟
هل تعرفُ يا سائلُ سِرَّ جَمالِ الزهر؟
ولماذا يَرقُصُ موجُ البحر؟
ها أنتَ بَدَأتَ الآنَ تُشارِفُ معنَى السِّر
ما كانَ جمالُ حبيبي حُلُماً..
يأتي في النوم ليذهبَ عندَ الفجر
أو طيفاً يأسِرُنَا لِلُحيظَاتٍ ..
ثُمَّ يَغِيبُ بُعيدَ الأسر..
أَو جَسَداً تَأكُلُهُ سَنَواتُ العُمر..
فَجَمالُ حَبِيبِي بَاقٍ بَاقٍ أَبَدَ الدَّهر..
يَا سَائِلُ عن اسمِ حبيبي..
لَو غَاصُوا تَحتَ عُبَابِ الماء
فالاسمُ هُنَاكَ يُعَطِّرُ قَاعَ الدَّأمَاء..
وشَذاهُ يفوحُ بكلِ سماء
لو راموا سِرَّ الأشياء..
فاسمُ حبيبي سِرٌ منقوشٌ في ذاكرةِ التاريخ
لو طاروا يرتادون الأَنواء..
لاكتشفوا اسمَ حبيبي مكتوباً في سطح المريخ.
عمر أحمد فضل الله – صحيفة الشرق الأوسط 1980