الصلاة على حي مات ضميره


الصلاة على حي مات ضميره

تكبيرة الفاتحة
—————————————-
بحثتُ عن الدمع في مُقلتىَّ

بحثتُ طويلاً وما أستبينْ
وَطَالَ قياميَ واقفاً للصلاة
عليكَ أُصَلِّي أيها الجسدُ المستكين
وطعمُ الخيانةِ مِنْكَ تَذَوَّقْتُهُ
قَرْقَعَةً في اللَّهَاةِ أَغَصُّ بها تَارَةً
وأُخرى أراها وصمةً في الجبينْ
عليك أصلي .. وأعجب
هل ستكون صلاتي رحمة للعظام الرميمة
وهي تسابق لعنة الناس.
أم تسبقها دعوة من فم الصالحين
أصلي… وأعجب كيف بَدَّل فيك الرضى
ثوبه بثياب قديمة
وكيف رضيت بتلك الصفات الذميمة
كل شيء مضى  وَغُيِّبَ بين غبار السنين
لم يبق إلا غصة في الحلوق
زمن الصدق فيك انقضى
وانطوى الزمن العبقري
أتذكر حين كان ضميرك حياً
وكنت فتياً نقياً
أتذكر صوتك ذاك الشجي الندي
وكنت تسمى القوي الأمين
أتذكر عنفوان القراءة
صمت الخشوع وذل الركوع
وانهيار الدموع
فوق أوراق مصحفك المهتريء
بعته بالدراهم؟
كم تساوي سجدة في جوف ليل بهيم
بتلك الدراهم؟
كم تساوي ومضة من رباط العزائم
في صحارى الشمال؟ أو دم غيبته الرمال؟
كم تساوي؟ مغالبة الدمع حين أودعت صاحبك القبر  وأنت تكفنه دون غسل.. تصلي عليه
وتعرف أنه عرجت روحه للعلي
وأنه بعض وقت وسوف تراه أمامك
في سدرة المنتهى يا علي
كل ذاك انتهى بالشتات وأضحى موات
كيف بالله ترضى الفتات
وكيف في لحظة صدق سقطت كل أقنعة الزيف من وجهك دون حياء لتهوي بها

من على عتبات السماء لأسفل قاع الحياة
فصارت وصرت رفاة.
وكيف رضيت حياة الدناءة أيها اللوذعي الشريف
وكيف استوى ظهرك المنحني بالركوع الشفيف
ليبحث في مائدة المسرفين عن بقايا رغيف
وقد كنت ذاك العفيف
تكبيرة ثانية
—————————————-

هل نسيت؟ كيف أنا في ذلك الدرب كنا معا
نشأنا معاً ومشينا معاً..
وكنا على الحق روحاً وقلباً معاً
إذ قرأنا معاً سورة العصر في كل جيل
ودوت حناجرنا بالنداء الجليل
وذكرنا معاً في الضحى والأصيل
وأوبت الطير تسبيحنا ثم طارت بنا
قاصدة سدرة المنتهى كل ذاك انتهى؟

فصبر جميل.
الملايين التي فرحت واستبشرت
حين جئت رأوا غرة في جبينك وضاءة
مثل شمس الصباح

فاستبشروا بالقادم الألمعي وكنت معي
أتذكر حين كنت تخوض المعارك
حين يهدر صوتك رغم صوت الرصاص
وقلبك يخفق خوف فقدان أخيك
أتذكر ذلك؟ لم ألقيتهم في المهالك؟
ألم يخطر ببالك
أنك حينها قد غدرت بأمك بين الجموع
هل يحق لها الآن وهي تذرف تلك الدموع؟
لتبكيك تبكي عليك! وتندب حياً رميم؟
فقد كنت يوماً تزور السقيم
وتمسح بالعطف رأس اليتيم
وكنت تكفكف دمع الأرامل
كيف بالله من ظلمك اليوم  تقشعر الأنامل
كيف بالله صار اليتامى منك يبكون؟
خزي العدو المخاتل

ومازلت تسدر في الضلال القديم
تكبيرة ثالثة
—————————————-

وهل يضمك قبر وأنت بعت ترابه

أم كيف يؤيك قطر وأنت صغت خرابه

فرقت بين بنيه وأنت أغلقت بابه

تكبيرة رابعة
—————————————-
رحمة الله على ذلك الرجل الألمعي الذي لم تكنه

رحمة الله على الزمن العبقري الذي لستَ منه

رحمة الله على الوطن الذي ظل يرعاك لا تقل لم تخنه

ياخسارة


ليتني الآن ابنَ خمسِ

ليت يومي صار أمسِ

قَدَمِي ما ذاقت النَّعْلَينِ بعدُ

وقميصيَ الدَّمُّورُ مَلآنٌ غُبَارَا

ونواةُ “الكُدَّةِ” الرَّبدَاءِ في جيب قميصي

و “كُدُنْدَارٌ” تَمَشَّىَ في قميصي

وهنا “قَلابَةُ” القُمْرِيِّ في جَيبِ قَميصِي

وبقايا التمرِ والفُولِ الذي وضعتهُ أمِّي

كُلُّ هَذَا وخَليطُ النَّبَقِ الأصفرِ في جيبِ قَميصِي.

تحت ظل الشجر الوارف في نصف النهارْ

أُنزِلُ العُلَّيْفَ للغنمِ الهائمةِ السوداءِ عندي في الجوارْ

هارباً من فَلْقَةِ الشيخ ومن سَوْطِ “الحُوَارْ”

لَوْحِيَ الخشبيُ مَشْقُوقٌ ومسنودٌ على رمل الجِدارْ

وجهي الأغبرُ من طينٍ ومن حِبْرِ “العَمَارْ”

وبقايا الزيت من طعميةٍ نِصْفَ النَّهَارْ

ليتني عدتُ ابنَ سبعٍ

راكضاً كالجدي أو فوق حمارة

بين بيتي والجزارة

وقميصي بين فَرْثٍ ودمٍ

هو عنوان القَذَارة

والزِّفارة

غير أني طاهر فالقلب عنوان الطهارة.

ليتني كنت ابن تسعٍ

بين بيتي والجزارة

وأخى “معنى” ورائي ورديفي في الحمارة

ونواة البلح المُطْفَأِ في أذرعنا رمزُ الشَّطَارة

وأبي ينفث من ضيقٍ سيجارة

يرمق اللحمةَ والشَّحمَ المُثَنَّى والمَرَارَة

“يا خَسَارة” “يا خَسَارة”

ليتني عُدتُ صبياً

وغبياً

وفتياً

كل همي

لعبة الشُّرَّابِ صُبحاً وعشياً

حيث شَدَّتْ

أو بِشَلَّقْ

أو شِلَيْل

كل لَيْل

ونداء الصبية الآتي وراء الليل يدعوني “ابنَ رَيَّا”

وأنا كالسهم منطلقاً ومجتاحاً حمياً

يالذياك الشباب

فرَّ من تحت الثياب،

ومضى مثل السراب

ياخسارة

ياخسارة

الفتى الشهيد عمار عمر بركات


 يَالابتهالاتِ الأمانيِّ الموشاةِ النبيلة
في عَتْمَةِ الدَّجْنِ الرهيب
حينما أشرَفْتَ يا عَمَّارُ جناتٍ ظليلة
والأنفسُ الغراءُ صبحٌ
أَشْرَقَتْ فيهِ المعَانِي والنفوس
إذ تُرْفَعُ الأَيدِي النَّحيلةُ في السماء
والألسنُ الفصحى دعاء
والأعينُ الحرَّى دموعٌ مستطيلة
تبكيك يا عمارُ يا ضوءَ القبيلة
كان عمارُ فتىً يمتدُ طولاً في السماء
وكأنه يشتاقُ للأملاكِ فوقَ الناس والأشياء
كان ملءَ السمعِ حينَ السمعُ شوق
كان فَوْقَ الناس فَوْق
كان في الأرض ولكن كان للأملاكِ توق
كان ملءَ الكونِ دِفئاً وحياءً ورجولة
ومضى عمارُ ركضاً نحو غايات السماء
مسرعاً في حُلَّةٍ مُلِئَتْ دماء
والناسُ ما زالت صحائِفُهُمْ بعمارٍ تُضاء
فهو يلقاكَ إذا ما رُمتَ طُهراً ونَقَاء
وهو يلقاكَ إذا عَزَّ اللقاء
وهو في الناس ضميرٌ وحياء
وهو أنوارٌ وماء
وهو في الجناتِ يمشي بَاسِمَاً حيثُ يشاء
ناظراً ربَّ السماء