في رحاب كلية التربية جامعة عين شمس
مداخلة بعنوان “قارورة العطر”
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
السيد الأستاذ الدكتور ماجد أبو العنين عميد كلية التربية جامعة عين شمس.
السيد الأستاذ الدكتور محمود الحنطور.
السيد الأستاذ الدكتور وائل على .
السادة الحضور جميعا .
بعد التحية
السادة العلماء الأجلاء , تحية إجلال وتقدير وعرفان, فكم أفنيتم من العمر والجهد والمال والطاقة حتى تبوأتم هذه المكانة الرفيعة, بارك الله جهدكم ونفع بكم.
أعزائي الطلاب اعلموا أن طريق العلم ليست سهلة مفروشة بالورود والرياحين, ولكنها تحتاج إلى الجد والعمل الدءوب .
ومثالنا في ذلك اليوم هو الأستاذ الدكتور عمر فضل الله الذي حاز أعلى الدرجات العلمية, وعمل أستاذا في جامعات أمريكا, وعمل رئيسا للحكومة الإلكترونية بالإمارات العربية المتحدة. ثم عمل على مشروعه الطموح “الرواية المعرفية التاريخية” .
وقد كان لي شرف قراءة خمس روايات منها, وكتبت عنها وهي:-
• ترجمان الملك: التي تعرضت للفترة التاريخية الخاصة بالهجرة الثانية إلى الحبشة فترة حكم ملكها النجاشي أصحمة بن الأبجر.
• أنفاس صليحة: التي تعرضت لمرحلة خراب مملكة عَلَوَة على يد عرب القواسمة
• تشريقة المغربي: التي روت تاريخ سلطنة سنار بعد خراب سوبا في أوائل القرن السادس عشر الميلادي.
• رؤيا عائشة: التي ذكرت تداعيات وتاريخ الثورة المهدية وما بعدها
• نيلوفوبيا: وهى مرحلة تاريخية حديثة إبان فترة حكم جعفر النميري, وحكى فيها مأساة غرق الباخرة “العاشر من رمضان” في بحيرة ناصر .
وما ميز الدكتور عمر فضل الله أنه درس تاريخ المنطقة, وننوه في هذا المقام أنه من مدينة العيلفون التي كانت عاصمة مملكة عَلَوة فترة حكم النجاشي أصحمة, ومأوى هجرة الطيبين في هذه الفترة .
تضلع الدكتور عمر جيدا بدراسة هذا التاريخ ثم قدمه للعالم وجبة سهلة مستساغة في صورة روائية, بتقنيات قص بديعة وأدب ولغة رائقة جزلة , وموسوعية معرفية وتاريخية .
وقد تميز أسلوبه في الرواية بالاعتدال؛ فلا هو بالطويل الممل؛ ولا بالقصير المخل , مما يأخذ بلب القارئ فلا يضيع حبل أفكاره أثناء القراءة .
وهو وصافة بارع , يصف الأشياء والأماكن ويذكر الأسماء وأصولها بأسلوب يعيدك لأيامه الحقيقية في التاريخ القديم , ويذكر الأحداث وتواريخها بدقة في ثوب روائي بديع متقن , فتارة تحس أنك تقرأ كتابا في التاريخ, وأخرى تجد نفسك تستمتع بتقنيات القص وحلاوة البيان وثالثة تتماهى مع إدهاش الأحداث ومآلاتها.
تتميز كتاباته بسهولة اللغة وجزالتها وفصاحتها مع شرح معاني ما قد يُحتاج إليه من أسماء قديمة ، فبعض الأسماء تندثر ويحل محلها أسماء أخرى , وتتحلى أيضا ببلاغة التعبير وجمال البيان , وسبك بين مجموعة من الدرر الثمينة التي مفرداتها (التاريخ، التراكم المعرفي، الخيال، اللغة، البيان، الإبداع)
ولا شك أن هذا كلَّه لا يتأتى إلا من معين ملئ بكل تلك النفائس.
” فقارورة العطر لا تمنح عطرا إلا إذا كانت مليئة به غنية بشذاه”
تحياتي لصديقي الحبيب
الدكتور عمر فضل الله
السيد الراعي
التصنيف: مؤلفاتي
شاهيناز الفقي تكتب: سوسيولوجيا الأدب الإفريقي بين السرد التاريخي وشخصية المكان في “ترجمان الملك” لعمر فضل الله
رواية ترجمان الملك للكاتب السوداني عمر فضل الله، تجري أحداثها خلال حقبة مهمة في القرون الوسطى في بقعة من العالم ربما تكون غائبة عن ذهن القارئ العربي، وهي منطقة الحبشة في شمال شرق أفريقيا، يهتم فيها فضل الله بالتاريخ وبحكم قربه من المنطقة التي جرت فيها الأحداث فقد استطاع بمهارة أن يروي لنا تاريخ يغفل عنه الكثيرون، وقد استند في روايته للمصادر الموثوق منهامثل كتب السيرة والحكايات الشعبية والأساطير.
المفتاح الأول أو العتبة الأولى للنص هو العنوان ومن المعلوم أن سيمائية العنوان هي النسق الأول للدلالة على بنية النص وجوانبه الفنية، وهو بمثابة الشعاع الذي يضيء للقارئ ما استشكل عليه في النص، وقد جاء عنوان ترجمان الملك للدلالة على شخصية البطل والشخصية الرئيسية في الرواية وهو الملك النجاشي.
الإهداء أماط اللثام عن محبة تصل حد القداسة والتبجيل الشديد من الكاتب للنجاشي، ومن منا لم يعرف أو يسمع عن نجاشي الحبشة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ملك لا يُظلم عنده أحد وعادل في حكمة كريم في خلقه” والذي آوى المسلمين إليه عندما اشتد بهم التعذيب فآواهم، ورفض تسليمهم لقريش وأحسن ضيافتهم وعند وفاته في السنة التاسعة صلى عليه سيدنا محمد صلاة الغائب قائلًا لأصحابه: “قوموا فصلوا على أخٍ لكم مات بغيْر أرضكم”.
ولكن للحكاية بعدا آخر استمتعت به في رواية الكاتب عمر فضل الله، وقد استخدم في السرد أسلوب التأطير أو الحكاية داخل الحكاية ومن هنا اختلفت زوايا الرؤية، فالراوي يستدعي لنا سيسي بن ابيلو ليحكي لنا قصته ليقرر ذلك المُستدعى من الماضي أن يزيح الراوي ويروي هو حكايته قائلًا: “سوف أتولى رواية قصتي بنفسي في الصفحات التالية لن أسمح أن يرويها أحد غيري”.
يبدأ الحكي عن جده دلمار ترجمان النجاشي وكاتبه لملوك العرب، لندخل في حكاية أخرى هي حكايات الجد عن علاقته بهاشم جد أبي طالب من الجزيرة العربية وكيف كان يحبه، وهو صغير في السن فيطعمه الثريد ويتعجب من سرعة إتقانه للغة العربية، ويتجلى هنا شدة إعجاب بن ابيلو بجده فهو يصفه بأنه كان حكيمًا وله معرفة مدهشة بالرجال ونظرته ثاقبة وحكمه صائبًا لا يخطئ.
ومن خلال الحكي عن الجد يحلق بنا لمتعة أخرى في حكايات أخرى على لسان الجد وهو يحكي للحفيد عن علوة وأكسيوم وسوبأ الجديدة ومملكة سبأ القديمة، عاداتهم ومظاهر الحياة في تلك المناطق وعن رحلاته لإخميم وإيكبوليس (أسيوط) وغيرها، ويحكي له قبل موته عن النجاشي أصحمة بن الأبجر وقصة مقتل أبيه، وحادثة خطفه لبيعه في سوق العبيد وكيف تم تخليصه من بين أيادي التجار وتنصيبه ملكًا.
يدخلنا الراوي (سيسي بن ابيلو) بعد ذلك في تفاصيل عالمه. البيت الذي نشا فيه وأمه تانيشا، علاقته بجده واختفاء والده المريب حتى إن الجد يعنفه عندما رآه يرتدي قميص أبيه، زياراته للكنيسة وأسئلته الدائمة للأب يؤانس وللجد مما ينم عن شغفه للمعرفة، سنجاتا الحب الأول والقبلة الأولى تحت شجرة الأراك.
ننتقل معه لجزية التمساح حيث الساحرة سيمونة وبنات اليهود من بني قريظة وبنو قنيقاع اللاتي يرسلهن الأهل لتعلم السحر الأسود، ودور هذه الساحرة في حراسة التابوت المقدس الذي نقله اليهود لكنيسة مارية في شمال أفريقيا.
من اليهود والكنيسة وتعاليم الكتاب المقدس لرحلة العرب للحبشة فارين من بطش وتعذيب قريش لهم وكيف استقبلهم النجاشي وأحسن ضيافتهم، وصداقة نمت بين سيسي بن ابيلو والزبير.
يتطرق الكاتب لقضايا مهمة مثل تجارة الرقيق من تعرضه لقصة خطف النجاشي أصحمة بن الأبجر لبيعه في سوق العبيد بعد مقتل أبيه الملك حتى يبعده الوزراء عن الحكم ويستفيض في الحديث عن هذه التجارة الغير إنسانية، وكيف كان التجار يغيرون على القبائل فيخطفون النساء والغلمان لبيعهم ونفوذهم وسيطرتهم على الوضع في تلك المناطق.
وجانب من حياة العرب من خلال الأحاديث بين نسوة سوبأ وبين المهاجرات إلى الحبشة فيتحدثن عن الختان ورفض العرب الختان الكامل للفتاة الذي يضر بها في الزواج والولادة بخلاف اليهود الذين يعيرون المرأة التي لم تختن ختانًا كاملًا.
استخدم الكاتب أسلوبا سلسا للحكي لغة راقية، بناء الشخصيات موفق جدًا، استفاض الكاتب في وصف المكان بما يتناسب مع طابع الرواية المعرفي السيسيولوجي إن جاز التعبير.
الكاتب عمر فضل الله الحائز جائزة الطيب صالح عن رواية تشريقه المغربي وجائزة “كتارا” عن رواية أنفاس صُليحة وله العديد من الروايات الناجحة، استطاع أن يفرض الأدب الإفريقي العربي بقوة على الساحة المتعطشة لأدب جديد مختلف عما ألفناه في عالمنا العربي.
رابط المقال:
http://jedariiat.net/news/2057?fbclid=IwAR2avwsjETD2Tt7aOQDT8V4dNAp0b8UksYb4FCNoJ2T1nvW8wn9rPgIlU9w
رواية تشريقة المغربي للدكتور عمر فضل الله – بقلم أبي سهل طه الطيب
رواية “تشريقة المغربي” للدكتور عمر فضل الله:
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=
في حقيقة الأمر: لم أكن من عشاق الراويات، ولا من محبي قراءتها. وإن كنتُ قد قرأت طرفاً منها في طفولتي الحالمة، وعشت مع قصصها، وتنقلت بين حكاياتها.
ودائماً أجد نفسي ميالاً للطرح العلمي والأدبي المباشر، دون الحاجة لتعرجات الروايات، ولا فزلكات الأقاصيص. ولكلٍّ وجهةٌ هو مُوَلِّيها.
📚 وحينما انتابتني فكرة قراءة الأعمال الأدبية الروائية فكرت في الاطلاع على روايات الروائي الباحث الموسوعي (الدكتور عمر فضل الله).
وعندما زرتُ #معرضالخرطومالدولي_الكتاب_2019 وفقني الله- تعالى-لاقتناء أربع روايات من تصنيف ذلك الباحث الهمام؛ ألا وهي:
❶- “أنفاس صُلَيْحة”.
➋- “أطياف الكون الآخر”.
➌- “ترجمان الملك”.
➍- “تشريقة المغربي”.
وقد كنت متشوقاً للنظر في هذه الروايات، ومتعطشاً لقراءتها. وفي واقع الأمر توجد بعض الأعمال العلمية التي تشغلني عن القراءة الحرة هذه الأيام.
🕑 ولكن حينما كنت في الخرطوم أيام معرض الكتاب، وأنا أحمل هذه الدرر الثمينة والغنائم المتينة؛ وجدتً وقتاً بعيداً عن مكتبتي المتواضعة وحاسوبي البسيط. فاقتنصت تلك السانحة، واستغللت هاتيك الفرصة؛ فهرعت إلى تلك الروايات. فكرستُ وقت فراغي للقراءة في رواية من روايات الدكتور عمر فضل الله.
📙 بعض الإخوان نصحني أن أبدأ برواية “أنفاس صُلَيْحَة” الحائزة على (جائزة كتارا للرواية العربية)، ولكن وجدت نفسي منقادة، وهمتي متجهة نحو رواية “تشريقة المغربي” الفائزة بـ(جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي).
📘 فأمسكت بـ”التشريقة”، وأنا في شوقٍ كبير لقراءتها. وحينما بدأت قراءة تلك الرواية شَرِقْتُ بها، فجذبني سحر كلماتها، واجتالتني روعة قصتها، واستولى على حماطة قلبي جمال سردها. ففنيتُ وذُبتُ في لججها العميقة، وتُهْتُ في دهاليزها، واختفيت في سراديبها؛ حتى نسيت نفسي، وأنا اقرأ في تلك الرواية.
🔰 إذا كان أهل التاريخ في الزمان السالف يتحدثون عن (تغريبة المشارقة)، وأشهرها تغريبة بني هلال، وبني سليم، وبني المعقل، ونحوهم من قبائل قيس عيلان وقُضَاعَة؛ فإن هذه الرواية تغوص في الأغوار، وتسبح عكس التيار؛ لتتحدث عن (تشريقة المغربي)!.
وفي الوقت الذي ظهرت فيه تلك الرواية “مُشَرِّقَةً”؛ فإذا بها تبحر بي أنا في الاتجاه المعاكس “مغربةً”!.
🌓 نحن في بلاد السودان محسوبون على المشارقة، ولكننا في حقيقة الأمر بَيْنَ بَيْن؛ فلسنا بمشرقيين خُلَّص، ولا مغربيين خُلَّص!.
📌 فموقعنا الجغرافي وسط بين المشرق والمغرب، وثقافتنا خليط بين المشرق والمغرب. وقد أخذنا من ثقافة المغاربة ما لم يأخذه مشرقي قط. هذا مع احتفاظنا بقدر كبير من الثقافة المشرقية، وتحفظنا على بعض ثقافاتها.
✸ فمن الروايات القرآنية الحاضرة في بلادنا: روايتي (ورش عن نافع)، و(قالون عن نافع). وهي من الروايات المشهورة في المغرب العربي. ولا تكاد تجد لها أثراً في بلاد المشرق إلا في إطارٍ ضيقٍ محدود.
✸ ومدرستنا في الفقه المالكي هي خليط بين فقه المشارقة والمغاربة. فكما أخذنا من “الصِّفْتِي” و”العشماوي” المشرقيين؛ أخذنا كذلك من “الأخضري” المغربي، وغيره.
✸ وأوزان أهلنا البقارة العروضية في أشعارهم، ومقاماتهم النغمية في أهازيجهم هي في الحقيقة أوزان أندلسية حافظوا عليها منذ أن قدموا من الأندلس. حتى أن البنات الصغار في الليالي المقمرة يسمرن، وينشدن أشعاراً على الأوزان والألحان الأندلسية!.
✸ وما زالت المرأة عندنا تلبس الثياب البيضاء علامة على الحداد، كما هو الحال في بلاد المغرب والأندلس. وهذا بخلاف جميع نساء المشارقة اللائي يلبسن الثياب السوداء علامة الحزن والحداد عندهن!.
✸ وعلى المستوى الإثني والعرقي توجد قبائل عديدة من البربر في السودان كالهوارة وغيرها. وفي النوبة الشمالية نجد الثقافة البربرية= الأمازيغية حاضرة بقوة؛ حتى أن أهل مصر كانوا ومازالوا يطلقون عليهم لفظ (البرابرة)، بل يطلقونها على كل سوداني!. هذا غير القبائل العربية المغربية كـ(قبيلة المغاربة)، و(المشايخة الشرفديناب)، وغيرها من القبائل الأخرى.
⏳ كانت الفرصة مواتية في الزمان السالف لتشريقة المغاربة؛ فطريق أهل المغرب إلى بيت الله الحرام كان من جهة بلاد السودان؛ حيث يقطعون تلك الصحراء عبر الْجِمال وبقية الدواب إلى مدينة سواكن الساحلية، ثم يعبرون البحر إلى الحجاز. هذا بالطبع كان قبل ظهور ثورة الطيران ووسائل النقل الحديثة.
🗒 أعود فأقول: إن الرواية تتحدث عن قصة رجل مغربي من أصول أندلسية يسمى (عبد السميع بن عبد الحميد المغربي) جاء إلى السودان قافلاً من طريق الحج. وعمل في وظيفة (كاتب حجج السلطان). وهذا السلطان هو سلطان مملكة الفونج.
فبَيْنَا أنا أمخر عباب تلك الرواية المتلاطم؛ فإذا بأمواجها العاتية تقذف بي في جزيرة غناء ساحرة؛ جميلة المنظر، تغني عصافيرها على دوحها وارفة الظلال، باسقة الأفنان، وتسيل المياه من وديانها الصاخبة، وتنبع من عيونها الدافئة.
هذه الجزيرة هي (مملكة الفونج)؛ حيث أصبحتُ أهيم في رياضها، فأتنقل بين قصص عبد السميع، وحكايات صُلَيْحة، وأنساب السمرقندي، وإصلاحات أدريس ود الأرباب، ووو… الخ.
🔗 فالكاتب في هذه الرواية استخدم (أسلوب المزج والمزواجة):
☑ فمزج بين الخيال والواقع، وزاوج بين أسلوب الرواية والسرد التاريخي؛ فأنتج خليطاً متجانساً، جميل الطعم، سهل الهضم.
☑ ويستخدم الكاتب المزاوجة أيضاً في اللغة التي يكتب بها الرواية؛ فيأخذك العجب حينما تجده يستخدم نفس مصطلحات الفونج والعبدلاب القديمة التي كانوا يستعملونها في زمانهم، ويزاوج بينها وبين العامية المعاصرة، مع وجود اللغة الفصيحة، فيصيغ الكلام في لغة ثلاثية سلسلة، جميلة معبرة.
🗞 حينما تقرأ تلك الرواية تخرج بمعلومات تاريخية دقيقة لا تجدها في كتابٍ واحد. فهي معلومات اجتمعت في مكانٍ واحد، ولا تدرك إلا بالغوص في أعماق الكتب والبحث في لجج المجلدات المطولة.
🖍 إن هذا القلم عجيب، كيف لا وهو قلم رجل تضلع من أحداث التاريخ الذي يكتب فيه؛ حتى امتزجت بلحمه وعظمه؛ فصار يكتب التاريخ في شكل قصص، ويصيغ الأخبار في هيئة حكايات، وينثر أحداث الماضي في صورة حوارات.
✊ الدكتور عمر فضل الله روائي عظيم، صاحب قلمٍ فذ ويراعٍ سيال؛ يجبرك على قراءة رواياته، وهي روايات جميلة هادفة؛ تأخذ بلب القاريء، حتى يسبح في حياضها، ويمرح في رياضها.
فتجد في تضاعيف كلامه وثنايا حديثه: القصة، والتاريخ، والفلكلور، والأدب الشعبي، والمفردات العامية القديمة، ومصطلحات السلطنات السالفة.
📖 لقد عقدت العزم على أن أقرأ كل روايات الدكتور عمر فضل الله؛ رغبةً في الاستفادة التاريخية منها، ولكي أستمتع بقصصها الجذابة، وحكاياتها المشوقة.
❍ والآن أحط رحالي عند هذه المحطة، وأترجل لأمسك بالقلم؛ فإن الكلام عن هذه الرواية لا ينقضي، والحديث عنها لا ينتهي؛ فهي معين لا ينضب، وعينٌ لا تنقطع، وبحر لا يجف
برنامج كلمات مع الكاتب د.عمر فضل الله 25-9-2019
عندما تكون القراءة متعة – رواية نيلوفوبيا للكاتب الروائي المبدع الدكتور عمر فضل الله

عندما تكون القراءة متعة
رواية نيلوفوبيا (١)
للكاتب الروائي المبدع
الدكتور عمر فضل الله
فطرتنا الإنسانية السوية تستمتع بالحكي وتشبع رغباتها بمعرفة ما حدث وما يحدث وماذا سيحدث. غريزة بشرية لتقفي الأثر ومعرفة كيف يعيش الآخرون.
حب الاستطلاع ومتابعة الشخصيات في رحلة حياتها المليئة بالدموع والأفراح والأتراح والغوص معهم في بحار الحياة وسبر أغوار النفس البشرية ومعايشة الشخصيات عن طريق خلقها فتراها وكأنها من لحم ودم، تتحرك أمامك، تتأمل وتتأمل، تحب وتكره، تقبل وترفض، تتكلم وتصمت، تناور وتحاور.
شخصية بطل الرواية تراجيدية بامتياز، تراها في كل بلد عربي ترفض الواقع وتأمل لمستقبل أفضل. تحب وتأمل، تتألم ولا تقنع. تري واقعا سيئا، وتحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تغيره.
لما كان طفلا كان شقيا، لا لخلل فيه، وإنما لنمو نوازع الرفض للفقر والخنوع والضياع السياسي ومحاولة تغيير الواقع، ولكنه مع كل هذا شقي ببراءة، وسرعان ما ينصلح حاله.
ريشة فنان عبقري تري فيها كل عناصر الصورة بلا ضبابية ولا رتوش تجملها، حيث تشم رائحة الفقر والرفض والعناد لصبي عربي رافض لكل ما حوله.
رافض للضعف السياسي والفقر المدقع أملا في يوتوبيا أفضل.
ومع أنه سباح ماهر يموت رفيقه فيخاف النيل.
النيل رمز الحياة والأمل. يكرهه ويصير مأساته.
كل عناصر الصورة تتناغم مع حبكة درامية ببناء سردي سلس يتخلله حوار في غاية الجمال، ينفخ فيها فنان يجيد جعل القارئ يحبس أنفاسه لكل لحظة ويترقب ويتفرج مستمتعا.
أديب بارع بأسلوب متميز فرضه لنفسه، حيث لا يقبل التشابه ويتمرد علي البناء الأرسطي ويشيد بناء يبدأ فيه كلما اتخذ مكانه في بداية كتابته للرواية خلف مكتبه قائلا:
اللهم إني كاتب سأشدك معي أيها القارئ رغما عنك لتعيش متعة القراءة وسأستمتع معك لأننا في قارب واحد وبيئة واحدة قوامها الصدق وترابها الواقعية وعطرها المحلية وطعمها الإبداع.
ومن هنا تأتي عبقرية مدرسة عمر فضل الله، حيث ينجح لا في أن يريك شخصياته، وإنما ينجح في كشفك أمام ذاتك وتعرية روحك البشرية لتعيش في عالم من الطوباية وترحل معه في رحلة لا يجيد حكايتها غيره، لأنك تعيش عالمية الإبداع بروح مغرقة في المحلية، حتي في حوار الشخصيات ولباسها وسلوكها.
يأخذك الكاتب رويدا رويدا لتحلق بعيدا بعيدا في عالم الخيال والرومانسية والحب، إلي عالم الخير والحق والجمال بعد أن يغمسك في مستنقعات الواقع..
نيلوفوبيا (٢)
المتأمل في معظم أعماله تصيبه دهشة عظيمة عندما ينتهي من القراءة ويود أن يصفق إعجابا ويتساءل بانبهار:
كيف أمكنه أن يكتب هذا العمل العبقري؟!
سمة تميز أعمال عمر فضل الله:
يبدأ روايته من قلب المحلية فتشعر بالسودان وأهلها وتحس بأنك تري تاريخ هذا البلد العظيم، وبالرغم من إغراقه في المحلية، إلا أنه ينهي الرواية بشكل أقرب إلي العالمية، فيجذبك إلي الناحية الإنسانية التي تري الضعف البشري فيها مطلا برأسه حيث الألم والدموع والقهر…
uرواية نيلوفوبيا نموذجا…
قلم رائع وأديب مبدع ورواية عبقرية، والملفت للنظر أن الكاتب في هذه الرواية كشف قليلا وأخفي كثيرا تحت غطاء كلماته الموحية المؤلمة فتجد حقيقة أمورا كثيرة مسكوت عنها في النص.
عبقرية نيلوفوبيا تتجلي في أن الكاتب قال كثيرا برغم من أن كلمات الرواية وصفحاتها قليلة، إلا أنه ألهمك كثيرا بما أضفاه علي الرواية وخصوصا في الجزء الأخير من أهوال ورعب وفزع يجعلك تبكي كل شخصيات القصة وتتساءل في هلع:
هل ما أقرأ حقيقة أم خيال؟!
رواية يتجلي فيه الضعف البشري أمام عظمة الطبيعة وإرادة الخالق!!
باختصار إنها رواية عالمية بأسلوب مغرق في المحلية مع بطل تجد له أكثر من نظير في ظل أنظمة عربية مقهورة مقموعة…
تحياتي لنيلوفوبيا ألف مرة وخالص شكري وتقديري عشرات الآلاف من المرات لمبدعها الكاتب الملتزم المهموم بقضايا وطنه وأمته والمدافع عن آمالها والسارد لآلامها والمبشر بأنوار الأمل لأجيال من البسطاء الضعفاء المهمشين في عالم عربي عظيم يتم إهمالهم والتنكيل بأحلامهم علي الرغم من قدراتهم اللانهائية وحقهم في العيش بحياة أفضل بكثير من واقعهم الأليم بالرغم من امتلاكهم لمقومات هذه الحياة التي يستحقونها…
رواية ترجمان الملك – بروفيسور عبد الرحيم درويش
ترجمان الملك (١)
عندما تنتهي من قراءة الرواية تشعر للوهلة الأولى أنك في نزهة فكرية حقيقية تتحرر فيها من واقع أليم وحاضر أكثر إيلاما بعد أن عشت في حقبة بيضاء ناصعة البياض إبان فترة تاريخية ملهمة شهدت أحداثا تاريخية جساما.
عمر فضل الله كاتب من العيار الثقيل يمتلك جيدا زمام لغته فيجعلك تغوص في أحراش إفريقيا فتتنسم هواءها تارة وتلهب سياط شمسها ظهرك تارة أخري.
يصدمك بواقع مرير بأدغال الغابات فتري الأفيال وقطعان الزراف. يبهرك ويسعدك ببهاء ظلال الأشجار الكثيفة فتري صفحة النيل العظيم تنظر إليك مع زقزقة الطيور التي تسكن هذه الأشجار فتصعد إليها لتنظر في هلع إلي التماسيح التي تحيط بك.
يبني الكاتب في روايته هذه بناء فريدا يختلف تماما عن بناء نجيب محفوظ المغرق في الواقعية، كما يختلف عن بناء يوسف السباعي المغرق في الرومانسية، ويختلف أيضا عن بنيان الطيب صالح في موسم هجرته إلي الشمال وعالمه الحداثي ومفرداته التي تختلف كما وكيفا عن عمر فضل الله.
أزعم بيقين عن قراءة متعمقة ودراسة واعية متفهمة بعيدا عن كل مدارس النقد التقليدية والحديثة وبعيدا عن مناهج النقد المستوردة أن هذه الرواية حالة خاصة في تاريخ الرواية العربية كما أنها فتح جديد في عالم الرواية بشكل عام وعالم الرواية العربية بشكل خاص، وسأحاول أن أثبت زعمي اليقيني هذا بأدلة علمية وبراهين واضحة.
الرواية مكتوبة بلغة عربية سليمة واضحة، وليست هذه اللغة التي تتدفق من بين أصابع الكاتب لغة الفصحي التراثية المقعرة الصعبة المعقدة التي رأيناها في سارة رواية العقاد اليتيمة، أو لغة طه حسين الصلبة الجافة التي رأيناها في الأيام تخلو من حيوية سرد الرواية التي نسعد بها في روايات توفيق الحكيم، ولكنها لغة خاصة بعمر فضل الله.
إنها لغة يتفرد بها لأنها إحدى مبتكراته السردية، فهي أولا لغة يسيرة وسهلة إلي حد البساطة تقترب من لغة نجيب محفوظ في رواياته الواقعية التي تغوص بك في عالم سعيد مهران لصه البطل في اللص والكلاب ولغة حميدة في زقاق المدق ولغة عامر وجدي في المرايا. فاللغة عند عمر فضل الله واقعية سلسة يفهمها الجميع دوت تقغر أو تشدق أو تفيقه.
ولغة الكاتب ثانيا موحية لأبعد مدي. تجعلك لغة الكاتب تترقب وأن تقبل علي مدينته التي بناها بحرفية عالية وهندسة معمارية راقية. تشعر وأنت تقرأ بأن قلبك يدق تأهبا لكل ما سيقع من أحداث. اللغة لدي الكاتب ذات جرس متميز…
ترجمان الملك(٢)
لغة عمر فضل الله ثانيا موحية تدفعك إلي توقع الأحداث منتظرا الخير والشر والحب والخلاص والأمل.
لغة الكاتب ثالثا وظيفية حيث أراد الكاتب أن تكون لغته معبرة أولا عن موقفه وقضاياه التي يطرحها ويريد لها تبريرا، كما يستخدمها لإقناع القارئ بوجهة نظره والوجهة التي يريد أن يأخذه فيها، ولذلك لا يجد المؤلف حرجا أن يقتبس من آيات القرآن والإنجيل كيفما شاء، هذا من ناحية ومن ناحية أخري لغة الكاتب وظيفية لأن المؤلف أراد لها أن تعبر سردا وحوارا عن شخصياته الروائية بكل عمق.
ذكاء الكاتب وموهبته الفذة تدفعك إلي أن تتقبل لغته في سبيل شخصياته للحب أو للتحرر أو للخوف أو للأمل أو للوصف.
لغة الكاتب رابعا درامية. أعني بدرامية اللغة حرصها علي أن تدفعك حثيثا لتجري لا خلف الأحداث وحدها وإنما خلف مكنون كل شخصية بعد أن نجح كاتبها في إبراز كل جانب من جوانبها الجوانية والبرانية والاجتماعية.
السمة الخامسة من سمات لغة عمر فضل الله أنها كائن حي يمكنك أن تراه ناميا وكأنه يتمثل بشرا سويا، وهذا يعني حيوية اللغة وتلقائيتها سردا كانت أو حوارا. فلغة الطفل ليست كلغة الجد، ولغة المحب ليست كلغة التاجر، ولغة الملك ليست كلغة النساء اللاتي أحطن بالملك الذي تم أسره.
اللغة الحية تتضح جليا وتتناثر مفرداتها بين الشخصيات الطيبة فنراها سعيدة فرحة بانتصار الحرية ورجوع الحق لأصحابه، وتتجلي حيويتها أكثر في ربوع سوق العبيد ولدي الساحرة وفي طلاسم الأساطير، كما نجدها حية في أرقي درجاتها مع آيات القرآن الكريم وتشعر وكأنها ذات أرجل تمشي في المناظرة التاريخية بين المهاجرين المسلمين الأوائل إلي الحبشة ضد من أرسلتهم قريش من الكفار لمطاردة مهاجري المسلمين طالبين من الملك تسليمهم.
لغة الكاتب كرؤيته متميزة وتستحق أن يفرد لها العديد من الدراسات السيميائية كجانب مهم في رواية الأديب عمر فضل الله الأثيرة بالنسبة لي كأول عمل روائي له أتعرض بدراسته ونقده وتحليله.
أود أن أوجه نظر الباحثين إلي ضرورة تناول الدال والمدلول في هذه الرواية وصولا إلي القوة الفاعلة وأهمية دراسة مدي قوة التناص في هذه الرواية، وهذا ما سأتناوله في الحلقة القادمة من سلسلتي عن هذه الرواية الثمينة.
ترجمان الملك (٣)
هل النص هو اللغة أم أن اللغة هي النص؟! لا نريد أن نستفيض كثيرا في هذا السؤال متابعة لأنصار العلامة دي سوسير ورفاقه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا تعد هذه الرواية عملا استثنائيا وإبداعا منقطع النظير يستحق أن نطلق عليه فتحا جديدا في مجال الرواية؟!
ليسمح لي القارئ في محاولتي توضيح نظريتي هذه بأن أقول إن الرواية لا تعد مجرد حكاية لقصة يعلمها الجميع ولا يعرفها المسلمون وحدهم، بل يعرفها كل باحث في التاريخ.
في مقابلة هاتفية بعد لقاء حقيقي مع عمر فضل عمر فضل الله اعترف لي قائلا وهو يبتسم:
” لقد ولدت في القرية التي تدور فيها أحداث الرواية، وكل أهل القرية يعرفونها “
والرواية مليئة بنصوص من القرآن الكريم وآيات من الإنجيل.
لو كان الأمر مشكلة تناص وأن الكاتب لم يضف شيئا من عنده في صفحات الرواية التي تقارب الثلاثمائة صفحة وبالتحديد تقع في مائتين وست وثمانين صفحة، لما اعتبرنا الرواية عبقرية حقيقية علي اعتبار أن الكاتب لم يأت بجديد، لأن ما جاء به لم يكن نتيجة شيطان أدبه ونتاج فكره، لأنه يسرد أحداثا يعرفها الجميع وتتعلق بهجرة المسلمين الأوائل إلي الحبشة واستقبال النجاشي لهم وإكرامهم ورفض تسليمهم إلي الكفار الذين أرسلتهم قريش لردهم مرة ثانية ليسوموهم سوء العذاب.
كما لا تعد الرواية مجرد سرد لآيات القرآن وحجج هؤلا، المسلمين الأوائل المهاجرين إلي الحبشة فرارا بدينهم وهربا بإسلامهم من جبروت و ظلم كفار قريش.
تري لماذا تنجح الرواية في شد انتباه القراء وجذبهم لإتمام الرواية وقراءتها مرة ثانية وثالثة؟!
لعل هذا هو السؤال الأكثر أهمية، وذلك لأني لا أعد الرواية تاريخية ولا دينية، ولكن أعدها رواية إنسانية تتجلي فيها أسمي معاني الإنسانية من كراهية الظلم وكراهية العبودية والرق وإعلاء قيم الحب والعدل والخير والجمال، ناهيك عن اهتمام الكاتب بالمؤثرات الدرامية التي أود أن أفرد لها عدة مقالات جديدة تتعلق أولا بالسخرية والمقالب الدرامية والحب والمفاجآت وتغيير الإيقاع والسمو بالنفس البشرية .
إنها باختصار رواية إنسانية لكاتب أشد إنسانية برواية تنتصر للإنسانية، ولعل هذا أهم سمات نجاح هذه الرواية.
ترجمان الملك (٤)
بين التناص وموت المؤلف…
بعد أن قرأت رواية عمر فضل الله ترجمان الملك عدة مرات وجدتني أقابل رولان بارت وأطلب منه أن أتحاور معه. رحب بي مبتسما وأشار لي أن أجلس قبالته. بادرني في هدوء:
– ماذا تريد يا ابن درويش؟!
– في الحقيقة يا عمنا رولان بارت ..
– هات من الآخر
– أصل
– بلا أصل بلا فصل يا درويش. هات ما عندك
– أصل نظرية موت المؤلف التي فلقت بها رؤوسنا لا تنطبق علي ترجمان الملك
– يا سلام!! نظرية اعترف بها معظم النقاد في زماني وبعد موتي وتقول إنها لا تنطبق علي ترجمان الملك؟!
– أصل عمر فضل الله كتب الرواية بعد موتك بكثير
رأيته يمسك عصاه الغليظة ويجري خلفي منفعلا، وما أن مست عصاه ظهري إلا وأفقت مبتسما!!
والحقيقة أن فحوي نظرية موت المؤلف تنطلق من افتراض مؤداه أن المؤلف لا يأتي بجديد، لأن كل شئ في الدراما عامة والرواية بشكل خاص قد تم تناوله من قبل في أعمال السابقين، كما أن أرسطو وغيره من السابقين تحدثوا في كل شئ وحصروا لنا الأفكار الدرامية كاملة، فماذا بقي للكتاب المتأخرين؟!
ولقد حاول كثيرون التأكيد علي إيمانهم بهذه النظرية، وليس ببعيد أن يصدر جورج بولتي كتابه الشهير عن المواقف الدرامية المكرورة والتي يحفظها كتاب السيناريو والدراما في ستة وثلاثين موقفا دراميا!!
وأزعم أن عمر فضل الله لم يمت، ولعله يحق لي أن أصرخ قائلا:
– عمر فضل الله لم يمت. المؤلف لم يمت.
وهناك العديد من وجهات النظر النقدية التي فجرت في نفس اتجاه رولان بارت، بل وتعدته إلي موت النص وموت الناقد وموت القارئ!!
ماذا بقي للفن إذا؟!
أراني بعد سحب كتبي من المكتبة وانهماكي الشديد في القراءة لنقد نظرية موت المؤلف، تدخل علي جوليا كريستيفا وتمسك بيدي وهي تصيح:
– ابن درويش، أغضبت رولان بارت فهل ستغضبني وترفض نظريتي الخاصة بالتناص؟! المؤلف لا يقول شىئا. كل ما تقوله أو تقول شخصياته قيل من قبل وستجد له أثرا في الأدب من قبل.
ما أن انتهت من كلماتها إلا ودخل علينا باختين. أخذ بيدها وهددني بغضب شديد ولم يلق السلام علي.
خرجا وتركاني أتناعس علي أوراق كتبي حتي أفقت لأتحدث معكم عن السبب الذي يجعلني أرفض نظريتي موت المؤلف والتناص في رواية ترجمان الملك.
والحقيقة أنني أري المؤلف لم يمت في هذه الرواية لعدة أسباب: الأول أن المؤلف فرض شخصيته علي النص وأدخل فيها من روحه الشخصية التي عرفتها منذ أول وهلة قابلته فيها،
يتبع .
ترجمان الملك (٥)
بين التناص وموت المؤلف…
السبب الأول لرفضي نظرية موت المؤلف في هذه الرواية أن الكاتب أدخل علي الرواية من شخصيته وبني بنيانه الروائي بروح منه، فهو هادئ هدوء ترجمان الملك الجد ومحب للحياة حب حفيده لها، ومفعم بالحيوية كالملك الشاب وسنجاتا، كما أنه بليغ الحجة ورافض للعبودية والسحر، ناهيك عن أنه أدخل هويته المسلمة بالرواية للدفاع عن دينه وإظهار الخطأ في الأديان الأخري.
السبب الثاني لعدم موت المؤلف أنه يحب ويكره، وهذا يعني أن المؤلف شخصية حية مفعمة بالحياة إذ ينتصر للإنسانية ولروح التحرر ويكره الرق واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان. يحب الخير ويكره الشر ويتضح هذا طيلة الرواية فكيف نقول بموت المؤلف.
ثالثا أن المؤلف نراه مفكرا وحكيما طول الوقت، وليس هذا علي لسان شخصياته وأفعالهم فحسب، بل الحجج المنطقية والتفكير الذي يقودنا إليه باقتدار وخصوصا عند الحوار مع القساوسة وكهنة الكنيسة وعند التفكير بشكل عام بعد نهاية الرواية والثقة بأن هذا الكون لم يخلق سدي.
ورابعا المؤلف ينتقي ويختار مما يؤكد علي حياة عمر فضل الله وخصوصا في هذه الرواية حيث أنه انتقي شخصيات بعينها وركز عليها، في حين أغفل شخصيات أخري أو تجاهلها، ليس هذا فحسب، بل انتقائه البارع للأحداث بلقاء الملك بالساحرة، ثم آلام وقوعه بالأسر، ناهيك عن الحميمية الشديدة بين ترجمان الملك وحفيده والملك.
هذه الانتقائية المبدعة للشخصيات والأحداث تؤكد مع الأسباب السابق ذكرها علي عدم موت المؤلف.
فلنعد إذا إلي التناص مع نظرة لجوليا حيث نؤكد علي عدم صحة فكرتها، والسبب الرئيسي في هذه الرواية أن المؤلف كتبها بلغة عربية سليمة، وفي كثير من الأحيان بالتشكيل ضما وكسرا وفتحا وسكونا وتنوينا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري أن الكاتب عمد إلي اختيار الألفاظ ووضعها في مكانها، حسب شخصياتها فأسلوب كل شخصية يختلف عن الأخري.
دقة الكاتب في اختيار الألفاظ أبعدته عن الوقوع في مصيدة التناص، كما أن اختياره للآيات في القرآن والإنجيل ونسجها في إطار فكري معين يؤكد أن للكاتب رؤية وهدفا يسعي للوصول إليها، كما أن الأصوات العديدة في الرواية والنصوص المقتبس عنها كلها خيوط في يد الكاتب.
الشئ الوحيد الذي يمكن أن تصدق فيه جوليا كريستيفا والذي يحسب علي المؤلف ولعه الشديد والذي يكاد أن يصل إلي درجة العشق بشخصية الزبير التي لم يعشقها حفيد الترجمان ….يتبع
ترجمان الملك (٦)
بين التناص وموت المؤلف
بقية المقال…
أقول أن حفيد ترجمان الملك والذي صار فيما بعد ترجمان الملك ليس وحده هو الذي وقع في غرام شخصية الزبير، ولكن عمر فضل الله أيضا وقع في غرامه وأعجب به أيما إعجاب .
لعل هذا يدفعنا إلي نص ٱخر، ولكنه يتعلق بالسينما، ففي فيلم الرسالة كان مصطفي العقاد مخرج هذا الفيلم العالمي مغرما حقا وواقعا في حب شخصيته الرئيسية، والتي يمثلها البطل عبدالله غيث في النسخة العربية وأنطوني كوين في النسخة الأمريكية، شخصية حمزة بن عبدالمطلب أسد الله.
قد يكون مصطلح التناص هنا صحيحا إلي حد ما، ولكن هذا يدفعنا إلي سؤال أكبر:
ومن من الروائيين لم يحب شخصيات أبطاله؟!
أعترف أنني أيضا كروائي وناقد بأنني أحب أسد الله حمزة والزبير، لأنها نماذج تحب وتعشق.
أعترف أيضا بأنني أحببت كل شخصياتي الروائية وتعاطفت معها. أحببت.سلطان عبدالغني في روايتي الغيبوبة، وأحببت عبدالله المصري في روايتي سارة العسكر وأصداء الخيال، كنموذجين.
أعترف في نهاية مقالتي هذه عن رواية ترجمان الملك للمبدع عمر فضل الله أنني أحببت سنجاتا والزبير وترجمان الملك كما أحببت النجاشي الملك الشاب، ومن قبل كل هذا أحببت الروائي المبدع عمر فضل الله ولعل سلسلة مقالاتي هذه والقادمة منها تلقي الضوء علي رواية أظنها ستخلد في وجدان أدبنا العربي الحديث والمعاصر، ولعل الله قد سخر قلمي لها ليأتي النقاد من بعدي ليوضحوا لي ما خفي عني وليحتفلوا برواية أعدها فتحا جديدا في مجال الرواية العربية ..
الفن محاولة للتعبير عن الحياة وتفسير الواقع ونظرة ذاتية يحاول المؤلف أن يصبغها بالموضوعية، وكثير من الباحثين حاولوا أن يضعوا شروطا للعمل الفني الناجح، مع علم الجميع ويقينهم بأن أول قاعدة في الفن أنه لا توجد قواعد أو شروط في الفن!!
ومع ذلك فإيمان النقاد بأنه مع الفن لا قواعد، لم يمنع كثيرون من محاولة وضع أطر عامة أو تنظيم حدود تنصف العمل الإبداعي الجيد كالحيدة والموضوعية والإبهار وجذب القارئ و…. إلخ من الأطر النظرية والمحاولات العلمية.
وبعيدا عن هذه الاختلافات العلمية والقواعد المزعومة أعتقد أن هناك شروطا ثلاثة قد يتفق عليها النقاد تجعل العمل فنا يستحق الإشادة به مهما اختلف النقاد: الأول أن يثير العمل الذهن بالتفكير وأن يتسم نتيجة لهذا بالعمق، والثاني أن يثير الأحاسيس والمشاعر النبيلة، والثالث أن يصل بك إلي قناعة تامة بأن كل شئ بالعالم يسير وفقا لتخطيط رفيع وحكمة بالغة وأنه لا شئ يحدث بالعالم سدي بل لابد من حكيم خبير يسير شؤون الكون وينظمه ويديره.
الشرط الأول يتوافر في ترجمان الملك بداية من الصفحات الأولي، فأسلوب الكاتب يتوافق تماما مع مفهوم كتاب الدراما والذي يعنون به الخطاف والكلمة ترجمة للفظة Hook وتعني بالإنجليزية الصنارة أو الآلة التي يستخدمها الصيادون لصيد السمك.
خطاف الرواية يتمثل في قدرة الكاتب علي استثارتك وجذبك إلي روايته متذرعا باللغة القوية تارة وباستثارة عاطفة الحب تارة أخري.
يمتلك الكاتب أدواته الروائية جدا فمن لا يستميله الحب تستميله أساليب أخري ككراهية الظلم، وبشاعة القسوة والحاجة إلي الإحساس بضرورة انتصار الحق وقهر الباطل.
سعي الكاتب أيضا لإعمال العقل في كثير من الحجج الفكرية والمناوشات العقلية في أماكن مختلفة من الرواية.
وبالنسبة للشرط الثاني إثارة المشاعر النبيلة لا الغرائز فنجده متوفرا في مواطن كثيرة من الرواية كحب الابن والحفيد ووفاء الابن والأم والزوجة، بل إنني أزعم أن الرواية مترفة بمشاعر نبيلة راقية سامية لن يعرفها إلا من يغوص في الرواية.
أما الشرط الثالث فيتجلي
ترجمان الملك فن حقيقي (٨)
هناك إذا ثلاثة شروط يتفق معظم النقاد علي ضرورة توفرها في العمل الأدبي ليصبح فنا، وأزعم يقينا بأن هذه الشروط تنطبق حقا علي رواية ترجمان الملك للروائي عمر فضل الله وتحدثت عن الشرطين الأول والثاني بضرورة أن تثير الرواية التفكير وأن تستثير المشاعر والأحاسيس، والآن أتناول الشرط الثالث والذي يعني بأن تصل بك الرواية إلي الإيمان بأن هذا الكون له صانع مدبر وحكيم مقدر وإله مبدع مسيطر.
لا أقصد بهذا أن تكون الرواية داعية لأيديولوجية بعينها أو أن تبشر بدين بعينه، وإنما أن تصل بك الرواية إلي القوة الخارقة التي تهيمن علي هذا الكون لتحتمي فيها بضعفك وتفسر فيها عجزك وتشعر في عظمتها بنقصك.
كثير من قرائي قد يتعجبون فهناك أدباء ملحدون وقراء لا يؤمنون بدين أو يعترفون بإله، ولكن هذا لا يعني أنهم ينكرون الموت، ويعترفون ولو خفية بأنه لابد من قوة حقيقية تسير هذا الكون بنظامه الدقيق المحكم.
ولست هنا بصدد بيان فساد فكرهم أو محاورتهم، ولكن يكفيني قوله ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله، ويكفيني إشعار العمل من يقرؤه بالضمير وإشعاره بلذة انتصار الحق وعودة الحق الضائع، يكفيني إحساس المتلقي وشعوره بالفرح لنصرة الحق وإن كان ضعيفا، واندحار الباطل مهما كان قويا جبارا عالي الصوت. فرحة المظلوم باسترداد الحق من سطوة أهل الشر والظلم والباطل.
إحساسك بسعادة البسطاء وترديدهم وأنت معهم وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
يكفيني أن يفرح القارئ مع شخوصه في الرواية والذين تعلق بهم وأحبهم.
يكفيني أن تسيل دموع القارئ علي الضعفاء الفقراء الذين غدر بهم الظالمون ونقضوا معهم العهود كما تكفيني فرحة نبعت من قلوب المساكين الذين لا رب لهم سوي الله فيدعونه ولا إله لهم سوي الجبار فيرجونه ويتضرعون إليه.
لم أتمالك دمعاتي في كثير من المواضع بالرواية، ولكن ثقتي بأنه موجود إله عظيم رب خالق معبود مطلع علي كل شئ عالم بكل نفس يري ويمهل ولا يهمل يعطي ويهب ويمنح البسطاء الضعفاء وينتقم من الظالمين الأقوياء.
الشرط الثالث هذا يتفق تماما مع مفهوم الدراما وتعريفها حسب أرسطو بأنها محاكاة لفعل نبيل تام لها طول معلوم تؤدي ولا تقال و تثير في النفس الشفقة والخوف لدي المتلقين، وهذا بالفعل ما يطلق عليه أرسطو في كتابه فن الشعر التطهير Catharisis.
وتلمح بالرواية في معظم شخصياتها رئيسية كانت أم ثانوية…
ترجمان الملك (٩)
المؤثرات الفنية في رواية ترجمان الملك للروائي السوداني المبدع عمر فضل عمر فضل الله كثيرة ومتنوعة، لدرجة تدفعني ليس فقط إلي إبداء الدهشة، ولكن أيضا إلي مزيد من التعجب والتساؤل عن قدرات الكاتب علي حشد كل هذا الكم من المؤثرات في رواية واحدة!!
كنت في عام ٢٠٠٦ أعد كتابا بعنوان الدراما في الراديو والتليفزيون ثم أعادت دار عالم الكتب المصريه نشره في عام ٢٠١١ بنفس العنوان، وكنت قد كتبت فيه جزء كبيرا عن المؤثرات الدرامية في الرواية، فإذا بي وأنا أقرأ ترجمان الملك في ٢٠١٩ أكتشف أن عمر فضل الله قد جمع كافة هذه المؤثرات بعبقرية فذة وقدرة هائلة تجعلني أضع هذه الرواية في مصاف الروايات العربية الكبري.
يذكر تيم كروك Tim Crook أن من أهم المؤثرات الدرامية التي تجذب الجمهور إلي أي عمل درامي المفاجأة، وإثارة روح المرح والدعابة والتوتر.
نبدأ أولا بالمفاجأة، فالرواية حافلة بكم كبير من المفاجآت والحوادث غير المتوقعة والتي برع الكاتب في أن يصدمنا بها، فعلي سبيل المثال لا الحصر نعرف أن والد الصبي راوي القصة غير موجود ويظن الجميع أنه قد مات، ولكننا نفاجأ في نهاية الرواية بأنه علي قيد الحياة، وعندما تتم مطاردة تاجر العبيد ويتم القبض عليه نفاجأ بأنه والده.
المفاجآت عديدة وكثيرة بالرواية، وقد تنشأ هذه المفاجآت بالصدمة عندما تكون علي غير توقعنا، فمن يتخيل أن يتم أسر ابن الملك وأن يباع في سوق العبيد وأن يضرب أو يهان؟! من يتوقع أن يحمي الملك النصراني مهاجري الإسلام الأوائل إلي الحبشة وأن يدخل في صراع مع الكهنة؟!
المؤثر الدرامي الثاني يتمثل في إثارة التوتر الذي يطل علينا برأسه من أول الرواية وحتي نهايتها، وهو ما يطلق عليه أساتذة الدراما خلق روح التشويق واستخدام حججه المختلفة لجذب القارئ وربطه بالرواية.
روح التشويق بترجمان الملك ترتبط ارتباطا عضويا بالبناء الدرامي المحكم الذي بناه المؤلف بداية بفكرة قوية تلتحم بشخصيات رسمها بقدر بالغ من المهارة مرورا بحبكة قوية وصراع أكسبها زيا براقا يشد القارئ من بداية العمل فيظل متابعا له حتي آخر جملة من جمل الرواية.
التوتر يسيطر علي القارئ لا من أجل معرفة ما سيحدث فقط، وإنما لأنه يرتبط بالشخصيات التي يحبها ويخاف منها وعليها.
الخوف من الشخصيات ينبع من أن تسلك سلوكا خطأ فتحاسب عليه والخوف عليها من تدبير الشخصيات العدائية ومن ثم نظل في حالة حيرة وقلق
ترجمان الملك (١٠)
المؤثرات الدرامية في الرواية
لم يكتف الروائي عمر فضل الله في روايته بالمفاجأة وإثارة روح التوتر والترقب فقط كمؤثرات درامية، ولكنه لجأ إلي استخدام مؤثرات أخري سنتحدث عنها بالتفصيل هنا، وذلك بالإضافة إلي مؤثراته الخاصة بالأسلوبية والدلالية ناهيك عن الشكلانية المفرطة التي تميز الرواية من بدايتها، والتي سنفرد لها دراسة مستقلة فيما بعد وأرجو من النقاد أن يتناولوا هذه الجوانب في دراسات تالية.
أجمل المؤثرات الدرامية الخمسة التي برع عمر فضل الله فيها كما يلي:
أولا الحوار المؤثر والحي والذي يصل في بعض الأحوال إلي أن يكون نابضا بالحياة، والكاتب في هذا يتميز بتطبيق نظرية بيتر مايوكس
Peter Mayeux
حيث يحافظ الكاتب علي الحوار فيبدو وكأنه طبيعي مناسب للشخصية، وتحس بأن الشخصية تتحدث بتلقائيتها وكأن شلالا من الكلمات يخرج منها، والحوار في الرواية لا يعبر عن طبيعة الشخصيات فحسب، ولكنه يعبر أيضا عن تكوينها السيكولوجي والسيسيولوجي، فناهيك عن حيويته تجده دافعا للأحداث وموحيا بالجو النفسي في إطار بناء فريد يجيده الروائي فتشعر لا بنبضات قلب الشخصيات ، وإنما بنبضات قلبك تترقب ما سيحدث. الحوار أيضا دافع للتشويق والاختلاف في البناء الدرامي، فحوار الطفل ولغته يختلفان عن لغة الملك وألفاظ العبيد تختلف عن ألفاظ تجار الرقيق والساحرات، ولغة المسلمين المهاجرين الأوائل تختلف عن لغة الكهنة والقساوسة ناهيك عن مظهرهم وسلوكياتهم.
الحوار طبيعي وتلقائي مناسب لطبيعة المواقف ذو رتم مختلف وتراكيب لغوية فريدة.
ثانيا التشويق المتوازي وهناك أكثر من معني له حيث لا يعني فقط توقع سير الأحداث لكل شخصية علي حدة، بل يقصد به خلق تشويق نابع من التباين لا في طبيعة الشخصيات فحسب، أو التنويع في الإيقاع الدرامي للأحداث فحسب، ولكن الرتم العام للأحداث والشخصيات في آن واحد، ويقصد بعض نقاد الدراما بالتشويق المتوازي الذي طرفاه القارئ كقارئ ومتوقع، فإن صدقت توقعاته مع ما سيره المؤلف من أحداث فرح واستبشر وواصل القراءة، وإن حدث العكس واصل قراءته متشوقا ليعرف الأسباب والمبررات. يذكر بعض النقاد في هذا الصدد أن التشويق المتوازي يحدث لتعارض الشخصيات ما بين طيبة وشريرة، متفائلة ومتشائمة، سعيدة وحزينة، رئيسية وثانوية، والكاتب يصهر كل هذا ببوتقة واحدة ينتج عنها تشويق متواز، والرواية ممتلئة بأمثلة لا مجال لشرحها
الطريقة الموصلة للطريق – من رواية رؤيا عائشة
الطريقة الموصلة للطريق
قرأ في الفتوحات: لَوْ عَلِمْتَهُ لَمْ يَكُنْ هُوَ وَلَوْ جَهِلَكَ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ فَبِعِلْمِهِ أَوْجَدَكَ وَبِعَجْزِكَ عَبَدْتَهُ فَهُوَ هُوَ لِهُوَ لَا لَكَ وَأَنْتَ أَنْتَ لأنتَ وَلَهُ. الدَّائِرَةُ مُطْلَقَةٌ مُرْتَبِطَةٌ بِالنُّقْطَةِ والنُّقْطَةُ مُطْلَقَةٌ لَيْسَتْ مُرْتَبِطَةً بِالدَّائِرَةِ. نُقْطَةُ الدَّائِرَةِ مُرْتَبِطَةٌ بِالدَّائِرَةِ.
أصابت فتوحات الشيخ من قلبه مقتلاً وأدارت رأسه أياماً عديدة فجعلته يقلب وجهه في سماء الغار ويدير طرفه في قبلة تقلب الأقدار يغوص في المرامي ويسبح في المعاني لكنه أيقن أن ذلك لن يكون إلا حين يلتحق المقيد بالمطلق فتنفتح له نافذة من الفيوض الإلهية. لكنه لم يتخل عن رجائها فقد سلبت لبه خواطر الحاتمي فعكف عليها وأعجبته مؤلفات أبي حامد فاتخذها مرجعاً ونبذ غيرها، وفي كترانج اعتكف في المسجد يرتشف (قطر الندى) ويتحلى بـ(شذور الذهب) فأطلقت لسانه وصوبت بيانه، لكن ذلك الشيخ الذي في المسجد بقي يراقبه فرأى فيه توقاً للتعلم وحباً للقراءة، فجلس معه وأرشده إلى (رسالة) القيرواني و(جوهرة) اللقاني. وسرعان ما عكف عليهما الفتي الظاميء للمعرفة فالتهمها التهاماً وحثه ذلك الكسب في التوحيد والفقه على أن لا يبرح حتى يبلغ قاهرة الفاطمي فيصبح أزهرياً أو يمضي حقباَ. فعل ذلك بحماسة الشباب واندفاع الطلاب. لكنه ما كاد يبلغ غربي بربر حتى طاب له المقام عند خلوة الشيخ محمد الخير بالغبش، ذلك أنه عثر فيها على (الإحياء) فبدا له أنه وقع على ضالته التي طالما سمع عنها في كترانج وعبثاً بحث عنها فما وجدها إلا عند محمد الخير فاختلس الإحياء وانفرد به منزوياً عن الناس في خلوة لا تمل. وسرعان ما افتقده شيخ الغبش حين لاحظ غيابه عن المسجد والجماعة، ولما سأل عنه الحيران والجيران، وما أفادوه بشيء طفق يبحث عنه بنفسه في كل مكان، حتى وجده أخيراً في ركن من الأركان منقطعاً بالإحياء عن الأحياء، فراعه ذلك وأزعجه، وانتزع الكتاب من يد الفتى، خوفاً عليه، ثم أمره في لهجة حازمة، ألا يقترب من هذا السِّفْر، إلا بعد أن يتمكن في علوم التوحيد ومعرفة العلاقة بين الله والعبيد. قال له:
– إن أردت طريق الأنبياء والأولياء فعليك بالتزام نهجهم وسلوك طريقهم. ولن يفيض النور على قلبك بمجرد مطالعة الإحياء!
– وبماذا يفيض إذن؟
– بالتفقه أولاً ثم بالزهد في الدنيا ثانياً والتبري من علائقها وتفريغ القلب من شواغلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى فمن كان لله كان الله له. وأما الإحياء فهو منتهى سلوك المريد.
– أرشدني أرشدك الله.
– ابدأ بمعرفة التوحيد فهو غاية المرام، ثم عليك بفقه مالك لتعرف الحلال والحرام، ثم اقطع علائق الدنيا الدنية، وفرغ قلبك منها بالكلية، واقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن، وعن العلم والولاية والجاه فذلك من حسن الفطن.
– وماذا يحصل إن أنا فعلت ذلك؟
– يصير قلبك إلى حالة يستوي فيها وجود كل شيء وعدمه. ثم تخلو بنفسك في زاوية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب الباقية وتجلس فارغ القلب مجموع الهم ولا تفرق فكرك بقراءة قرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديث ولا غيره بل تجتهد أن لا يخطر ببالك شيء سوى الله تعالى، فلا تزال بعد جلوسك في الخلوة قائلاً بلسانك: الله الله على الدوام مع حضور القلب حتى تنتهي إلى حالة تترك تحريك اللسان وترى كأن الكلمة جارية على لسانك ثم تصبر عليها إلى أن يمحي أثرها عن اللسان وتسري في الأبدان وتصادف قلباً مواظباً على الذكر ثم تحافظ عليه إلى أن يمحي عن قلبك صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلام وتصريفه ويبقى معنى الكلمة مجرداً في قلبك حاضراً فيه كأنه لازم له لا يفارقه فتكون بما تفعله متعرضاً لنفحات رحمة الله فلا يبقى إلا الانتظار لما يفتحه لك من رحمة كما فتحها على الأنبياء والأولياء بهذه الطريق وعند ذلك إذا صدقت إرادتك وصفت همتك وحسنت مواظبتك فلم تجاذبك شهواتك ولم يشغلك حديث النفس بعلائق الدنيا تلمع لوامع الحق في قلبك.
صمت صاحبنا صمت القبور، فقد فهم نصيحة الغبشاوي لكنه كان قد أكمل قراءة الإحياء قبل ذلك فلم تنفع معه النصيحة ولا سلوك الطريقة الصحيحة. فهاجر إلى (أم مرحى) ليسلك الطريقة السمانية على شيخها محمد شريف نور الدائم، وهناك عثر على كنز من كنوز علم الباطن، فقرأ لأحمد بن إدريس وحين تعرض للفتوحات المكية عرف أسرار المهدية فرسخت في أعماقه واستقرت في آماقه. وجمع بين اللغة والفقه والفكر والزهد. وانقطع للعبادة الخاشعة والإخبات. ولازم شيخه يطحن له غذاءه بيده ويطبخ له طعامه تزلفاً إليه وتقرباً ويلازم الصوم والعبادة حتى أجازه شيخاً للطريقة السمانية لكن أخويه جاءا وألحا عليه أن يعود معهما ليعمل في صناعة المراكب وليجمع بعض المال فيتزوج ابنة عمه فاطمة بنت حاج فقد كبرت ونضجت واستدار عودها والتف جسدها. لم ترق له الفكرة البتة لكنهما ما زالا يحسنان له صورتها حتى عاد معهما إلى الخرطوم فتزوجها.
وفي ليلة الدخلة رأى الرجال والنساء يرقصون مختلطين فمنعهم من الرقص وأغضبهم ذلك فانصرفوا وتركوه. وبقي وحيداً لا يختلط بالناس ولا يخالطونه. ثم ترك صناعة المراكب مرة أخرى وانقطع عن العمل وبقي مع ابنة عمه. وفي هذه المرة لجأ شقيقاه إلى زوجته لتعينهما عليه فبقيت تهجره ليقبل نصحها ويسير طوع إرادتها لكنه لم يكترث لذلك.
وفي يوم وجدته يقرأ القرآن فانتزعت المصحف من يده وألقته على الأرض فطلقها وخرج غاضباً. وافتتح خلوة لتعليم الغلمان القرآن الكريم لكنه لم يصبر على ذلك فتركه وغادر إلى الجزيرة أبا فتزوج فاطمة ابنة أحمد شرفي. وبقي يختلف إلى شيخه محمد شريف بالمرابيع القريبة من الجزيرة أبا.
حين خرج من الخرطوم كان يذكر أيامه وهو يسير في شوارع الخرطوم فيرى أنه غريب في هذه المدينة التي تعج بالأجانب فهؤلاء الترك الكذابون مكنوا للنصارى الملاعين يفعلون بالخرطوم ما يشاءون .
قال لي يوماً:
– تعلمين يا عائشة أن الترك بعدما دخلوا بلادنا أباحوها للنصارى ولأعوانهم من دول الغرب فجلبوا النصرانية إلى بلادنا ففي حمى هذا المقدوني محمد علي دخلت الكنيسة الكاثوليكية وجاء المنصرون والقساوسة والرهبان متدثرين بثياب المكتشفين والفنيين العسكر فعملوا على تنصير الأهالي رغم أن قوانين الترك كانت تقول “لا يجوز إقامة أي إرسالية تبشيرية شمال خط عرض 10درجة شمال خط الاستواء في أي جزء من السودان المعتبر مسلماً من قبل الحكومة “إلا أن حكامهم سمحوا ببناء الكنائس في بلاد المسلمين وفي قلب المدن وفي مواقع هامة وبمواصفات هندسية وجمالية عالية، تذهب بالقلوب والأبصار كما أقاموا الإرساليات في مديريات كردفان في منطقة جبال النوبة، ولم توضع قيود على استيراد وتوزيع وبيع الإنجيل كتاب النصارى.
قال لي:
– حين كنت في الخرطوم يا عائشة رأيت القسيس الإيطالي اللازاري (لويجي مونتوري) الذي هو من جمعية الآباء البيض الذي قيل إنه حين جاء إلى الخرطوم في يوليو 1843م، أنشأ كنيسة كاثوليكية في الخرطوم وألحق بها مدرسة، وكذا المطران الايطالي (دانيال كمبوني) الذي أتم بناء الارسالية الكاثوليكية بالخرطوم سنة 1878م. وقبل ذلك بعام واحد رفعته الكنيسة إلى درجة أسقف اعترافاً بصحة مشروعه ونشاطه.
كنت أسير على شاطيء النيل في الخرطوم فأسمع أجراس الكنائس وهي تدق جرس (السلام عليك يامريم). والخرطوم تعج بأساقفة الكنائس والراهبات. البعثات التنصيرية احتلت أجمل المواقع على شاطيء النيل وأنشأت الحدائق وزرعت أشجار النخيل أمام باحة الكنيسة. وبقيت تقيم الاحتفالات الكنسية كل ليلة. حين كنت أسير في ذلك الطريق أرى القسيس (ألويس بونومي) و(هانسل) قنصل النمسا و(ليقناني) قنصل إيطاليا يجلسون على الشاطيء. ثم أسير قليلاً فيقابلني القسيس كمبوني (توفي 10 أكتوبر سنة 1881) الذي اعتاد أن يتمشى على الشاطيء وهو في الخمسين من عمره. كانوا يتجمعون كل ليلة فيقيمون الليالي الساهرة. وكان يحضر تلك الاحتفالات (ماركوبولي بك) والدكتور (تسور بوخن) و(ماركيت) وكانت هناك امرأة رحالة متجولة اسمها (جين شوفر) تنطلق رحلاتها من الخرطوم إلى مجاهل افريقيا. كنت ألمحها تذرع الشاطيء نصف عارية وقد جدلت شعرها جدلتين وربطت وسطها بقطعة قماش وهي تسير غير مكترثة لأحد ولا عابئة بمن حولها. وفي أحيان أخرى كنت تراها جالسة تدون وتكتب.
قالت عائشة:
زعم الكذابون أن الشيخ محمد شريف كان يحرضه على دعوى المهدية ويحسنها في عينه ويثني عليه لكنه حين صدق هذه الدعوى وقبلها وأشربها في روحه أنكر عليه محمد شريف وأصدر منشوراً إلى أتباعه يقول فيه إنه عزل محمد أحمد من الخلافة وأبعده عن طريقته نظراً للدعاوى الكاذبة بالمهدية ليتوصل بذلك إلى الرياسة والملك. وأنا أعلم أن محمد احمد ما كان من طلاب الرياسة ولا الدعاة للملك يوماً! فمن الذي كتب على لسان الشريخ شريف للتحريض على تلميذه ثم نسبه إليه؟ أم كان شيئاً ملفقاً ومنسوباً إليه أم أنه كتبه بالفعل تحت التهديد والوعيد أم أنه كتب بالفعل خطاباً ولم يتضمن كل ذلك ثم زادوا فيه بالإضافة والحذف يا ولدي؟ مازلت حائرة فلم يقبل عقلي كل هذا ولا إن طال بي العمر أن أعلمه.
قالت لي:
زعموا أيضاً أن أن الشيخ شريف قال عن الخليفة: (في سنة 1295 جاءني رجل من البقارة يروم سلوك الطريقة السمانية على يدي فلقنته أورادها ومكث ملازماً لخدمتي وأخبرني أنه جاء مع والده من بلاد (الكلكة) جنوب مقاطعات دارفور قاصدين الأقطار الحجازية لتأدية فريضة الحج وأنهما فقيران لا يملكان غير عجل من البقر ذللاه بزمام وامتطياه على مألوف عادة أهالي تلك البلاد ولما وصلا إلى بلاد الجُمَعِ من تخوم كردفان الشرقية مات أبوه ولحق به العجل فأقام بمنزلي نحو عامين فكان أكثر كلامه معي قوله إنك المهدي المنتظر من ارتاب في ذلك فقد كفر فكنت أنهاه عن هذا القول ولا ينتهي. وفي ذات يوم قلت له أنا لست مهدياً وأبغض شيء إلىَّ سماع هذه الكلمة التي لا يسير بها غير تلميذي الذي طردته محمد احمد وقلت له على سبيل السخرية والازدراء إذا كنت ممن يتوقعون ظهور المهدية فعليك به وفي اليوم التالي سألت عنه فلم أجده وأخيراً علمت أنه لحق بمحمد احمد المتمهدي وهو في الحلاوين يشيد قبة الشيخ القرشي وأنه حينما وقعت عينه عليه خرَّ على الأرض مدعياً أنه أغمي عليه وبعد حين رفع رأسه فسأله الحاضرون عن سبب إغمائه فقال نظرت أنوار المهدية على وجهه فصعقت من شدة تأثيرها على حواسي ومن ثم صاحبه وعاد معه إلى جزيرة أبا وكان الدناقلة أقارب المهدي يضطهدونه ويزدرونه وهو يقابلهم بالحلم والصبر حتى أفضت إليه الخلافة فانتقم منهم شر انتقام)..
– وهل هذه الرسالة صحيحة يا أمي؟
– كلها كذب وافتراء .. والشيخ شريف لم يكتب حرفاً واحداً منها بل كتبها هؤلاء الأتراك الكذابون ونسبوها إلى الشيخ شريف وهو منها براء. هؤلاء المنافقون لم يجدوا وسيلة للإساءة إلى محمد احمد إلا وفعلوها وفي هذه المرة ركبوا ظهر التعايشي ليصلوا إلى الإساءة إلى محمد احمد. ياللعار.
– لكن ما الصحيح في حكاية التعايشي يا أمي؟
– إليك ما أعلمه من قصة اجتماع التعايشي مع محمد احمد. فهي تدل على حيلته ودهائه ومكره. كان عبد الله موقناً أنه سيقابل المهدي فكرس حياته لهذا الأمر وسبب يقينه هو أن والده الرجل الصالح قال له قبل وفاته أنه سيلتقي بالمهدي وحدثه بصفاته وعلاماته ثم اشتد يقينه لما أقام بمنزل الشيخ شريف نحو عامين سمع منه أنه طرد تلميذاً اسمه محمد احمد حين كان من حوله يشيعون بأنه هو المهدي ثم انتقل عبد الله إلى الشيخ القرشي فسمع من حيرانه أن المهدي المنتظر سينبثق من بين صفوفهم وأن الشيخ القرشي قد أومأ بالمهدية لمحمد احمد فقرر أن يبحث عنه ويتبعه.
جاء عبد الله إلى حيث محمد احمد. وحين وصل نظر إليه طويلاً دون أن يكلمه. اتسعت عيناه دهشة مثل من رأى ملكاً أو شيئاً خارقاً. أغشي عليه وسقط على الأرض كالنخلة اليابسة. المنتظر ظن أن الرجل مصاب بالصرع، لكنه عجب أنه لا يتشنج كالمصروع. ثم أفاق. وصار يستغفر الله. قال له أنت نوراني. أنت أنت هو المنتظر. قالها وهو يرتعش بعدما أفاق من الغشية.
محمد احمد نظر إليه ثم انصرف عنه. دخل خلوته للاشتغال بالحق عن الخلق.. استعاذ بالله من الفتن. سأله أن يجعله من الناظرين بنور البصائر. تذكر حديث التعايشي معه قبل سويعات.. كان يعلم أنه فعل نفس هذا مع الزبير باشا حيث قال للزبير: أنت هو المنتظر! وأنا سأكون من أتباعك المخلصين لك. وسأله الزبير: كيف عرفت ومن الذي أخبرك؟
فقال عبد الله: عرفت ذلك بالإلهام والكشف والفيض الإلهي! وهو مكتوب في وجهك وعلى جبينك ولا يراه إلا أصحاب الكرامات. فعلم الزبير أن هذا الرجل كذاب كبير وأنه يزكي نفسه!
الزبير كذبه أمام الحاضرين في المجلس وقال لهم اقتلوه. لكن مستشاريه في ذلك المجلس لم يقروا قتله لمجرد القول وقالوا له هذا الرجل (غرقان) فصدقهم وأطلقه لكنه قال له: لا تعد إليَّ مرة أخرى ولو رأيتك بعدها قتلتك. فتركه عبد الله وذهب يبحث عن المنتظر.
لكن محمد احمد ترك شيخه وذهب إلى الشيخ القرشي الذي كان طاعناً في السن. الشيخ القرشي كان من تلاميذ الشيخ أحمد الطيب جد الشيخ محمد شريف. فأدخله في الطريقة وجدد له الإجازة بالخلافة بل وبرر له دعوى المهدية وأخذ يشهد له بالسيرة الحسنة ويقول للناس إنه علم أن محمد احمد هو المهدي فقد علم ذلك بطريق المكاشفة والإلهام ثم نصح محمد احمد بالسياحة في الأرجاء ليستطلع آراء الناس ويأخذ عليهم العهود بنصرته ومؤازرته حين يعلن دعوته للناس.
كان أهالي كردفان هم أكثر الناس استعداداً لتصديقه واتباعه لما رأوه من ظلم الأتراك وجورهم ولكراهتهم للحكم القائم.
بعد ذلك عاد محمد احمد من الحلاوين محل الشيخ القرشي إلى الجزيرة أبا حيث زوجته فاطمة أختي. وهناك علم بوفاة الشيخ القرشي وأنه ترك وصية تقول: (إن زمن ظهور المهدي المنتظر قد حان وان الذي يشيد على ضريحي قبة ويختن أولادي هو الإمام المهدي المنتظر)!
في الحال جمع محمد احمد ثلاثمائة من أتباعه وذهب إلى الحلاوين فبنى القبة من الطوب الأخضر (اللبن) وختن أنجال القرشي فضمن بذلك أن يكون هو المهدي.. قال الناس إن ما فعله المهدي كان حقيقياً لكن الذي ربط حكاية قول الشيخ القرشي بختان الأنجال وبناء الضريح وعلاقتهما بمهدية المهدي هو رجل مدعٍ ويتهمون الخليفة بذلك. بل ويتهمون الخليفة بأفعال كثيرة والمهدي منها بريء.
الروائي العالمي عمر فضل الله يخص “الجوهرة” بمقابلة بعد صدور روايته “أنفاس صليحة” “2-2”
عمر فضل الله: ذاكرة المكان ارتباطها بالتاريخ هي مثل النسيج في الثوب كلما اتسعت رقعته وتنوعت ألوانه ازداد جمالاً
أعمال عمر فضل الله لا علاقة بين شخوصها وشخصية الكاتب
هذا ليس زمان الشعر.. وذلك لا يعني أنني طلقته فهو يعيش في حنايا العروق
حاورته: احلام مجذوب
ربما كان الدخول فى عالم الروائي عمر فضل الله مخاطرة، والسؤال حول تاريخ الرواية، وملامحها ومشكلات الكتابة وكيفية معالجتها، تدخلنا فى دهاليز متشعبه من ثقافة وألق تسكن الراوي تجعلنا نقف جميعا ونرفع القبعات تقديرا وعرفاناً لرجل بقامة وطن، دون مجاملة ولا مواربة المهمة مربكة والمواصلة فيها نوع من المجازفة، لكنها شديدة الإمتاع خاصة مع هذا الكم الهائل من التشويق والإثارة الذى يمتلكه هذا الروائي الفذ.
لماذا تحرص في أعمالك على تعميق الفضاء المكاني والتكريس له؟
أنظر للمكان نظرة شاملة وكلما اتسعت الرقعة المكانية اكتسى الحكي معرفية ثرة وعميقة، وفي تقديري أن هذا ينطبق على السفر أيضاً فكلما سافر الإنسان وساح في الأرض يجد مراغماً كثيراً وسعة وتتسع آفاقه وتزداد معارفه. وبالعودة للسرد والحكي ويعتقد الراوى أن الفضاء المكاني هو مسرح الرواية وأن ذاكرة المكان في ارتباطها بالتاريخ هي مثل النسيج في الثوب كلما اتسعت رقعته وتنوعت ألوانه ازداد جمالاً. لكن جمال مثل هذه الثياب يتوقف على قدرة الحائك وبراعته فهو ينصح كل كاتب أن لايتوسع في الفضاء المكاني إلا إن درسه بعمق وعرفه بخبرة ودراية وإلا لانخرق في يده واتسع الخرق على الراقع.
اختلف النقاد حول أعمالك فقد كتبوا في أنفاس صليحة أن الرواية تعالج المشكلة الأساسية التي عالجها من قبل عدد من الكتاب وأنها المشكلة ذاتها التي عبر عنها الرواي العالمى باولو كويلو في روايته الخيميائى وساحروبورتبيلو ومكتوب ومحارب النور وعند النرويجي جوستاين غاردر فى روايته عالم صوفي والكاتب الاسبانى لانزا ديل فاصتو فى روايته الحج الى الينابيع وقصدوا بذاك مشكلة الصراع كيف ترى ذلك؟
على افتراض أن ما أوردته هو صحيح ألا ترى أن إخراج عمل أدبي سوداني يعالج مشكلة الصراع هو في حد ذاته إضافة للأدب العالمي؟ لكني لا أتفق معك في الفرضية آنفة الذكر لأنني أعتقد أن “أنفاس صليحة” هي عمل غير مسبوق من حيث كونها كتبت في العجائبيات بطريقة مختلفة عما كتبه باولو كويلو أولانزا ديل فاصتو وغيرهما ونحن سبقنا هؤلاء الأدباء منذ القديم حين كتب ود ضيف الله عمله (الطبقات) الذي أعتبره عملاً أدبياً في المقام الأول فقد كتب عن العجائبيات لأجل صناعة الدهشة بينما تعتبر رواية أنفاس صليحة حلقة ضمن سلسلة أعمال في الرواية المعرفية التاريخية كتبت للتنوير المعرفي، وفي الوقت نفسه يعتبرها النقاد سابقة في العمل الأدبي الذي يمزج الخيال بالحقائق التاريخية دون أن يتغول عليها أو يفسدها، وسوف تجد أن كل حلقة لها أسلوبها المتفرد وشخصيتها المتميزة في معالجة التاريخ السوداني الممزوجة فيه الحقائق بالخيال والمتعة والحبكة والروي ضمن مشروعي الثقافي المعرفي المتكامل.
ذكرت كيف تأثرت الناقدة الكبيرة دكتورة زاهية أبوالمجد برواياتك حول تحليل دقيق للسردية المعرفية وقلت عنها إنه تحليل سابق لأوانه وأن المقال يصلح قاعدة لتحليل أعمالى ورواياتى المعرفية وضح لنا ذلك؟
تمكنت الدكتوره زاهية – وهي التي قرأت كل أعمالي الأدبية تقريباً- وخاصة بعد اطلاعها على مسودة آخر أعمالي غير المنشورة – من تقييم هذه الأعمال كأنموذج سوداني ناجح، للرواية المعرفية التي تجمع بين الحقيقة والتخييل كطريقة مبتكرة لتقديم التاريخ بصورة سهلة الهضم، كما لاحظت أيضاً أن بعض الشخوص التي استحدثتها في رواياتي هي مجرد شخصيات خيالية لكن الوقائع الممثَّلة في التخييل ليست كلُّها بالضرورة متخيلة، وأنها مؤسسة على وقائع تاريخية مؤكدة، تم من خلالها استغلال فراغات التاريخ وفجواته لإدخال شخصيات وأحداثا مستوحاة من خيال المؤلف. وأن عنصر التخييل في روايات عمر فضل الله يسير جنباً إلى جنب في نسيجه السردي وسداه مع الحقيقة التاريخية لكنه لا يمنحه الهيمنة الكاملة بل يجعل منه مجرد عنصر مساعد فقط لتمكين الحقائق التاريخية في ذهن القاريء عبر السرد، وأن له القدرة على مزج التخييل التاريخي والعجائبي والذاتي مع الحقيقة التاريخية في نسيج متميز ينتج لنا روايات عمر فضل الله المعرفية. وأن نجاح أعماله يكمن في قدرته على شرح علاقة السرد كخطاب بالمعرفة كتجربة وذلك لكون آلية التخييل التي تعيد بناء التجربة النوعية وتسريدها من خلال نصٍّ تعاقُبيٍّ في الحبكة الروائية المتصلة تقوم بتحريك التاريخ وتقديمه للقاريء ليس باعتباره تجربة ماضية منقطعة، بل باعتباره فكرة دائمة التدفق شاخصة في الزمان وشاهدة على أحداثه من خلال الرواية المعرفية وأن عبقرية المؤلف تتجلى في سرد الحبكة الروائية التي تستعير أحداث الماضي وتخرجها من سياجها الموضوعي والزماني لتطلقها في فضاء الحاضر متكئة على إمكانات المؤلف المعرفية وتقنياته الكتابية، وملكته اللغوية، وتدمج كل ذلك في إشكالات الحاضر وهمومه وربطه كل ذلك بأسئلة الهوية السودانية.
قال الطيب صالح أن لاجدال في أن النص الأدبي ليس سجلاً لسيرة الكاتب ولا ينبغي لها أن تكون. هل ينطبق هذا الكلام معك؟ ومارأيك؟ وإلى أي مدى تقترب منك شخوص رواياتك أم أن ماتكتبه بعيد عنك كل البعد.
هذا الأمر يختلف باختلاف الكتاب فبعض الروايات تكون مجرد اسقاطات نفسية لمغامرات وتجارب بعض الكتاب، حيث تتجلى فيها شخوصهم في شخصية أبطال الرواية لدرجة أن بعضهم يعيش في الوهم ما يعجز عنه في الحقيقة وخاصة مغامراتهم مع النساء أو بطولاتهم المتوهمة فيسجلها في أعماله الروائية أما الروايات الناضجة فليس بالضرورة أن تتماهى شخوصها مع شخصية الكاتب أو تعبر عنها بأي حال من الأحوال. وعلى كل حال فإن أعمال عمر فضل الله لا علاقة بين شخوصها وشخصية الكاتب إلا في ذهن القاريء فقط حين يحاول المقارنة أو المقاربة عبثاً لكن يبقى المؤلف هناك متميزاً ومستقلاً عن أبطال أعماله. فقط يسكب بعضاً من روحه في العمل الإبداعي ليمنحه النكهة الخاصة.
لك ديوان شعر: (زَمَانُ النَّدَى والنَّوَّار) و(زَمَانُ النَّوَى والنُّوَاح)، وغيرهما ألا ترى أن الرواية أخذت منك كثيراً وهزمت الشعر، ربما يظن بعضنا ذلك؟
يوجد في زماننا هذا شعراء وشاعرات أضافوا وأضفن للإبداع الشعري الكثير وكما تعلمون فقد بدأت بكتابة الشعر لكنني انتقلت لكتابة الرواية حين علمت أن هذا ليس زمان الشعر فالرواية مقروءة ومطلوبة من أجيال هذا الزمان أكثر من الشعر غير أن ذلك لا يعني أنني طلقت الشعر فهو يعيش في حنايا العروق.
قمت بتحقيق كتاب الفحل الفكي الطاهر: (تاريخ وأصول العرب بالسودان)،لماذا ..؟
كتاب «تاريخ وأصول العرب بالسودان» الذي ألفه الفحل بن الفقيه الطاهر وجمعه في آخر عمره، يعتبر من المؤلفات السودانية القليلة في تاريخ العرب بالسودان، التي كتبها مؤرخ سوداني، فلم يصدر قبله إلا عدد قليل من المؤلفات التي تنسب إلى مؤرخين سودانيين، مثل الدكتور مكي شبيكة والأستاذ الدكتور يوسف فضل حسن، ذلك أن معظم المؤلفات في تاريخ السودان كتبها مؤرخون مستشرقون، أو باحثون أجانب أو كتبها مؤلفون عرب من غير السودانيين من المبتعثين للتدريس في الجامعات بالسودان أو الذين تعرضوا للدراسات السودانية بحكم عملهم ووظائفهم وقد كتبت معظم هذه المؤلفات إبان الاستعمار الإنجليزي للسودان أو بعيد الاستقلال بفترة قصيرة. وأن كتاب الفحل قد بذل فيه جهدا كبيرا في جمع مادة الكتاب حيث سافر المؤلف إبان شبابه إلى كثير من القرى والأمصار وقابل الثقات ونقل عنهم، فأخذ بذلك من مصادر نادرة انفرد بها.
وكان هدفي الأول هو أن يظل هذا الكتاب في متناول الجميع بعد أن نفدت نسخ الطبعة الوحيدة منه منذ ما يقرب من أربعة عقود واختفت من المكتبات، ولم يقم أحد بإعادة طباعتها رغم أهمية هذا المرجع الذي لا غنـى لمن يدرس أو يبحث أو يكتب في تاريخ وسير وأنساب العرب بالسودان، بل لا غنـى لمن يكتب في تاريخ السودان عنه.
وكنت قد اطلعت على هذا الكتاب منذ عدة عقود، ولاحظت الطباعة السيئة والإخراج الرديء الذي لا يليق بهذا السفر النفيس، رغم أن من طبعه في ذلك الوقت قد بذل الجهد بما تيىسر له، كما لاحظت أنه لم ينل حظه من الدراسة والتحقيق بما يليق به فكان ذلك أول ما حفزني لإعادة جمع وإخراج وطباعة الكتاب فهو يوثق لأصول القبائل العربية في السودان، ويدعو لصلة الأرحام مثلما أراد مؤلفه الفحل رحمه الله. وقد نوهنا في المقدمة أنه ينبغي ألا يفهم من هذا إحياء لنعرة عنصرية أو قبلية أو جهوية أو تفضيل عنصر على غيره فإن السودان مليء بالقبائل غير العربية وهي قبائل ذات فضل كبير ونسب عريق ومقام رفيع وقد كتب عنها المؤرخون وأفردوا لها المصنفات ولا مجال للمفاضلة بين قبيـلة وأختها فقد ذهـب هذا العهـد الجاهلـي وانقضى. وأن من اقتنى هذا المؤلف لقصد إحياء النعرات أو المفاخرة بالقبائل والآباء فإننا ننصـحه ألا يمضي قدماً في القراءة فهذا الكتاب ليس له ولن يجد ضالته فيه.
كتاب (حرب المياه على ضفاف النيل: حلم اسرائيلي يتحقق)، لعله بعد آخر لمشروعك الكتابي كيف تراه؟
هو دراسة للصراع حول مصادر المياه التي تعتبر من أهم الدراسات في هذا العصر تناولت فيه مشكلة الصراع الاستراتيجي حول مصادر مياه النيل وتدخل اسرائيل المباشر لإدارة الصراع وتوجيهه لمصلحتها وتأثير ذلك على علاقات الدول المشاطئة، وما ينجم عن الصراع من توترات وآثار كما ناقشت فيه بعض الحلول الآنية الظرفية والدائمة لمشكلة تقاسم مياه النيل والقوانين الدولية التي تحكم تشاركية المياه. والدراسة تدخل ضمن اهتماماتي بالدراسات الاستراتجية للمنطقة.
الروائي العالمي عمر فضل الله يخص الجوهرة بمقابلة (1-2)
الروائي العالمي يخص “الجوهرة” بمقابلة بعد صدور روايته “أنفاس صليحة” “1-2”
عمر فضل الله: الأسطورة تجعل الكاتب يطير حراً محلقاً في سماوات الوهم والخيال
استدعي أدوات اللغة وذخائر البلاغة .. أحتشد للكتابة بالعقل والمشاعر والوجدان .. وأبحث عن الرواية في زوايا الطرقات القديمة والازقة المهجورة.
خلطت الأسطورة بالحقائق التاريخية .. أنفاس صليحة دفع جديد في مشروع الرواية .. تقنيه الكتابة عندي بمثابة انتقال من عالم الحضور إلى عوالم الاستغراق.
حوار: احلام مجذوب
عُرفت إسهاماته المتنوعة في العديد من مجالات المعرفة والأدب والفكر والدعوة، وهو شاعر وأديب. له عدد من البحوث في المعلومات وتقنياتها، له ديوانا شعر: (زَمَانُ النَّدَى والنَّوَّار) و(زَمَانُ النَّوَى والنُّوَاح) كما له قصاصات شعريه لم تنشر بعد ومن رواياته: (تُرْجُمَانُ المَلِكِ)، و(أطياف الكون الآخر) و(نيلوفوبيا)، كما قام بتحقيق كتاب الفحل الفكي الطاهر: (تاريخ وأصول العرب بالسودان)، وله كتاب (حرب المياه على ضفاف النيل: حلم اسرائيلي يتحقق)، وأخيراً (أنفاس صليحة).. يمثّل الروائى عمر فضل الله حالة فريدة في المشهد الروائي السوداني والعربي على حد السواء، أصدر عدداً من الكتب الشعرية بجانب الروايات. كتبت عنه دراسات كثيرة، واهتمّ عدد غير قليل من النقاد والدارسين بشعره ورواياته كحالة خاصة.. صدرت له خلال الأيّام القليلة الماضية، رواية “أنفاس صليحة” أبحرنا معه عن بداياته الأولى في الكتابة، عن لحظات الولادة، عن شخوص رواياته وكيفية التّواصل مع الآخر ، عن دوره الوظيفيّ في حركة “روائيي العالم” بصفته ظاهر بكثافة في المشهد الثّقافي العربيّ وخارجه، ليصبح روائياً عالمياً.. تقنية الكتابة عنده بمثابة انتقال من عالم الحضور إلى عوالم الاستغراق وانتقال من عالم اليوم بالسفر إلى عوالم الأمس القديم الذي طوته الأيام وغاب بين ثنايا الأحداث، يبحث عن شخوص الرواية في زوايا الطرقات القديمة والأزقة المهجورة والقرى المنسية ثم يتقمص تلك الشخوص فيفكر بعقلها ويتصرف وفق زمانها ثم يعود إلى واقعه فيستدعي كل أدوات اللغة والبلاغة وذخائر المفردات وذاكرة التاريخ ليرسم لوحة مجسمة لذاكرة الأيام، بفرشاة يرسمها على الورق أو الحاسب الآلي يرسمها بالحرف ويحيل التاريخ إلى الخيال المحكي فيبعث فيه الحياة ويقدمه للقارئ على طبق من حب، وهنا تكتمل الرواية ويكون التوقيع عمر فضل الله.
«الجوهرة الرياضية» حاورته فى محاولة لكشف كواليسه الخاصة لكتابة أعماله الإبداعية مثل «أنفاس صليحة» وقصاصات أدبيه لم تنشر بعد .. وناقشته فى رؤاه الجادة من أجل إصلاح فهم الكثير من الخبايا التي تختفى بين السطور معا نطالع ردوده …
بداية ماذا عن محتوى العمل الجديد أنفاس صليحة؟ وهل هي تفسير تأريخي أم تعريف له؟
أنفاس صليحة هي دفع جديد في مشروع الرواية المعرفية، وهي ليست تفسيراً للتاريخ ولا هي تعريف به، بل هي دعوة للأجيال الحالية التي تستهويها قراءة الرواية لينتبهوا أن تاريخنا يزخر بالكثير الذي يجب أن يكون حاضراً في واقعهم ومستقبلهم.
لماذا اخترت أنفاس صليحة عنواناً للرواية الصادرة عن دار مدارات وما هو مدلول هذه التسمية عندك؟
ما رأيكم أن أستدعي صليحة من ماضيها لتتولى الإجابة؟ تقول لكم صليحة: (سوف أنقلكم عبر أنفاسي للماضي لتعودوا معي بأرواحكم حيث يتوحد دفق أنفاسي مع نفث أنفاسكم فنصير روحاً واحدة، ترى بعين الروح في الماضي ما يراه النّاس بعين الحقيقة في الحاضر، فتحكون لي ما تشاهدونه، تحكونه بتفاصيله. فتتآلف أرواحنا لتروا بأعينكم ما رأيته أنا في الماضي ولو تساءلتم ما علاقة تآلف الأرواح بالحكايات؟ وكيف تعودون إلى الماضي في الحقيقة وليس في الخيال؟ فسوف أقول لكم إن الأمر كله متعلق بالمحبة يا أبنائي. لأنكم حين تحبون أحداً حباً عظيماً ويبادلكم ذلك الحب فإن أرواحكم تلتقي وتأتلف وتتوحد كأنَّها روح واحدة، وتذهب حيث يريد أحدكم أن يذهب، فيرى ما يراه الآخر. فالأيام مطايا الأحداث والقلوب بوابات الزمن، وكل قلب له يومه، وكل يوم له مدخله الخاص، فهو باب إلى الماضي يسوقك عبر درب غير درب اليوم الآخر، فترى من ناحية مختلفة لا ترى مثلها في اليوم الآخر). هذه هي حكاية أنفاس صليحة. وأما أنا عمر فضل الله فأقول لكم إن أنفاس صليحة تقدم أنموذجاً للنص الروائي العجائبي من خلال شخص صليحة التي تقوم بأفعال عجائبية، خارقة للواقع الإنساني ومشحونة بالتجليات العجائبية من خلال (الأنفاس) أو النقاء الروحي الذي يحكي السرد الأدبي والتاريخي عبر النص العجائبي المعرفي كجنس أدبي مستقل متفرد بحضوره السردي، الذي يتبلور من خلاله مفهوم الرواية المعرفية شاخصاً واضحاً. وهي تقدم للناس عبر أنفاسها عالماً حقيقياً لكنه مسكون بالخيال الذي يحكي الموروث الشعبي ويعيد توظيف الحكايات الشعبية بفهم جديد مثل حكاية خراب سوبا وتوظيف قصة عجوبا، ولكن عبر شخوص وأسماء ذكية تحترم ذكاء القاريء ووعي المجتمع الحديث.
أنفاس صليحة قمت بتجذيرها في المحلية هل ترى أن هذا المنحى كان سبباً فى تعتيم خطابها وحجب قيمتها الحقيقية؟
لا أدري من أين أتيت بهذا الحكم على الرواية فهي ليست محلية بكل تأكيد، فقد بدأت أفريقية مغربية عالمية تمتد حكايتها ومكانها وشخوصها وأبطالها وحتى لغتها وحوارها من أقصى المغرب العربي على امتداد الشريط الأفريقي من المحيط إلى البحر لتنتهي عند دولة علوة التي كانت تعتبر من أكبر الممالك في العالم في زمانها. ولم يكن خطاب الرواية معتماً ولا حبكتها ولا لغة السرد. أما قيمة الرواية الحقيقية فهي في كونها رواية معرفية ناضجة لم يحجبها ما أسميته أنت محلياً ولم تقعد بها مناطقيتها عن عالميتها.
الثعلب والذئب فى العبارة: (ثعلب يقف أعلى التلة وأذناه متجهتان نحوك لعله سمع وقع أقدامك، ورجلاك ماعادتا تقويان على حملك ولكنك لا تستسلمين. أصوات نباح الكلاب تأتي من بعيد فتجاوبها أصوات كلاب أخرى وهناك شىء يراقبك ويتبعك من خلفك ربما كان ثعلباً أو ذئبا..) من أنفاس صليحة ألا ترى فيها حالات مربكة ومبهمة أحيانا أخرى؟
الكاتب يحكي هنا ما يدور حول الصبية صليحة من أحداث وأخطار تحدق بها في الصحراء في ظلمة الليلة وهي غير منتبهة وغير مبالية في سبيل اللحاق بجدها، وهي مستعدة لأقصى درجات المجازفة في سبيل ما تعتقد أنه الصواب وفي سبيل اللحاق بمن تحب. بل هي تتحدى المجهول وتهزأ به. والنص المذكور يعرض ما يقابله كل من يسير في الصحراء ليلاً وأكثر الحيوانات المنتشرة في الصحراء هي الثعالب والذئاب، علماً بأن صليحة تعرضت لهجوم الذئب عليها حين وقعت على الأرض قبل أن ينقذها أهل الفريق. ما رواه الكاتب هو وصف دقيق ومتابعة لرحلة الصبية صليحة! ولو ترى أن مثل هذه الأخطار التي ذكرت في بداية الرواية تهون حينما ترى الأخطار الحقيقية بعد ذلك.
تقنية الكتابة عندك من أين ترتكز تفاصيلها؟
عمر فضل الله يحتشد للكتابة بكل ما أوتي من عقل ومشاعر ووجدان. لحظات الكتابة عنده هي بمثابة انتقال من عالم الحضور إلى عوالم الاستغراق وانتقال من عالم اليوم بالسفر إلى عوالم الأمس القديم الذي طوته الأيام وغاب بين ثنايا الأحداث، يبحث عن شخوص الرواية في زوايا الطرقات القديمة والأزقة المهجورة والقرى المنسية ثم يتقمص تلك الشخوص فيفكر بعقلها ويتصرف وفق زمانها ثم يعود إلى واقعه فيستدعي كل أدوات اللغة والبلاغة وذخائر المفردات وذاكرة التاريخ ليرسم لوحة مجسمة لذاكرة الأيام، بفرشاة يرسمها على الورق أو الحاسب الآلي يرسمها بالحرف ويحيل التاريخ إلى الخيال المحكي فيبعث فيه الحياة ويقدمه للقارئ على طبق من حب.
استخدامك الأسطورة فى أطياف الكون هل يعفيك من رفض الواقع كماهو أم هو حال كشف وتبحر أكثر للوقائع؟
الأسطورة تجعل الكاتب يطير حراً محلقاً في سماوات الوهم والخيال واللامعقول ليقول للناس ما لا يمكن أن يقال في الحقيقة، وليجعل العقول تتوهم قبول ما لا يمكن أن تتعايش معه لو احتكمت إلى الواقع وبذا فالأسطورة هي وسيلة يلجأ إليها الكاتب ليبحر بالقاريء في عوالم جميلة قبل أن يعود به إلى مآسي الواقع وبهذا يكون الوقع عليه أقل وطأة. فأطياف الكون الآخر طافت بنا في عوالم الأسطورة لتنتهي بنا إلى عوالم حقيقية وناقشت قضايا فلسفية وآيديولوجية بطريقة مشوقة وخلطت الأسطورة بالحقائق التاريخية فطرقت تاريخ العقائد والأديان (بدءاً بالوثنيات القديمة ثم الحنيفية الإبراهيمية ثم اليهودية والنصرانية لتنتهي بالإسلام) من مدخل لم يتطرق إليه أحد من قبل وخلصت إلى مناقشة الواقع من باب خفي يكتفي بالإشارات عن صريح العبارات.
أنفاس صليحة ومهارات عمر فضل الله النجم الساطع !!!
كتب مبارك صباحي:
______
مدخل أول :
(…عند الفجر سقطت( سوبا) العاصمة ، وحين أشرقت شمس النهار غربت شمس (علوة) كلها ، وانتقض ملكها ، ولم تبق منها إلا اﻷطلال ، واﻷنقاض لتشهد على مجد غابر مضى ولن يعود مثلما كان باﻷمس …)
مدخل ثان :
يكفي فقط أن تلقي نظرة سريعة على عنوان الكتاب أنفاس صُليحة (بضم الصاد) وبعض الأسطر المنتقاة في المدخل اﻷول كي تدرك أن إبداعاً مذهلاً يطلع به ذلك الشاب الأسمر الوسيم النحيل فتى السودان وابن العيلفون الهمام دكتور عمر فضل الله… ثقافته العميقة والمتنوعة والمتجددة وخياله الواسع وذكاؤه الوقاد ، وتمكنه من اللغة العربية ومهاراتها المتعددة جعلته يروي ويحكي ويصف ويحلل ويقارن ويتحفنا بالجديد بل يرفد المكتبة السودانية بالروائع والدرر في صمت ودون ضوضاء أو جلبة إعلامية في سلسلة مشروع أو مدرسة جديدة وعملاق قادم إلى سماء الأدب السوداني والعربي اسمه عمر فضل الله ….لكل هذه الاعتبارات فالمرء لايملك إلا أن يحس بالإعجاب والتقدير لهذا الكاتب المجيد الذي عانق الثريا وطبقت شهرته اﻵفاق كما يقول الدكتور بدر الدين السر.
على هامش الحدث :
__
شهدت قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم أمس الأول بتاريخ الأحد الموافق 2017/9/10 م وبرعاية دار (مدارات للطباعة والشر والتوزيع ) حفل إطلاق رواية (أنفاس صليحة) ، تأليف الكاتب د.عمر فضل الله، وتولى عملية تقديم الكتاب وتحليله الناقد والباحث والقاص بروفسير محمد المهدي بشرى والدكتور مصطفى الصاوي وقدمت الحفل الأستاذة سناء أبو قصيصة وشارك في الاحتفال حضور نوعي من الأدباء الشباب والمهتمين بالشأن الأدبي إلى جانب وكالة سونا للأنباء وممثلين لأسرة الكاتب عمر فضل الله ورئيس قروب مجتمع العيلفون الاستاذ /عبد العظيم محمد عثمان والأستاذ/ سيف الدين عبد الله عن أسرة دار الشيخ ادريس ود الارباب والأستاذ/ أسامة محمد أحمد قيامة رئبس تحرير مجلة الخرطوم الجديدة ومبارك عبد الرحيم صباحي رئبس تحرير صحيفة العيلفون.
البروفيسور محمد المهدي بشرى أشار في تقديمه للرواية بأنها تشتغل على التاريخ وتحديداً فترة مملكة علوة وعاصمتها سوبا ونهاية المسيحية التي سادت لاكثر من 600 عام وأن الكاتب انتبه بذكاء لهذا المصدر المهم ، واصفاً المؤلف بان لديه مشروع روائي متكامل ﻹعادة سرد تاريخ السودان في بناء درامي جديد كما شمل الاحتفال مداخلات أدبية مشوقة وممتعة تصلح هي الأخرى لعمل كتاب نقدي قيم مصاحب للرواية الاصل وتناول هذه المساجلات كل من دكتور عز الدين ميرغني والأديب السفير جمال محمد ابراهيم والروائية الاستاذة بثينة خضر مكي والاستاذ أسامة قيامة.
الدكتور الصاوي أشار إلى أن تفسير الأعمال الأدبية هو محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره للكشف عن مواطن الجمال أو الإخفاق في الأعمال الأدبية وأن البصر الثاقب يكون خير معين على إصدار الحكم فالادب ونقده ذوق وفن قبل ان يكون معرفة وعلما وان كانت المعرفة تعين صاحب الحس المرهف والذوق السليم .
في خاتمة اللقاء اشاد الدكتور عمر وشكر الذين تكبدوا المشاق بالحضور واعدا بانه سيرفد المكتبة السودانية والعربية بالكثير من الروايات والتي وصل بعضها مرحلة الطبع وقال إنه سواصل في هذا المضمار إلى أن يصل الي نهايته ويترك الحكم للقراء لتقويم التحربة سواء بالنجاح أو الفشل ..
تفاصيل اوفى عما دار في الحفل نتركها في مقام آخر لأننا لم نقرأ الرواية حتى لحظة كتابة هذا التقرير وحاولنا ان ننقل لكم الإطار العام فقط و (أنفاس) قاعة الشارقة في تلك الليلة الأدبية البهيجة، ونجمها الساطع دكتور عمر فضل الله والتي يمكن أن نطلق عليها تاريخية …هنيئاً لمن حضر … وفي أمان الله.
منقول
مشاركة السفير جمال محمد ابراهيم حول رواية أنفاس صليحة
(السلام عليكم شكراً جزيلاً والتهنئة أولاً لدار مدارات والشكر أيضاً لدكتور عمر على هذا العمل المميز المتفرد. أنا ليس عندي كلام كثير لأقوله لأنني لست بناقد ولكني أدردش واقول انطباعاتي. لقد غرقت في هذه الرواية بصورة لم تحدث من قبل فلم يحدث أن شوقتني رواية مثل رواية عمر هذه. واستغرقت قراءتي لها أقل من يوم وأنا من أوائل الذين قرأوها.
الذي لفت نظري في هذه الرواية أن أحداثها تدور على مدى الحزام التاريخي القديم (الحزام السوداني) الذي يبدأ من المحيط وينتهي بالبحر الأحمر. الرواية مساحتها في هذا الجزء. والرابط بين السودان والمغرب لم يتناوله أي شخص في أي عمل روائي أو عمل قصصي أو حتى شعري بالرغم من أنه يوجد رابط قوي جداً بين السودان والمغرب. وإذا كنا نتكلم عن التاريخ القديم وقت دخول الإسلام وحركة الهجرات القديمة فلم تكن كلها قد جاءت إلى السودان من المشرق لكن من المغرب أيضاً جاءتنا هجرات مؤثرة للغاية. بيد أنها لم تظهر في كتابة التاريخ بالرغم من أنها كانت واضحة جداً. ابن عمر التونسي الذي وفد من تونس وأقام في السودان بشكله الحالي كتب عن السودان وعن تاريخه وعادات الناس وأشياء أخرى كثيرة. قليل من المؤرخين تناولوا هذا الجانب لكن الكثير من الهجرات جاءت من منطقة المغرب العربي من تونس ومن ليبيا ومن الجزائر ومن المغرب جاءوا مهاجرين إلى السودان. وجود مجموعة ما نطلق عليه المغاربة الموجودين في بحري وفي الخرطوم وفي كوستي وفي سنجة هي مجموعة تؤكد قدم الصلات بين السوداني النيلي والمغرب.
تحضرني رواية ليون الإفريقي لأمين معلوف ففيها أيضاً رحلة لكنها انتهت إلى روما فانتهت إلى أوربا لكن فيها مساحة من الحراك ومن الأحداث تدور من الأندلس من المغرب مروراً بموريتانيا والسودان ولحد دونقلة ولحد مصر ثم بعد ذلك إلى أن وصل روما. ذلك هو ليون الإفريقي والرواية المشهورة لأمين معلوف.
هذه المنطقة لم تتم الكتابة عنها كثيراً كما قدمت لكم لكن دكتور عمر أخذ راحته تماماً فكتب لنا عملاً مشوقاً للغاية، جاذباً للغاية، يمس التاريخ من ناحية ولكن أيضاً فيه الخيال الواسع للكاتب ولديه المقدرة العالية في سرد الأحداث التي تمت من خلال هذه الرواية.
الذي لفت نظري أيضاً هو موضوع اللغة. فاللغة سامية للغاية، مترابطة، وما فيها أخطاء في كل صفحات الكتاب. الراوية كاملة وسليمة لغوياً ونحوياً وصرفاً وفي كل شيء! حتى اللهجة المغربية!.
(تصفيق حاد من جمهور الحاضرين)
وأنا ما عارف هل دكتور عمر هذا فعلاً عاش في المغرب فترة طويلة؟ وكنت حريصاً جداً على معرفة هذا لأنني عشت في تونس حوالي سنتين أو ثلاثاً.. فكنت حريصاً على تقصي اللغة فرأيت اللغة المغربية عنده سليمة مائة بالمائة! حتى أنني شككت فقلت سأرى إلى أين ينتهي نسب هذا الرجل فيكون اسمه عمر فضل الله من؟ ماذا بعد فضل الله من أسماء؟
(تصفيق حاد من الجمهور)!
على كلٍ هذه تهنئة حارة على رواية وعمل مميز يستحق أن يكون علامة فارقة في الأدب الروائي السوداني فألف تهنئة دكتور عمر وألف شكر لكم للاستماع.
السفير جمال محمد إبراهيم حول رواية أنفاس صليحة.
قاعة الشارقة الخرطوم – الأحد 10 سبتمبر 2017
مشاركة الدكتور عز الدين ميرغني في حفل إطلاق رواية أنفاس صليحة
(أنا من أوائل الذين قرأوا الرواية قبل أن تطبع. الاسم رائع جداً أعجبني الاسم: أنفاس صليحة، يُخَلِّدْ الرواية. لأن اختيار الأسماء دائماً يجعل الناس تحفظها حتى ولو لم تقرأ الرواية. (أنفاس) معناه أن هناك شيئاً يخرج من صليحة مثل التداعيات. وفعلاً حينما تقرأ الرواية تشعر بأن هذه هي أنفاس صليحة. إذن فالإسم معبر جداً ومتناغم ومتماهي مع أحداث الرواية ومافي شك تشدك الرواية من أول مرة.
الرواية استخدمت – كما قال أساتذتنا – عنصر التخييل لنقل التاريخ لأني لا أبحث في أن صليحة شخصية حقيقية أو غير حقيقية فهذا لا يهمني أبداً. وحتى لو كانت شخصية حقيقية فكل ما يجري في الرواية هو تخييل فملكة الخيال عند الكاتب كبيرة جداً.
والتاريخ كما قال الأساتذة يخص فترة دولة علوة وخراب عاصمتها سوبا لكن لم يكن هذا هو الموضوع الأساسي في الرواية وإنما هي رمزية مفتوحة الدلالة. صحيح أن دولة علوة وسوبا كمادة خام تاريخية استخدمت كثيراً ولكنها مازالت مفتوحة للتخييل والتداعيات. وكانت هناك محاولات للحسن البكري في استخدام تاريخ سوبا ودولة الفونج غير أن الواقعية السحرية كانت طاغية فيها فلم يستوعبها كثير من الناس إلا الصفوة منهم.
أعتقد أن (أنفاس صليحة) محاولة من الكاتب لتأكيد هوية الوسط السوداني بأنها ليست حكراً على قبيلة معينة وإنما هي تكوين من خليط من حضارات قديمة أنتجت هذا الوسط السوداني. لأن سوبا جغرافياً تمثل هذه الوسطية الجغرافية والثقافية في السودان والجذور الضاربة في القدم بل تؤرخ لحضارة قديمة وفيه تأكيد لعراقتها فلو أن عاصمة استمرت 600 سنة فمعناه أن هذه حضارة عريقة جداً. بمعنى أن فيها التسامح الديني وفيها الاستقرار ثم جاء بعد ذلك الدمار والخراب إذن النص مفتوح الدلالة والسؤال من الذي خرب سوبا إذا كانت بكل هذا الاستقرار وهذه الحضارة القائمة فإن خرابها يكون إدانة لمن خربها. وبمعنى أن هذا الامتداد الحضاري وهذه الهجنة عند الوسط تمتد من المغرب الأقصى إلى منطقة سوبا بمعنى ان هذه المنطقة كانت شيئاً واحداً وأرضاً مفتوحة والاستقرار أيضاً مفتوح والزواج أيضاً متاح ومفتوح. من قوافل الحج القديمة من تيمبوكتو إلى مكة الناس كانوا يتخلفون ويبقون. والغريب دائماً الناس يتخلفون في السودان! بمعنى أنه بلد تسامح منذ القدم تمر به هذه القوافل.
ما استشففته من هذه الرواية أن الرواية أفلحت في تأكيد ذلك دون أن يحدث ذلك تقريرياً فالكاتب لم يفرض أي نوع من الوصاية أو نصر قبيلة على قبيلة أو حضارة على حضارة لكن ذكاء الكتابة يأتي هنا في أن الحدث يقنعك، فإما أن تخالفه في منطقه بمنطقك أنت دون تبخيس لمنطقه وإما أن يقنعك بمنطقه أيضاً.
كيف تغامر فتاة من المغرب بهذه السن وهي شابة غريرة من أجل أن تلحق بجدها فالراوي أوجد بداخلها كماً كبيراً من المعرفة بجدها وهو ما دفعها لأن تلحق بذلك الجد.
هذه المغامرة من صليحة سبقتها مغامرة كتابة. لأن أعظم الروايات ليست كتابة المغامرة وإنما هي (مغامرة كتابية) بمعنى أنه غامر بأن يكتب رحلتها فالدكتور عمر غامر مغامرة كبيرة جداً بأن يكتب رحلتها حتى وصلت إلى سوبا من أقصى بلاد الشنقيط وهذه مغامرة كبيرة جداً.
تتمثل هذه المغامرة في الآتي:
– أن الكاتب وقع في امتحان معرفة المكان وثقافته ودروبه ولغته ولهجاته وطريقة معيشته وقبائله قبل أن تتحرك صليحة واجتاز هذا الامتحان بنجاح.
وقد انتقل بالقاريء إلى المكان بجغرافيته المميزة وبزمانه التاريخي الذي جعلنا نحسه ونحس بأننا نعيش مع صليحة في المكان وقبل أن تغادره ونحس بزمانه أيضاً لأنه زمان مختلف جداً فالنجاح هنا في هذه المغامرة الكتابية زماني ومكاني.
– والمغامرة الأخرى التي دخل فيها الكاتب هي مغامرة اللغة لأن امتحانها كبير. وهناك من الكتاب وخاصة كتاب الرواية من يملك الخيال ولا يملك اللغة وهناك من يملك اللغة ولا يملك الخيال ولكنه وازن بين الاثنين فالكتاب العظام دائماً هم الذين يملكون الخيال واللغة معاً.
– ثم ترابط الحدث فالحدث مترابط جداً لم يفلت خيط السرد أبداً من يد الكاتب، وكانت اللغة هي الوعاء الجيد للمكان بثقافته فكان يأتي باللهجة المغربية في وقتها بقدرة كبيرة أعجبتني جداً رغم أن معرفتي بها متواضعة ولكني فهمت ما يقصده، ولو لم يذكر هذه اللهجة المغربية لاختلَّت الرواية.
– لقد كانت الرواية رائعة أيضاً متوالية في وصفها وهي تتحرك مع صليحة محطة محطة حتى تصل إلى سوبا بمعنى لغة وصفية محسوسة ومجردة معاً فلم تكن وصفاً إنشائياً مدرسياً وإنما هي وصف يورد الإحساس بالوقت فكانت اللغة في كل مكان تلبس لبوسه الخاصة، ففي الصحراء يورد ألفاظ الصحراء ووصفها الرومانسي، في المدينة، في الوهاد، في الجبال حتى تجعلك تقبض أنفاسك وأنت تتابع رحلة صليحة وتتعاطف معها وتخاف عليها مع أنك تعلم مسبقاً أن صليحة موجودة الآن في سوبا وهذه هي عظمة الرواية. فعندما تحكي لك صليحة أنت كقاريء تعرف أنها وصلت سوبا لكن كيف وصلت سوبا وكيف أوصلها الكاتب؟ كان هذا هو الامتحان الثالث الذي نجح فيه الكاتب أيضاً.
هنا مقطع يقول: (كل خطوة تخطوها الجمال في هذه الصحراء تزيد معرفتك بها. هذه الصحراء متقلبة المزاج والأحوال ففي حين تكون صحراء لطيفة تتدثر بالرمل الناعم وتتلوى وهادها وكثبانها طيعة تحت أخفاف الإبل في أحيان أخرى تقسو بترابها ونباتها وتصفر الريح غاضبة قبل أن تهب العواصف مزمجرة تنفث الرمال على وجوهكم وتحثو التراب فوق رءوسكم…)
هذا وصف رائع جداً للصحراء لم يكتبه كثير من الناس إلا الذين عاشوا في الصحراء مما يؤكد كلامي بأن الرواية صارت معرفة وليست كتابة فقط. يجب أن تعرف جيداً المكان الذي تكتب فيه.
– اللغة راسخة جداً ومتتبعة لمسار صليحة جعلت الراوي نفسه دليلاً وخبيراً بالمكان، وهذا يمثل خبرة الكاتب وبحثه قبل الكتابة لأن الرواية هي بمثابة بحوث أيضاً، زيادة على الموهبة والخيال وجماليات اللغة وثقافة المكان الذي تتحرك فيه الشخصية والزمان الذي تعيش فيه وأعتقد بأنها معرفة (زمكانية) كما يقول النقاد. وأعتقد أن الكاتب اجتاز امتحان اللغة بمقدرة هائلة.
– ثم يأتي بعد ذلك التكنيك الفني في البناء الروائي فقد كان رائعاً جداً حيث أن الراوي هو راوٍ عليم، يعرف كل شيء يدور في المكان والزمان لكنه يسلم السرد لصليحة بدون أن تقول أنا لأنها صغيرة في السن لا تستطيع أن تخلق تيارا من الوعي (Stream of Consious) ولكن كان هذا ذكاء الكتابة والامتحان الخامس الذي نجح فيه المؤلف.
شكراً جزيلاً)
الدكتور عز الدين ميرغني
في حفل إطلاق رواية أنفاس صليحة – دار مدارات لللنشر ، قاعة الشارقة الخرطوم
الأحد 10 سبتمبر 2017
الصادق عبد الله وأنفاس صليحة
شكرا لك د.عمر… شكرا لك د خالد فرح…
لقد تابعت من قبل الجدة صليحة وهي بعد طفلة يافعة.. من منشئها.. سمه دار فاس.. مغامرتها للحاق بجدها..وفقدانها للقافلة.. إثر عاصفة رملية.. وفقدانها راحلتها.. والتقاطها بواسطة أحد الهمباتة.. ثم تكامل خيوط نجاتها.. من وسط الحسانية.. دخولها تمبكتو.. ثم خروجها في رفقة قافلة أخرى.. وأرملة في عودتها إلى (أوليائها) بعد وفاة زوجها.. وحتى دخولها سوبا.. وشهادة صليحة لأحداث.. تدبير.. مؤامرات.. انسحاب ..تمويه.. عودة ..واقتحام.. وإزالة مدينة من وجه الأرض.. زواج صليحة..عودة جدها من رحلة الحج.. اللقاء المستحيل.. وأكثر من ذلك الراوي الحفيد.. حيث يناديها.. يسائلها.. يقرأ أفكارها.. وتقرأه.. إلى أن تغادر الدنيا تلحق بجدها.. وترقد إلى جواره.. ليصبحا قبرين صامتين.. تشرق عليهما الشمس كل يوم.. تبث شعاعها وحرارتها. تنبت شجيرات الأكاشيا.. طائر القطا قرب القبرين يتخذ مفحصاً.. يضع بيضه.. يكبر يغادر عشه في إقلاعه المعهود.. القمر ياتي مساءا.. يصيب الصحراء منه سحر وسكون.. يظل القبران صامتين.. .تدور السنون.. تروح أجيال.. لا أحد.. يذكر صليحة وجدها.. إلا حفيد بعيد اسمه عمر.. يسائل جده.. من لنا في ذاك المكان.. فكانت أنفاس صليحة… جدتي.. أو تسمعين طرق أصبعي في هذا الجهاز اللوحي.. خشيت أن أوقظك.. لكن
عبر الأثير استقبلت نصها.. طرياً.. تتبعته وتابعته.. فأصابتني الدهشة.. وأول سمت الدهشة الصمت.. ومنه الذهول. حتى أيقظني اليوم هكذا الدكتور خالد فرح.. شكراً . جدتي.. أو تسمعين طرق أصبعي على هذه اللوحة..
الصادق عبد الله.
أنفاس صُلَيْحَة: رواية جديدة للدكتور عمر فضل الله – بقلم: د. خالد محمد فرح
بقلم: د. خالد محمد فرح
Khaldoon90@hotmail.com
الدكتور عمر فضل الله أديب وقاص وباحث وكاتب سوداني مرموق ، له إسهامات متنوعة ورفيعة المستوى في شتى مجالات العلم والمعرفة والأدب والفكر والدراسات الاستراتيجية وتقنية المعلومات، وهو يعمل حالياً ومنذ عدة أعوام استشارياً كبيراً في مجال ” الحكومة الالكترونية ” بدولة الإمارات العربية المتحدة.
أما في مجال الرواية تحديداً ، فقد صدرت له من قبل رواية ” ترجمان الملك ” ، وهي عبارة عن معالجة روائية لقصة هجرة صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) في القرن السابع الميلادي إلى مدينة النجاشي التي هي ” سوبا ” حاضرة مملكة ” علوة ” ، فراراً بدينهم من بطش مشركي قريش وأذاهم ، كما اقتضت تلك الرواية ، وكذلك اتساقاً مع فرضية بذات المضمون قال بها من قبل بعض العلماء والأدباء السودانيين خاصةً ، كان على رأسهم العلامة الراحل بروفيسور عبد الله الطيب.
وكنت قد عرضتُ لهذه الرواية الأخيرة لهذا الكاتب ، في مقال لي بعنوان: ” قراءة في رواية ترجمان الملك للدكتور عمر فضل الله ” ، نشرته بالصحافتين الورقية والالكترونية معاً. فمن أراد الرجوع إليه فليقوقله ، فهو ثمة.
على أنَّ رواية ” أنفاس صُلَيْحة ” التي يصدرها الدكتور عمر فضل الله في بحر هذا العام 2017م ، تُعتبر هي الأخرى ، بمثابة معالجة روائية مماثلة لتاريخ وملابسات وآثار هجرة القبائل العربية إلى السودان ، وتزايد أعداد أفرادها وجماعاتها ، إلى الدرجة التي أغرتها في نهاية المطاف بتضييق الخناق على مملكة ” علوة ” المسيحية وإسقاطها ، وانتزاع الملك منها في القرن الخامس عشر الميلادي ، لكي تسطِّر بذلك صفحة جديدة في تاريخ البلاد ، مما غير وجهتها الحضارية ، وكرَّس فيها شخصية وطنية جديدة ، تجسدت فيها غلبة الثقافة والتوجهات العربية والإسلامية بصورة حاسمة ونهائية.
وبمثلما فعل الدكتور فضل الله في روايته السابقة ” ترجمان الملك ” ، فقد اتكأ هذا الكاتب بشدة على التراث في روايته هذه ” أنفاس صُليحة ” ، التي عمد فيها إلى المزج بين الخيال والواقع والتراث والتاريخ ، وربما ملامح من السيرة الذاتية ، إلى جانب الروايات الشفاهية ، وخصوصاً روايات النسّابة التقليديين في السودان ، لكي يُخرج لنا عملاً سردياً باذخاً ، قوامه لمع فسيفسائية الشكل من كل ذلك ، ولكنه – في ذات الوقت – يختلف عن كل ذلك ، لأنه في خاتمة المطاف ، عمل روائي وليس منجزاً بحثيا. ذلك بأن أداته الأولى هي التخييل ، وغايته القصوى هي التشويق والامتاع في المقام الأول.
ولما كانت الرواية كما يقول العتابي: ” هي حبكة وشخصية ووصف ، هذا في ظاهرها ، أما داخل ذلك فثمة آراء وأفكار ورسائل يحاول الكاتب أن يقول رأيه فهي حينئذٍ موقف من الحياة والواقع ” ، فإن بوسعنا أن نقول إن عمر فضل الله قد استوفى بعمله هذا ، الشروط والمقومات الفنية للعمل الروائي تماماً ، من حبكة ، وصراع ،وصناعة شخصيات ، وتصوير لها من حيث المظهر والمخبر والنوازع النفسية الخ ، وسرد للأحداث ، وعقد للحوارات الدرامية. ولكنه قد تجاوز ذلك لكي يلقي من خلال سرده الروائي الممتع والمشوِّق ، بعض الأضواء الكاشفة على طريقته ، على مرحلة مفصلية ومهمة للغاية من مراحل التطور التاريخي للسودان بأسره على الصعيدين السياسي والاجتماعي ، وخصوصاً منطقة الوسط التي شهدت قيام مملكتي العبدلاب والفونج على التوالي ، ثم قيام التحالف المشهور بينهما بعد ذلك.
هذا ، ولا شك في أن البعد الذاتي ، أو متعلقات السيرة الذاتية والخلفية الاجتماعية للمؤلف ، قد لعبت دوراً محوريا في صناعة هذا العمل الإبداعي للدكتور عمر فضل الله. فالمؤلف هو من بلدة ” العيلفون ” القريبة من ” سوبا ” عاصمة مملكة ” علوة ” التي انقض عليها العرب بقيادة ” عبد الله جماع القريناتي القاسمي ” الملقب ب ” عبد الله جماع ” ، فأسقطوها ، وخربوها خراباً صار مضرب مثل مشهور في السودان.
وقد ارتبطت منطقة العيلفون بشخصية الشيخ الصوفي الكبير ” إدريس بن محمد الأرباب ” 1507 – 1651م ورهطه من قبيلة ” المحَسْ “. والمحس الذين يقطنون بمنطقة ملتقى النيلين الأزرق والأبيض ، وإلى الجنوب منها قليلا والذين ينتمون إلى الخزرج كما يقال، قد عُرفوا منذ قدومهم إلى هذه المنطقة من ديارهم الأصلية بحوالي منطقة الشلال الثالث على النيل بشمال السودان منذ قرون ، بالعلم والصلاح والتدين عموما. وهم أقدم العناصر سكنى في منطقة الخرطوم الكبرى عموماً ، إلى جانب الجموعية ” العباسيين ” ، والزنارخة ” البكريين ” ، وبين الثلاث فئات تزاوج وتداخل وتجاور دائم.
ولكن محس هذه المنطقة ، كأنهم يستشعرون إحساساً خاصاً بأنهم هم الورثة الحقيقيين للتراث الثقافي لهذه المنطقة بصفة عامة ، ولعل السبب في ذلك انتشار الوعي و التعليم بينهم منذ وقت مبكر نسبيا. فعلى سبيل المثال نجد أن من أوائل من حرصوا على طباعة كتاب ” طبقات ود ضيف الله في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والفقهاء والشعراء في السودان ” ونشره ، كان هو القاضي ” إبراهيم صديق ” ، وهو من محس توتي ، وقد كان ذلك في عام 1930م. أما الرائد المسرحي الأستاذ ” خالد أبو الروس “، وهو من محس الخرطوم الكبرى أيضا ، فقد خلّف لنا أثرا أدبيا نادراً وشديد الارتباط بتاريخ هذه المنطقة وتراثها ، بل بذات الأحداث التي تدور حولها رواية عمر فضل الله نفسها ، ألا وهي مسرحيته الشهيرة ” خراب سوبا ” ، التي صرح خالد أبو الروس نفسه أنه أخذ قصتها كاملة عن عمة له.
ولئن كان خالد أبو الروس يسمي المرأة التي خربت سوبا ب ” عجوبة ” ، فإن عمر فضل الله يسميها الملكة ” دوانة ” أرملة آخر ملوك العنج في سوبا ، وتبرر الرواية سلوكها التخريبي ، برغبتها في الانتقام من بعض منسوبي البلاط الذين كانوا يكيدون لها ولزوجها.
أما ” صُليحة ” المذكورة في عنوان هذه الرواية ، فهي فتاة يتيمة والديها ، تنتمي إلى أسرة من الأشراف المغاربة الشناقيط. توفي والداها وهي صغيرة ، غب جائحة من وباء الطاعون ، اجتاحت قريتهم في بلاد السوس الأقصى بالمغرب ، فكفلها جدها وربّاها ، ووعدها بأن تسافر معه إلى الحج إلى الأراض المقدسة عبر بر السودان ، أي مملكة علوة. ولكنه اضطر إلى إخلاف وعده لحفيدته ، تحت إصرار ” الشيخ محمد ” الفقيه والمعلم بكتاب القرية ، بأن تبقى صليحة وديعة عنده بالكتّاب ، حتى تتعلم القرءان ، وكذلك خوفاً عليها من مشاق الرحلة الطويلة والمرهقة والمحفوفة بشتى صنوف المخاطر في ذلك الزمان.
ولكن صُليحة تهرب من ” الخلوة ” ، وتنخرط في مغامرة رهيبة كادت تفقدها حياتها في سبيل اللحاق بجدها الذي كانت تحبه حبا جما ملك عليها أقطار نفسها ، بل كان يمثل بالنسبة لها كل شيء في حياتها. فتتنكر في زي فتى ، وترافق قوافل التجار والحجاج العابرة للصحراء الكبرى ، وتكابد صنوفاً من الرهق والعذاب ، حتى تصل إلى سوبا ، فيسعدها الحظ بمقابلة جدها ، ويجتمع شملهما مرة أخرى. وهنالك في بلاد علوة ، يطيب لهما المقام ، فتتزوج سودانياً من أصل مغربي أندلسي أيضا ، وتصير هي نفسها جدة لراوي هذه الرواية ، بل جدة لجد جده في الحقيقة. ولما كان الراوية صبياً مغرماً ومفتونا تستهويه قصص الماضي ، فإن جدته البعيدة ” صُليحة ” هذه تحكي له ولنا على سبيل الاسترجاع أو ” الفلاش باك ” السينمائي ، سيرتها الذاتية منذ أن كانت طفلة في أرض المغرب ، وجميع ما اكتنف حياتها ، إلى أن وصلت إلى سوبا ، ولقائها الدرامي بجدها ، وزواجها بسوبا وإقامتها بها ، وما رافق ذلك من أحداث مهولة تمثلت في الصراعات و التحولات التاريخية والحضارية الكبيرة التي شهدها السودان آنئذٍ.
ولا شك في أن الاسم ” صُليحة ” الذي اختاره مؤلف هذه الرواية لكي يطلقه على بطلة هذه القصة ، له دلالته الخاصة ، خصوصاً بالنسبة لأهل العيلفون وغيرهم من محس الخرطوم الكبرى والصعيد عموما. ذلك بأنه يتناص مع اسم علم مشهور عندهم ، هو ” صُلحة ” التي هي ” فاطمة بنت الشريف حمد أبو دنانة ” ، ووالدة الولي الصالح المُعمَّر الشيخ ” إدريس ود الأرباب ” الذي مر ذكره من قبل. والشريف حمد أبو دنانة هذا كما تقول رواية شفهية شعبية واسعة الانتشار في السودان ، شريف مغربي كان صهراً للشيخ محمد بن سليمان الجزولي مؤلف كتاب ” دلائل الخيرات ” ، قدم إلى السودان في حوالي عام 1445م ، وأقام ببلدة ” سقادي ” بنواحي المحمية من ديار الجعليين ، وأنه كانت له سبع بنات ، تزوجن من رجال أعلام من أهل السودان ، وأنجبت كل واحدة منهن ولدا صار من بعد وليا مشهورا في السودان. على أن من الملاحظ والمدهش حقاً أن الشيخ محمد النور بن ضيف الله لم يذكر اسم الشيخ أبي دنانة هذا ، ولم يشر إلى هذه الواقعة في كتابه الشهير ” الطبقات ” ، على الرغم من أنه قد ترجم لجميع الشيوخ الذين تزعم تلك الرواية نفسها أنهم أبناء خالات ، كما أن الأستاذ الباحث الطيب محمد الطيب ، قد أنكر صحة هذه الرواية في كتابه ” المسيد “. والله أعلم أي ذلك كان.
وبالفعل ، فإن سياق السرد يقتضي أن تلتقي ” صُليحة ” بطلة الرواية بعائشة ابنة الشريف حمد أبي دنانة ، وزوجة الشيخ ” عبد الله جماع ” ووالدة ابنه الشهير ” الشيخ عجيب المانجلك ” ، فتذكر لها عائشة المذكورة ، أن شقيقتها هي نفسها تُسمى ” صليحة “. وتخبرها أيضاً بأنهم من الأندلس أصلاً ، رغم أنها تؤكد لها أن ” الشريف حمد أبو دنانة ” محسي القبيلة ، وهذا ما تختلف فيه الرواية عن أكثر روايات النسابة والإخباريين التقليديين شيوعا ، والقائلة بأنَّ الشريف حمد ، هو شريف مغربي فحسب.
ومهما يكن من أمر ، فهاهو الدكتور عمر فضل الله يخرج لنا مرة أخرى ، رواية دسمة مفعمة بالفن والمتعة والتشويق ، علاوة على أن فيها كدا ذهنياً ، وجهدا بحثياً ملحوظا ، وتنقيباً في المصادر والمراجع ذات الصلة في مجالات تحركات وأماكن انتشار واستقرار القبائل العربية والسودانية ، وحركة القوافل والهجرات والتحركات السكانية عبر الصحراء الكبرى ومن وإلى بلاد الشمال الإفريقي ، فضلاً عن مجالات التاريخ السوداني والإفريقي الوسيط ، واللغات واللهجات وهلم جرا.
فنراه على سبيل المثال ، وهو يورد لنا في متن الرواية ، أمثلة طريفة من اللهجة المغربية بما في ذلك نماذج مما تنطوي عليه من ألفاظ ذات أصول طارقية وأمازيغية ، وذلك في أكثر من مناسبة متى ما اقتضى السرد والحوارات الدرامية ذلك. وذلك من قبيل قوله: ” ترفاطت ” وهو وعاء جلدي يوضع فيه الصوف والوبر ، إلى جانب بعض مصطلحات الشعر والغناء الحساني الموريتاني مثل: ” اطلَعْ ” و ” الكِيفان ” و التَّبْراع ” الخ. مما يؤهل الرواية لآن تكون سائغة وحرية بالرواج بكل تأكيد ، في سائر بلاد المغرب العربي الكبير.
أما الحيز الزماني ، أو السياق التاريخي الذي تتم فيه أحداث الرواية ، فيتطابق مع تلك الفترة التي تُعتبر بين سائر المؤرخين ، فترة مظلمة في تاريخ السودان بسبب شح المصادر التي تؤرخ لها أو انعدامها بالكلية. ألا وهي الفترة ما بين سقوط مملكة المقرة النوبية المسيحية بشمال السودان في القرن الرابع عشر ، وسقوط مملكة علوة في خواتيم القرن الخامس عشر إلى مطلع القرن السادس عشر الميلادي. ولذلك فإن الرواية تشي بالحالة السياسية والاجتماعية والدينية والعقلية السائدة آنئذ ، كما وتصور أجواء الصراعات والدسائس والمؤامرات داخل بلاط مملكة علوة التي ساعدت على انهيارها ، علاوة – بالطبع – على الضغط والحصار الحربي الرهيب الذي فرضته القبائل العربية عليها.
وتنم الرواية كذلك – استقاء من مرجعياتها المعرفية بكل تأكيد – عن طبيعة التركيبة السكانية لمنطقة ” شرق النيل ” بمنطقة الخرطوم الكبرى في تلك الحقبة ، حيث يكثر فيها ذكر العنج ، والنوبة ، والمحس ، والعبدلاب ، والفونج ، وجهينة ، والمغاربة ، مثل الشيخ ” حسوبة ود عبد الله ” في سوبا ، وكذلك الشيخ ” لُقاني ” وهو اسم جد البطلة ” صليحة ” الذي يذكرنا بدوره وبقوة ، باسم الحاج ” لقاني ” خال الشيخ حسن ود حسونة الذي قدم جده إلى أرض السودان من الجزيرة الخضراء من جزائر الأندلس كما جاء في سيرته بالطبقات.
وبالجملة فإن هذه الرواية تسوقنا حقيقةً ، في سياحة معرفية ووجدانية في غاية الامتاع والتشويق في دهاليز تاريخنا السياسي والاجتماعي الوسيط ، عبر معالجة روائية وفنية مبهرة ، مما يجعلها قمينة حقاً بالاطلاع.
المصدر:
http://www.sudanile.com/index.php?option=com_content&view=article&id=97615
الجسرة الثقافية: عمر فضل الله يوقع روايته أطياف الكون الآخر
أنفاس صُليحة رواية جديدة للأديب الروائي دكتور عمر فضل الله – أحمد حسن إمام
أنفاس صُليحة، أنفاس صُليحة
أنفاس صُليحة رواية جديدة للأديب الروائي دكتور عمر فضل الله.
وهذه بعض الحروف كتبتها علي عجالة وأتمنى أن تفيد ولا تقلل من شأن الرواية فمهما كتبت لن أستطيع أن أصف ما بها من جمال..
يستمر منبع نهر الإبداع في جريانه، يخبئ لنا في أعماقه أغلى وأنفس الكنوز، تشكل أمواجه وانسيابها حوارها الراقي والحنين مع الشواطيء يسحر المراقب بجمال صنع الله.. يروي ظمأ متشقق الجوف، تمرح الأرض وتضم ذراتها علي ضفتيه فرحاً بمواسم الارتواء ونمو الزرع، الشمس تمتص كل يوم منه في محاولة لتبريد جوفها المحترق ويليها القمر باحثاً عن الأنس الجميل..
هكذا هو نهر الإبداع الأدبي دكتور عمر فضل الله في مجري حروفه من منبع الفكرة وحتي وصول تدفق الحروف إلى مصبها (نحن القراء) فنقول شكراً يارب …
(ترجمان الملك)، ذلك الفيضان النافع الذي أخرج لنا كنوز تلك الحقبة المهمة من تاريخ السودان بما يحويه من ثراء معلومات غنية بدسم الفائدة والتعرف بشخوص ملهمة وفاعلة في رسم تاريخ وحضارة السودان وعلاقاته الداخلية والخارجية.. ونقله للأحاسيس المختلفة من فرح وخوف ونشوة وإثارة.. مساحة للعديد من التساؤلات التي تقودنا الى فتح باب الحضارة عبر بوابة الفنون والخيال الممزوج بالواقع..
وها هي رواية (ترجمان الملك) تقودنا عبر بوابتها الزمنية إلى (أنفاس صُليحة) فيقودنا الراوي عمر فضل الله الى ارتباط عميق جداً بين الروايتين ارتباطاً يجعل الرؤية التاريخية واضحة ويفتح باباً ضخماً للدخول الى تلك الحضارة وارفة الظلال ( السودان ) رصيد الحضارة الانسانية. ممالك وحضارات تنبض قلوبها من جديد وتضخ الدماء في أوردة الحاضر.
تفتح لنا رواية (ترجمان الملك) نوافذ جديدة للمشاهدة فتعود الحياة مرة أخرى عبرها لتلك الحقبة من تاريخ السودان النشأة والحياة ثم تعود الحياة مرة أخي ولكن لتروي لنا النهايات عبر رواية (أنفاس صُليحة) أجواء وتفاصيل نهاية مملكة علوة وتفاصيل الحياة عبر مسارح التشويق والإثارة عبوراً بعالم مقام الدهش…
(أنفاس صُليحة) هي امتداد لتلك الدماء الجارية في شرايين وأوردة التاريخ السوداني. هي نافذة أخرى فتحها لنا الأديب الروائي دكتور عمر فضل الله لمشاهدة تلك الحقبة التاريخية المهمة عبر قالب روائي وأدبي فائق في تميزه وتفرده يروي لنا ملابسات وحقائق انهيار مملكة علوة في قالب رائع وجميل.
لا أريد أن أبحر في تفاصيل الرواية حتى لا أفقدها المتعة ولكن أقول:
• إن كنت باحثاً في التاريخ السوداني والإنساني ففي رواية أنفاس صُليحة إجابات وقراءة جديدة للتاريخ.
• إن كنت من المحبين للروايات المشوقة والحبكة المميزة ف(أنفاس صُليحة) فيها كل ما تبحث عنه.
• هل أنت مهتم بالأنساب وهجرة القبائل العربية إلى السودان وارتباطها ببعضها وتأثيرها وأثرها في البناء المجتمعي والثقافي والقيمي للسودان؟ كل ما تبحث عنه ستجده أو تجد اشارات تقودك للفهم المطلوب في (أنفاس صُليحة).
• هل أنت مهتم بعالم الارواح وانتقالها عبر الزمن؟ فكن برفقة (أنفاس صُليحة).
• انت سياسي مهتم بفهم نفسية الحكم والحكام والمحكومين والتطور؟ افترش الأن الأرض وتمتع بالأنس السياسي مع (أنفاس صُليحة)
• هل أنت مهتم بكتابة السيناريو وصناعة الحوار فاقرأ بتمعن (أنفاس صُليحة).
• إن كنت مولعاً ببحور اللغة العربية والمفردات الرائعة والغريبة فعليك أن تحكي لنا قصة الجدة وتمضي الى الماضي قبل أن تسمع عنها وتروي لنا التفاصيل وترسم لنا المشاهد!
• وإذا كنت. وكنت …الخ من الاهتمامات فكن بصحبة (أنفاس صُليحة).
في قادمات نتحدث أكثر عن الرواية عدد الصفحات التبويب بعض المقتطفات…
• ترقبها قريبا بالمكتبات ..
أحمد حسن إمام.
هذا الصنف – قصة قصيرة – عمر فضل الله
عاد إلى الشقة متأخراً وهو يخبئها في الجيب الداخلي الذي طلب من الخياط أن يفصله له في موضع خاص فالناس لا ينظرون إلى هذه المواضع عادة. صعد الدرج إلى الطابق الخامس في ذلك المبنى القديم ذي النوافذ المنخفضة. دخل شقته وأوصد الباب بالمفتاح، ثم عاد ليتأكد من إغلاق الباب مرة أخرى. أكمل دورتين للمفتاح وتركه في القفل من الداخل.
– انتبه الصنف ده خطييييير..
مازال الحوار الذي دار بينه وبين صاحبه يتردد في أذنه. لكنه يعرف نفسه جيداً. جرب كل الأصناف لكنها لا تؤثر عليه فهو قوي كالثور.
– المرة دي ما زي المرات الفاتت يا فردة.. عموماً أنا حذرتك وانت المسئول.
– ياخ ما مشكلة انت عملت العليك..
– يازول أنا باتكلم جد..
– هات هات. جيب ياخ.. ما تضيع لينا زمنا ساكت بالكلام الكتير. خطير علىّ أنا؟ قال خطير قال..
خلع قميصه وبنطاله وبقي بتلك الملابس الداخلية المهترئة. تذكرها فأخرجها من الجيب الداخلي. بحث عن الولاعة وأخيراً وجدها داخل حذائه.. جلس على الأرض. وأشعلها. أخذ نفساً عميقاً. ثم آخر. ثم أطفأها راضياً.. سعل سعلتين قبل أن ينفث الدخان. وحين نفث بقوة هذه المرة أحس به يتسلل من عينيه إلى الخارج. الدخان خرج من جميع فتحات وجهه. خيل إليه أنه خرج من أذنيه أيضاً.. لابد أن هذا صنف جديد لكنه قوي. أعجبته الفكرة. ابتسم.. وامتدت يده إليها لتشعلها مرة أخرى لكنه جبن.. بقي متسمراً على الأرض وبقيت هي في يده. رأى وجه المرحومة أمه. كانت هناك. مستندة إلى جدار الغرفة. رآها تضحك ملء شدقيها. فزع لكنه تمالك نفسه ولوح لها بيده ليسلم عليها لكنها اختفت دون أن ترد السلام. انتبه إلى أنه ما زال يلوح بيده بعد أن اختفت صورة أمه.. نهض متثاقلاً وذهب إلى الحمام.. نظر في المرآة فرأى وجهه بالمقلوب. كان شعر رأسه للأسفل وذقنه في الأعلى بدلاً من شعر رأسه.. وعيناه أسفل خديه… أجفل وخرج من الحمام.. عاد مرة أخرى ونظر في المرآة ولكن بتردد وحذر هذه المرة.. رأى وجه امرأة يطالعه من المرآة. لم تكن هي أمه .. ابتسم فابتسمت. فتح فمه ففتحت فمها خرج وعاد مرة أخرى ونظر مكان المرآة . فلم يرها هذه المرة. ولم ير المرآة.. فرك عينيه فلم ير شيئاً. مجرد ضباب كثيف.. في عينيه يحجب الرؤية.
تحسس طريقه إلى سريره. لم يعرف إلى أين يتجه. رأى بصيصاً من النور فاتجه نحوه.. ارتطم بشيء يشبه حافة السرير لكنه عال جداً.. لماذا ارتفع السرير هكذا فجأة ياترى. رفع رجله ليصعد. فوصلت بعد جهد كبير. أمسك بتلك الحافة الخشبية. ورفع رجله الأخرى ليضعها على السرير. لكنها انزلقت في الهواء. لماذا أصبحت المسافة إلى المرتبة بعيدة هكذا فجأة.. رأى أنواراً تصعد إلى الأعلى.. والنوافذ تطير مرتفعة إلى السماء بسرعة كبيرة. ونظر فرأى النجوم والقمر. كان الليل هادئاً، والناس نيام.. ولم تكن هناك أي أصوات إلا صوت ارتطام شيء بالأرض شيء سقط من نافذة الطابق الخامس لذلك المبنى القديم على أرض الشارع .. ثم سكون.
صحيفة ألوان – أنفاس الكلام – الثلاثاء 21 ربيع الأول 1438 الموافق 20 ديسمبر 2016
حوار الأديان في رواية (ترجمان الملك) للدكتور عمر فضل الله! بقلم محمد العكام
لا شك أن الأنماط الدينية التاريخية التي تتمتع بها رواية (ترجمان الملك) تجعل منها منظومة أدبية لوحدها، حيث أنه تتعدد بها الملامح الأدبية المختلفة، وأن من يقرؤها لابد له أن يعيد قراءتها مراراً وتكراراً، ليستنبط منها دهشة الحكي والسرد التي ترتاب مخيلتك وأنت تقرأ كل هذا الزخم الهائل من المعلومات عن المنسي من تأريخ السودان، ولكن الأدهى والأمر أن تحاول استقراء السهل الممتنع لهذه الأدبيات من مشروع د. عمر فضل الله الروائي وأنت قارئ بسيط.
فمعنى الحوار في اللغة: مراجعة الكلام وتداوله، والمحاورة: المجادلة، والتحاور: التجاوب، وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام، ومنه قولهم: لم يُحِر جوابا أي: لم يرد ولم يرجع الجواب؛ فمرجع الحوار للتخاطب والكلام المتبادل بين اثنين فأكثر. والمعنى اللغوي العام للحوار هو مراجعة الكلام والحديث بين طرفين، فإذا أضيف إلى الأديان أصبح معناه ما يدور من الكلام والحديث والجدال والمناقشة بين أتباع الأديان، وهذا يدل على أن معناه عام متعدد الأشكال والصور والأنواع بحسب نوعية الكلام والمناقشة. أما مدلوله الاصطلاحي فهو مجمل غامض، لأنه يستعمل بأكثر من معنى، فهو يحتاج إلى بيان أنواعه والفروق بينها. فعبارة «الحوار بين الأديان» تشمل معنى صحيحاً ومعنى باطلاً يحتاج كل منهما إلى بيان وتوضيح.
إن مسألة التأريخ تشكل دائماً النموذج الذي يملك المجتمع الدراسات الإنسانية وحقائق التأريخ في قوالب أدبية متعددة الإنتاج، لكن هنا في رواية (ترجمان الملك) شيئاً ما يتمرد علي العقل ويسرح بك الخيال ليمتزج مع الحقائق التي نقبها الراوي في الفترة ما بين 340 ميلادية إلي 600 ميلادية لتأريخ مملكة (علوة) المسيحية في عهد الملك (النجاشي) ملك الحبشة والعلاقات الإنسانية من مرحلة غامضة لتأريخ تم سرده بحرفية عالية من خلال التشويق والتسلسل الحدثي، والإبداع في الحوارات مما يجعلك أحد أبطال الرواية وأنت متاح لك الاختيار كيفما تشاء، وقد اتسمت الرواية بالتشخيص الإيجابي في النضج الفكري لصناعة الرواية ومنهجها الجيد الذي ينم عن عبقرية الراوي. وبحكم أنني لست ناقداً وكوني قارئاً بسيطاً استلهمت الرواية شغفه في أن يسبر غورها، أجدني أتقمص شخصياتها وأعيش دورها، وهي تضفي إلي حبي للدراسات الأدبية وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا الموفور بين طياتها، شيئاً من المتعة، ثم جذبتني لأعيش نوستالجيا عهد ذلك (النجاشي) الملك الذي لا يظلم عنده أحد كما قال سيد المرسلين سيدنا (محمد) عليه أفضل الصلاة والسلام، وهجرات المسلمين القادمين في عهده من مكة للاحتماء بمظلة عدالته هروباً من قبضة قريش وعذابها.
لقد استطاع الراوي أن يجمع ما بين الكنيسة (المسيحية) والإسلام في قالب أدبي لحوار الأديان لتلك الحقبة من تأريخ السودان المنسي لــ(مملكة علوة المسيحية) وسكانها الذين كانوا يطلقون عليهم اسم العنج، وهو مؤرخ لا يشق له غبار في ذلك. ويحكي لنا بلسان (سيسي) ابن دلمار بن أرياط (ترجمان الملك النجاشي)، مستصحباً أدوات الشروح والتمحيص في حوار للأديان (Interpath) من خلال نصه المشبع بالخيال والحقيقة، لأن هناك شروط عديدة بين أصحاب الديانات المختلفة، كالدعوة إلي رب السموات والأرض، بالحكمة والموعظة الحسنة والابتعاد عن العنف وكل ما يؤدي له، والتعصب لفريق معين علي حساب فريق آخر، واستخدام العقل وجوهره في جميع الأمور، واعتماد أساليب البرهان الذي يحق الحق ويزهق الباطل. والإقناع أيضاً والإيمان الكامل بالدين ومبادئه الأساسية والأهداف التي جاء بها والتوسع باستخدام العلم في الحياة الدنيوية والدينية، والحث علي الاستقلالية في التفكير. كان دلمار بن أرياط (ترجمان الملك) هو النموذج للكنيسة عندما يأتي العرب إلي الحبشة بغرض التجارة أو غيرها، فأمية إبن أبي الصلت الذي ترك بناته في اليمن وجاء إلي (سوبا) ليحاور الأسقف حول المذهب الذي تتبعه الكنيسة في مملكة (علوة) _والمعروف أن أمية بن أبي الصلت موقفه من الرسول (ص) حينها_ كان مُحباً للسفر والترحال، فاتصل بالفُرس في اليمن وسمع منهم قصصهم وأخبارهم، ورحل إلى الشام في رحلات تجارية وقصد الكهان والقساوسة والأحبار وسمع وعظهم وأحاديثهم، وكان كثير الاطلاع على كتب الأديان والكتب القديمة فاطلع على التوراة والإنجيل كما أنه كان كثير الاختلاف والتردد على الكنائس ورجال الدين، وكان مُهتماً بيوم البعث والحساب والجنة والنار فكان يكثر من ذكرها بأشعاره وأسجاعه، وكان أحد رؤوس الحنفاء في الجزيرة العربية المُنادين بتوحيد الخالق ونبذ الأوثان وما دون الله. والحنيفية قبل الإسلام كانت مدرسة ناشئة تجديدية تأثرت باليهودية والنصرانية وأدركت الوضع السيئ لحال العرب الديني الجاهلي، فالتجأت إلى التوحيد والأمر بالارتقاء العقلي والأخلاقي والثقافة والتعلم، غير أن الأحناف لم تكن لهم عقيدة معينة فكانوا يختلفون بآرائهم ويجتمعون على التوحيد ورقي التفكير، وأمية بن أبي الصلت يُعد أشهر هؤلاء الأحناف مع قس بن ساعدة وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث، وغيرهم. وهنا في رواية (ترجمان الملك) نجد كل ذلك وهو يجادل ويحاور الأسقف والكهنة حول تأريخ الكنيسة ليرد عليه رئيس الكهنة في (صفحة 26 ) من الرواية قائلاً :
(( أنت سمعت القصة المختلفة من أهل غزة يا ” إبن أبي الصلت ” وهم يزعمون البشارة وصلت إلينا عن طريق “متي” العشار حين أمره “بطرس” بالقدوم إلي بلادنا بعد بني كنيسة روما، في العام 62 لميلاد المسيح له المجد، لتنفيذ وصية المسيح بتلمذة جميع الأمم، ولكنني أؤكد لك أن هذه قصة لا أساس لها وأن “متي” تنيح قبل أن يصل إلي بلادنا، وأن من جاء إلينا بهذا النور هو جدي (فرمنتيوس)، بعد أن تمت رسامته من قبل (أثناسيوس) بطريرك الإسكندرية عام 326، وهو أول مطران لبلادنا. وأنت تعلم أنه بعد مجمع (نيقية) ثم مجمع (خلقيدونية)، عام 451 انفصلنا عن روما وغيرها وأنني كمطران لكنيسة علوة لا أتبع إلا للإسكندرية. ))
ثم قال رئيس الكهنة لأمية (صفحة 28):
أنا مندهش من إجتهادك من أجل معرفة عقائد الكنيسة ( يا إبن أبي الصلت ) مع أنك أخطأت فهمها. وعلي كل حال أنت حر في أن تعتقد ما تشاء، ولكن مذهبنا هو الحق الذي أقره مجمع “أفسس” منذ عام 431 ميلادية. … إلخ !
وكل هذا السرد، لم يكن مقنعاً لــ(لأمية إبن أبي الصلت) فجعله ضاحكاً وهو يقول لرئيس الكهنة أنني أتفق معك ولكن كان رأيه مغايراً لأن دلمار كان يترجم (الإنجيل) لأمية ولذلك كان يعتبر أن ترجمة دلمار للإنجيل هي الصحيحة حيث أن دلمار _ حسب ما قاله سيسي _ قال لكبير القساوسة (صفحة 81) من الرواية :
_ ((أنتم تقرأون في الكنيسة من نسخة وصلت إليكم من الإسكندرية وفيها نصوص مترجمة تخالف ما تعلمناه من الكهنة الذين توارثوا هذا العلم منذ عهد (فرمنتيوس السرياني) وتناسيتم الترجمة الحبشية الأصلية التي عمرها أكثر من مائتين وخمسين سنة والتي كتبها فرمنتيوس السرياني باللغة الآرامية لغة المسيح، واعتمدها عيزانا ملك أكسوم منذ العام 340 حين تحولت جميع بلادنا إلي المسيحية. وهي محفوظة عندي. هذه هي الترجمة التي يجب أن تسود في بلادنا وليست الترجمة القادمة من الإسكندرية يا نيافة الكاهن.))
ولذلك كان أمية يستنبط ويستوعب الدروس والمحاضرات من الكهنة والقساوسة عن الكنيسة أكثر مما يقوله في المقارنة، وبالطبع هي ما كانت ترنو له حينها الكنيسة في ذاك الوقت لتنفيذ الوصية بأن الكنيسة تعلم الإنسان المحبة والتسامح والرفق والاهتمام بالإنسان والحياة واعتبار قدسية الحياة والحفاظ عليها من أجل سعادة الإنسان وأمنه ورفاهيته. والرواية مليئة بالأحداث التي تنقلنا بين طيات صفحاتها عن حوار الأديان. و حوار الأديان هو مصطلح يُشير إلى التفاعل، والبناء الإيجابي بين الناس من تقاليد دينية مختلفة، ومعتقدات روحيّة، وإنسانيّة سواء كان ذلك على مستوى الفرديّة، والمؤسسيّة، وهو يختلف عن التوفيق بين المعتقدات أو الدين البديل؛ حيث يتم في هذا الحوار تعزيز التفاهم بين الأديان أو المعتقدات المختلفة لزيادة قبول الآخر، بدلاً من تجميع معتقدات جديدة.
فعندما زار (الزبير) مملكة (علوة) أخذه (سيسي) بن دلمار ليتجولوا في طرقات سوبا، فــ(الزبير) من أقارب الرسول (ص) وهو إبن خاله، ويصفه (سيسي) ( صفحة 87) من الرواية قائلاً :
(( كان (الزبير) مختلفاً عن كل من عرفتهم من الأصدقاء. لم تبهره روعة سوبا ومبانيها وحضارتها، ولا حتي كنيسة (مارية). ))
فكان الزبير صامتاً بليغاً في صمته، في تجواله مع (سيسي) إلي أن دخلا النيل، وقد يدلنا هنا الحوار التالي لما يشكل علاقة الإسلام بالتسامح بتشريح إيجابي للكنيسة، وأن الإسلام كان دائماً يعلم التسامح ويفرضه حيث وجد. هذا في حين أن بقية الأديان الأخرى، وبخاصة الأقرب إليهم كاليهودية والمسيحية، كانت متعصبة وغير متسامحة، عكس ما كان يتحدثون به، قال (سيسي) ظل الزبير صامتاً ولم يجبني، وخرج من الماء علي الشاطئ ومد يده وغرف من الماء، وذاقه ثم شرب، ثم اغتسل بنفس الطريقة التي رأيتهم يفعلونها في بيت (تانيشا).
_ أنتم تغتسلون كثيراً يا زبير! رأيتك تفعل هذا في البيت.
_ نتوضأ لكل صلاة! هكذا علمنا النبي.
هنا يريد الزبير أن يلقن (سيسي) بسلاسة أن نبيه، كيف كان يعلمه الدين الاسلامي، كما كان يشرح (سيسي) لأمية إبن أبي الصلت ماهية الكنيسة وما تحويه من تقاليد دينية. قال الزبير بذات الحوار.
_ ولكننا نتوضأ للصلاة، بل نصلي هكذا مباشرة. هل نبيكم نصراني أيضاً يا زبير؟
_ لا لا .. نبينا مسلم ونحن مسلمون.
_ من هو هذا النبي؟
_ محمد بن عبد الله، هو رسول المسلمين! وهو إبن خالي، وزوج عمتي خديجة بنت خويلد.
_ أنت ابن عمة نبي ؟!
إنها دهشة الحوار والكتابة الإبداعية التي أمتعنا بها الراوي، والتسلسل في أحداثها بحيث أنك لا تستطيع أن تنفك منها، وهذا دلالة علي أن الراوي له إستراتيجياته في الكتابة، بالإضافة لأنه يمتلك ناصية من المهارات لتحقيق التواصل والإحاطة المعلوماتية الدقيقة من خلال الخيال والحقائق، للإقناع والتفاعل مع الآخرين داخل النص.
ثم يواصل (الزبير) الحوار مع (سيسي):
_ نعم .. أمي صفية بنت عبد المطلب، وأبوه عبد الله بن عبد المطلب.
وهكذا يسرح بنا الحوار والتخيل. سأل (الزبير) هنا (سيسي) بعد صمت وتفاصيل كثيرة:
_ هل (النجاشي) نصراني؟
_ نعم نعم وكذلك جدي وأمي وأنا.
وكأنما هنا يريد أن يمجد ويفتخر بديانة الكنيسة كما إفتخر له (الزبير) بإبن خاله (محمد) رسول المسلمين، صل الله عليه وسلم، ثم يستمر في مدح جده (دلمار) بأنه يذهب للكنيسة وهو يعرف الأناجيل ويقرأ الكتاب المقدس ، إنه بارع جداً .. وهو يملك أقدم نسخة من الإنجيل في علوة. توارثها عن أجداده ولكن الكنيسة لا تقدر أن تنتزعها منه لأن لجدي نفوذاً كبيراً عند النجاشي.
وهكذا تأخذنا رواية (ترجمان الملك) بين هذه الحوارات حتي نهايتها، ولا يمكن لهذا المقال تشريحها كلها، ولكن هذا غيض من فيضٍ كثير للغموض الذي يكتنف التأريخ في هذه الرواية بوصفه معرفة، والتأريخ بوصفه حدثاً هو علامة علي أن التأريخ عبارة عن طريقة منضبطة يريد أن يقولها لنا _ د. عمر فضل الله _ لتصور الماضي. إنها حقاً رواية مختلفة تماماً عما نقرأه في الساحات الأدبية. وهي من روايات التأريخ المشيد بروحية الحداثة والذي بدوره هو تأريخاً تنويرياً يستند إلي تقنيات كـ(البحث في الماضي) والسعي وراء أخلاقيات معينة أرادها الراوي أن تكون سياحية تاريخية روائية بتكنيك المحترف في الكتابة الإبداعية داخل قالب حداثوي كما قرأناه في هذه الرواية التاريخية (ترجمان الملك).
وختماً حاولت جاهداً من خلال هذه الومضة أن أجوس سريعاً مع (حوار الأديان _ Interpath) في ديار مملكة (علوة المسيحية) آخذاً نماذج خفيفة داخل هذا النص من الرواية التي تجمع أيضاً أنماطاً أدبية أخري .
والله ولي التوفيق والمستعان
محمد العكام
كسلا _ السودان
13/ ديسمبر 2016 م
مقتطفات من رواية نيلوفوبيا – عمر فضل الله: الجنازة
حفيف المعاول وهي تحفر القبر يهمس لي بأنني السبب في موت صلاح ويتوعدني بنفس المصير. الذين نزلوا داخل اللحد اختفوا عن الأعين يحفرون وأنظر فلا أرى إلا رؤوس (الأجَمَات) والمعاول و(الكواريق) تظهر وتختفي والتراب يطير من داخل اللحد في الهواء ليستقر على جوانب القبر ويؤكد لي موت صلاح. العيلفون كلها اصطفت خلف شيخ الزين إمام مسجد الشيخ ادريس لصلاة الجنازة في ذلك اليوم. ربما اصطفوا ليقدموا التحية لصلاح أو ليعتذروا أنهم لم ينقذوه من النيل. كان في كفنه الأبيض نائماً لم يستيقظ ليقف مع المصلين. وأنا لم أقف معهم ولكنني ذهبت لأنظر داخل القبر. اللحد المحفور فغر فمه وكاد يبتلعني. وحين أجفلتُ همس لي أنه سيأخذ صلاح بدلاً مني حالياً ولكنه لا يطيق الانتظار ليأخذني أيضاً. وسيكون ذلك قريباً جداً. أقرب مما أتصور. وهو الآن مشتاق ليضم صلاح ولو استطاع لزحف نحو الجنازة فأخذها ثم أغلق عليها إلى الأبد. عيون الموتى كانت تخرج من تلك القبور وتحدق فينا من كل مكان، تبحث عني وتتربص بي، وأكفان الأطفال الموتى تطاردني. وتسألني متعجبة كيف لم أمنعه من الذهاب للنيل؟ وأنا الذي ما كنت أعلم أنه سوف يفعلها. ذهب ليلعب مع النيل ولم يكن يدري أن النيل ليس له صديق ولا يحب الأصدقاء. يا أيها الموتى أسألكم بالله هل القبر الذي سيضمه ضمة أبدية أرأف به أم النيل الذي كتم أنفاسه وأخذ روحه وكاد يأخذه ويذهب به عبر البلاد ثم لا يعود؟ اشتهت روحي البائسة أن تتبادل الأمكنة مع روحه المطمئنة ولو قليلاً حتى يسكن رَوْعي ويعود قلبي لمستقره داخل تلك الضلوع. أتمنى أن أُدْفَنَ معه في جوف هذا القبر ولو يوماً واحداً. أرجوك أيها القبر ضمني إليك مع صلاح ثم أغلق أبوابك ولا تفتح لأي طارق أبداً.
شيخ الزين رفع يديه وكبر التكبيرة الأولى لصلاة الجنازة وأنا ركضت وتمددت جوار صلاح على النعش. شيخ الزين نظر إلينا ولم يقطع صلاته. رأيت دمعتين تستبقان على خديه لما رآني ممدداً بجوار الجنازة. نظر إلى الأرض وأكمل. الدمعتان تحدرتا فوق لحيته وتسربتا إلى ذقنه وعنقه وتغير صوته فأصبح مثل أنين المصاب بالحمى حين نطق التكبيرات الثلاث الباقية. والتكبيرات خرجت من جوفه وليس من لسانه. نطقها ولكن بفؤاده والمصلون خلفه رددوها بأفئدتهم التي أخذت تختلج وتهتز. عم حسن كان واقفاً مصطفاً خلف الإمام. نظر إلى جنازة صلاح والناس يصلون عليها. ضربته صاعقة الحزن وذاق جسده رجفة المذبوح. دموعه لم تطق انتظار التكبيرات كلها. ما الذي يجعلها تنتظر؟ وبعضهم قطع الصلاة وأسرع نحوي ليبعدني من الجنازة وأنا تشبثت بها حتى كدت أنزع الكفن من جسد صلاح. وأبعدوني رغماً عني. البصير كان قوياً فحملني بين يديه ورغم أنني عضضته حتى سال الدم من يده إلا أنه لم يتركني وأبعدني عن الجنازة. القبر قوَّسَ ظهره الترابي فوق صلاح كأنه يغار عليه ويخشى أن نحفر فنستعيده. والريح شاركت العيلفون البكاء تحت شجرة السيال وقمرية ناحت قليلاً على الغصن وخنقتها عبرة الحزن فأخرستها، ثم حلقت فوقنا وصفقت بجناحيها ولطمت وهي تغادر المكان، ربما لتبكي حيث لا يسمعها أحد. النساء لا يخرجن مع الجنازة في قريتنا وأمي لم تكن معنا ولم تر ما فعله عم حسن. حين تلفت باحثاً بالغريزة عن ابنه صلاح ليضمه فلم يجده جاء فحملني بين يديه وضمني بقوة. ذراعاه القويتان أوجعتاني لكن دموعه على وجهي وعنقي أوجعتني أكثر وفَطَرَت فؤادي. تلك الدموع بقيت الدهر كله تؤرقني وتفري كبدي. كان صلاح هو وحيده الذي أنجبه عند الكبر. ولكن صلاح ذهب مسرعاً. وعم حسن بحث عن ابنه ليضمه بين ذراعيه وحين لم يجده بكى عليه بصوته العميق المفجوع الممتليء حزناً حتى فقد بصره. رأيته بعد ذلك يمشي ويتخبط في الطرقات على غير هدى وهو يستكشف ما أمامه بعكازته يحركها يميناً وشمالاً حين يسير. كانت طرقات عكازته على الأرض تقول لي أنت السبب! أنت السبب.! أنت فجعتني في ولدي.. كنت إذا رأيت عم حسن يسير في الطريق أفر هارباً وتضطرم أوصالي خوفاً وندماً وأبحث عن البكاء ليريحني فلا أجده.
ناصر ساتي: أنفاس صليحة سوف تثير جدلاً كثيفاً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي
كتب دكتور ناصر ساتي عن الرواية بعد أن أكمل قراءة الفصل الأول:
صباح الدعاش يا صديقي صاحب القلم الأنيق والخيال المدهش والثقافة التاريخية الجاذبة بحقائق جديدة كثيرون لم يكونوا ليسمعوا بها ..أنا الآن أقرأ في هذه الرواية التي تسابق عيني كلماتها بلهفة لتنتقل إلى التي تليها من مشاهد ومعلومات ترسم صورة جديدة عن تاريخ علوة لم تكن لتتشكل في تفاصيلها إلا بعد هذا العمل الأدبي الرفيع بأسلوبه في السرد الشيق. الرواية تقدم للقاريء رسالة تربوية وتعليمية كم نحن بحاجة إليها الآن لمعرفة عواقب الخلافات الداخلية وأهمية التحالفات الإقليمية مثل ما فعلت علوة عندما مدت يدها للأحباش و البجة.. فجميل تسليط الضوء على جوانب تفتح عقل المتلقي لكون أن التحالفات الاقليمية مع الأحباش ليست جديدة والاصطفاف الداخلي ليس جديداً كما في حالة تحالف البجا مع النوبة في علوة.. جميل أن نرى أسماء شخصيات الرواية مستمدة من ثقافة السودان القديم ذلك لأهمية الأسماء باعتبار أن الاسم شارة من شارات الهوية. أعتقد أن هذه الرواية سوف تثير جدلاً كثيفاً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ونقاشاً بين المهتمين بالتاريخ وهذا هو ما يجب أن يكون ضمن أهداف أي عمل روائي بحيث يخلق دافعاً جديداً لدراسة تاريخ البلد والاستفادة من العبر السابقة بحيث أنه إذا غرقت السفينة فالكل سوف يغرق. عموماً أنا الآن أكملت الفصل الأول فقط وسوف أواصل قراءة بقية الفصول لما لها من عنصر تشويق أدبي ومعرفي يدفعني إلى ضرورة استكمال القراءة و التحليل.
شكراً أيها الروائي الجميل دكتور عمر فضل الله ..وفقك الله دائماً وأنت تقدم وتسهم بفكرك الثاقب و الواعي.
ناصر ساتي
الدكتور عمر فضل الله ورواية أنفاس صُليحة – بقلم هيثم أحمد الطيب
جزء من مشروع الدكتور عمر فضل الله الروائي اتساقه مع (رواية المعرفة)،الرواية التي تنتهج فضيلة السردية الجميلة برؤية تقديم معرفة تاريخية واجتماعية،تحاول قراءة التأريخ بطريقة توثيقية، و(رواية المعرفة) فكرة روائية لم نصل بعد لكي تكون جزءً من مباحثنا الكتابية في السودان، ورواية (أنفاس صُليحة) هي جزء من هذا المشروع الكتابي ..
هي تحاول قراءة التأريخ بالحقيقة الكاملة،ثم فتح مسارات الحياة الاجتماعية لمنطقة سوبا وتعقيدات ذلك الزمان، ومباحثه ، ومناهجه التي لم يقترب منها قلم أو رواية أو توثيق على طريقة (رواية المعرفة)..
هذه الرواية التي قامت على فحص وتشريح تاريخي واجتماعي لتاريخ سوداني، أعتبرها الاضافة الواثقة التي تقول لنا : (هيا للتأريخ ككتابة روائية، ليس استلهاماً أو توثيقاً فقط،بل عبر النظرة الكاملة لرؤية منطقة كاملة، بتأريخ اجتماعي وسياسي وديني، والتعابير الدينية الموسومة والغير موثق لها)..
هذه الرواية تضع (صُليحة) ليست محوراً لها، بل إشارة من ضمن إشارات متعددة ومختلفة تقرأ وتوثق التأريخ، (صُليحة) البعد التوثيقي والمعرفي في الرواية، تقرأ نفسها عبرها، وتأريخ مجدها ومجد أهلها، ثم تكتب بنفسها رؤيتها لذلك..
منطقة سوبا، منطقة سودانية، لم نعرف الطرق لمعرفتها بالكامل، في هذه الرواية نكتشفها ونقرأها بسردية عميقة ترسم نقاط وصل اجتماعي بين المجتمع ولم نكن نعرف ذلك..
بقراءتنا لهذه الرواية نعرف مجتمع ومملكة، صراعات وتناقضات، تعقيدات اجتماعية وهجرات، رؤية دينية واجتماعية لناس مختلفين دينياً، رواية عمقها في صوتها الداخلي عبر (صُليحة)، وأصواتها المتناقضات والمتفقات، في سردية لا تأخذك للتأريخ، بل تضيف لذلك واقع اجتماعي وتجليات صوفية وتفاصيل هجرات مجموعات انسانية،كانت سوبا مهجراً لهم..
هي رواية تأخذ منها معرفة بكل تفاصيلها، التأريخ جزء، والناس كذلك، ثم متبابينات دينية وتدفقات سكانية في مناطق أخرى، هي نفسها تأريخ كتابي ومعرفي وديني..
ذاك المشروع الروائي للدكتور عمر فضل الله، يرتكز على صياغة معرفة في رواية، ومتعة سردية في تحقيق تأريخي، ثم اشارات متبانية لمجتمعات سودانية..
احتفائية الصحافة برواية نيلوفوبيا – عمر أحمد فضل الله
عمر أحمد فضل الله و رواية «نيلو فوبيا»
احتفائية الصحافة بالإصدارات والكتاب
كتب أحمد عوض لجريدة الصحافة
احتفى الاتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين أمانة السرد والنقد وامينها الناقد محمد الجيلاني ودار مدارات لصاحبتها الناشرة الشابة سناء ابو قصيصة ظهر الاربعاء الماضي بصالة المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون بصدور رواية الكاتب الدكتور عمر أحمد فضل الله الصادرة عن دار مدارات وتحدث حول الرواية الناقد الاستاذ عز الدين ميرغني الذي اشار الى انها رواية واقعية تحكي قصة مأساة غرق الباخرة العاشر من رمضان في بحيرة النوبة بشمال السودان وجنوب مصر وعلى متنها 60 طالبة من ثانوية الجريف شرق ومعهن إدارة المدرسة في ثمانينات القرن الماضي. تدور أحداث الرواية في ـ العيلفون ـ تلك القرية التاريخية التي تعتبر أنموذجاً حياً وشاخصاً لأنماط الحياة في القرى السودانية في تلك الفترة، نيلوفوبيا تحكي قصة حياة أحد الشباب والمؤثرات الاجتماعية التي شكلت شخصيته وحادث غرق صديق الطفولة الذي أوجد في نفسه رهاب النيل وظل ملازماً له طوال حياته كما تقدم وصفاً واقعياً لحياة الطفولة في تلك المنطقة وجوانب من الحياة الطلابية والمدرسية والحياة السياسية والتاريخية للمنطقة وتربطها بحاضر وحياة سكانها، كما تضمنت الرواية وصف الرحلة بالقطار من الخرطوم إلى مصر وجوانب الحياة الاجتماعية في منطقة شمال السودان وارتباط تلك القرى والمدن بالسكة الحديد والمسافرين كما وصفت بعض الأماكن التاريخية والأثرية في القاهرة وجنوب مصر ووصفت في مشاهد مروعة حادث غرق الباخرة وما تلاه من أحداث، الرواية مليئة بالجوانب الإنسانية في لغة شاعرة وأحداث متتابعة تشد القاري.
وأشار عز الدين ميرغني الى ان الرواية حوت ملامح السيرة الذاتية يتمثل ذلك في ان الكاتب ذكر اسماء لاماكن واشخاص باسمائهم الحقيقية وأكد انه لابد من التفريق بين التخييل والواقع حتى يتم تجنيس العمل الى رواية او غيرها، إذا كانت الرواية في أحد تعريفاتها هي الفن الذي يُوفق ما بين شغف الإنسان بالحقائق وحنينه الدائم إلى الخيال، فالنص السردي إذاً يقوم على اقتناص الأحداث الواقعية وبلورتها وتحويرها لكينونة لغوية تحيلها من الواقعي إلى الجمالي في إطار بنية سردية محكمة، عادة ما تتضمن النصوص الأدبية هوية كاتبها، لكنها في المقابل لا تملك حداً فاصلاً واضحاً وملموساً بين الواقع والخيال، أو بين الخيال الذي يصير واقعاً، والواقع الذي أمسى أكثر غرابة من الخيال.
صحيفة الخليج: توقيع رواية نيلوفوبيا وتواجد متنوع من القراء والمثقفين في معرض الشارقة للكتاب

حفل يوم أمس الأول بقائمة كبيرة من الكتَّاب الذين قاموا بتوقيع مؤلفاتهم في الركن المخصص بالتوقيعات في المعرض، في شتى صنوف المعرفة في الأدب والعلوم.
وقع رئيس مجلس الشارقة للتعليم، عضو المجلس التنفيذي ورئيس جمعية المعلمين في الإمارات الدكتور سعيد مصبح الكعبي كتابه «تحديات تنفيذ استراتيجية وزارة التربية (2010-2020) من وجهة نظر مديري المدارس». حرص مؤلف الكتاب على التفاعل المباشر مع جمهور القراء والمثقفين والمتخصصين في الدول الخليجية والعربية والعالمية ومناقشة أفكاره التي يطرحها والاستماع والتعرف إلى ردود أفعالهم ورؤاهم بشأن القضايا والتصورات التي يحتوي عليها، لا سيما أنه يناقش شأناً مجتمعياً مهماً وهو قطاع التعليم في الدولة.
اشتملت التوقيعات على رواية «سطحي» للإماراتي محمد السركال وصدرت باللغة الإنجليزية «Shallow» وهي تتناول قصة كلوي، الفتاة الشابة الخجولة التي تعيش مع والدتها وشقيقها الأصغر هانك في مدينة روستوك الألمانية، وتحرص على حماية شقيقها الأصغر طوال الوقت، ويروي الكتاب أفكارها وتجاربها أثناء سفرها في رحلة للبحث عن هويتها واكتشاف ذاتها.
بدوره وقع الروائي الجزائري واسيني الأعرج روايته الجديدة «حكاية العربي الأخير»، إضافة إلى عدد من أعماله القديمة التي صدرت حديثاً.
وشهدت أروقة الركن توقيع ديوان «يا إمارات» للدكتور شهاب غانم، و«نصف البرجر» لبراءة العزاوي، و«بوليفارد» لجمال السميطي، ورواية «هايبر» لعلاء عبد الهادي، ورواية «ذاكرة الكورفيدا» للخطاب المزروعي، وكتاب «ومضات استراتيجية من المنجزات العلمية لمركز بحوث شرطة الشارقة خلال الأعوام 2010 2015» للرائد عبدالله محمد المليح، وديوان «ممكن جداً» لدايا إلياس، ورواية «أقدار البلد الطيبة» لعبدالله الوصالين الذي وقع أيضاً مجموعتين قصصيتين جديدتين هما «وميض الأزمنة المتربة»، و«أمشاج»، ورواية «نيلوفوبيا» لعمر فضل الله، وكتاب «المصرفية الإسلامية مفاهيمها وخصائصها وتطبيقاتها» لإبراهيم العبيدي.
وقع باسل عبد العال ديوانه «لا شيء فيك سواي» ومحمد الغنيري ديوان «عطرها»، وفاطمة عطفة «هدهدات مريم»، بينما وقع القاص علي الجاك مجموعته القصصية «غيوم وحجارة»، وعلي الكنعان مجموعته الشعرية «غيوم الخشخاش»، ومحمد ثلحي «قصب الملح»، ومنى كامل تركي «جرائم الاعتداء على الأطفال»، وجورج يرق روايتي «حارس الموتى»، و«ليل»، بينما وقعت جيهان جلال «دمى وأزياء من عالم ألف ليلة وليلة»، كما وقعت بدرية الشامسي كتابها «حاسة كاذبة جدا»
وفي ديوانه «يا إمارات»، يتغنى د شهاب غانم بدولة الإمارات، يبذل الحب قصائد على جنبات الوطن، ويتغنى بإماراتها، ويمجد قياداتها، وشهداءها الذين بذلوا الدماء في سبيل عزتها ومجدها.
أما «ومضات استراتيجية من المنجزات العلمية لمركز بحوث شرطة الشارقة خلال الأعوام 2010 2015»، فيسلط الضوء على أداء مركز بحوث شرطة الشارقة خلال خمس سنوات ماضية، وتحليل الوضع الراهن للمركز، ووضع خطة استراتيجية شاملة ومتوائمة مع الرؤية الاتحادية.
وتتميز رواية «هايبر» لعلاء عبدالهادي بأنها تجمع بين الرواية والسيرة الذاتية، وتعتبر الأولى من نوعها في المكتبة العربية، تحكي قصة أب مع ابنه وهو الطفل الذي يعاني فرط النشاط الحركي، والرواية تنبه الأهالي إلى خطورة هذا المرض الذي قد يؤدي إلى إيذاء الطفل نفسه، فمحاولة استيعاب هذا المرض من قبل الأهل ضرورية، والكتاب يرصد بأسلوب أدبي معاناة الأسرة مع هذا الطفل، حتى استطاعوا أن يعبروا به إلى بر الأمان وأصبح مهندساً متخصصاً في أدق فروع «الميكاترونكس».
هيثم أحمد الطيب: رواية ترجمان الملك هي الطريق لتحقيق المعرفية
رواية (تُرجُمان الملك) للروائي دكتور عمر فضل الله،ليست قراءة للتأريخ أو توثيقاً له،هي التحالف بين ذلك مضافاً له حركية سردية تعرف كيف تفتح للقاريء مسارات اكتشاف الرواية نَفَسَها وصخبها..
الرواية (معرفة)،ثم متعة قراءة سردية،واكتشاف لعالَم ثاني وروائي يكتب للاكتشاف وليس للإمتاع فقط،وهنا الفرق بين رواية معرفية ورواية للقراءة فقط..
كثيراً ما كنت أقول لطلابي وطالباتي في الدورات التدريبية الإعلامية إن (الرواية المعرفية) حركية إعلامية حقيقية،والأعمال الأدبية هي (معرفة)،للتأريخ والانسانية..
نفتقد فلسفة ورؤية (الرواية المعرفة)..
الرواية (فكرة وخيال)..
الخيال (معرفة حقيقية)..
فلو كان الخيال مع الحقيقة التأريخية في تحالف سردي،فهذا هو جمال (الرواية المعرفة) التي نحلم بها..
(تُرجُمان الملك) تحقق الفكرة المفتقدة في عالمنا،أن تكون لنا فلسفة معرفية في الرواية،لليقين أن الرواية تشكل رؤية إعلامية،والمعرفة من باب الإعلام تأتي..
قرأت رواية (تُرجُمان الملك) وفي ذهني سؤال : هل تحقق هذه الرواية (رؤية معرفية،مضافاً لها خيالاً سردياً)..؟
واكتشفت تحقيقها لذلك..
تطورنا المعرفي يتحقق بهكذا روايات..
تطور العالم معرفياً يتحقق برؤية أن تكون الرواية باباً للمعرفة والعلم..
لماذا لا تحقق الرواية السودانية هذا الحلم،يمكن أن تحقق معرفة وامتاعاً في تحالف بين الحقيقة والخيال..
الرواية بجدلها ووزنها بين أجناس الأدب هي الطريق لتحقيق (المعرفية)..
وانتاجنا الروائي السوداني يبدو كثيفاً بعض الشيء،فحلمنا فيه تحقيق (معرفية بنا وبإنساننا،ثقافتنا وحركتنا كلها)،معرفة كثيفة وقليلاً من خيال يجعلنا نقول للعالم (هذه رواياتنا)..
هكذا نحن..
وهذا هو الحلم..
برواية (تُرجُمان الملك) للروائي الدكتور عمر فضل الله تحقق بعض الحلم..
معرفة بتأريخنا،ثم خيال بين ثنايا التأريخ يحكي ثم يحكي..
ندوة رواية نيلوفوبيا – الإتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين أغسطس 2016
[fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”yes” min_height=”none”][metaslider id=15650][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]
صدور رواية نيلوفوبيا
صدرت عن دار مدارات للنشر رواية نيلوفوبيا. وهي رواية واقعية تحكي قصة مأساة غرق الباخرة العاشر من رمضان في بحيرة النوبة بشمال السودان وجنوب مصر وعلى متنها 60 طالبة من ثانوية الجريف شرق ومعهن إدارة المدرسة في ثمانينيات القرن الماضي. تدور أحداث الرواية في “العيلفون” تلك القرية التاريخية التي تعتبر أنموذجاً حياً وشاخصاً لأنماط الحياة في القرى السودانية في تلك الفترة.
نيلوفوبيا تحكي قصة حياة أحد الشباب والمؤثرات الاجتماعية التي شكلت شخصيته وحادث غرق صديق الطفولة الذي أوجد في نفسه رهاب النيل وظل ملازماً له طوال حياته كما تقدم وصفاً واقعياً لحياة الطفولة في تلك المنطقة وجوانب من الحياة الطلابية والمدرسية والحياة السياسية والتاريخية للمنطقة وتربطها بحاضر وحياة سكانها.
كما تضمنت الرواية وصف الرحلة بالقطار من الخرطوم إلى مصر وجوانب الحياة الاجتماعية في منطقة شمال السودان وارتباط تلك القرى والمدن بالسكة الحديد والمسافرين كما وصفت بعض الأماكن التاريخية والأثرية في القاهرة وجنوب مصر ووصفت في مشاهد مروعة حادث غرق الباخرة وما تلاه من أحداث. الرواية مليئة بالجوانب الإنسانية في لغة شاعرة وأحداث متتابعة تشد القاريء.
حرب المياه على ضفاف النيل في موقع ويكيبيديا
صدور كتاب تاريخ وأصول العرب بالسودان
صدر عن دار المصورات للنشر كتاب تاريخ وأصول العرب بالسودان لمؤلفه الفحل الفكي الطاهر بتحقيق د. عمر فضل الله. وقد قصدنا من محاولة تحقيق هذا الكتاب وإخراجه للناس التوثيق لأصول القبائل العربية في السودان، مثلما أراد مؤلفه الفحل رحمه الله. وينبغي ألا يفهم من هذا إحياء لنعرة عنصرية أو قبلية أو جهوية أو تفضيل عنصر على غيره فإن السودان مليء بالقبائل غير العربية وهي قبائل ذات فضل كبير ونسب عريق ومقام رفيع وقد كتب عنها المؤرخون وأفردوا لها المصنفات ولا مجال للمفاضلة بين قبيـلة وأختها فقد ذهـب هذا العهـد الجاهلـي وانقضى. ومن اقتنى هذا المؤلف لقصد إحياء النعرات أو المفاخرة بالقبائل والآباء فإننا ننصـحه ألا يمضي قدماً في القراءة فهذا الكتاب ليس له ولن يجد ضالته فيه. وأما من اقتناه لصلة الأرحام ومعرفة الأنساب والتوثيق لأصول القبائل العربية في السودان فإننا نسأل الله أن يبارك له فيه ويزيده علماً ولا ينسانا ولا ينسـى مؤلف الكتاب عليه رحمة الله من دعوة صالحة له ولذريته ونسله. والله الموفق والمعين وهو يهدي السبيل.
الكتاب متوفر في دار المصورات للنشر والدار السودانية للكتب ومكتبة مروي ودار جامعة الخرطوم للنشر.
حوار حول رواية ترجمان الملك
سأل أحدهم في أحد المواقع:
– هل يعرف أي منكم مكاناً جيداً لتحميل الكتب بالمجان؟ أرغب في قراءة ترجمان الملك لعمر فضل الله.
رد عليه أحدهم:
– ربما تود أن تسأل نفسك: “كيف يكون شعوري إذا اقتحم أحدهم ممتلكاتي وقام بالحصول على شيء يخصني أنا وحدي؟ وكيف يكون شعوري لو قام شخص ما بإخبارهم أنه لا بأس بأخذ ممتلكاتي وأغراضي؟ لأنني: 1- أملك أموالاً أكثر مما يملكون أو 2. أن هذا لن يضرني بشيء أو 3. أن الآخرين يفعلون هذا أو 4. أن هذا الشيء موجود هناك والآخرون لا يملكون المال لشرائه لأنفسهم أو اقتنائه” لن يكون شعوراً جيداً.
وكما قلت فإن ضميرك هو الذي يجب أن يمنعك من ارتكاب الخطأ.
قال آخر:
– إنه عمل جميل ولكن ليس من السهل الحصول عليه، خاصة وأن الحصول عليه واقتناءه في نهاية الأمر هو شبه مستحيل.
قال ثالث:(ويبدو أنه هو مشرف الموقع): يا بوريتمور إن مكتبة الكتب التي تملكها هي الأفضل حيث يمكنك الحصول على أي كتاب مجاناً تقريباً مهما كان جديداً أو قديماً لا يهم. يمكنك العثور على جميع كتبهم في مستودع الكتب Playstore مباشرة. فقط اطبع تحميل الكتب العامة.
قال بوريتمور:
– أحب طريقتك في الحصول على الحلول السريعة لمشاكلك حية ومباشرة. أشكرك على مشاركة رابط الموقع. موقع مكتبة الكتب يبدو واعداً لتلبية حاجاتي.
قال أحدهم:
– هذه الرواية مسلية للغاية. أنصح الجميع باقتنائها.
=================================
قلت: الرواية متوفرة بالمكتبات وبثمن قليل ويسهل الحصول عليها من منافذ البيع. وجميع الحقوق محفوظة لدار نهضة مصر وطبيعي أنها غير متوفرة للتحميل المجاني في أي موقع من المواقع فهذا مخالف للقانون. أتمنى أن تقوم دار نهضة مصر بتوفير النسخة الإلكترونية منها للراغبين في اقتنائها بالثمن على جوجل بلاي أو كندل أو أي من برامج الكتب الإلكترونية.
حوار مع د. عمر فضل الله مؤلف كتاب :حرب المياه على ضفاف النيل
أجرته نور الهدى فؤاد لمجلة وادي النيل
لما ذا سميت الكتاب “حرب المياه”؟
يتفق معظم الخبراء ، والمحللون الاستراتيجيون على أن الحروب القادمة هي حروب تنشأ للسيطرة على مصادر المياه في العالم، ومنطقة وادي النيل ليست استثناء إن لم تكن هي محور الصراع القادم، خاصة إن كان شركاء المياه غير متفقين، أو إن كانت هناك جهات تسعى لتستغل أي خلافات بين هؤلاء الشركاء لتوجهها نحو مصالح بلادها. وتاريخ المنطقة يحكي أن صراعاً قديماً كان ينشأ بين مصر وإثيوبيا على حقوق مياه النيل، ولكن هذا الصراع كان يبقى دائماً صراعاً محلياً بين دول حوض النيل، و لم يتطور ليصل ما وصل إليه في هذه المرة 2013 وقد حدث هذا التطور نتيجة لدخول جهات أخرى في الصراع القديم.
وقد كان التلويح بالحرب يظهر في الأفق كلما اشتدت وتيرة الخلافات السياسية في المنطقة أو اختلفت توجهات النظم في كل من أثيوبيا ومصر والسودان، فعلى سبيل المثال حين أعلن الرئيس السادات في 16/12/1979م في حديث لمجلة أكتوبر عن نيته في توجيه قدر من مياه النيل إلى القدس (إسرائيل) مما أثار إثيوبيا بمذكرة قدمتها لمنظمة الوحدة الإفريقية في مايو 1980م وهددت بإجراء تغييرات في مجرى النهر بالقوة العسكرية إن اقتضى الأمر ذلك؛ مما حدا بوزير خارجية مصر آنذاك إلى أن يصرح في مجلس الشعب المصري: “إن مصر ستمضي إلى خوض الحرب من أجل تأمين استراتيجيتها”. وقد سبق وأن أعلن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أن “أي تقييد لتدفق مياه النيل من قبل إثيوبيا “سيضطر بلادنا للمواجهة من أجل الدفاع عن حقوقنا وحياتنا”. وكذلك خلفه الرئيس محمد مرسي الذي قال: “نحن لا نريد الحرب، ولكننا نبقي جميع الخيارات مفتوحة”. ومن إثيوبيا جاء الرد في ذلك الوقت من رئيس الوزراء ميليس زيناوي، الذي قال: “إذا أرادت مصر أن تمنع إثيوبيا من استخدام المياه، فعليها أن تحتل بلادنا – وهذا ما لم يستطع أي بلد في التاريخ فعله”. ثم تصريح خليفته هايلي مريم، الذي قال مؤخراً: “لا أحد ولا شيء” سيوقف بناء السد فالأمر إذن هو في منتهى الخطورة وهو أمر حرب وقد يؤدي بالفعل إلى حرب ان تصاعدت حدة الخلافات بين الشركاء ولهذا فقد حمل الكتاب عنوان”حرب المياه”.
ولماذا هذا الكتاب الان؟؟
يهدف الكتاب إلى توعية القاريء العربي والمحلل الاستراتيجي ومتخذ القرار لما يدور في الساحة هذه الأيام من تطورات خطيرة في ملف مياه النيل ودخول جهات خارجية تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري والسوداني. وذلك أن إسرائيل قد تدخلت بشكل سافر للضغط على مصر عبر تحريض السلطات الإثيوبية لمراجعة حصص توزيع المياه التي تقررت لبلدان حوض النيل والزعم بكونها ليست عادلة وأن إسرائيل كفيلة أن تقدم التقنية التي تملكها من ترويض مجرى النيل وتوجيهه وفقًا لمصالحها ومن أجل ذلك تدفقت المساعدات الإسرائيلية لإثيوبيا لإقامة السدود والمنشآت التي تمكنها من السيطرة والتحكم في مياه النهر. وقد أخذت وتيرة هذا التحريض تتصاعد منذ العام 2010 حتى بلغت قمتها في هذا العام 2013 وتفجرت الأزمة في شهر مايو الماضي حينما أعلنت إثيوبيا قيامها بعمل انفرادي في مياه النيل وذلك بتغيير مجرى النيل الأزرق لإنشاء سد النهضة . الإعلان الإثيوبي عن تحويل النهر لبناء سد النهضة أشعل فتيل حرب المياه بين دول حوض النيل. ولهذا فإن الكتاب قد جاء في وقته.
مم يتكون الكتاب؟؟
يقدم الكتاب بيانات أولية ومعلومات عامة عن نهر النيل وروافده ويتناول البعد السياسي للخلافات حول المياه ثم يلخص الأزمة الحالية بين دول حوض النيل وأبعادها فيتناول الاتفاقيات المبرمة والمبادرات والقوانين المتعلقة بتوزيع حصص المياه كما يتناول بالتفصيل الدور الصهيوني في أزمة المياه الحالية والوجود الاسرائيلي في كل من السودان وجنوب السودان وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وارتريا ورواندا وبوروندي ونشاط اسرائيل في هذه الدول لخنق مصر والسودان والسيطرة على مصادر ومنابع المياه والدعم الاسرائيلي لهذه الدول متناولا مخططات اسرائيل ووجودها في جميع هذه الدول. كما يتناول الكتاب بالتفصيل أزمة سد النهضة الإثيوبي والآثار التي قد تنجم عنه.ويتناول الكتاب اتفاقية الإطار التعاوني وآثارها السياسية والاستراتيجية كما يقدم مقترحات لمعالجة أزمة سد النهضة ويتضمن مقترحات لزيادة حصتى مصر والسودان من المياه عن طريق مشروع تحويل هدر مياه نهر الكونغو إلى حوض النيل كما يناقش مستقبل قناة جونقلي.
وكيف حصلت على معلوماته ؟؟؟
تم جمع مادة الكتاب من واقع المتابعة المستمرة للمؤلف واهتمامه وقيامه برصد البيانات والمعلومات والوثائق والدراسات الاستراتيجية وتحليلات الخبراء المتعلقة بمياه النيل ودول الحوض والوجود الاسرائيلي في دول حوض النيل بالإضافة إلى المراجع والكتب السابقة التي ألفت في هذا المجال والأخبار والمقالات والمقابلات التي أجريت مع خبراء المياه وبيانات الرصد الإعلامي والصحفي لأزمة السد الأخيرة.
مارأيك فى سد النهضة وهل هو مشروع تنموى فقط ام فكره على خطه السيطرة على المياة ؟؟
تعتبر السيطرة على مياه النيل وتحويلها لصالح اسرائيل هي حلم اسرائيل منذ إنشائها وقد سعت إسرائيل بكل ما أوتيت من وسائل لتحقيق ذلك. ومؤخراً كانت اسرائيل تنتظر قيام دولة جنوب السودان لتباشر شراء مياه النيل منها لتصل «إسرائيل» عن طريق مصر بعد دفع رسوم المرور المقررة لذلك، وقد لعب البنك الدولي دورًا مواليًا في تنفيذ هذا المخطط؛ حيث سعى إلى تسهيل المخطط لتوصيل المياه إلى «إسرائيل» وبصورة قانونية ولما حالت مصر دون تحقيق هذا الأمر لجأت إسرائيل إلى ورقة ضغط أخرى هي سد النهضة الإثيوبي لخنق مصر. فسد النهضة هو إحدى وسائل اسرائيل التي استمرت في تحريض اثيوبيا لتصعيد مواقفها ضد مصر حيث أن السد يقام على أحد أهم موارد نهر النيل، وقد جاء الإعلان عن السد بعد ساعات قليلة من قيام عدد من دول المنابع وهي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا بالتوقيع على اتفاقية جديدة للمياه بمدينة عنتيبي الأوغندية دون مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان).
وفي حين تتذرع إثيوبيا بأن السد هو عمل تنموي في المقام الأول لتوليد المزيد من الطاقة الكهرومائية باستخدام الموارد المائية لبحيرة تانا وأن السد سيساهم فى زراعة 119 ألف هكتار، وسيمد شبكة الطاقة الوطنية للدولة الإثيوبية بـ23% من الكهرباء، وأنه سيتم التوسع فى إنشاء فروع أخرى للسد كمراحل أخرى فى الإنشاء حتى يكون هو أكبر سد مائى فى صحراء أفريقيا فإن الحقائق تؤكد أن إثيوبيا ليس في استطاعتها زراعة 119 ألف هكتار، فقد كشفت الدراسات أن تلك المناطق هي مناطق صخرية وحجرية لا يمكن الاستثمار الزراعى بها، وأن المشروع سيقتصر على توليد المزيد من الكهرباء فقط وأن إثيوبيا ليست في حاجة لهذا القدر من الطاقة الكهربائية أصلاً. وهنا ينشأ التساؤل هل إثيوبيا في حاجة لإنشاء السد أم أن هناك مآرب أخرى وراء إنشائه؟
ما حجم التوغل الاسرائيلى فى دول حوض النيل ومدى التأثير و هدفه؟؟؟
اسرائيل موجودة وبكثافة في كل من اثيوبيا وارتريا وكينيا وجنوب السودان وأوغندا والتغلغل الإسرائيلي في دول حوض النيل تم منذ سنوات عديدة حيث تقوم إسرائيل بتقديم كافة المساعدات الاقتصادية والأمنية والعسكرية لدول المنبع مع الهيمنة على اقتصادها عن طريق الشركات ورأس المال الاسرائيلي والخبراء وتقديم الاستشارات. وقد أدى الوجود الاسرائيلي السياسي والدبلوماسي والأمني إلى قلب الموازين وترجيح كفتها في تلك الدول لصالح اسرائيل بالكامل في ظل غياب الدبلوماسية المصرية والسودانية. نستطيع أن نقول إن إسرائيل قد أكملت الطوق لخنق دول المصب مصر والسودان، قبل أن تشعل فتيل الحرب في منطقة حوض النيل بأكمله. وليس أدل على ذلك من أن قرارات هذه الدول فيما يتعلق بمياه النيل تخدم المصالح الإسرائيلية بالكامل دون أدنى اعتبار لمصالح دول المصب (مصر والسودان).
فى رأيك هل فعلا هناك خطه للسيطرة على النيل وما هى خطواتها واهدافها .؟؟؟؟
أطماع إسرائيل في أن يكون لها اليد الطولى في التأثير على حصة مياه النيل الواردة لمصر لا تخفى على أحد، والمساعدات الاسرائيلية لإثيوبيا لإقامة السدود وغيرها من المنشآت التي تمكنها من السيطرة والتحكم في مياه النهر لم تتوقف أبداً وقد تم توقيع الاتفاقات بين البلدين وتم تبادل الخبرات والتدريب والتقنية ودخلت إسرائيل بثقلها للاستثمار الاقتصادي والزراعي وإقامة السدود والمنشئات بالإضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى. فعلى سبيل المثال نجد أن نسبة مشاركة إسرائيل في إقامة السدود التي نفذتها إثيوبيا على أراضيها خلال الفترة من أول نوفمبر 1989م وحتى منتصف فبراير 1990 مثلاً يبلغ 37 سداً شاركت إسرائيل في خمسة وعشرين منها وبهذا يتضح مدى تورط إسرائيل بالمشاركة في مساعدة إثيوبيا في إنشاء السدود على النيل الأزرق وحده وخططها المسترة والظاهرة للسيطرة على منابع النيل. والمتتبع لتوقيت ظهور الخلافات وإبرازها يرى الأثر الإسرائيلي واضحاً؛ وليس أدل على ذلك مما يحدث بين مصر والسودان بين آن وآخر، وأيضًا ما حدث بين مصر وإثيوبيا. إسرائيل ظلت تثير موضوع التقسيم غير العادل لحصص مياه النيل واحتكار مصر لموارد النهر كما تزعم وتستغل الرؤية الإثيوبية في ذلك والتي ملخصها أن مصر والسودان قد اقتسمتا مياه النيل دون التشاور مع دول أعالي النيل أو مجرد إخطارها وأنها بذلك يحق لها المعاملة بالمثل بالتصرف في مياه النيل الأزرق دون الرجوع لمصر أو السودان. إسرائيل تسعى لإلغاء اتفاقيات المياه الحالية عن طريق دعم دول المنبع لتوقيع اتفاقيات جديدة مشتركة بينها تتجاهل دول المصب وتعيد تقسيم حصص المياه بتعديل اتفاقية الإطار التعاوني لصالح دول المنبع وقد نجحت إسرائيل حتى الآن في مساعيها حين قامت إثيوبيا وتنزانيا ويوغندا ورواندا في أبريل 2010 بالتوقيع على الاتفاقية ولحقت بهم كينيا ثم بوروندي في 2011 بعد انفصال دولة جنوب السودان. الوجود الاسرائيلي الكثيف في دول المنبع يساعد على تحقيق خطط اسرائيل في السيطرة على مصادر المياه عن طريق توجيه مصالح واستراتيجيات هذه الدول لما يصب في مصلحة اسرائيل.
يمكننا مما تقدم القول بأن الوجود الإسرائيلي فى هذه المنطقة يؤثر حتماً فى أمن المنطقة ككل، بالإضافة إلى أنه يشكل تهديدا للمصالح الاستراتيجية العربية أمنياً واقتصادياً. فالمحور “الإسرائيلي” الكيني- الإثيوبي هدفه ضرب المصالح الاستراتيجية للدول العربية، خاصة فى المجالين الأمني والمائي. ويتم التدليل على ذلك من خلال محاولة إسرائيل تهديد الأمن المائي المصري، وممارسة الضغط علي مصر، وذلك عبر اختراق ما يسمى بدول (تجمع الاندوجو) تارة، وإثارة الخلافات بين دول حوض النيل بشأن الاتفاقية الإطارية لحوض نهر النيل المعروفة باتفاقية عنتيبي تارة أخري. وما سد النهضة إلا أحد معاول الهدم الإسرائيلي لأمن المنطقة. كما تسعى إسرائيل لإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة بالتركيز على ما يعرف بمجموعة القادة الجدد الذين ترعاهم السياسة الأمريكية، وهم زعماء أوغندا، ورواندا، وإثيوبيا، وإريتريا، والكونغو الديمقراطية، وكينيا، وتنزانيا، وجنوب السودان.
هل يقدم الكتاب حلولا ام مجرد عرض للمشكلة ؟؟
الكتاب بعد أن عرض المشكلة وأبعادها قدم خطوطاً عريضة لمقترحات إيقاف الحرب وذلك أن الأزمة هي في واقع الأمر ذات أبعاد سياسية واستراتيجية وتنموية وفنية ولهذا فإن الحلول يجب أن تشمل جميع هذه الجوانب وفق استراتيجية شاملة تتضمن الحيلولة دون نجاح التدخلات الخارجية التي أحدثت جوهر الأزمة الحالية والتي تسعى لتغيير القواعد الحاكمة لتوزيع المياه على حساب مصر والسودان. وقد قدم الكتاب مقترحات لمعالجة أزمة السد الحالية مثلما قدم مقترحات للحل الدائم لأزمة المياه بشكل عام. كما ناقش أهمية التفاوض حول اتفاقية عنتيبي باللجوء للعمل الدبلوماسي والقانوني. وناقش الكتاب معالجة أزمة نقص المياه بمقترح زيادة حصتى السودان ومصر عن طريق تنفيذ مشروعات مثل مشروع تحويل هدر مياه نهر الكونغو إلى حوض النيل ومشروع قناة جونقلي.
هل يمكننا استعادة مكانتنا فى دول حوض النيل و محاربة التوغل الاسرائيلى؟؟
بالطبع نستطيع استعادة مكانتنا الطبيعية في دول حوض النيل ولكن للوصول إلى ذلك ينبغي بذل الجهود الكبيرة من خلال إعادة ترتيب البيت الداخلي وذلك بالسعي الحثيث لتحقيق التقارب بين شعبي وادي النيل مصر والسودان وإزالة الاحتقانات وتنسيق الجهود والسياسات والقرارات وعدم الانفراد بأي قرار يتعلق بمياه النيل وذلك من أجل المصير المشترك لكلا البلدين. بالإضافة إلى عدم اللجوء لسياسات ردود الأفعال مع انتهاج استراتيجية واضحة تجاه واقع مستقبل المياه في المنطقة. يجب أن نقوم بتكثيف العمل السياسي والدبلوماسي الرسمي والشعبي في جميع المحافل المحلية والإقليمية والدولية من أجل عزل اسرائيل عن دول حوض النيل ومنعها من تحقيق استراتيجياتها وأهدافها الرامية لتطويق دولتي مصر والسودان والسيطرة على موارد المياه ومنابع النيل وذلك أن إسرائيل قد عملت بجد وفق استراتيجية محكمة منذ قيامها في عام 1948 فأنشأت تحالفات محكمة مع جميع دول المنبع وسجلت اختراقات واضحة لتلك الدول في المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية وأمدتها بالخبراء وأنشأت المشاريع وتدخلت في ملفات المياه تدخلاً سافراً معلناً ونجحت في تحقيق جميع استراتيجياتها بلا استثناء وهي الآن في سبيل تحقيق الفصل الأخير من فصول السيطرة وذلك بخنق دولتي مصر والسودان وتهديدهما بالفناء عبر بناء سد النهضة الذي من شأنه أن يغرق الدولتين ويدمر حضارة وادي النيل للأبد. إن قلب الموازين على إسرائيل هو أمر ممكن ولكنه يتطلب مراجعة استراتيجية وسياسات مصر تجاه دول حوض النيل على وجه العموم وتجاه السودان على وجه الخصوص وتقليل مجالات النزاعات وحل الإشكالات والمسائل العالقة وتوجيه الجهود نحو العمل المشترك بصفة عامة وتبادل التنسيق حول مياه النيل بصفة خاصة. يجب أن ننتبه إلى إن أي فراغ تتركه مصر في هذا المجال سوف تملؤه إسرائيل على الفور وبلا أدنى شك.
هل تشترك دول حوض النيل فى المحاولة الغير مباشرة فى اضعاف مصر من خلال حرمانها من المياه؟؟؟
أعتقد أن هذا السؤال قد تمت الإجابة عليه عبر الإجابة على الأسئلة السابقة ولكنني ألخص ذلك هنا فأقول إن محاولة دول حوض النيل لإضعاف مصر من خلال حرمانها من المياه هي محاولة “مباشرة” ولا استطيع أن أطلق عليها عبارة “غير مباشرة” فأي إخلال بنصيب مصر من المياه هو بمثابة إعلان حرب عليها.
مقتطفات من رواية ترجمان الملك
مقتطفات من رواية أطياف الكون الآخر
حفل توقيع رواية أطياف الكون الآخر بمعرض الشارقة الدولي للكتاب 2014
[fusion_builder_container hundred_percent=”no” equal_height_columns=”no” hide_on_mobile=”small-visibility,medium-visibility,large-visibility” background_position=”center center” background_repeat=”no-repeat” fade=”no” background_parallax=”none” parallax_speed=”0.3″ video_aspect_ratio=”16:9″ video_loop=”yes” video_mute=”yes” border_style=”solid”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ layout=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” border_position=”all” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”small-visibility,medium-visibility,large-visibility” center_content=”no” last=”no” min_height=”” hover_type=”none” link=””][fusion_text]
[/fusion_text][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container][fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ layout=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none” last=”no” hover_type=”none” link=”” border_position=”all”][fusion_text][metaslider id=11478][/fusion_text][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]
حكاية عباس
رأيته هناك جالساً على كرسيه المكتوب عليه اسمه. وزملاؤه قد تحلقوا حوله مثلما اعتادوا كل يوم. لا يريدون أن تفوتهم الحكايات. عباس ممتع أكثر من الراديو والتلفاز والسينما مجتمعة.. حين يجلس ويحكي تتوقف الحياة والحركة في المستشفى ويتحلق الجميع حوله ويتركون كل شيء وكأنهم يشاهدون نهائيات مباريات كأس العالم لكرة القدم. وعباس يطرب لذلك، وهو لا يبذل أي عناء لتذكر الحكايات. من يستمع إليه يظن أنه يقوم بإعدادها ومراجعتها في غرفته قبل أن يأتي إلى الصالة. والواقع هو أنه لا يتكلفها ولا يفكر فيها فما إن يجلس حتى تنساب من فمه وكأنه يدير مُشَغِّل اسطوانات. لا يتردد ولا يتلجلج ولا يسكت. الممرضات عوقبن في البداية من وراء إهمال عملهن من أجل الاستماع إلى حكايات عباس الممتعة ولكن العقوبة توقفت لما بدأ الأطباء يدمنونه. الناس قالوا إن عباس مخالطه جني يأتيه بالقصص والحكايات. ولكن أي جني وعباس رجل كثير الصلاة ويقرأ القرآن. الممرضات كن يشاهدنه في غرفته وهو دائم الصلاة والتضرع. وهو جميل الصوت حين يتغنى بالقرآن. وصوته حزين وبه بحة محببة. صحيح أنه جاء إلى مستشفى الأمراض النفسية منذ عشرة أعوام وهو لا يزال هنا في نفس الغرفة والجناح. لم يأت معه أي من أقاربه أو أهله فالناس لا يعرفون له أي أقارب أو أهل.. هو يزعم أنه من السمحة وأهل السمحة لا يذكرونه. فقد جاء وحده وأصر أن يقابل دكتور طه ليعاينه ويفحصه فهو لا يثق في أي طبيب ماعدا دكتور طه. دكتور طه ظن في بداية التشخيص أن عباس مصاب بانفصام الشخصية، ثم عدل عن رأيه بعد أن استمع إليه كثيراً وقال إن عقله سليم وإنه صحيح البدن ولا يشكو من أي علة أو مرض. ونصحه بالمغادرة. ولكن عباس انخرط في بكاء بصوت عال مثل الأطفال ولم يسكت أبداً حتى بعد أن تجاهله دكتور طه الساعات الطوال. المستشفى كله توتر للبكاء والممرضات بكين لبكائه. دكتور طه أراد أن يحل المشكلة فسمح له بالبقاء يوماً واحداً على أن يغادر صباح اليوم التالي. ولكن عباس تمكن من التأثير على الجميع وأقنعهم بالبقاء. عباس يملك قدرة عجيبة على إدخال البهجة في قلوب الناس. المستشفى تبدل حاله والمرضى الذين كانوا مصابين بحالات الاكتئاب أصيبوا بنوع من البهجة الصاخبة والمرح العجيب. دكتور طه ما يزال يعتقد أن عباس سليم وبصحة جيدة وأنه محتال وجد أن المستشفى هو أفضل مكان يوفر له المأوى والمأكل والمشرب والأنس ولكن الممرضات لا يتفقن معه في هذا التشخيص. حين جاء إلى المستشفى كان في الثلاثين من عمره وهو الآن في الأربعين. عباس نحيف البدن بصورة مخيفة وكأنه يعاني من السل ولكن نحافته لم تثبط من معنوياته ولم تمنعه الحركة. حين يجلس على الكرسي تظنه شبحاً من الأشباح فمعظم الكرسي يبقى فارغاً ولكنه حين يبدأ الحديث يمتليء ذلك الكرسي حيوية وحركة وتدب فيه الحياة. في رأسه بقايا شعيرات نمت هنا وهناك متناثرة دون ترتيب وكأنها تبحث عن شيء ضائع. وواضح أنها لم تعرف المشط ولا الحلاق منذ فترة طويلة. وحين ينطلق عباس في الحديث ينسى نفسه فيهرشها أحياناً بأظافره التي فقدت الأمل في القص والتشذيب واختبأت تحتها الأوساخ. بعض الممرضين أو الممرضات يتبرعون أحياناً بتمشيطها أو حلقها تماماً. عباس لا يحب أن يلمس أحد شعره ولكنه يستسلم تحت إلحاح الممرضات أو الممرضين. عباس يشبه معظم أهل البلد ولكنه أشجع منهم. كثيرون مصابون بمثل مرض عباس. مشكلات هذه البلد تسبب الأزمات النفسية وقليل منهم من ينتبه إلى أنه مريض. الأمراض النفسية أصبحت شيئاً مثل الزكام. الكل يصاب به. هذا البلد يملك قدرة هائلة على إصابتك بالإحباط والانفصام. الشباب أبناء العشرين أصبحوا يسيرون في الطرقات وظهورهم مقوسة مثل ابن التسعين. العشرون في هذا الزمان أصبحت مثل التسعين. الشعور بالضياع هو شيء تستيقظ من نومك وأنت تحس به. تتردد كثيراً قبل أن تدلي قدميك من السرير تبحث عن حذاء. وغالباً لا تجده لأن أحدهم سبقك فسطا عليه ليلاً. البلد تضيع كل يوم مثل هذا الحذاء. العسكر تعودوا السطو عليها ليلاً وحين يستيقظ الشعب يجد أن أقداماً أخرى لبست الحذاء. وقد لا يكون نفس المقاس ولكنهم لا يبالون.. المهم هو حذاء والسلام.
صحيفة الخليج: عمر فضل الله يوقع روايته أطياف الكون الآخر
وكالة أنباء الإمارات: إطلاق رواية أطياف الكون الآخر من دار الياسمين
صحيفة الاتحاد: دار الياسمين تطلق أطياف الكون الآخر
حفل إطلاق رواية أطياف الكون الآخر
[fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”][metaslider id=4877]
أبوظبي في 15 يوليو / وام / نظمت دار الياسمين للنشر والتوزيع اليوم بمقر المعهد الدولي للدبلوماسية الثقافية في أبوظبي حفل إطلاق رواية ” أطياف الكون الآخر ” للروائي السوداني الدكتور عمر فضل الله بحضور الدكتورة مريم الشناصي مؤسسة ومديرة الدار والشاعر الإماراتي كريم معتوق وعدد من المهتمين.
وأوضحت الدكتورة مريم الشناصي في تصريح لـ “وكالة أنباء الامارات” أن معظم كتاب دار الياسمين للنشر والتوزيع من حملة الدكتوراة والمثقفين والحاصلين على جوائز عالمية .. مشيرة إلى أن الدار تختص بجميع الأنشطة سواء الشعر أو السياسة والعلوم والتغذية وغيرها ما عدا أدب الأطفال. ولفتت الشناصي إلى أن دار الياسمين للنشر والتوزيع تهدف في المقام الأول إلى تقديم الكاتب ومنتجه إلى الجمهور ودعمه وهي تحتضن جميع الكتاب ومن جميع الجنسيات. وأشارت إلى أن رواية ” أطياف الكون الآخر ” التي تضم 300 صفحة من الحجم الوسط تعد إضافة جديدة الى اصدارات دار الياسمين للنشر والتوزيع وهي رواية تمزج بين أدب الخيال ” الفانتازيا ” وأدب الواقع الذي يأخذ القاريء في رحلة جميلة بين عالمين هما عالم الأساطير التي طالما سمع بها على مدار التاريخ وعالم الواقع المعاش الذي ينقل القارىء الى أحلام الكون القديم وواقع العصر الحديث من خلال السرد الممتع والخيال الخصب للروائي. ونوهت الشناصي إلى أن الروائي السوداني عمر فضل الله نجح من خلال روايته ” أطياف الكون الآخر” في مزج الخيال بالحقائق العلمية بطريقة تضفي الواقعية على الرواية وانتهج نهجا جديدا في كتابة الرواية العربية حيث جمع بين الحقيقة والخيال في قالب مشوق ولغة شاعرة وأسلوب بديع. من جانبه أشار الروائي عمر فضل الله إلى أن رواية ” أطياف الكون الآخر” تصطحب القارىء في رحلة زمانية طويلة تمتد منذ بدء الحياة على كوكب الأرض من خلال قصة أملاها أحد الأطياف يحكي فيها قصة حياته ويتنقل بنا ما بين العراق والشام ومصر والسودان وبلاد الخليج العربي في ذلك الزمان القديم كما يقص سيرته وعلاقته بالبشر متناولا الجوانب النفسية والعاطفية التي يتميز بها الإنسان عن الأطياف. ولفت إلى أن الرواية تعقد المقارنات بأسلوب جميل بين نمط الحياة في العصور القديمة مقارنا بمخترعات العصر الحديث والتقدم الحضاري والتقني حيث يتخذ دبي رمزا للحضارة الحديثة ويقارن بينها وبين وادي عبقر. جدير بالذكر أن الروائي السوداني الدكتور عمر فضل الله له اسهامات عديدة ومتنوعة في مجالات الأدب والفكر وتعد روايته ” أطياف الكون الآخر” الثانية بعد ” ترجمان الملك”.
[/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]
حفل إطلاق رواية أطياف الكون الآخر
من أطياف الكون الآخر: في القمقم
وكنت وأنا في ذلك القمقم الزجاجي أرى ما حولي ولا أستطيع الحركة. رأيت قماقم كثيرة من حولي وأطيافاً محبوسين. ورأيت الشعب المرجانية والأسماك الملونة تسبح في حرية وهي تحاول الاقتراب من تلك القماقم ولكنها لا تقدر أن تلمسها فقد كانت محروسة بتعاويذ أولئك الجنود. وكنت أدرك أنه لا فكاك من هذا القمقم إلا بإحدى طرق ثلاث: أن يعفو عني النبي «سليمان» فيأمرهم بإخراجي، ولكن ذلك أمر مستبعد فقد فعلت أشياء تشيب لها الولدان وكنت أستحق القتل عن جدارة لقاء ما فعلت، أو أن تنقضي الفترة التي قدر فيها عقابي ولم أكن أعلم كم هي تلك الفترة، فقد تكون سنة واحدة أو عشرة آلاف، أو أن يموت النبي «سليمان» فيبطل الختم الذي تم وضعه على فوهة ذلك القمقم. وبقيت أنظر وأنتظر وأتأمل أن يحدث أحد تلك الأمور. وانقضى اليوم الأول كئيباً وكأنه ألف عام، وكأن تلك الشمس قد تسمرت في أفق السماء تأبى أن تتحرك نحو المغيب، وكأنها وقفت لتراقبني وتراني في قاع البحر فتشمت بي وتهزأ مني. وبعد أن شارفت نفسي على الهلاك رضيت تلك الشمس أن تتوارى وراء الأفق بعد أن شفت غليلها مني فغاب ضوؤها وحل الليل، وغاب معها أملي في أن يعفو عني النبي «سليمان» في تلك الليلة. وقبل أن أدرك مجيء الظلام أشرقت الشمس مرة أخرى في اليوم التالي وعادت بإطلالتها الساخرة وبقيت في كبد السماء، ثم غابت ثم أشرقت ثم غابت. وتكرر المشهد حتى أصبح رتيباً مثل انهيار المضارب من أيدي الموقعين فوق الطبول النحاسية. ما إن يرتفع مضرب حتى يقع الآخر ويظل النحاس يرزم بالأصوات المتكررة الرتيبة التي لا تنقطع ولا تتوقف ليل نهار. واستسلمت لهذه الحال وتوقفت عن المقاومة في انتظار ما تأتي به الأيام. ومع مرور الزمن غاب ذلك الترقب والأمل في نفسي، وخبا ذلك الغضب في قلبي، وانحسرت تيارات العداء، وحل محلها لوم وتأنيب ضمير ومراجعة نفس وتفكير طويل فيما فعلته ثم تأمل ونظر فيما حولي. البحر يعينك على هذا فهو هناك مهما مرت الأزمان وتعاقبت الدهور. الماء من حولك ومن فوقك ومن أسفل منك، والأسماك تذهب وتجيء، وقد يذهب البعض منها ثم لا يجيء أبداً بل يجيء غيرها. القمقم الذي سجنت بداخله شهد أحداثاً كثيرة حوله. فقد سكن تحته الأخطبوط وحامت حوله وفوقه الأسماك والقروش، واتخذته كثير من مخلوقات البحر مأوى لها تربض تحته، وحملته تيارات الماء في أحيان أخرى فلعبت به كثيراً وانتقل معها جيئة وذهاباً. وكانت الرمال تغمره وتغطيه فلا أرى شيئاً تحت ذلك الركام ثم لا تلبث المياه أن تنحت تلك الرمال فيخرج القمقم وأتمكن من الرؤية مجدداً.
وشهدت حطام السفن الغارقة وجيف الموتى الذين ألقى بهم قتلتهم في المياه، وتسابق الأسماك لتفتك بتلك الأجساد الميتة قبل أن تتركها عظاماً ورأيت جيف الحيوانات الغارقة واجتماع جيوش الأسماك حولها تنهش من تلك الولائم السهلة. ثم بمضي الزمان وتتالي الأيام وتوالي العقود والعهود ساد المكان سكون أبدي وساد قلبي سلام داخلي واستسلام كامل ولامبالاة بما يحدث من حولي، وشهدت أجيالاً متعاقبة من الأسماك وحيوانات البحر، تولد وتموت وتجيء أجيال بعدها ثم ما تلبث تلك الأجيال أن تنقرض وتستمر دورات الحياة.. لم أتمكن من حساب الأيام لأن وسيلة الحساب عندي كانت طلوع الشمس وغروبها، وحين غاص ذلك القمقم عميقاً وطمرته نباتات البحر ورمالها غاب ضوء الشمس وما عدت أميز مجيء الليل ولا طلوع النهار، وتساوت عندي الساعات والأيام والشهور والسنين حين تساوى الليل والنهار. وكنت أقدر الزمان بساعتي الداخلية بين جوانحي تقديراً.. الحاسة الوحيدة التي توهمت أنها بقيت عندي هي حاسة السمع، رغم أنني ماكنت أقدر أن أسمع شيئاً خارج جدران القمقم. ولكن حين تتعطل جميع حواسك تصبح أنت والأموات سواء. كنت أتوهم أنني أسمع همهمات الأمواج وهي تلثم جدران القمقم الخارجية، وحركة الأسماك التي تلامسه، ودبيب الكائنات الدقيقة على الرمل وحركة حبيبات الرمل تحت تلك الأقدام الصغيرة في القاع هي سلوتي الوحيدة وعزائي لأتشبث بالحياة. كنت أعد حبات الرمل فأحسب كم حبة رمل تحركت اليوم أو أتوهم ذلك، وكم من الكائنات الدقيقة تسلق جدران ذلك القمقم من الخارج. وبقيت الأحلام هي متعتي الوحيدة في ظلمات البحر وتحت الرمل. وصنعت لنفسي عوالم كثيرة من الوهم الجامح والخيالات العجيبة والأحلام الغريبة، وكنت أنتقل لأعيش فيها كيفما يحلو لي، وصنعت لنفسي أصدقاء من الوهم والخيال فكنت ألعب معهم أحياناً وأتشاجر معهم كثيراً وأتنقل معهم بين الأزمنة والأماكن. أصنع القصور الوهمية ثم أغضب لأشن عليها الحروب وأهدمها. وأحياناً أتمثل نفسي أميراً ساحراً وأحياناً ملكاً جباراً، أو أتحول لأصير فتاة جميلة أو ساحرة عجوزاً مشئومة، أو أتخيل نفسي قندساً يسبح في الماء أو عصفوراً يطير حراً في الهواء ويحلق في أفق الفضاء.
حرب المياه على ضفاف النيل في الصحف والوكالات
[fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”][metaslider id=14008][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]
د. عادل عبد العزيز: رواية ترجمان الملك لوحة فنية رائعة الجمال
رواية ترجمان الملك لوحة فنية رائعة الجمال
[fusion_builder_container hundred_percent=”yes” overflow=”visible”][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”no” center_content=”no” min_height=”none”]
ترجمان الملك رواية رائعة الجمال، عندما تبدأ من القراءة لا تستطيع أن تتوقف الى أن تصل الى نهاية الرواية فهي من النوع الذي يمكن أن يطلق عليه السهل الممتنع فهي رواية سلسة محكمة الحبكه وهي تجمع بين الحقائق التاريخية والخيال في قالب فني متألق يأخذك الى منطقة في أعماق التاريخ القديم الى العام ستمائة الميلادي تتجاوز بك حدود الزمان والمكان لتحكي لنا تاريخ منطقة الحبشة القديمة في وسط القارة القديمة أفريقيا في مملكة علَوًه المسيحية لتحكي لنا تاريخ هذه المنطقة والأحداث العاصفة بين الملك العادل النجاشي وكهنة الكنيسة كما تحكي لنا قصة هجرة المسلمين الأوائل القادمين من مكة والفارين بدينهم من عذاب أهل مكة الذين وقفوا بعنف ضد الدين الجديد الذي أراد أن يخرجهم من الظلمات الى النور ومن الجاهلية الى عدالة السماء تحكي لنا هذه الرواية قصة الهجرة الأولى من عذاب قريش في مكة للاحتماء بمظلة الملك العادل النجاشي في مملكة علوه المسيحية وتحكي لنا في أسلوب جميل سهل قصة إيمانه بالرسالة المحمدية. رسالة الإسلام والتي يشد بها سيدنا عيسى عليه السلام في كتب المسيحية القديمة .. أسمع ماذا كان يقول هذا الملك العادل بعد أن استمع من أحد المهاجرين لجزء من سورة مريم وما هو موقف الرسالة الجديدة رسالة الاسلام من سيدنا عيسى عليه السلام :” أن هذا والذي جاء به النبي عيسى ليخرج من مشكاه واحدة”ثم خاطب قساوسة الكنيسة قائلاً:” يا معشر القسيسين والرهبان هذه حقيقة المسيح لا تريد ولها تنقص والله لا يزيدون على الذي نقول في المسيح ولو كان مثل هذا العود الصغير”.
ترجمان الملك والعلاقات الانسانية:
تتخلل الرواية الكثير من العلاقات الانسانية التي تكشف حياة البشر في تلك الحقبة التاريخية الضارية في أعماق التاريخ بسرد قصصي جذاب أدبي ويحضرني في هذا المقام تعريف الأدب فقد قيل قديماً أن “الأدب هو كل كلام عبرً عن معنى من معاني الحياة وجلها صورة من صورها بأسلوب جميل جذاب “.وهذه الرواية تمتاز بأسلوب أدبي جميل وجذاب ولعل أفضل شيء في دراسة التاريخ ولكي يرسخ التاريخ في الذهن أن يكون دراسته من طريق السرد القصصي الذي يجعلك تتابع الأحداث التاريخية بشغف ولهفة لأنها مربوطة بالحبكة القصصية الروائية السردية الجميلة .
تتعرض الرواية لبعض الممارسات الانسانية السالبة في تلك العصور وتسرد صوراً لممارسات تجارة الرق من خلال مذكرات الملك العادل النجاشي والذي لم ينجو نفسه من هذه الممارسة والذي بيع عبداً فعاد من الأسر ملكاً متوجاً والتحية له فقد وقف ضد هذه الممارسات والغى تجارة الرقيق وحاكم كل الذين كانوا يمارسونها من التجار والوزراء والكبراء في ذلك الزمان.
ترجمان الملك رواية جميلة رائعة تجمع بين الخيال والتاريخ القديم ومعظم الأحداث التاريخية التي تحدثت عنها تعتبر تاريخاً صحيحاً ويمكن أن تعدل ليصبح فيلماً تاريخياً يمكن عن تلك الفترة التاريخية لتلك المنطقة الضارية في جذور التاريخ والتي لا يعلم عنها لا الكبار ولا الصغار فهي بحق تستحق القراءة وهي تماثل رواية دافنشي كود في الطريقة ولو وجدت مخرجاً جيداً لصنع منها فيلماً عظيماً.
وقد تم ترشيح الرواية لجائزة الرواية العربية وأحسب انها سوف تنال هذه الجائزة بإذن الله.التحية للأستاذ عمر فضل الله لهذا العمل الفني الابداعي المتكامل ونرجو منه مواصلة العطاء
ولكم التحية قرائي الاعزاء .
د. عادل عبد العزيز محمد حامد
Skyseven51@yahoo.com
المصدر: صحيفة سودانايل http://www.sudanile.com/index.php?option=com_content&view=article&id=55855:2013-07-05-19-56-28&catid=34:2008-05-19-17-14-27&Itemid=55[/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]