رواية الدكتور عمر فضل الله (رؤيا عائشة)


رواية الدكتور عمر فضل الله (رؤيا عائشة)

قراءة اجتماعية وتاريخية جديدة في حياة الإمام المهدي والمهدية

الدكتور عز الدين ميرغني

لأن دور المؤرخ في السنوات الأخيرة، أصابه العديد من التساؤلات، فقد أصبح دور الرواية كبيراً، في قراءة التاريخ بإمكانيات الرواية العديدة والمفتوحة، والتي تستمد مرجعيتها من عدة مصادر أهمها العلوم الاجتماعية، وعلم الفلسفة، ثم ثقافة الروائي ومقدرته التخيلية داخل نصه الروائي. ولذا أصبح دوره يفوق دور المؤرخ التقليدي، الذي لا ينفتح على تلك التجارب والمرجعيات.فمع التفتح الحاصل في العلوم الانسانية والاجتماعية ظهرت كتابات جديدة متعددة وخصبة أهمها سير الحياة وسير الناس العاديين وسير فكرية استطاعت أن تفرض نفسها كحقل جديد يتصالح فيه التاريخ مع الرواية لإحياء الذاكرة التاريخية. ورواية “رؤيا عائشة” ما يحمد لها أنها قد كتبت التاريخ الفردي الرائع للإمام المهدي والذي أهمل كثيراً وضاع بين أقلام المؤرخ الأجنبي الذي لا يخلو من الغرض وتلاميذه الذين ساروا على منهجه دون عناء البحث والتقصي. وقد انتهج الروائي عمر فضل الله في هذه الرواية والتي يمكن أن نطلق عليها “رواية معرفة” انتهج ما يسمى علمياً (رهانات كتابة البيوغرافيا أو السيرة الغيرية التاريخية في الرواية الحديثة). وفي فرنسا في السنوات الماضية القريبة، وفي الكتابات التاريخية المعاصرة، هناك عودة للموضة، عودة للسرد، عودة للتاريخ السياسي، ثم كتابة السيرة سرداً. ولقد أفلح الروائي عمر فضل الله، في هذه الرواية أيضاً بدخوله في الحياة الخاصة للإمام المهدي، عن طريق زوجته “عائشة”، والتي هي الراوي الحقيقي لسيرة هذا الإمام الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه. لكى يثبت للتاريخ أيضاً بأنه شخصية كانت مؤهلة للدور الكبير الذي قامت به فكرياً وسياسياً. والرواية غاصت بذكاء وعمق حتى في الحياة اليومية للإمام المهدي. وبهذا يؤكد الجهد المعرفي والبحثي الكبير الذي قام به الروائي عمر فضل الله، بحيث يجمع كل ذلك ويضعه في قالب الرواية وشكلها المتعارف عليه.في هذه الرواية والتي بذل فيها كل هذا الجهد، لكي تحيا فيها الحياة الاجتماعية وحتى الفكرية المنسية لهذا الإمام والتي غطى فيها صوت المعارك وصليل السيوف عنها. فقد اكتشفنا ما يسمى حديثاً (بالصرخة البيوغرافية). وهي التي تؤكد فردانية الإمام المهدي، أو كما يقول الناقد الفرنسي الشهير “دولوز” فقد اكتشفنا في هذه الرواية العمق الفكري والديني والإنساني، بل حتى الجانب السياسي المخفي في هذه الشخصية المتفردة.ولعل العلاقة بين التاريخ والرواية ليست غريبة، فكلاهما يرضعان من ثدي الخبر. وأصدق الأقوال في ذلك، (أن التاريخ حبكات روائية)، وهو أيضاً (قص وسرد لأحداث حقيقية)، وكما قال الناقد الفرنسي الشهير “جيرالد جينيه”، (التاريخ هو رواية على لسان المؤرخ / المؤلف، لا على لسان الشخصيات نفسها أثناء الفعل). ورواية “رؤيا عائشة” تمثل البعد الزمني مع البعد الاجتماعي لشخصية الإمام المهدي. وإذا كان كما يقول البعض إن الكتابة التاريخية لا تتحدث عن الماضي إلا لكي تقوم بدفنه، ولكن الفن الروائي الأصيل والذي يوظف التاريخ، فإنه يقوم بإحيائه. ورواية “رؤيا عائشة” قامت ببناء حقبة مهمة من تاريخنا الحديث بطريقة فيها الحقيقة مغلفة بالخيال الذي تتطلبه الرواية. Fiction وحضور المادة التاريخية موجود في هذه الرواية ولكنه مغلف بطريقة إبداعية تخيلية، خاصة الحوار مع المهدي وملك الموت، والذي أورده الكاتب بمقدرة فائقة لكي يدافع المهدي عن كل اتهام وجه له. وأنه قد قبل هذا اللقب، لكي يجمع الناس حوله ليدحر الظلم والفساد الذي يراه حوله. قال وهو يدافع عن نفسه أمام عبد الله التعايشي (وما علامة هذا؟ وما هو دليلك؟ فقال له دليلي هو امتناعك عن قبول البيعة مثل ما فعلت الآن وهروبك منها، فالمهدي لا يعلم أنه المهدي…) وفي الحوارية الرائعة بينه وبين الخليفة عبد الله التعايشي أنه كان زاهداً في لقب المهدي، وهمه الأول كان محاربة الظلم والفساد والاضطهاد.لقد كان المهدي يتداعى في لحظات الاحتضار، وهو يخاطب ملك الموت ويخاطبه ملك الموت وهذه تقنية عالية استخدمها القليل من الكتاب في العالم، تقنية التداعي وقت الاحتضار وهي أشبه بالاعتراف الصادق والتداعي الحر، فقد دافع المهدي في هذه الفقرات القليلة عن كل تاريخه القليل الذي عاشه بعد حصار الخرطوم وسقوطها.ورواية “رؤيا عائشة” بهده الحوارية قد خرجت من ما يسمى بالتاريخ الجامد، لحكاية الأحداث. وقد أتاح الكاتب لشخصية غير المهدي أو غير المقربين إليه، لتصفه وصفاً دقيقاً ورائعاً، وهي شخصية “ميمونة المجنونة”، وهو وصف برؤية نسائية صادقة بعيداً عن أهواء المؤرخين، وهذه الميمونة عندما هامت وتعلقت به فقد كان شخصية عادية تراه يأكل الطعام وتتبعه وهو يمشي في الأسواق، وكان هيامها به هياماً روحياً، وليس عشقاً جسدياً. (محمد أحمد من مثله؟ فأنتم لا تشبهونه … فأي بنت كانت تراه، ثم لا تشهق محبة له وتولهاً به؟ كان رجلاً فحلاً، وكان اسماً على مسمى، وكان قوي البنية، وبشرته سمراء، داكنة ومصقولة وبراقة، يلبس الجبة المرقعة بشرائط قطنية متعددة الألوان، ويضع فوق رأسه طاقية بيضاء ويلف حولها عمامة، ويلبس سروالاً فضفاضاً وصندلاً في قدميه، وأصابع يديه طويلة ومستقيمة، وأظافره نظيفة ومقصوصة ومرتبة دائماً، ولكن مهما قلت فلن أستطيع وصفه فهو عصي على الوصف.) وعندما تقربت منه قال لها: (أنا رجل فقير وأخشى الفتنة). ولعل وصف ميمونة وتولهها به، والتي ليست مجنونة، يضيف إلى شخصية المهدي بعداً روحياً عميقاً تقربه من درجة الصلاح والولاية.ركزت هذه الرواية والتي تناولت سيرة الإمام المهدي، بعيداً عن البطولة والانتصارات، وإنما كشفت عن الجانب الإنساني العظيم والذي بداخله وتغافلت عنه كتب التاريخ الصامتة والجامدة، ذلك الذي رفض أن يقتل غردون، وقتل بدون علمه، وسبيت النساء وقتل العلماء أيضاً بدون علمه مما يدل على أن كل ما ارتكب من أخطاء في فترة حياته القصيرة ما كان مسئولاً عنها، وكل ما تم بعد مماته المشكوك فيه كان سيتبرأ منه.لقد تميزت هذه الرواية بعدة مزايا من ناحية الشكل الفني، فقد وظف الكاتب فيها ما يسمى (التناوب) فقد كانت حياة المهدي تسرد عن طريق زوجته عائشة، والتي أخذ عنها جد الراوي الذي رواها له والده فاكتسبت من هنا مصداقيتها وحقيقتها التاريخية. ولا يستبعد أبداً أن يكون الراوي الحقيقي هو مؤلف الرواية نفسه، والذي سمع من أبيه الذي سمع من جده. والراوي الحقيقي هو عائشة، والتي تجعل المصداقية في قمتها لأنها أقرب الناس إليه. وأقرب الناس إلى حياته الخاصة البعيدة عن التفخيم والتضخيم وعن التزوير أيضاً. فشهادتها ليست سماعية hear saying مشكوك في أمرها، وإنما رواية صادقة خالية من الغرض، وعندما كانت تروي ذلك كان المهدي في رحاب الله. ولذا أدخلت ما روته عن المهدي في مدرسة روايات الحياة التي تتناول الحياة الخاصة لمن تروي حياته وسيرته. ومن هذه التقنيات التي وظفها الدكتور عمر فضل الله في رواية “رؤيا عائشة”، تَخَلَّصَ بذكاء واحتراف الكتابة الروائية، تَخَلَّصَ من عبء التاريخ الصامت الثقيل والموجود في الكتب التي يعرفها حتى طلاب المدارس الثانوية في حصص تاريخ السودان الحديث، وتَخَلَّصَ من قيود السيرة الغيرية التي تجعل كاتبه ناقلاً يعتمد على مصداقية الآخرين أو كذبهم. ولقد استطاع بمعرفته للتاريخ الشخصي للمهدي، وأخذ الخطوط العريضة لمفتاح شخصيته وخاصة الجانب الروحي فيها فقد كان متصوفاً بدون شطح وخروج، وكان سنياً بدون تطرف وغلو، وبهذا تكون شخصيته متوازنة وهي المفتاح الرئيسي لشخصيته التي جمعت لها القيادة حباً وطواعية. وهو الجانب المهم والذي غفل عنه المؤرخون جهلاً أو قصداً وعمداً وتنبهت له بجرأة ومعرفة رواية “رؤيا عائشة”.تقول عنه عائشة: (إلا محمد احمد فقد كان دائم الجذب، رغم أنه كان حافظاً للقرآن، دارساً لفقه مالك وموطأ مالك، وفقه الشافعي، وأبي حنيفة إلا أنه رفضها جميعاً وقرأ مؤلفات محي الدين ابن عربي والإمام الغزالي، وكان مطلعاً وقارئاً فلا أظنه كان يجهل صفات الإمام المنتظر. وأظنه كان مدركاً أيضاً في أول الأمر، أنه ليس المهدي، ولكنه قبل دعوى المهدوية لكونها توصله لغاية جمع الناس حوله، لحرب الأتراك، ثم يبدو أنه أشربها في نهاية الأمر، وصدق أنه هو المهدي المنتظر).إن رواية “رؤيا عائشة” تدخل بجدارة في روايات ما بعد الحداثة، فبجانب تلك التقنيات في الشكل التي توظف جيداً، فأضاف لها المؤلف تقنية التناص Intertextuality ليجعل من نصه الروائي يتفاعل مع عدة نصوص أخرى. وفي هذه الرواية، يمكنكم تتبع التناص على شكل المحتوى والمضمون، فيستعين الروائي عمر فضل الله في صورة اقتباس (ميتا نصي) بالآيات القرآنية، وأقوال محي الدين بن عربي، وبعض الفلاسفة من المتصوفة الذين تناسب لغتهم اللغة السائدة في زمن الإمام المهدي. وفي هذه الرواية زالت الحواجز بين النصوص الأدبية Fiction والنصوص غير الأدبية Non Fiction وتلاشت الحدود بين الشعر والنثر، مولدة نسيجاً أدبياً يقبل التعددية والتنوع ليقدم وجبة دسمة يتمكن خلالها القاريء من إعادة النظر في المسلمات التي ملأوا بها أفكاره عن هذه الشخصية السودانية العظيمة والتي كانت مواكبة في أقوالها ما قامت به أفعالها.لعل هذه الرواية، قد كتبت الكثير من المسكوت عنه تاريخياً، بأسلوب هاديء وجاذب ومقنع للمنطق التاريخي للأحداث، وتعتبر رغم بعدها عن الكتابة التاريخية الفجة، بأنها وثيقة اجتماعية عن حياة المهدي الحقيقية، وزهده في السلطة والتسلط وسفك الدماء ورفضه منذ البداية فكرة المهدي المنتظر، فهو قد كان يعرف مبدئياً الحال والفساد الأخلاقي الذي وصلت إليه بلادنا في فترة التركية والكولونيالية البريطانية. ولعل عنوانها وعتبتها الأولى كانت أول عوامل الكشف والجذب لها بحيث أن الرؤيا تمثل الكشف الصادق والحقيقي وعندما يكون من امرأة فهو يؤكد مصداقيته أكثر من رؤيا رجل، قد يكون ضحية لأفكاره وأجندته المعلنة والخفية، وهذه المصداقية جعلت المرأة على مدار التاريخ تبتعد عن كتابة التاريخ، وتقترب أكثر وأكثر من عالم الحكاية والسرد.

شهادة الدكتورة عفاف عبد المعطي عن أعمال عمر فضل الله


فى المرة الوحيدة التى التقيت بها بالمفكر الكبير إدوارد سعيد فى منزل أستاذتي ومشرفتي في مرحلة الدكتوراة الدكتورة فريال جبوري غزول قبل رحيله فى 2003 وكنت أكتب عن كاتب مفضل لديه وكذلك تلميذه وهو الكاتب الأمريكى الأشهر بول أوستر. كنت طالبة صغيرة صامتة فى حضور الكبار، وكان سعيد دائماً ما يتحدث عن همّه الأكبر متمثلاً في العلاقة بين الشرق والغرب، بينما وجدتنى استأذن في سؤاله قائلة: لماذا لا تكتب نقداً ادبياً كثيراً على الرغم من تدريسك للآداب السردية المقارنة في جامعة كولومبيا. أجاب سعيد بهدوء وروية لأنني قلما أجد الكاتب حريف السرد. استفسر الحضور كيف يكون الكاتب حريف سرد! قال سعيد: حريف السرد هو الذى تعلو لغته فوق أحداث النص. هو الكاتب نادر كتابة الحوار في نصه الروائى. تذكرت تلك الواقعة وانا أقرأ للكاتب الكبير فخر السودان الحبيب: عمر فضل الله، الكبير قيمة وقامة ومن يقرأ له ويتعمق في عالمه الروائي في لغة شديدة البلاغة محسوبة الإمتاع كتبها كاتب بقلم مدرب وحفظ التاريخ وتماسه مع الواقع تضفيراً لنص يتجاوز العوالم التقليدية. من يقرأ له مدين بالكثير فأنا مدينة بمتعة القراءة لنص أنفاس صليحة (الجدة العظيمة التى يشهدها الحفيد على الواقع الذى صار أكثر إيلاماً) وكذلك نص رؤيا عائشة والتناص المبهر بالقرآن الكريم. نصان بطلهما بلا منافس اللغة الإبداعية العميقة لكاتب يتعب ليؤسس ثقافة جيل عبر نصه التاريخى الذي تجاوز المفهوم التأسيسي لجورج لوكاتش في كتابه الأشهر “الرواية التاريخية”. اقرأوا يا أصدقائى لعمر فضل الله تجدون متعة شائقة في نصوصه.الدكتورة عفاف عبد المعطي. دكتوراه الأدب المقارن – الجامعة الأمريكية بالقاهرة

رواية رؤيا عائشة

قصة نجاح الروائي والأديب السوداني الكبير الدكتور عمر فضل الله


قصة نجاح الروائي والأديب السوداني الكبير الدكتور عمر فضل الله

15 APR · USARABRADIO

  • 00:48:49

حلقة خاصة من برنامج “قصة نجاح” مع الأديب والروائي السوداني الكبير الدكتور عمر فضل الله
الأمريكي الإقامة، السوداني المنشأ، المصري الهوىة

تناول اللقاء قصة نجاح الدكتور فضل الله وتجربته الأدبية والحياتية ما بين النشأة في السودان والتنقل إلى مصر ثم الإقامة في أمريكا

في هذا الإطار تحدث أديبنا الكبير عن نشأته بقرية العيلفون بالسودان، وطفولته التي قضاها في حفظ القرآن الكريم، ثم شغفه منذ الصغر بعالم الشعر والأدب والروايات، وحفظه للمُعلّقات، وتعلقه بالقراءة في الأدب العربي والغربي

وعرض اللقاء مجموعة من أبرز مؤلفاته ورواياته، خاصة تلك التي فازت بجوائز عربية وعالمية

كما تناول اللقاء جانبًا مميزًا آخر في حياة الدكتور فضل الله، وكيفية جمعه بين الأدب وعمله كخبير في مجال تقنية ونظم المعلومات وأنظمة الحكومة الإلكترونية، وأهم مؤلفاته في هذا المجال

بثت الحلقة 14-4-2020
يمكنك الاستماع إلى راديو صوت العرب من أمريكا على wnzk 690 AM
للإستماع مباشرة من كل أنحاء العالم عبر الإنترنت لموقع راديو صوت العرب من أمريكا arabradio.us/live
قوموا بزيارة : http://www.facebook.com/USArabRadio
الاون لاين راديو : http://www.radio.net/s/usarabradio
الموقع الإلكترونى : arabradio.us
تويتر : twitter.com/USArabRadio
انستجرام : http://www.instagram.com/usarabradio
اليوتيوب : US Arab radio

خيميائية عربية قراءة لرواية أنفاس صُليحة لعمر فضل الله


خيميائية عربية: قراءة لرواية أنفاس صُليحة لعمر فضل الله
عُمرسُليمان

رواية دسمة، تتلخص في (صُليحة) الجدة المُتجاوزة المائة من عُمرها، والتي يحكي لها زوجها وولدها وحفيدها قصة حياتها منذ بلغت العاشرة من عُمرها؛ لأنها تحب أن تسمعها منهم، بوسيلة غرائبية عَبر حُضن تلتقي فيه الخواطر والرؤى، يحكي لها حفيدها ـ ومنه إلى ولده أو ولد ولد ولده ـ قصة انتقالها من المغرب من بلاد شنقيط إلى وسط أفريقيا والسودان عبر السلطنات الإسلامية، حيث تُسافر عبر الصحراء خلف جدها الشيخ (عبدالحميد اللقاني) الذي ذهب للحج، وهو مَن رباها بعد موت والديها بالوباء، وكل منهما عائلة الآخر، وكل شغفه وشاغله، في مشاعر وَلهة متبادلة بين الطرفين برغم بُعد المسافات على مر الرواية، تتيه فيها (صُليحة) على الرمال بلا مُرشد سوى حدسها وشغفها حتى تقع مُنهَكة، فتنقذها قبيلة الحسَّانية، تتعرف فيها على صديقة قديمة كانت أنقذتها من قبل، (لُلَّاحَسِينة)، تُداويها وتُؤنسها وتُعلمها وتساعدها على اللحاق بقافلة جدها بأن تُلبسها ملابس شقيقها الهالك، وترفقها بقافلة الملح التي تتخذ سبيل القوافل والتجارة والحج، لكن عاصفة تفرقهم، فتضل، يعثر عليها قاطع طريق، فيعرف من بعيرها (مطيع) مكانتها في الحسَّانية رفعة المكانة وقوة البأس وشجاعة رجالها، فيُساعدها على بلوغ وِجهتها، ليضعها على مدينة (تيمبكتو) ويُحذرها من البقاء في المدينة المترعة بتجار الرقيق، تجد مخطوطة جدها عند بائع مخطوطات، فتعرف أنه مر من هنا وباعها من أجل الجوع الشديد، يُساومها البائع على إعطاءها المخطوطة بالبقاء مع أمه أسبوعين فتوافق، وتلتقي بها وتخدمها، يتحابان، فتُصارحها بأنها ليست إلا مجرد أسيرة قاطع طريق وتاجر رقيق مريضة مُقعدة، ومن ثم تساعدها على الهرب إلى قوافل الحج على بُعد وموعد مُعينين مانحةً إياها مخطوطة جدها وعن طِيب خاطر مهر زوجها قلادة ذهبية ثمنًا للرحلة، تذهب فيها لتلتقي بسيدة فقيهة عالمة ذات حسب ونسب وشرف، (ميمونة)، التي تُطلعها على أسرار مخطوطة جدها العظيمة. تتصاحبان وتتدارسان وتتسامران حتى وصولهما إلى مدينة (سُوبَا)، هناك تتركز الأحداث في الأبعاد السياسية والمؤامرات السلطوية في حقبة تاريخية سنة 1500ميلادية(القرن 15)، تظهر تفاصيل شخصيات نَوه عنها الكاتب في بداية الرواية، ويبدو كما لو صنع تشويقًا في البدء ليصله في الأحداث التاريخية الأخيرة. (عبد الله القِرِين) قائد قبيلة القواسمة العربية الكُبرى، ومُوحِد قبائل المسلمين، الذي حاصر (سُوبَا) عاصمة مملكة (عَلَوَة) المسيحية لإعادة كرامة العرب. الأميرة (دُوَانَة) وسكنها مع ابنتها (أُونَتِّي) في قفر الصحراء قًرب مسكن الجان عند ساقية الشيطان عشر سنوات بلا مأوى ولا طعام ولا شراب كافيين أو صالحين، تغُربًا وتواريًا عن قتلة زوجها الأمير (أُونْدِي) قائد الجيوش ومستشار الملك وولي العهد بعده، قتله وصلبه البطريرك المُتسلِط (دِيرِين) كاهن الكنيسة الفاسد وعدد من الأمراء الطغاة؛ ليستولوا على الحُكم، ويقوموا بتطهير عرقي غاشم من المسلمين في (سُوبا). استغل (عبدالله القِرِين) شغفها للانتقام من قتلة زوجها، وقام بإقناعها لتتعاون معه عبر خطة جهنمية على إضعاف الحُكام، ليسهل عليه اقتحام المدينة ويضمها للمجد العربي، وبالفعل دخلت (دُوَانَة) وابنتها (سُوبا) وتقربت من الأمراء بخدعة رهيبة أفشت الوقيعة بينهم. صاحبت (صُليحة) (أُونَتِّي)، وأمنتها أمها، فأسرت إليها بقصتها، فيما كانت تعمل على خطتها التي أوقعت قتلة زوجها في شر أعمالهم وحاق بكل واحد منهم مصيره المُهلِك، ثم خرجتا آمنات ظافرات، ليتمكن (عبدالله القِرين) من المدينة ويدخل بجيشه الذي كان يُحاصرها من سنتين فيدمرها تدميرا، وانقطعت أخبار (صُليحة). ينتقل الكاتب لخبر جدها الذي ذاق العناء والمشقة الشديدتين في الصحراء بين قطاع الطرق والجوع والتشرد من أجل حج بيت الله الحرام، ثم عاد بعد سنة، ليجد أن قريته قد هلكت عن آخرها بفعل الوباء، يحزن ويندم على تفريطه في حفيدته، ولم يكن منه إلا أن قرر أن يفني حياته في البحث عنها والسَير على خطاها من أجل إيجادها، حتى استيأس وبلغت به المشقة مبلغها، ليلقى مفاجأة كبيرة انتهت بها الرواية نهاية سعيدة.

ـ تتمتع الرواية بأسلوب شيق ورشيق مخدومة بأوصاف شاعرية للأفكار والمشاعر والأماكن والأشخاص وعناصر الطبيعة، تجعل النفس تبتهج بالتشبيهات والاستعارات الرقراقة والأنسنة، في كثير من مواضع الرواية مترامية الأحداث والمشاهد متزاحمة الشخوص. كأنما تنساب في الجوف كماءٍ زلال مستمد من أبيار الصحراء أو قنينة المؤن في هودجٍ ظليل تحت نيران الشمس.

ـ حِسها الديني مرتفع، على الصعيدين الإسلامي والنصراني، بحيادية روائية بارعة، وهو ما راقني للغاية، إذ أن الكاتب أثبت موهبته السردية، ولم يخجل من تخييم الأجواء الدينية ـ الإسلامية بالأخص ـ على الرواية، كما يفعل بعض الكُتاب، ثم يصنفون هذه الأجواء بدينية ووعظ مباشر! مع أن أعظم الكُتاب العالميين يُظهرون هويتهم الدينية ولا يجدون غضاضة في وسم شخصياتهم بالدين!

ـ الرواية مغامرة مُمتعة لا تقل عن روايات المغامرات العالمية المُشوقة، لكنها تحدث في مضارب رمال الصحراء العربية، من ناحية بلاد المغرب العربي، تنزل لأسفل إلى مجاهل أفريقيا ووسطها حتى دارفور والنوبة. تُؤرخ للقبائل والقُرى والحقبة التاريخية التي هيمنت عليها.

ـ الرواية وإن كانت تُذكرني برواية المملوك الشارد لـجورجي زيدان، ورواية الكونت مونت كريستو لـ أليكسندر ديماس في نصفها الثاني، إنما هي أقرب لرواية الخيميائي في بعض غرائبيتها وإسهاب وصفها وتأملاتها بين الصحراء والغاية القصوى لبطلها، لكنها أكثر واقعية وأكثر قبولًا وأبلغ روحًا وأشغف حبًا وعاطفة، تؤكد على مظاهر كثيرة في عالم الصحراء، وتُدون تفاصيل البداوة في أبسط وأجلى صورها. خيميائية خاضت الصحراء لغاية وجدانية خالصة ولَم شمل رحم قريب من الروح والنفس. إنها خيمياء تليق بطبيعة العرب المُرهفة المُترعة بالعاطفة، التواقة للتعارف والأُنس والدِفء العائلي.

ـ كنا نظن أن الصحراء صامتة وخاوية وجرداء، لكن بهذه الرواية نرى أن الصحراء أكثر صخبًا من المُدن، تحتشد بحكايات لا أول لها ولا آخر، هي مسرح مفتوح وواسع لكُتاب المغامرات والخيال الجامح الذي يحتمل الأساطير والشِعر والقصص والفروسية وقطع الطريق والسفر وهروب الضحايا واللائذين، وعُلو الدُول وزوال ريحها.

ـ يُمكن تصنيف الرواية كأدب رحلات في صورة رواية، فكثير من أسفار الحج وغيرها يكون مُتخماً بالقصص والروايات والأحداث طويلة الزمن، تروى في رواية طويلة يُمكن إدراجها تحت جنس أدب الرحلات.. فهي تجمع بين روايات المغامرات وبين أدب الرحلات، فهما جنسان خضعا للرواية واختلطا بها في صورة رومانسية جمة.

ـ المكان في الرواية هو البطل والمهيمن على الأحداث، لا يتحرك الزمن إلا لمكان، والزمن هو أداة المكان للحلول فيه ووصفه والاستمتاع به والتنقل بين أرجاءه والتمازج بناسه مهما اختلفت جنسياتهم وعشائرهم وألسنتهم. المكان هو الغاية الحقيقية لذاكرة الإنسان، شهادة، توثيق وتأريخ وحياة. ذاكرة الإنسان مرتبطة بالضرورة بالمكان، ومكانة الصحراء في ذاكرة الإنسان مكانة أصيلة وتوثق قيمته ووجوده وشهادته وخياله وفكره وأصالته وعُمقه وتسلسل أجياله. المكان هنا هو المطلوب والغاية.. بلاد المغرب وبلاد النوبة ووسط أفريقيا، الانتقال بينها جسر لا يمكن قطعه، ما دامت فلول البشر متناثرة بين طرفيه وبقاعه. إثبات للصلة والتواصل والارتباط. تكشف مدى العُسر لبناء الجسور بين الأمكنة، تحت لفح الحاجة والاحتياج، ليس فقط للمؤن الحيوي، بل للمؤن العاطفي والروحي. الصحراء ليست جرداء كما كنا نظن، بل هي موفورة بالحياة والحب والإنسانية والإيمان والطموح وأغذية البطون والأرواح. البشر يسري فيها فيُعمرها كسريان الماء في عروقها وشقوقها فيُحييها بالنبات والأحياء.

ـ رواية ذات حبكة جيدة، قالبها مُوفَق، بناءها مُتماسك، أسلوبها مُشوق، سياقها مسترسل وإن كان مكرراً في بعض الأحيان، مما يُربك المتلقي ويُشتته، لكنه لا يؤثر قط على متعته وإثارته فيها واجتياح كيانه بالحُب العظيم الذي غمر قلب (صُليحة) فخاضت أهوال الصحارِ، وتوغل من قلب (دُوَانَة) فخربت لأجله دولة.

. مما راقني للغاية هذا الحديث:
(الأمر متعلق بالمحبة يا ولدي؛ لأنك حين تُحب أحدًا حُبًا عظيمًا ويُبادلك ذلك الحب فإن روحيكما تلتقيان وتأتلفان وتتوحدان كواحدة، وتذهبان حيث يريد أحدكما أن يذهب، فيرى ما يراه الآخر. وأنا أحببتُ جدك حُبًا عظيمًا، وهو أحبني مثل ذلك، وتآلفت روحه وروحي فرجعنا للماضي معًا، وعشنا معًا، حتى تمكن من رؤية حياتي الماضية كلها. الأيام مطايا الأحداث يا ولدي والقلوب بوابات الزمن، فكل قلب له يومه، وكل يوم مدخله الخاص، فهو باب إلى الماضي يسوقك عبر درب غير درب اليوم الآخر، فترى من ناحية مختلفة لا ترى مثلها في اليوم الآخر).

لمَن أحب قراءة الرواية، مراسلتي،،،

#أميرالخيال
#عُمرسُليمان

قناة النيل الثقافية برنامج كلمات رواية الغيبوبة مع الدكتور عبد الرحيم درويش والمذيعة فاطمة السردي


شرق النيل تتألق وتتآنق بجائزة كتارا للرواية العربية 


شرق النيل تتألق وتتآنق بجائزة كتارا للرواية العربية
.
د/ عمر فضل الله يفوز بجائزتين قيمتين لهذا العام 2018

جائزة الطيب صالح بروايته (تشريقة المغربي)في فبراير
واخيرا جائزة كتارا للرواية العربية في اكتوبر الجاري بروايته (أنفاس صليحة)

بقلم : سلمي أحمد محمد الطيب

هو كاتب وأديب وشاعر فذ ، إبن شرق النيل و التي إتسمت بإكسير الإبداع المتجدد و رفدت الدنيا بالمبدعين والعلماء في شتي ضروب المعرفة.ولد بالعيلفون
من أسرة دينية متصوفة مشهود لها بالورع والنبوغ ..( الشقيق الأصغر للهرم الإعلامي الصحفي أسحق أحمد فضل الله ).
منذ صغره عرف بالذكاء والحذق وأستحق بجدارة أن يدخل قائمة شرف أوائل الشهادة السودانية في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي .
درس بكلية الإقتصاد جامعة الخرطوم
ثم السعودية وحط رحاله بالولايات المتحدة الامريكية لينال فيها درجتي الماجستير والدكتوراه في نظم المعلومات من جامعة كاليفورنيا في منتصف الثمانينات.
وهو خبير تقني وباحث مرموق ويعمل الآن مديرآ لمشاريع تقنية المعلومات وأنظمة الحكومة الالكترونية والذكية بدولة الإمارات العربية المتحدة .
أسهم في تأسيس عدد كبير من
المراكز البحثية في مجال تقنية ونظم المعلومات والحوسبة.
وهو فطحل من فطاحلة اللغة العربية ومؤرخ متبحر في مجاهيل التدوين وعلم التاريخ والأنساب .
كما أنه صاحب مشروع روائي ثقافي علمي ومعرفي يريد تقديمه للعالم ، إذ أنه يعمل علي إعادة كتابة التاريخ السوداني بالتمثيل السردي للتاريخ ، وهو روائي مميز صاحب عقل جرئ يملك الخيال وناصية اللغة في سرد مترابط وبلغة سردية محسوسة بتقنية عالية فهو راوي عليم متمكن من لغته بانسياب وسلاسة .كما
يعتبر أحد أركان الحوار الإسلامي المسيحي في العالم العربي والإسلامي
وله إسهامات متنوعة في عدد من مجالات المعرفة والأدب والفكر. .

كما انه رفد المكتبة العربية والسودانية بعددٍ كبير من الكتب تمت طباعتها
منها:
حرب المياه علي ضفاف النيل-حلم إسرائيلي يتحقق وتاريخ وأصول العرب بالسودان للفحل الفكي الطاهر-تحقيق ودراسة ،والكثير من الروايات المعرفية المطبوعة منها: ترجمان الملك ،أطياف الكون الآخر، نيلوفوبيا،وانفاس صُليحة وتشريفة المغربي، وله ديواني شعر مطبوعين:زمن الندي والنوار، وزمن النوي والنواح .
وله مقالات وبحوث منشورة في عدد من المجلات والدوريات
العلمية. و
شهدت
قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم إطلاق روايته ( انفاس صُليحة)
وقد ضجت قاعة الشارقة بزخم الإبداع لكاتبنا عمر و بالحضور النوعي المتميز لعدد كبير من القامات الثقافية .،وتمت
مناقشة وقراءات للرواية من
الدكتور محمد مهدي بشري
والاستاذ مصطفي الصاوي .

يذكر أن روايته الأخري ( أطياف الكون الآخر ) قد لاقت قبولآ لافتآ و نجاح منقطع النظير عند صدورها وتوزيعآ كبيرآ في الدول العربية التي إحتفت بها ،كما تم مؤخرآ ترجمتها لسبع لغات حية.
وقد فازت روايته ( تشريقة المغربي) بجائزة (الطيب صالح) للإبداع الكتابي في نسختها الأخيرة ،وقد إحتفت الاوساط الأدبية بهذا الفوز ايما احتفاء .
تشريقة المغربي اذهلت الكتاب والنقاد معآ.
قال عنها الروائي الجزائري الأشهر (واسيني الأعرج): (رواية (تشريفة المغربي )لابد أن يكون كاتبها مولوداً في المغرب وليس سودانياً لما تضمنته من فهم الثقافة المغاربية ومصطلحاتها)،
وقال عنها مؤلفها (انها أكدت علي نجاح مشروعي المعرفي الروائي المقدم للعالم واضحت لي جليآ أنني أسير علي الطريق الصحيح ).

اما (انفاس صُليحة ) التي كتبت التميز والصدارة للرواية السودانية في المحفل العربي الكبير ( كتارا) ،فهي
رواية تاريخية تعكس تفاصيل الايام الاخيرة لسقوط دولة علوة وخرابها،
وأسطورة سقوط سوبا ودسائس عجوبة هي محاولة لتأكيد هوية الوسط وانها اي (الهوية )ليست حكرآ علي قبيلة معينة بل خليط متجانس من حضارات قديمة وأن الجميع كان يعيش في ظل تسامح ديني متميز،كُتبت الرواية ببناء أدبي سردي متماسك غني بالمعلومات ،بلغة موغلة في التكثيف ،والوصفية التي إحتلت مساحة كبيرة نسبة لغناء الفكرة بالمعلومة.

د/عمر أحمد فضل الله مفخرة العيلفون وشرق النيل والسودان قاطبة ،عبقري الرواية المعرفية والشاعر المجيد،بحر العلوم والحجة الثقافية والعلمية ،
الروائي العالمي الذي يعتبر
إمتدادآ لعظماء الرواية في بلادي… متعه الله بالصحة والعافية

عمر فضل الله يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2018 برواية أنفاس صليحة عن فئة الروايات المنشورة