1- الرواية ممتعة ، والسرد سلس ، والتشويق كان تلقائي دون افتعال او استدعاء من الكاتب . والانتقال بين الشخصيات سار بشكل متسق لم نشعر فيه بانقطاع .
2- يتحكم الكاتب بمهاره كبيرة في ضبط الوضع الخاص للعدسات التي نراقب عالم القصة من خلالها .فيوجهنا الي مجلس الملك ، ويصف لنا عظمة هذا المجلس ، ثم يعرفنا بنفسه بطريقه لطيفه – جالسا يمين الملك ككاتب حججه.
فيبني علاقة حميميه سريعة ، ويزيد التعاطف الوجداني بين القارئ والشخصية الرئيسية .
3- يرفع مستوي التشويق في بداية الرواية بحكاية اعتقاله واصفا حالة خوفه ورعبه ثم يحكي قصة رحلته الي السلطان وتفاصيلها مع القائد (شاور)
الخطوط البنائية في الرواية
———————–
4- الخط الرئيسي في القصة هو حياة (عبدالسميع المغربي ) وهي شخصية من اختراع الكاتب ، ومن خلال قصة حياته يستعرض الكاتب مادته التاريخية .
– ومن هذا الخط تتفرع خطوط اخري كبيرة وصغيرة :
فيتولي عبد السميع وهو الشخصية المحورية تعريفنا بمجلس السلطان ونظم التعامل فيه ودرجات الناس قربا وبعدا من السلطان ، ويسأل شاور ليجيبه ، ويسأل ادريس ود محمد ليجيبه ، ويسأل الشيخ السمرقندي ليجيبه ، فتتجمع من هذه الاجابات المادة التاريخية التفصيلية .
– شخصية ( زوجته صليحه) : احتفظ لها بالعاطفة والحنان ، والموئل ، والملاذ ، والاحلام ، وليس لها كبير دور اللهم الا في مجلس النساء التي استمعت فيه لاخبار النساء وعادتهن في الولادة والتوليد . فدورها كقناة توصيل للمادة التاريخية كان محدودا .
– هناك خط ثانوي : هو خط ( شاور) وقدم بعض المادة التاريخية في اول القصة
– خ
شاور مع الطريفي مع زوجة السلطان ، ومحنة كتابة الحجج . وهو خط درامي ولم يكن قناة للتوصيل
– خط ثانوي: هو خط (الاميره بياكي وابنها ) ومحنة قتله . ومبدأ قتل السلطان الجديد لاخوته ذكر سابقا ، فلم يكن هدف هذه الحادثة الا معايشتنا لمعاناة عبدالسميع لموت امه وابيه وتصوير بشاعة هذا الحدث ومدي تأثره نفسيا به . ليجهزنا لاستقبال حياة الام والاب في نهاية القصة .
– خط ثانوي اخر: هو الحوار بين عبد السميع وداود روبيني اليهودي من اسئلة لداود يجيب عنها عبد السميع، (وروبين هذا بالفعل رحاله وله كتاب يعد احد مراجع هذه الفتره) .
5- اول ما يلفت انتباهنا اختيار الكاتب لرواي القصة والشخصية المحورية فيها ، وهو (عبدالسميع المغربي ) ، وهذا الاختيار يشير الي :
-ان الراوي غريب عن المجتمع الذي يقوم باستعراض موضوعه التاريخي لنا ، بل هو يصرح بذلك ولا يخفيه فهو ينظر اليه من الخارج (كسائح) ، وينقل ما سمعه او اطلع عليه، او حُكي له ، فاقتربت الرواية من ادب الرحلات ، كابن بطوطه مثلا حيث يحكي ما يشاهده كسائح .
6- الشخصيات الثانوية في القصة كلها سُخرت كقنوات لنقل التاريخ .حتي مجالس النساء حملت من المعلومات التي يريد الكاتب ان يعرفنا عليها ويبثها لنا .
ومن هنا فان الجرعة التاريخية المباشرة كانت احيانا اكثر من اللازم ، وتضاءل اشتراكهم في البنية القصصية.
7- علي الصعيد اللغوي :
” قالوا ان ان اطفال كثيرين ماتوا جراء ذلك بعد ما لمسوا جثث رصفائهم الموتي ” ص9
– كلمة (رصفائهم )، كانت فاقدة للدلالة ،وان لوحظ انها مستخدمه في الفضاء الادبي السوداني .
– لن تمل من النظر حولك عند الصباحات ..) ص 79
– كلمة (الصباحات ) ، قلقه معجميا ، فالجمع المعجمي (اصباح)
علي صعيد المادة التاريخية :
8- قصة المباهلة بين تلميذ الشيخ (ادريس ود محمد) ، والشيخ (علي الاجهوري) ، مضطربه للغاية ، ولا تتسق مع ما ورد في (طبقات ود ضيف الله) وهو اقدم المراجع في الموضوع ، والمذكور اقرب للروايات المتداولة شفهيا ، وبالتالي فهي لا تثبت تاريخيا بالشكل الذي ذكر في الرواية . فكانت تستحق المزيد من التدقيق ، وهي علي كل حال مقحمه علي النص فلم تضف لبنيته شيئا .
– ول(علي الاجهوري) ترجمه حافلة في (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر) (لابن محب الحموي) ، لم يذكر فيها هذه القصة ، فلتراجع
9 – يبدو ان الفترة التي حكم فيها الفونج كانت فترة انتشار الاسلام وتمكنه وهو ما يكاد يكون مغايرا لما نلمحه في وصف الكاتب للمجتمع في تلك الفتره (انظر كلامه في فصل (سناريات ) عن انتشار الزندقه ، وعن الفقرا وانهم في اكثرهم يعملون بالسحر ، ثم قلة الكتب والمخطوطات لدرجة الندرة ).
– حيث يقول الباحث (تاج السر عثمان ) ” تفاعلت تعاليم الإسلام مع الموروث المحلى ، وكانت الحصيلة الإسلام السوداني المتميز الذي اتسم بالتسامح وتنوع الطرق الصوفية والدينية ، ووحدة الفقه والتصوف ، وتعدد الذاهب ( المذهب المالكي والشافعي ) ، وظهور التنظيم الصوفي الاجتماعي كشكل أرقى واوسع من التنظيم القبلي ، واصبحت الطريقة الصوفية تضم أشخاصا من قبائل مختلفة مما اسهم في خلق رابطة أوسع من رابطة القبيلة وبالتالي شكل ذلك البذور الأولى للشعور القومي “.
– ويذكر الباحثون انتشار مؤلفات السيوطي والشعراني ايام الفونج انتشارا كبيرا .
10- ونأتي الي نهاية الرواية :
نهاية الرواية والتي احيا فيها الكاتب الابوين بعد موتهما المؤكد ، كان يمكن ان تكون نهاية مسطحه ومبتذله ، لكن الكاتب استطاع بمهاره فائقه ، ان يجهز لها من اول الرواية ، بالاسر المتجمعة في بيت واحد ، ثم رفع اسانا وتعاطفنا للذروة مع هذا اليتيم في فصل (الاميرة بياكي ) وهو الفصل قبل الاخير ، ثم الهانا قليلا بقصة الامير الذي رفض الهرب للعوده لامه ، واوهمنا ان قصة الامير هي اساس الموضوع وان قصة طفولته ويتمه قصة ثانوية ، والامر كان علي العكس من ذلك تماما .
، بحيث انه لما زف الينا خبر حياة الوالدين قَبِلها القارئ بل ارادها في اعماق نفسه ، اذ كان قد تم تجهيزه لها تماما ، فقد وجه الكاتب قارئه ، وتلاعب بمشاعره ، ووضعه حيث اراده تماما ، لقبول احياء الوالدين ، وهي براعة كبيرة من الكاتب .
رؤية عن رواية “تشريقة المغربي” للكاتب عمر فضل الله.. بقلم : هبة السيهت